حى شبرا

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

شبرا من جزيرة في النيل إلى أكبر أحياء المحروسة لم تكن شبرا في يوم من الأيام جزءا من القاهرة و لم تكن ـ كما هى اليوم ـ في قلب القاهرة تزخر بالحياة و الناس ، حتى قلنا يوماً سخرية من إسرائيل أن عدد سكان شبرا أكثر من عدد سكانها " كانت شبرا مجرد .. ضاحية !

و القاعدة التعميرية التى يضعها أي مخطط أن يبدأ البناء في أى منطقة جديدة يراد تعميرها ، بأبعد نقطة فيها .. فيقيم فيها المدرسة ، أو السوق أو مقر الحكم ، أو حتى الساحة الرياضية حتى تأخذ أقدام الناس طريقها إلى هذه المركز الخدمية .. وشيئاً فشيئاً تبدأ الحياة تدب ما بين مركز الخدمات هذا .. والمدينة القديمة .

وهكذا نشأت المدن والأحياء الجديدة ، بل هكذا كانت نشأة العواصم المصرية بعد الإسلام ، فقد أقام عمرو بن العاص ـ فاتح مصر ـ مدينة الفسطاط بين ضفة النيل وحصن بابليون . وهكذا كانت نشأة مدينة العسكر بعيداً عن الفسطاط في الشمال و لكن على مرمى العين .. ثم كانت مدينة القطائع التى بناها أحمد بن طولون أيضاً إلى الشمال .. وبعيداًَ عن العسكر . حتى عندما بنى جوهر الصقلى فاتح مصر للفاطميين مدينة القاهرة المعزية بناها أيضاً إلى الشمال .. بعيداً عن العواصم الثلاث السابقة .

ثم لاحظوا معنا الأحياء الجديدة التى نشأت حول مقر الحكم .. وبعيدأ عنها .

كانت القاهرة محصورة بين جبل المقطم ونهر النيل . ولم تكن أبداً على الشاطئ . ولأن الناس تعشق الإقامة بجوار الحاكم قريباً من السلطة حتى تكون في حماه وقريباً من عطاياه ، إن كان كريما ، نجد المصريين بنوا أحياءهم الجديدة حول قصوره ومبانيه .

هذا محمد على بانى مصر الحديثة يقيم قصره في الإسكندرية في أبعد نقطة عن قلب المدينة القديمة .. في منطقة رأس التين . حقيقة أقام قصره قريبا من الميناء الحديث الذى صنعه ليكون وسيلته للاتصال بأوربا ، و لكنه كان يطبق هذه القاعدة التعميرية . وسرعان ما أقام الناس يوتهم قريباً من قصره لينشأ حى رأس التين ، و المبدأ التخطيطى نفسه طبق في منطقة القبة ، فقامت القصور الفاخرة حول قصر القبة وعلى طول الطريق الذى يصل بين مصر ،, و القبة لينشأ حى القبة . وهكذا فعل محمد على عندما أراد تعمير منطقة شبرا .. فقد أختار مكاناً قصياً ليبنى لنفسه قصراً تهدأ فيه نفسه .. وتلك هى بداية شبرا !!

ففى منتصف شهر ذى الحجة 1223 هـ يناير 1809 م ـ أي قبل مذبحة القلعة ـ اختار محمد على باشا موقعا على شاطئ النيل في منطقة شبرا مساحته 50 فداناً في متسع من الأرض ، يمتد إلى بركة الحاج ، واستولى فيه على عدة قرى وإقطاعيات ، وبدأ بناء قصره ، وغرس فيها البساتين والأشجار ... و لكن سقط سقف القصر بعد انتهاء بنائه في مايو 1809 فأعيد بناؤه . وفى 1812 م أنشا محمد على عدداً من السواقى لتوفير المياه للقصر و الحدائق .

ويصف الشيخ خليل بن أحمد الرجبى في كتابه " تاريخ الوزير محمد على باشا " الذى كتبه عام 1822 هذا القصر وحدائقه بلغة عصره حيث الجناس و المحسنات اللفظية : " أم القصر فالعيان عنوانه . أما البستان فهو في غاية الاتساع ، يسير فيه الذاهب مبتهجاً بتلك الأوصاف ينوف عن 50 فداناً في المساحة ، لا يدانيه أبداً بستان في تلك المساحة ، مهندس بطرق على خطوط مستقيمة وطرق مربعة ومخمسة ومثلثة ومسدسة قويمة و الزروع بادية و الثمار النامية و الأغصان مايسة . وأجفان جداول مياهها كأنها في الصف ناعسة .

