إلحاد

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

إلحاد (بالإنجليزية: Atheism) عبارة عن مصطلح عام يستعمل لوصف تيار فكري و فلسفي وجوهر هذا الفکر یتمرکز في عدم الإعتقاد بوجود أیة آلهة للکون.

فهرست

[تحرير] الإلحاد في اللغة العربیة

معجم لسان العرب یقول: لحَد القبر يلحَدهُ لَحْدًا عمل لهُ لحْدًا. واللحد حفرهُ. والميت دفنهُ. وإلى فلانٍ مال ولحَد في دِين اللَّه لغة في الحد. واللحد حفرهُ. وعن دِين الله وغيرهِ مال وحاد وعدل وطعن فيه. والرجل مارَى وجادَلَ. وفي الحَرَم ترك القصد.(نهایة الإقتباس). نفهم من أعلاه أن مصدر الکلمة لحد یعني المیلان أو الزیغان عن طریق أو شيء ما واللحد في الإله أو في الدین هو الخروج من الدین أو المیلان عن طریق الذي رسمه الدین لفکرة الإله.

[تحرير] الإلحاد في اللغات الأخرى

کلمة Atheism (الإلحاد) مصدرها هي اللغة الإغریقیة القدیمة و تبدأ بالبادئة 'αν' (بااللاتینیة an) وتعني 'لا' أو 'غیر' و کلمة 'θεος' (باللاتینیة theos) وتعني الإله أو الألوهیة.

[تحرير] تأریخ الإلحاد

الإلحاد بفهومه الحالي لم یکن موجودا وهو عدم الإعتقاد بوجود إله أو آلهة. فمفهوم Atheism کان یستعمل فقط للأناس الذین کانوا لا یتبعون الدین و أوامره بإعتبار الدین منزل أو مرسل من لدن الإله. و مفهوم الإلحاد الحالي لا یمکننا إیجاده کذلك في الکتب التي تسمى بالسماویة مثل التوراة و الإنجیل و القرآن ففي تلك المقدسة (لدى مُتّبعیها) هناك ذکر لأشخاص أو جماعات لا یؤمنون بدین معین أو لا یؤمنون بفکرة یوم الحساب أو کانوا یؤمن بآلهة على شکل تماثیل (أصنام) کانت غالبا تصنع من الحجارة. وحتى کلمة الإلحاد أو 'لحد' لم تستعمل في القرآن (الکتاب المقدس لدى المسلمین) بالمفهوم الحالي وقد وردت مشتقات کلمة لحد في القرآن في المواضع التالیة:

سورة الأعراف: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)

سورة النحل: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)

سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)

الکلمات الآنفة الذکر في القرآن هي لا تأتي بمعنى الإلحاد بالمفهوم الحالي المتعارف علیه. فهنا تأتي بمعاني مختلفة کمال عنه أو طعن فیه أو جادل فیه. وکذلك الشخصیات المذکورة في القرآن من الذین کانوا لا یؤمنون برسالة محمد کنوا شخصیات غیر ملحدة (بالمفهوم الحالي) بل کانوا یؤمنون بتعدد الآلهة و کان بعضهم یعتقدون بوجود الإله الأوحد (کان یسمى بالله في جزیرة العرب) ولکنهم کانوا بنفس الوقت یؤمنون بأن التماثیل التي کانوا یعبدونها بإستطاعتهم الشفاعة لهم عند ذلك الإله الأوح و الأعظم. سورة العنكبوت: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ (61) والأمر لا یتوقف عند هذا الحد بل حتى کتب التفاسیر القدیمة لدى المسلمین لا تتطرق إلى وجود ملحدین بالمفهوم الحالي. بدأت فکرة الإلحاد تتطور شیئا فشیئا حتى وصل إلى صورتها الحالیة الآن. فتطور مفهوم الإلحاد لازم تطور العلمي و الإنساني إبتداءا من العصور الوسطى و خاصة في أوربا. وهناك عدة إکتشافات و إنجازات ساهمت بشکل فعال في تسریع عملیة تطور هذا المفهوم منها إکتشاف أن الأرض کرویة و أنها هي التي تدور حول الشمس و لیست العکس وکذلك إکتشاف نظریة التطور من قبل العالم الإنکلیزي شارلس داروین وأخیرا نظریة الإنفجار العظیم

