سنة الخلفاء الراشدين
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
![]() |
إن حيادية وصحة هذا المقال أو هذا المقطع منه مختلف عليهما. رجاء طالع النقاش حول الخلاف في صفحة النقاش. |
عن العرباض بن سارية قال :
صل لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب و ذرفت منها العيون فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال : ( أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل بدعةضلالة )
حديث صحيح متنا واسناداً ، ومن أراد الاستزادة فعليه بتعليق الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة وكتابه "النصيحة " الذي رد فيه على حسان عبدالمنان في تضعيفه هذا الحديث في كتابه "حوار مع الشيخ الألباني" ، وهناك تفصيل آخر حول هذا السند تحقيقاً وتخريجاً .
عند تذوقنا لحديث رسول الله ، تجد جمالية لغوية بلاغية لزم الانتباه لها في معرض حديثنا ذباً عن متن هذا الحديث . إن تضمين الحديث : التمسك بالسنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين جلي وواضح من هذا النص :
( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء ) ( عضوا عليها )
ومبحثي يتمحور حول ألفاظ سيقت في المتن ، في اثبات أن قوله سنتي هي من جنس السنة الثانية التي عرفها بالخلفاء الراشدين المهديين : بما يدل عليه هذا التركيب بحسب ما تقضيه وتقرره لغة العرب إذ أن مبنى كلام العرب على الفائدة فحيث حصلت كان التركيب صحيحا وحيث لم تحصل امتنع في كلامهم .
الأولى :(عليكم )
والثانية :(واو العطف )
والثالثة : ( عليها )
أولاً : { عليكم }
فهل من فائدة لغوية في استعمال لفظ عليكم بدلا من الزموا أو تمسكوا فالذي يظهر أن الألفاظ قد اختيرت بعناية فائقة ، ولمَ لا ؟! وقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم كما ثبت في الصحيح من الأحاديث وهي أن : يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك ولإضاءة النص أكثر أقول :
استخدم رسول الله في هذا الأمر لفظ ( عليكم ) ولم يستخدم فعل الأمر المباشر (الزموا) أو (تمسكوا) ؛ فـ(عليكم) : صيغة تستدعي الفعل ؛ وهي : اسم فعل منقول عن الجار والمجرور . بمعنى " إلزم " وتعديه بحرف الباء صار أقرب لمعنى " تمسك به " .
وقد تناسب اختيار اللفظ مع عظم الشيء المأمور به من حيث الدلالة لأن الأمر كما عرفه الأصوليون هو : طلب الفعل على وجه التكليف والإلزام بشيء لم يكن حاصلاً قبل الطلب وفي وقته على جهة الحقيقة أو المجاز . فأسماء الأفعال : تُشابه الاسم من حيث الصيغة ، وتدل على حدث كالفعل تماماً ؛ ولا يتقدم عليها معمولها ، - وهذا سرها - فلا نقول : سنتي عليكم ، لأن اسم الفعل لا يجوز تأخيره عن معموله ، بينما الفعل "الزم" ، يعمل في مفعوله سواء تقدم أو تأخر .
وشدة الإلتصاق بمقدمة الجملة لاسم الفعل يوحي بمفهوم زائد ذي معنى يترتب عليه التنبيه على الفعل ، فالتقديم والتأخير في كلام العرب ما وجد إلا لزيادة التنبية على المقدم سواء كان وجوباً كأسماء الأفعال أنموذجا ؛ً أوجوازاً في استخدام الفعل المباشر.
إذن : علمنا من استخدام اسم الفعل بدلاً من الفعل التنبيه على التمسك والإلزام ؛ وزيادة ثقل الفعل وأثره على المتلقي في الجانب النفسي. كما لا يفوتني التنبيه على أن الأمر في أصول الفقه ، على الفور ولا يُحمل على التراخي فوجبت المبادرة بالتمسك بالسنة عند رؤية شدة اختلاف الأمة (فسيرى اختلافا كثيرا ) ، مع ما يُشير لاجتناب العكس ؛ لأن الأمر بالشيء ليس هو عين النهي عن ضده، ولكنه يستلزمه. ولأن طلب الشيء هو: طلب له بالذات ولما هو من ضرورته باللزوم من باب (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
ثانياً : { واو العطف } :
العطف هو الميل، يعني: انعطف إلى هذا الشيء مال عليه، وعطف فلان على فلان مال عليه . واو العطف؛ فيها معنيان: العطف، ومعنى الجمع ، وهو :حرف يجمع المتعاطفين تحت حكم واحد من حيث الإعراب ولا يخفى المعنى المشترك الذي يجمع بينها. لذلك قال ابن جني في الخصائص : (العطف نظير التثنية؛ وهو مؤذن بالتماثل والتشابه ) . كما أن العطف هو أن تكون هناك أداة تربط بين كلمتين أو جملتين تؤديان وظيفة واحدة، وتشتركان في شيء واحد كالفعل أو غيره. وهذه الأداة ُتغني عن إعادة الفعل في الغالب.