المهم أن محمد على باشا خصص للعناية بالقصر وحدائقه مجموعة من المهندسين الزراعيين الذين أوفدهم للدراسة في أوربا .. و استخدم محمد على هذا القصر وحدائقه كحقول للتجارب الزراعية . كما نقل إليه مدرسة الزراعة "1249هـ ـ 1833 م " و المدرسة البيطرية أي أن القصر لم يكن مجرد قصر للحكم .. بل فتحه مركزا للعلوم الزراعية و البيطرية بعد سنوات قليلة من تمام إنشائه !!

وتعالوا نتابع اهتمام محمد على بالتجارب الزراعية وزراعة كل ما هو مستحدث .

ففى 1245 ه ـ أكر محمد على باشا بإرسال أشجار العنب الأفرنجى و المجرى المستحضرة من الاستانة " إستانبول " صحبة محمد بك بشتان إلى ناظر جنينة شبرا لزرعها بها .. غير التوت و ا لجوز و النبق و الليمون و المخيط و التين ...

و كما يقول على باشا مبارك في سفره العظيم (الخطط التوفيقية ) وأمين باشا سامي في مؤلفه الضخم (تقويم النيل) ، فأن قصر شبرا كان أول مبنى يضاء بغاز الاستصباح في مصر ، وكان ذلك في عام 1892م, وفي هذا القصر التقى محمد على باشا بالأمير عبد الله بن مسعود و الذي تولى زعامة الوهابيين في الجزيرة العربية بعد وفاة أبيه و بعد أن انتصر عليه القائد إبراهيم باشا وأسرته وأرسله إلي والده محمد علي باشا ، فوصل إليها محروسا في16 نوفمبر 1818م, فأنزله في قصر إسماعيل باشا (ابن محمد علي ) في بولاق. وتقابل مع محمد على في قصر شبرا ، وكان معه صندوق به ما تبقى مما أخذه الوهابيين من الحجرة النبوية المشرفة ،وأرسل محمد علي باشا الأمير عبد الله إلي الأستانة -بناء على أوامر السلطان العثماني- في18 نوفمبر 1818م, فتم إعدامه أمام القصر السلطاني في العاصمة العثمانية .

وفي عام 1847م في أواخر أيام محمد علي باشا ، أصدر حاكم مصر العظيم أمره( بتمهيد طريق متسعة بين مصر وشبرا) وهنا نلاحظ أن شبرا حتى هذا التاريخ لم تكن جزءا من القاهرة ، بل كانت ضاحية...وكانت بعيدة عنها ، وتلك هي بداية شارع شبراِِِ ، وكان هدف محمد على أن يحول هذا الشارع إلي مكان للنزهة والترويح خارج عاصمته مصر . وحتى يتحقق ذلك جاء القرار بأن يكون الشارع أعرض شوارع مصر في هذا العهد, وأكثرها استقامة.

وأمر محمد علي بغرس أشجار اللبخ والجميز بالتبادل على حافتي الطريق ، الذي أنشأه من شبرا إلي قنطرة الليمون بالقاهرة حتى صار طريقا مظلا والمنتزه الجميل لأهل القاهرة ، استمر طريق شبرا على جماله البديع إلى أن فتحت قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل 1869م

فأخذ جانبا من أشجار اللبخ وأعاد زراعتها في الطريق الذي أعد لمرور ( الإمبراطور أوجيني ) إمبراطورة فرنسا ، وهو الطريق الموصل إلى سراي الجزيرة التي أعدت لإقامتها (الآن قلب فندق ماريوت) وأيضا زراعتها في طريق الأهرام (شارع الأهرام ) تمهيدا لزيارات جلالتها منطقة الأهرام للتخفيف من حرارة الشمس الذي مهده الخديوي إسماعيل.

ويقول على باشا مبارك في كتابه أن في نهاية الطريق - شارع شبرا- بالقرب من شبرا البلد بقية من أشجار الجميز حتى الآن عام 1890م تاريخ تأليف الكتاب ، ويضيف أنه (لما كان شجراللبخ يزهر في كل عام زهرته الذكية الرائحة الناعمة الملمس ، كان الناس يطلقون على هذه الزهرة "دقن الباشا" نظرا لجمال لحيته...ولم يبق في شارع شبرا إلا أشجار الجميز التي ذهبت هي الأخرى .