[تحرير] اللادينة وعلاقتها بالإلحاد

من الصعب تقديم تعريف جامد ومحددا للادينية لأنها ببساطة تيار فكري غني بالتنوع والرؤى ، فلكل لاديني فهمه الخاص للدين والانسان والاله ، ولكن هذا لا يعني غموض مفهوم اللادينية ، اذ مهما تعددت الرؤى والتصورات يبقى للادينية مفهوم فكري عام يميزها عن باقي الاتجاهاتالفكرية[بحاجة لمصدر] . وهذا المفهوم الفکري العام یتمرکز في أنهم جمیعا یعتقدون أن الأدیان الحالیة هي من صنع البشر ولیس من الخالق المفترض.

اللادينية هي اتجاه فكري يرفض مرجعية الدين في حياة الانسان ويؤمن بحق الانسان في رسم حاضره ومستقبله واختيار مصيره بنفسه دون وصاية دين أو تحكم شريعة ، فاللادينية لا تؤمن بأحكام وتصورات معصومة لا تقبل الجدل والنقاش ، بل ترى أن النص الديني أيا كان أسمه هو مجرد نص بشري محض لا ينطوي على قداسة خاصة ولا يعبر عن الحقيقة المطلقة التي تسمو على الشك [منسوخ من [1] يحتاج رخصة].

واللادينية ضمن هذا الفهم تختلف عن المفهوم التقليدي للإلحاد الذي يتخذ من قضية عدم الإعتقاد بوجود أیة آلهة منطلقا وركيزة اساسية ، اذ تقدم اللادينية تصورا أكثر شمولا واتساعا للدين ، فلا تختزل الدين بمجرد ألوهية وانما تطرح الالوهية باعتبارها جزءا صغيرا من منظومة فكرية واسعة ، ومن هذا المنطلق فان كلا ملحد هو لاديني ولكن اللاديني ليس ملحدا بالضرورة بل تحمل اللادينية اطيافا متعددة لفهم الألوهية من الانكار الكامل لها مرورا باللادرية أو عدم الإكتراث اصلا بوجود اله وانتهاء بإيمان خاص بوجود اله وفق فهم محدود لعلاقته بالانسان [منسوخ من [2] يحتاج رخصة].

[تحرير] أنواع الإلحاد

بسبب التعريف الغير واضح المعالم لمصطلح الإلحاد و وجود تيارات عديدة تحمل فكرة الإلحاد ، نشأت محاولات لرسم حدود واضحة عن معنى الإلحاد الحقيقي وأدت هذه المحاولات بدورها إلى تفريعات و تقسيمات ثانوية لمصطلح الإلحاد، وتبرز المشكلة إن كلمة الإلحاد هي ترجمة لكلمة لاتينية وهي Atheos وكانت هذه الكلمة مستعملة من قبل اليونانيون القدماء بمعنى ضيق وهو "عدم الإيمان بإله" وفي القرن الخامس قبل الميلاد تم إضافة معنى آخر لكلمة لحاد وهو "إنكار فكرة الإله الأعظم الخالق" كل هذه التعقيدات ادت إلى محاولات لتوضيح الصورة ونتجت بعض التصنيفات للإلحاد ومن ابرزها:

  • إلحاد قوي أو إلحاد ظاهر وهو شخص ينكر بصورة علنية وجود أي إله [3]
  • إلحاد ضعيف أو إلحاد مبطن وهو شخص لا يؤمن بوجود أي إله ولكنه لم يعلن ولم ينفي إيمانه هذا على الملأ [4].

هذين التعريفين كانتا نتاج سنين طويلة من الجدل بين الملحدين أنفسهم ففي عام 1965 كتب الفيلسوف الأمريكي من أصل تشيكي أيرنست نيجل (1901 - 1985) "إن عدم الأيمان ليس إلحادا فالطفل الحديث الولادة لايؤمن لأنه ليس قادرا على الإدراك وعليه يجب توفر شرط عدم الإعتقاد بوجود فكرة الإله" [5]. في عام 1979 قام الكاتب جورج سمث بإضافة شرط آخر إلى الملحد القوي الا وهو الإلحاد نتيجة التحليل و البحث الموضوعي فحسب سمث الملحد القوي هو شخص يعتبر فكرة الإله فكرة غير منطقية و غير موضوعية وهو إما مستعد للحوار او وصل إلى قناعة في إختياره و يعتبر النقاش في هذا الموضوع نقاشا غير ذكي [6].