لو تدبرنا معنى الواو في الموضع (بسنتي و سنة الخلفاء ) فإنها تقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه حكماً ولفظاً . واللفظ مشعر أنها لمطلق الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، أي أنها لا تدل على ترتيب ولا تعقيب بينهما كما يتضح مما يُشير بقوة إلى أن السنة الثانية هي جنس السنة الأولى . وليس الأمر كما زعم المخالفون ؛ فلا تفيد الواو هنا معنى المغايرة لعدة قرائن انشئت في دلالة سياق الحديث الشريف . نعم قد تقرر عند النحويين أن العطف يقتضي المغايرة ، أي : أن العطف يقتضى نفى المعنى وللفظ للأول عن الثاني ؛ ولا تعرض لهما إلا بتأكيد ما دل عليه بالمفهوم والمعنى فيقتضى تقييد الأول بالثاني وتعلق معنوي بينهما، لكن هذه القاعدة ليست مضطردة ولها استثناءات ، خاصة إذا كان مقصود المنشئ ( قائل العبارة ) يقتضي غير ذلك ، يقول النحاة : إن "المغايرة" هي الأصل الغالب في عطف النسق بين المتعاطفين . أي : أن يكون المعطوف مغايراً للمعطوف عليه في لفظه و في معناه معا ؛ فلا يعطف الشيء على نفسه . هذا هو الأصل الغالب ، لكن العرب قد تعطف الشيء على نفسه إذا اختلف اللفظان ؛ لغرض بلاغي هو تقوية معنى المعطوف عليه و تأكيده - راجع "النحو الوافي" - ج3
والعرب وإن كانت تعطف الشىء على نفسه : كتقوية المعطوف عليه وتأكيده وعطف الخاص على العام وعكسه ، كقوله تعالى ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) لكن مع ذلك لابد من القرينة وإلا تعيّنت المغايرة ، لذلك فإن خصيصة المغايرة تنتفي مع وجود قرينة ودلالة تصرفها عن ذلك . والقرائن واضحة وجلية هنا في سياق قول النبي صلى الله عليه وسلم :
1- القرينة الأولى : التشابه اللفظي في ( سنتي ) ( وسنة الخلفاء )
2- القرينة الثانية : التعريف بالإضافة للمعطوف والمعطوف عليه :
فأهل اللغة يقولون : ( إن كانا معرفتين فالثاني هو الأول غالبا دلالة على المعهود الذي هو في الأصل في اللام أو الإضافة نحو اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ) راجع "الاتقان " للسيوطي ج1(ص:406-407) ؛ وفي مبحثنا هنا إضافة السنة الأولى للنبي
3- القرينة الثالثة : قوله عضوا ( عليها ) عود الضمير عليهما بلفظ المفرد لا بالتثنية مما يوحي بأنهما سنة واحدة ، وتأصيل ذلك يتضح في المبحث التالي :
{ عليها } :
قوله ( عليها ) يوحي بالحكم المشترك في المعنى ، إن إفراد الضمير وإن كان المقام يقتضي التثنية، إشارة لا تخفى على ذي لب ؛ وإيماء دلالة السياق يرتقي بها كقرينة تصرف خصائص واو العطف من المغايرة إلى الإشراك في المعنى .
وهذا من طريقة العرب في الكلام بنسبة الفعل إلى أَحد اثنين وهو لهما ، ومن الشواهد القرآنية على ذلك قوله تعالى : [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا {التوبة:34} ] {الجمعة:11} ، ونحو قوله [يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ] {التوبة:62} ، كما نقله ابن فارس في كتابه "الصاحبي في فقه اللغة" ، والسيوطي في "الإتقان" ، وابن الجوزي في "المدهش" ، والثعالبي "فقه اللغة وسرُّ العربية " ، فتوحيد الضمير في { يُرْضُوهُ } مع أن الظاهر بعد العطف بالواو التثنية لأن إرضاء الرسول لا ينفك عن إرضاء الله تعالى و { مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله } [ النساء : 80 ] ؛ فاكتفى بالواحد لاتفاق المعنى ؛ كما أن تلازمهما جُعِلا كشيء واحد فعاد إليهما الضمير المفرد ، وعلل السيوطي ذلك بقوله : ( للتلازم ) في اتقانه باب قاعدة في الضمائر ، وتقدير المعنى هنا : واللهُ أحقُّ أن ُترضوه وكذلك رسولُه أحق أن ُترضوه ، فتم حذف خبر الأولى لدلالة خبر الثانية ، وهذا اختيار سيبويه وما ذهب إليه الزجاج ورجحه النحاس ، قال أبو عبيدة : والعرب إذا أشركوا بين اثنين قصروا ، فخبَّروا عن أحدهما استغناء بذلك ، وتحقيقاً؛ لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ، ودخل معه في ذلك الخبر ، ونقل أبو حيان التوحيدي في "البصائر والذخائر" : قال بعض العلماء: يقوم الشيء مقام الشيء . ونحو ذلك في مثالنا ( عَضُّوا عَلَيْها ) فيصبح التقدير عَضُّوا على سنتي وكذلك عَضُّوا على سنة الخلفاء ، فجمعهما بضمير واحد يوحي بلا شك أنهما من نفس الجنس ،وأنهما في حكم واحد.
وتتهوى مقولاتهم ونظرياتهم في خلق شرخ بين السنة النبوية وسنة الخلفاء أمام القاعدة النحوية التي تُسند الضميرَ رعاية إلى أقرب المذكورين إليه ، وفي حالتنا هذه لا يستقيم عودها؛ فلا يصح أن يكون غرض الرسول في قوله عضوا عليها :أي على سنة الخلفاء الراشدين فحسب لأنها مع اهمال سنته هو وهذا قول فاسد والعياذ بالله ، كقوله تعالى [لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] {الفتح:9} فالضمير في قوله ( تسبحوه ) إن عاد لأقرب مذكور لفسد وبطل .
لذلك فإن الضمير في قوله ( عليها ) يفيد أنه : لا يحصل أحدهما إلا مع الآخر وهما يحصلان بشئ واحد . لأن نزول ذلك على أحدهما يستلزم مشاركة الآخر له إذ محال أن ينزل ذلك على المعطوف دون المعطوف عليه الملازم له ، فلما كان لا يحصل ذلك إلا مع الآخر وحد الضمير.