أصدر محمد علي تعليمات واضحة بأن يرش شارع شبرا بالمياه مرتين يوميا.الأولى عند الضحى والثانية عند العصر ، بهدف تلطيف درجة الحرارة في الصيف.وتثبيت تراب الشارع شتاء ،لتشجيع الناس على ارتياده للنزهة ..وتم تعيين العمال اللازمين للمحافظة على نظافة الشارع وجماله والاهتمام بأشجاره.

بل وأمر محمد على أولاده وأحفاده ببناء القصور والمساكن على طول الشارع وشجع الأغنياء والأعيان على ذلك ... ومنذ ذلك العهد تحولت شبرا إلى منطقة سكن الباشاوات والطبقة الأرستقراطية. وكان الميسورون الذين اتخذوا عربات الدوكار للنزهة .وهي عربة صغيرة يجرها جود واحد .

وبعد وفاة محمد علي باشا 1849م آلت هذه السراي وحدائقها إلى ابنه عبد الحليم باشا. فبنى في الحديقة قصرا آخر ، وفي عام 1279 ه يوم 29 شعبان أرسل الخويوي إسماعيل أمرا إلى الكريدى باشا محافظ مصر ( حيث أنه لا يوجد محل في مصر لإقامة صاحب الدولة طوسون باشا ،نجل عمنا المرحوم سعيد باشا والي مصر السابق ) فقد أهديته وأحسنت إليه بقصر النزهة الأميري ، الذي في طريق شبرا .وكذا بالأراضي الموجود داخل سور القصر المذكور ، وهذا هو سر تسمية المنطقة المعروفة في شبرا بمنطقة طوسون.

ثانيا:وفي 22 شوال 1279 ه زار السلطان العثماني عبد العزيز مصر بدعوة من الخديوي إسماعيل ، وهو أول سلطان عثماني يزور مصر بعد أن فتحها السلطان سليم الأول عام 1517م .وزار السلطان قصر النزهة هذا . ثم غاره إلى قصر شبرا فاستقبله عبد الحليم باشا ، أي إن قصر النزهة الذي منحه إسماعيل لابن عمه طوسون غير قصر شبرا الذي بناه جده محمد على باشا.

وقصر النزهة للأسف تحول إلى مدرسة التوفيقية ... إلى أن تم هدم القصر.. أما قصر قصر شيكولاني فقد تحول إلى مدرسة الاستقلال.

وعلينا أن نلاحظ مدى اتساع شارع شبرا عند تمهيده ..وحتى نعرف مدى اتساعه... علينا أن نلاحظ اتساع شوارع القاهرة القديمة . بل وشوارع مدينة نصر لنعرف مدى بعد نظر محمد علي باشا ، الذي كان يخطط لشارع يعيش العمر كله بلا متاعب .. وكان يخطط لحي كامل يكون عموده الفقري شارع شبرا .

تلك كانت حكاية شارع شبرا الذي قام حوله أكبر وأشهر أحياء القاهرة.

ولكن ماذا عن شبرا ..الاسم والموقع ..المكان والتاريخ؟

نقول هذا لأن شبرا كانت عبارة عن جزيرة وسط النيل ، اسمها جزيرة الفيل ، ثم بفعل إطماء النيل اتصلت الجزيرة بالأرض ، لتصبح هي أرض شبرا وروض الفرج!

ورد ذكر شبرا لأول مرة في" تقويم النيل " الجزء الأول ص229 عندما أوفى النيل في أواخر شهر أبيب .وكسر السد أول يوم من مسري وفتحه "لاجين" أمير مجلس.

وكان للناس مدة طويلة لم يروا قبلا مثل هذا,لأنه قطع الطرقات والجسور وغرقت أراضي المنية و"شبرا والروضة وطريق مصر وبولاق "أي كانت بولاق ضاحية لمصر ولم تكن جزءا من القاهرة" وجزيرة الفيل وكوم الريش,وطفت الآبار, وكان كل هذا عام 882ه.