وأوضح سمث إن هناك فرقا بين رجل الشارع البسيط الذي ينكر فكرة الإله لأسباب شخصية او نفسية او اجتماعية او سياسية و الملحد الحقيقي الذي و إستنادا إلى سمث يجب ان يكون غرضه الرئيسي هو الموضوعية و البحث العلمي وليس التشكيك او مهاجمة او إظهار عدم الإحترام للدين [7] .

ولكن و بالرغم من هذه التوضيحات بقيت مسألة عالقة في غاية الأهمية لم تحسم لحد هذا اليوم وهو التطبيق العملي على أرض الواقع و الحياة العملية لفكرة الإلحاد فهناك بعض الصفات و الخصائص الجيدة والسیئة أیضا التي يشجع الأديان الإنسان على إتباعها ويقوم اتباع الدين بمارسة هذه التعاليم إيمانا منهم إن إلها متكاملا امر بها و قد يشترك بعض هذه المفاهيم و التصرفات مع بعض مفاهيم الملحد الحقيقي ومن اهمها ان الملحد الحقيقي و تابع دين معين قد يلتقون في فكرة إحترام وجهة نظر المقابل و عدم إستصغار او تحقير اية فكرة إذا كانت الفكرة مبعث طمأنينة لشخص معين ويجعله شخصا بناءا في المجتمع.بعض الملحدين لهم فکر حضاري متطور قئم على مباديء حقوق الإنسان والعلمانیة التي أثببتت جدارتها في المجتمعات الغربیة التي معظمها ظاهرا تتحکم وفقا لمابديء العلمانیة.

[تحرير] أسباب الإلحاد

  • أسباب فلسفية نابعة من التحليل المنطقي والإستنتاج العلمي التي و حسب وصف الملحدين تشير إلى إنعدام الأدلة و البراهين على وجود إله خالق أعظم وعدم وجود إشارة لخالق هذا الخالق الأعظم وعدم وجود غرض منطقي لهذا الخالق بخلق البشرية من الأساس [8].
  • فكرة الشر او الشيطان وكونها منافية لقدرة الخالق على عمل كل شيء فإذا كان قادرا على إزالة الشيطان او نزعة الشر فإن هذا يوفر البشرية طاقة و وقتا لكي يبدع و إذا كان الخالق متعمدا في إبقاء الشيطان ليختبر العباد فإن الخالق وحسب تعبير الملحدين يبدوا وإنه غير متأكد من قدراته و يحتاج إلى اختبار لإثبات ذلك .

