العز بن عبدالسلام

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

العز بن عبد السلام الفقيه الذي برز في عصر الحروب الصليبية وعاصر الدول الاسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في عصرها الأخير ولعل أبرز نشاطه في ريادة الدعوة لمواجهة الغزو المغولي التتري و وقوفه إلى جانب الحكام الذين قادوا المقاومة والحرب الدفاعية ضد الغزاة - و وقوفه خاصة بجانب السلطان قطز ( المملوكي) الذي كان قائد قوات السلطان عز الدين أيبك ؛ ومن أغرب وأطرف مسائله ؛ إفتائه بملكية المماليك للشعب و امكانية بيعهم لصالح الشعب في الوقت الذي كان المماليك يحكمون ويسوسون الشعوب العربية كالمصريين.

فهرست

[تحرير] أصله ونسبه

أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذّب السُلمي مغربي الأصل، دمشقي المولد، مصري الوفاة، شافعي المذهب، أشعرى العقيدة ، ملقب بسلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء. اشتهر باسم العزّ بن عبد السلام. وُلد الإمام الشيخ العز بن عبد السلام في دمشق عام 578 هـ، وعاش في الشام، ثم انتقل إلى مصر حيث توفي سنة/ 660/هـ. وقد وصفه رحمة الله عليه(( رانه له في وجهه قسامة ، ولأساريره قسامة ، جليلاً مقبول الصورة ، وكان ذو شخصية قويه ، وكان في مظهره من الملبس وغبره متواضعاً، وكان لايتأنق ليزيف عن نفسه ولا ليكذب في الحشمة ولا يستألف الوقار استألافا ، ولم يكن يتقيد بلبس العمامه والتي كلنت عادة العلماء والفقهاء في عصره، وقد يلبس قبعة اللباد ( طاقية من الصوف الصوف يغلب عليها اللون الداكن او الابيض ) وكان يحضر المواكب الرسمية به.

[تحرير] مولده على رواية اخرى

يوجد في منطقة كفر الماء او كفرالما الاردنية ضريح للعز بن عبدالسلام حيث ترجح مصادر تاريخية ان يكون مولده في بلدة كفرالماء من اعمال لواء الكورة شمال الاردن.

[تحرير] في دمشق

حكم دمشق الملك الصالح إسماعيل من بني أيوب، فولّى العز بن عبد السلام خطابة الجامع الأموي، وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل بالتحالف مع الصليبيين، على قتال ابن أخيه الصالح أيوب حاكم مصر وانتزاعها من يده وأعطاهم الصالح إسماعيل حصن الصفد والثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والطعام وعندها غضب العز وصعد المنبر وخطب الناس خطبة عصماء وأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة وحُرمة الصلح معهم، ثم قطع الخطبة عن الصالح إسماعيل وكان ذلك بمثابة إعلان للعصيان العام وقال في أخر خطبته اللهم أبرم أمر رشد لهذه الأمة يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ثم نزل. علم الملك الصالح إسماعيل بخروج العز عن طاعته، فغضب عليه غضبًا شديدًا، وأمر بإبعاده عن الخطابة، وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج، واضطرب أمر الناس، أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك .


[تحرير] في مصر

انتقل العز بعدها إلى مصر، فوصلها سنة 639هـ فرحب به الملك الصالح نجم الدين فولاّه الخطابة والقضاء، وكان أول ما لاحظه بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك المملوكين للدولة الإسلامية بالبيع والشراء وقبض الأثمان، وهو ما يتعارض مع الشرع إذ أنهم في الأصل مملوكين لا يحق لهم البيع والشراء و الزواج من حرائر نساء مصر، فكان لا يمضي لهم بيعاً ولا شراء، حتى تكالبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه فتوى الشيخ العز، فذهب الي الشيخ يسأله أن يعدل من فتواه، "فطلب منه الشيخ ألا يتدخل في القضاء فليس هذا للسلطان، فإن شاء أن يتدخل فالشيخ يقيل نفسه"(عبد الرحمن الشرقاوي، أئمة الفقه التسعة، 359). فاجتمع أمراء الدولة من الأتراك و أرسلوا اليه، فقال الشيخ: "نعقد لكم مجلساً و ننادي عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلمين"(السيوطي، حسن المحاضرة). فاستشاط نائب السلطنة غضباً، و كان من المماليك، و أقسم ليقتلن الشيخ بسيفه. فذهب إليه نائب السلطنة مع جماعة من الأمراء فطرق بابه، ففتح الباب ابنه عبداللطيف، فراعه منظر نائب السلطنة إذ رأى سيفه مسلولاً، والغضب يعلو وجهه فدخل على والده وقال: انج بنفسك إنه القتل. فرد عليه الشيخ بقوله: أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله. ثم خرج وحين وقع بصره علي النائب، سقط السيف من يد النائب و ارتعد، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له، وقال يا سيدي ماذا ستفعل؟ قال: أنادي عليكم وأبيعكم.