وشبرا اسمها الأصلي وهو المصري القديم:شبرو. وردت به في كتاب "أحسن التقاسيم" للمقدسي؛ حيث ذكرها أي شبرا الخيمة بين المنيتين, وهما منية الإصبغ ومنية السيرج.

وبيم دمنهور شبرا المجاورة لشبرا من الجهة البحرية. وكانت منية السيرج واقعة على شاطئ النيل حتى عام 680ه، وفي تلك السنة طمى النيل الذي كان فاصلا بينها وبين جزيرة الفيل، فانضمت إلى الأرض لتكون المنطقة المعروفة الآن باسم شبرا وروض الفرج.

وشبرو محرفة عن جبرو، وهي كلمة قبطية معناها الكوم أو التل"وهنا نتساءل عن سر تمركز أعداد كبيرة من أقباط مصر في منطقة شبرا، هل بسبب أصلها القبطي؟! ثم ذكرها الإدريسي في موضعين الأول باسم "سيروا" فقال:وبأسفل الفسطاط ضيعة سيروا"

وهي ضيعة جليلة،يعمل بها شراب العسل وهو مشهور في جميع الأرض.والثاني باسم "شبره"،وفي نسخة أخرى وردت محرفة باسم "سبره" قال"وهي قرية يعمل فيها شراب العسل المفوه في جميع الأرض وبها خيمة البشنس.فهل هذا الشراب كان نوعا من الشربات وكان العسل يستخدم بإضافته إلى الماء لصنع هذا الشراب،وهل سبب هذا قربها من منطقة بنها التيكان يجود فيها العسل حتى اقترن العسل بمدينة بنها فقالوا:بنها العسل؟!

المهم انه مما لا شك فيه أن اسم "سيروا" الوارد في الموضع الأول هو محرف عن شبرو الوارد في كتاب المقدسي...ويقول محمد بك رمزي في مؤلفه العظيم "القاموس الجغرافي":

تبين لي أن "سيروا " محرفة عن شبرو التي هي شبره،وكلها اسم واحد لشبرا هذه؛لأن من يتأمل ما ذكره الإدريسي يرى أنه نقل "سيروا " من مصدر غير الذي نقل عنه "شبره".ومع اختلاف الاسمين بسبب التحريف،فإن كل مؤلف حافظ على وصف هذه القرية وما يعمل فيها من شراب العسل،ومن وضعها بأسفل الفسطاط"أي جنوب مدينة الفسطاط لأنه لم يكن بين الفسطاط وشبرا مناطق سكنية تذكر.وكانت الفسطاط تؤخذ كمقر معروف للتعريف بها بما بعدها..".

ووردت شبرا في كتاب "المشترك" لياقوت،قال:شبرا دمنهور لمجاورتها بقرية دمنهور شبرا.وفي "قوانين ابن مماتي" وفي"كتاب الانتصار":شبرا الخيمة. وقال:في "الانتصار" إن سوقها يوم الثلاثاء. وبها سوق وجامع وطواحين وأفران ومعاصر زيت حار و"شيرج" وغير ذلك،والمقصود زيت السيرج ناتج عصير السمسم".

ووردت في "تحفة الإرشاد" باسم: "شبرا.من الضواحي" وفي التحفة:شبرى الخيمة.وهي شبرى الشهيد من ضواحي القاهرة.

وفي كتاب "وقف السلطان الغوري" المحرر في 911ه وردت هكذا "شبرا القاهرة" لأنها من ضواحي القاهرة.وفي كتاب "تاج العروس":شبرا المكاسة لأنخيمة المكس "أي تحصيل الضرائب"كانت تضرب فيها؛أي كانت مركزا لتحصيل الضرائب أي المكوس..

وفي الخطط المقريزية :شبرى الخيام،يقال لها شبرى الشهيد لأنه كان يوجد بهذه القرية صندوق صغير من الخشب في داخله إصبع شهيد من شهداء النصارى،اسمه الشهيد أنبايجنس محفوظ بها دائما.فهذا كان ثامن شهر بهنس من الشهور القبطية،يخرجون هذا الإصبع من الصندوق ويغسلونه في بحر اليل لزعمهم أن النيل لا يزيد في كل سنة حتى يلقوا فيه ذلك الإصبع . ويسمون احتفالهم بذلك عيد الشهيد.فاشتهرت بهذا الاسم

"لاحظوا هذه الأسطورة مع أسطورة عروس النيل وعلاقتها بفيضان النهر" وقال: وتعرف بشبرا الخيمة، أو الخيم، أو الخيام؛ لأن الناس كانوا يحتفلون سنويا بذكرى على اختلاف طبقاتهم في خيام ينصبونها على شاطئ النيل بشبرا هذه للإقامة فيها عدة أيم عيد الشهيد. فاشتهرت ب"شبرا الخيمة"،وهذا اسمها. وسكان القاهرة يقولون: شبرا البلد تمييزا لها من قسم شبرا أحد أقسام مدينة القاهرة. وعلى لسان العامة شبرا بدون تمييز لشهرتها عن دون الشبراوات الأخرى.