[تحرير] بدايات الإلحاد

من اليمين فرويد ، ماركس ، نيتشه
من اليمين فرويد ، ماركس ، نيتشه

استنادا إلى كارين أرمسترونغ في كتابها «تاريخ الخالق الأعظم» [9] فإنه ومنذ نهايات القرن السابع عشر و بدايات القرن التاسع عشر و مع التطور العلمي و التكنلوجي الذي شهده الغرب بدأت بوادر تيارات أعلنت أستقلالها من فكرة وجود الخالق الأعظم. هذا العصر كان عصر كارل ماركس و تشارلز داروين و فريدريك نيتشه وسيغموند فرويد الذين بدأوا بتحليل الظواهر العلمية و النفسية و الأقتصادية و الاجتماعية بطريقة لم يكن لفكرة الخالق الأعظم اي دور فيها. ساهم في هذه الحركة الموقف الهش للديانة المسيحية في القرون الوسطى و ماتلاها نتيجة للحروب و الجرائم و الأنتهاكات التي تمت في أوروبا بأسم الدين نتيجة تعامل الكنيسة الكاثوليكية بما اعتبرته هرطقة أو خروجا عن مبادئ الكنيسة حيث قامت الكنيسة بتشكيل لجنة خاصة لمحاربة الهرطقة في عام 1184 م وكانت هذه اللجنة نشيطة في العديد من الدول الأوروبية [10]، وقامت هذه اللجنة بشن الحرب على أتباع المعتقد الثنوي في غرب أوروبا، والثنوية هي إعتقاد بأن هناك قوتين أو خالقين يسيطران على الكون يمثل أحدهما الخير و الأخر الشر. إستمرت هذه الحملة من 1209 إلى 1229 وشملت أساليبهم حرق المهرطقين و هم أحياء وكانت الأساليب الأخرى المستعملة متطرفة و شديدة حتى بالنسبة لمقاييس القرون الوسطى. وكانت بناءا على مرسوم من الناطق بإسم البابا قيصر هيسترباخ Caesar of Heisterbach الذي قال «اذبحوهم كلهم» [11] [12] واستمرت هذه الحملة لسنوات وشملت لأكثر من 10 مدن في فرنسا. وتلا هذه الحادثة الخسائر البشرية الكبيرة التي وقعت أثناء الحملات الصليبية . ولم يقف الأمر عند العلماء فحتى الأدباء اعلنوا وفاة فكرة الدين و الخالق ومن ابرز الشعراء في هذه الفترة هو وليم بلاك (1757 - 1827) William Blake حيث قال في قصائده ان الدين ابعد الأنسان من انسانيته بفرضه قوانين تعارض طبيعة البشر من ناحية الحرية والسعادة وان الدين جعل الأنسان يفقد حريته و اعتماده على نفسه في تغير واقعه [13].

وبدأت تدريجيا وخاصة على يد الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1788 - 1860) بروز فكرة ان "الدين هو من صنيعة البشر ابتكروها لتفسير ماهو مجهول لديهم من ظواهر طبيعية او نفسية او اجتماعية وكان الغرض منه تنظيم حياة مجموعة من الناس حسب مايراه مؤسس الدين مناسبا وليس حسب الحاجات الحقيقية للناس الذين عن جهل قرروا بالالتزام بمجموعة من القيم البالية [14] وانه من المستحيل ان تكون كل هذه الديانات من مصدر واحد فالاله الشديد البطش الذي انزل 12 مصيبة على المصريين القدماء وقتل كل مولود أول ليخرج اليهود من ارض مصر هو ليس نفس الاله الذي ينصحك بان تعطي خدك الآخر ليتعرض للصفع دون ان تعمل شيئا". وتزامنت هذه الأفكار مع ابحاث تشارلز داروين الذي كان مناقضا تماما لنظرية نشوء الكون في الكتاب المقدس واعلن فريدريك نيتشه من جانبه موت الخالق الأعظم وقال ان الدين فكرة عبثية وجريمة ضد الحياة اذ انه من غير المعقول ان يعطيك الخالق مجموعة من الغرائز و التطلعات وفي نفس الوقت يصدر تعاليم بحرمانك منها في الحياة ليعطيك اياها مرة اخرى بعد الموت [15] .

نظريات داروين كانت مخالفة لقرون من الأعتقاد السائد بأصل الأنواع
نظريات داروين كانت مخالفة لقرون من الأعتقاد السائد بأصل الأنواع

اعتبر كارل ماركس الدين أفيون الشعوب يجعل الشعب كسولا و غير مؤمنا بقدراته في تغيير الواقع وان الدين تم استغلاله من قبل الطبقة البورجوازية لسحق طبقة البسطاء [16]، اما سيغموند فرويد فقد قال ان الدين هو وهم كانت البشرية بحاجة اليه في بداياتها وان فكرة وجود الاله هو محاولة من اللاوعي لوصول إلى الكمال في شخص مثل اعلى بديل لشخصية الأب اذ ان الأنسان في طفولته حسب اعتقاد فرويد ينظر إلى والده كشخص متكامل وخارق ولكن بعد فتره يدرك انه لا وجود للكمال فيحاول اللاوعي ايجاد حل لهذه الأزمة بخلق صورة وهمية لشيئ اسمه الكمال [17].