الا أن السلطان لم يذعن لحكم الشيخ، فأرسل اليه من يتلطف اليه، و بعد اصرار الشيخ "أخبره الرسول أن السلطان لن يسمح ببيع الأمراء، و أمر السلطان واجب، و هو فوق قضاء الشيخ عز الدين! و علي أية حال فليس للشيخ أن يدخل في أمور الدولة فشئون الأمراء لا تتعلق به. بل بالسلطان وحده!

فأنكر الشيخ تدخل السلطان في القضاء و قام فجمع أمتعته ووضعها علي حمار. ووضع أهله علي حمير أخري، و ساق الحمير ماشياً!.. الي أين يا شيخ!؟.. قال: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟!.. فيم المقام بأرض يُستضعف فيها أهل الشريعة، و يُعتدي فيها علي القضاء؟!" (عبد الرحمن الشرقاوي، أئمة الفقه التسعة، 360-361).

تجمع الناس وراءه و تبعه العلماء والصلحاء والتجار والنساء والصبيان، حتى كادت مصر أن تخلو من سكانها. خرج الملك الصالح مسرعاً ولحق بالعز وأدركه في الطريق وترضّاه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الله، فتم له ذلك. و اشتهر العز بعدها بأنه بائع الملوك. فأزداد الأمراء المماليك غضباً وتآمروا علي قتل الشيخ مرة أخري و فشلوا، بل و تاب من بعثوهم لقتله علي يديه وصلوا صلاة توبة و كان هو امامهم.

عايش العز دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين، وكانت دولة قوية، ولكن في آخر عصرها تنافس أمراؤها وتقاتلوا على المُلك، حتى لجأ بعضهم إلى التحالف مع الصليبيين من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه وبني عمومته، ثم كان في آخر دولتهم أن حكمتهم امرأة هي شجرة الدر، في سابقة هي الثانية في تاريخ الإسلام أن يملك المسلمين امرأة، بعد تولي "رضية الدين" سلطنة دلهي (634-638هـ)، غير ان المصريين استنكروا وجود "سيدة" تتحكم في رقاب الأمراء و الكبراء و السادة ، و غضبوا غضبا شديدا ، و خرجت المظاهرات الغاضبة تستنكر هذا الحضور و النفوذ السياسي الكبير لسيدة من سيدات القصر ، و قاد المعارضة العز بن عبد السلام ، ووقف وسط جموع المتظاهرين ، منددا بجلوس امرأة على عرش مصر ، مبينا أن هذا الجلوس مخالفا للشرع الحكيم، ما اضطر شجرة الدر بعدها للتنحي بعد 80 يوماً قضتها في حكم مصر.

وبعد وصول قطز لسدة حكم مصر، وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم ورسلهم المهددين، وللاستعداد لملاقاة التتار الزاحفين، أمر قطز بجمع الأموال للإعداد للحرب، ووقف العلماء وعلى رأسهم العز بن عبد السلام أمام الأمراء وقادة الجند، فقرروا ألا يؤخذ من الناس شيئا إلا إذا كان بيت المال فارغاً، وبعدما يخرج الأمراء والتجار وأغنياء الناس من أموالهم وذهبهم حتى يتساوى الجميع، فنزل قطز على حكم العلماء.

توفي العزّ بن عبدالسلام في العاشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة للهجرة.

[تحرير] مصادر

عبد الرحمن الشرقاوي. "أئمة الفقه التسعة". كتاب اليوم، أخبار اليوم: 1983.