ولما أنشئ مركز شبرا عام 1871م جعلت شبرا قاعدة لهنولكن لم تطل إقامة هذا المركز بهذه البلدة لوقوعها في الناحية الجنوبية من بلاد المركز. فأصدرت نظارة "وزارة" الداخلية قرارا في عام 1875م بنقل ديوان المركز من شبرا إلى ناحية الحزانية لتوسطها نوعا بين بلاد المركز،مع بقاء المركز باسم مركز شبرا. وفي عام1896م سمي مركز نوى إلا أن "اميلينو" ذكر في جغرافيته قرية باسم شبرا رحمة"، وقال أن اسمها العربي شبرا رحم والقبطي بروهيمو، وأنها من ضواحي القاهرة. كما وردت في قائمة الكنايس وبالبحث- يقول محمد رمزي بك- تبين أن شبرا رحمة هي بذاتها شبرا الخيمة هذه .. وهي من ضواحي القاهرة.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فما دام محمد علي هو الذي مهد وبنى شارع شبرا ، فإن محمد علي هو الذي كان وراء تمهيد شارع الترعة البولاقية .. ولكن البداية كانت مختلفة...

[تحرير] الترعة البولاقية

البداية ترعة أمر محمد على باشا بحفرها لري أراضي ضواحي القاهرة..ففي عام 1242ه-1827م تم حفر الترعة البولاقية، وقام بهذا العمل الكبير محمود أفندي الميارجي مدير القليوبية والمهندس ثاقب باشا، وكانت تمتد من منطقة قصر النيل الحالية ، أي كان فمها تحت كوبري 6أكتوبر بين فندق هلتون رمسيس ومبنى الاتحاد الاشتراكي ، ثم تخترق الترعة ميدان عبد المنعم رياض حاليا، ثم تمر بشارع الجلاء الحالي، ومن يدقق النظر يجد لافتة هذا الشارع الآن هكذا:"شارع الجلاء-شارع الترعة البولاقية سابقا" أي أن شارع الجلاء بعد ثورة يوليو 1952 أطلق على الشارع الذي كان اسمه شارع الترعة البولاقية .. الذي كان في الأصل مجرى الترعة البولاقية.

ثم يستمر سير الترعة إلى أن تنحرف شمالا لتدخل إلى شبرا، وتسير موازية لشارع شبرا الذي شقه محمد علي .. وكان الهدف من حفر الترعة البولاقية، وهي بطول 183000 متر هو ري أراضي ضواحي القاهرة وبولاق كجزيرة بدران ومنية السيرج وشبرا في غير وقت الفيضان "علي مبارك-الخطط 19ص 43-44".

ولماذا حملت الترعة اسم "البولاقية" ؟! لأن المنطقة كلها كانت من قصر النيل حيث قصر بنت محمد علي باشا إلى ما بعد رملة بولاق كان اسمها بولاق.. ولم تكن بولاق حتى عصر محمد على جزءا من القاهرة ، بل كانت من الضواحي فهي كانت على شط البحر "أي النيل لأن المصري كان يسمي النيل بحرا لضخامته واتساعه عن بقية الأنهار التي سمع بها المصري" وما بينها ومنطقة الأزبكية حيث قصور الأمراء والبكوات كانت أرضا زراعية.

وكانت أرض شبرا ولاحظوا "جزيرة بدران" أرضا زراعية مع منية السيرج، فكان لا بد من توفير مياه الري لها، فحفر محمد علي هذه الترعة .. إلا أن العمران سرعان ما زحف على كل هذه المناطق، ولم تعد بدران جزيرة ولم تعد شبرا ولا بولاق أرضا للزراعة، بل للسكن والإقامة.. وكما تم ردم الخليج المصري عام 1896م الذي كان يوفر المياه لأحياء القاهرة من فم الخليج عند سور العيون إلى غمرة .. وكانت هناك أراض زراعية أكلها العمران، بعد أن كانت توفر لنل ما نأكله!!

.. وتضخمت شبرا.. وتعددت مناطقها.. واتسعت...

منها شبرا مصر ..وشبرا البلد.. وشبرا المظلات ..وسبرا الخيمة ..وحدائق شبرا التي ذهبت حدائقها، كما ذهبت حدائق حلوان وحمامات حلوان..وحدائق القبة وحمامات القبة وثكنات المعادي وحدائق المعادي...فقد ذهبت كل هذه الحدائق والحمامات لتحتل مكانها العمارات والمساكن...بعضها عصري وبعضها عشوائي.

منها مثلا: قصر زينب هانم بنت محمد علي باشا الكبير على شارع شبرا نفشه. وقصر إنجة هانم أرملة محمد سعيد باشا والي مصر ، وقصر النزهة الذي جدده الخديوي إسماعيل وكان يقصده للراحة والنزهة، وقصر شيكولاني البديع الحافل بالتماثيل النادرة. وفي قصر زينب هانم هذه تزوجت صغرى بنات محمد علي من كامل باشا يوم 27 صفر 1262ه ،وتكلف زواجها 315120 جنيها بما فيها ثمن مجوهراتها.

وأصبح شارع شبرا تظلله أشجار الجميز واللبخ ، وتتعانق الأشجار لتصنع مظلة خضراء تظلل المارة والمتنزهين ساعة الغروب، وأصبحت "جهة شبرا" بمزارعها النضرة مكانا للتنزه والرياضة. وكان المار يرى الدواب المطهمة تغدو وتروح أو واقفة في انتظار سيدها،ويرى العربات الضخمة تجرها الجياد،تحمل أفراد الأسرة الحاكمة والسراة والأعيان ..ويتقدم تلك العربات القمشجية أي السواس ليوسعوا الطريق أمامها وإتماما لمظاهر الأبهة.

ويعود الخديوي إسماعيل فضل تمهيد مدخل القاهرة الزراعي من عند نهاية شارع شبرا الرئيسي،وهو المدخل الذي يؤدي إلى محافظات القليوبية والمنوفية والغربية وغيرها..وكانت كل السيارات التي تريد الدخول إلى هذا الطريق الزراعي تسلك شارع شبرا نفسه؛لأن تصميمه كان أوسع شوارع القاهرة وأكثرها استقامة ،ويتحمل حركة المرور المسافر إلى الوجه البحري...

واعترافا بأهمية حي شبرا، وبعد أن زادت كثافة السكان فيه تم ربطه بقلب القاهرة بخطوط الترام في سنوات الأولى لدخول الترام إلى مصر..وإذا كان أول خط للترام بدأ في مصر عام 1896م ، فإن الشركة البلجيكية التي أنشأت شبكة ترام القاهرة بدأت في تسيير خط من العتبة الخضراء إلى سبرا عام 1903م.وفي عام 1912م كان في القاهرة 20 خطا للترام ،كان منها لشبرا الآتي : خط رقم 8 الذي يبدأ من العتبة إلى ميدان الأوبرا إلى ميدان باب الحديد ثم إلى شبرا البلد . وخط 9 من ميدان العتبة إلى ميدان الخازندار ، عبر شارع كلوت بك إلى محطة باب الحديد، وينتهي عبر شبرا إلى روض الفرج. وخط رقم 16 من ميدان العتبة إلى ميدان الأوبرا إلى مدرسة الصنايع في بولاق إلى روض الفرج.أما خط رقم 21 فكان يبدأ من العتبة إلى ميدان الأوبرا إلى باب الحديد ،وينتهي عند القسم القديم لشبرا ؛ أي كان يخدم شبرا 4خطوط ترام من جملة 20 خطا هي كل شبكة ترام القاهرة ، وكان يخدمها من خطوط الأوتوبيس في العام نفسه 1912م خط أوتوبيس4 الذي يبدأ من ميدان يزبك الواقع بين ميدان الأوبرا وميدان العتبة إلى شبرا، وخط 17 من السبتية إلى روض الفرج، وخط 26 من روض الفرج إلى إمبابة.

وتوسعت شبرا وتم شق العديد كم الشوارع ، وأهم شوارع شبرا من ناحية نفق شبرا على اليمين : الشماشرجي وأرض الطويل وشارع أحمد بدوي . وعلى اليسار ، قسورة الشوام وجزيرة بجران ،وأهم شوارعها شارع جزيرة بدران ..زنانيري..قطة..البعثة..السلمى ،وفيها كنيسة ومدرسة الإفرنج الكاثوليك ومدرسة البنات..

وإذا اتجهنا شمالا نجد على اليمين شيكولاني حيث القصر القديم، وفي أقصاها الشرقي نجد مستشفى لورد كشتنر وعزبة محمد هرمس وأهم الشوارع :العطار..الكرجي..أبو المعالي..يلبغا ،واهم المباني دير الراهبات ومدرسة البنات للأفرنج الكاثوليك، وعزبة حنا بك نصر الله ، وعلى يسار هذه المنطقة نجد قصر النزهة ، وأهم شوارعها شارع فؤاد وشارع النشاطي ثم شارع مسرة وشارع مدرسة التوفيقية ، وأشهر مبانيها قسم شرطة شبرا، ومدرسة شبرا الأميرية للبنات ،وكنيسة الأفرنج الكاثوليك ،وكنيسة الأقباط الأرذوكس،ومدرسة التوفيقية. وفي أقصى الشمال الغربي مدرسة شبرا الثانوية الأميرية ،حيث شارع أبو الفرج،ويلاحظ أن الشوارع كلها تقريبا تتفرع من شارع شبرا نفسه وتتقاطع عليه؛أي أن شارع شبرا كان هو العمود الفقري الذي قام عليه جسم حي شبرا كله.

وشمال تقاطع شارع شبرا مع شارع روض الفرج نجد على يسار شارع شبرا منطقة روض الفرج بعد دوران شبرا؛ حيث كان مقر كلية الآداب التابعة لجامعة عين شمس قبل انتقالها لإلى مقر الجامعة في العباسية، ومدرسة الأمير فاروق الثانوية الأميرية ،وشارع راتب باشا ثم شارع يعقوب موصيري إلى أن نصل إلى حدائق شبرا ، ويستمر شارع شبرا..

وعلى يمين الشارع-بعد شارع يلبغا-نجد مسجد الخازندار،ثم شوارع شيبان .. خماروية...بحرى القرة قول "والقره قول" هو مقر قسم الشرطة ،والذي تحرف إلى "الكراكون" عند العامة..لنصل إلى عزبة الزهرية ،ثم عزبة علي باشا شريف ،بينما تستمر الترعة البولاقية وهي تتجه شرقا أكثر ،بعد تقاطع روض الفرج ،حيث تنقسم لإلى قسمين ، الأول لإلى اليمين يحمل اسم ترعة الدكر،والثاني لإلى اليسار يحمل اسم الترعة البولاقية القبلية، وبينهما منية السيرج ومقام سيدي رمضان ، وتستمر الترعتان لإلى أن تتقاطعا مع ترعة الجلادة . ومن أشهر الشوارع على اليمين شارع شبرا شارع بابا دوبلو .. حمدي .. المنظرة.

وبالطبع انتهت الترعة البولاقية من فمها عند نيل القاهرة بين مقر شركة ترام القاهرة (الآن فندق هلتون رمسيس) ومبنى الاتحاد الاشتراكي ؛ ليتحول هذا إلى ميدان عبد المنعم رياض ثم إلى شارع الجلاء .. ويظل القسم من أول سبرا إلى نهايتها يحمل اسم شارع الترعة البولاقية؛ أي انتهت الترعة وأصبحت مجرد لافتة على شارع!!.

ولأن شبرا تدين بإنشائها إلى محمد على باشا ، وتدين باتساعها وتطورها لإلى العائلة الملكية أي الأسرة العلوية، فإننا نجد في شبرا العديد من الناطق أو الشوارع التي تحمل أسماء هذه الأسرة .. فنجد شارع حليم باشا، وهو عبد الحليم باشا ابن محمد علي ، والذي ورث قصر شبرا عن والده العظيم، ونجد شارع رفعت وهو ابن إبراهيم باشا أي حفيد محمد علي، ونجد شارع سعيد باشا وهو ثالث حكام مصر بعد محمد علي نفسه، ونجد شارع مدرسة التوفيقية .ومنطقة النزهة حيث كان قصر إسماعيل .. وشارع الباشا..والمقصود هنا هو محمد علي نفسه.. ونجد شارع التاج .. كما نجد شارع إنجه هانم أرملة الوالي محمد سعيد باشا.

وبالطبع انتهت معظم هذه الأسماء في فترة المد الثوري لثورة يوليو ،التي كانت تطارد كل ما كان له صلة بالأسرة المالكة، دون أن تدري أنها بذلك تهدم تاريخا مازال عالقا بذاكرة الناس؛ بدليل أن هناك التوفيقية ومدرسة التوفيقية رغم أن توفيق كان سبة الأسرة المالكة ، وهو الذي استعان بالإنجليز ليخلصوه من الثورة العرابية الشعبية .. ليحتلوا مصر كلها في عهده لمدة 74 عاما بالتمام والكمال.. ومازال في مصر مدينة بورتوفيق وحي التوفيقية وسوق التوفيقية في قلب القاهرة التجاري!!

وقد تعرض قصر محمد علي في شبرا لعمليات مد وجزر،وعاش فترات من المهانة والإهمال ..بعد ان عاش عصرا من الزهو والفخار .

إذ مع قيام ثورة يوليو، وبالمفهوم الذي ساد وقتها بفتح القصور الملكية أمام الشعب ، وشغلها بالمصالح والإدارات الحكومية.تم فتح قصر شبرا .. وبالمفهوم نفسه ،تم فتح قصر عابدين وحدائقه للعامة، وتم شغل حجراته وأجنحته بإدارات الإصلاح الزراعي وإدارة الاستيلاء وغيرها من الإدارات التي نشأت مع الثورة ،

حتى كاد هذا القصر العظيم ينهار ، ويفقد قيمته كمقر رسمي للحكم في مصر ...ولولا يقظة تعرف قيمة التاريخ لتم تدمير قصر عابدين تماما ..تلك اليقظة التي بدأت عصر الرئيس الراحل أنور السادات ، الذي أمر بإخلاء القصر من الإدارات التي احتلته واغتصبته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجنحة القصر .. حتى جاء عصر الرئيس مبارك ، فتم إخضاع القصر لعملية ترميم ولإنقاذ شاملة ،أعادت له رونقه وبهاءه ، ليس فقط بمجرد ديكورات أو دهانات بل إنقاذ البناء نفسه ،و المحافظة على ما فيه من ثورة معمارية وأثاثا ورياش لا تقدر بمال حتى أنه كان يعد في مقدمة أفخم قصور العالم !

وتعرض قصر شبرا للجريمة نفسها ؛ إذ تم شغل أجزاء منه، ومن حدائقه بكلية الزراعة التابعة لجامعة عين شمس.. ثم بالمعهد التعاوني الزراعي العالي وغيرها من المنشآت. واستمرت هذه الجريمة أكثر من 30 عاما إلى أن تنبهت الدولة وقررت إنقاذ القصر مما انحدر إليه حاله .واستعادته الدولة ، وبدأت وزارة الثقافة عمليات ترميم وإنقاذ شاملة له، شملت مبانيه وحدائقه والبركة الصناعية الرائعة التي تتوسطه ، وبدأ القصر يعود إلى بعض ما كان عليه عندما أقامه وعاش فيه منشئ مصر الحديثة : محمد علي باشا الكبير.

وربما لا يدري معظم الذين يمرون بالسور الخارجي للقصر طبيعة وتاريخ هذا المكان ،أو حتى يدرون ما هو .. وهو الذي لا يفصله عن شط النيل سوى طريق الكورنيش، الذي يؤدي إلى مدخل طريق القاهرة – الإسكندرية الزراعي.وتمر به كل يوم آلاف السيارات العامة والخاصة ،وأكثر من مليون شخص يدخلون القاهرة ويخرجون منها كل يوم . وربما لا يعرفون شيئا عن الذي بناه .. بل الذي بنى مصر كلها ونفض عنها 300 عام من الانهيار والانحدار تحت الحكم الاستعماري العثماني، الذي قضى على الدولة المصرية والاستقلال المصري ، منذ هزم سلطانها قانصوه الغوري في معركة مرج دابق شمال سوريا .. ثم هزم سلطانها طومان باي وشنقه على باب زويلة.