كل هذه الأفكار وبصورة تدريجية ومع التغييرات السياسية التي شهدتها فرنسا بعد الثورة الفرنسية و بريطانيا بعد عزل الملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688 و تنصيب الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية من إنكلترا على العرش كان الأتجاه السائد في أوروبا هو نحو فصل السياسة عن الدين والغاء العديد من القيود على التعامل و التعبير التي كانت مفروضة من السلطات السابقة التي كانت تاخذ شرعيتها من رجالات الكنيسة. وعندما بدأ الإستعمار الأوروبي للعالم الأسلامي حيث تحولت الجزائر إلى مستعمرة فرنسية عام 1830 وتحولت اليمن في عام 1882 إلى مستعمرة بريطانية وبين بريطانيا و فرنسا تحولت هذه الدول إلى مستعمرات مصر ، تونس ، سودان ، ليبيا ، مغرب ، وهنا بدأ احتكاك جديد لأول مرة بين قوى متطورة من الناحية العلمية والتكنلوجية و لا تعترف باي دور للدين في السياسة وبين مسلميين ادركوا ان ركب التقدم قد فاتهم ولكنهم في قرارة نفسهم كانوا لايزالون يؤمنون بانهم "خير أمة أخرجت للناس" وان "الدين عند الله الإسلام" فظهر في الطريق خياران لا ثالث لهما اما اللحاق بالتقدم الغربي من خلال التقليد و المحاكاة و العلاقات الجيدة او القناعة بان ما آل اليه حال المسلمين من خضوع يكمن سببه في الأبتعاد عن إصول الدين الإسلامي . فاختار البعض طريق التأثر بالغرب و العلمانية و اختار البعض الآخر العودة للجذور و من هنا نشأت بدايات ما يسمى الإسلام السياسي ولايزال هذا الأنقسام موجودا إلى يومنا هذا.

[تحرير] الإلحاد في العالم الإسلامي

واجهت فكرة الإلحاد جدارا صعب الإختراق في بداية إنتشار الفكرة أثناء الإستعمار الأوروبي لعدد من الدول الإسلامية ويعتقد معظم المستشرقين و المؤرخين إن الأسباب التالية لعبت دورا مهما في صعوبة إنتشار فكرة الإلحاد الحقيقي في العالم الإسلامي لحد يومنا هذا [18]:

  • الإختلاف التأريخي بين الإسلام و الديانات و الأفكار الروحية الأخرى حيث إن الإسلام إستطاع في بداياته من تشكيل نواة دولة وتغلغل الفكر الإسلامي وتخطى حدود مجرد كونه فكرة روحية بل أصبح نظاما اجتماعيا و سياسيا و اقتصاديا حاولت تنظيم كافة الأمور من ابسط الأشياء كإلقاء التحية و طريقة الأكل مرورا بفلسفة الوجود إلى الأمور السياسية و الإدارية و كل هذه الأمور أضافت طابعا اجتماعيا و إحتفاليا لطقوس كان غرضها الرئيسي ديني بحت فأصبح صوم رمضان و حج الكعبة و الزكاة تحمل معاني اجتماعية تأصلت في ذاكرة الإنسان المسلم جيلا بعد جيل و أصبحت جزءا من الموروث الثقافي.
  • الإنتصارات التأريخية العسكرية التي تحققت في عهد الإسلام حيث تحولت قبائل متشرذمة معادية لبعضها إلى قوة عظمى فتولدت قناعة لدى المسلم إن الخضوع و التأخر والهزيمة كانت نتيجة الإبتعاد عن مبادئ الإسلام وليس العكس.
  • إستناد الإستعمار الأوروبي في محاولته لفهم العالم الإسلامي على أفكار معادية للإسلام و لشخصية رسول الإسلام إنتشرت في أوروبا في القرون الوسطى أثناء التوغل الإسلامي في قارة أوروبا فتولدت نتيجة لهذه الأفكار قناعة لدى المستعمر الأوروبي بأنه أكثر تفتحا و تحظرا من المسلم الذي و حسب رأي المستعمر كان صاحب عقلية متحجرة وأدى هذا الفكرة المسبقة عن المسلمين إلى إنعدام حوار حقيقي بين الحضارات بل كان حوار من طرف واحد مفاده ان المسلم يجب عليه ان يتغير لكي يواكب ركب التقدم وأدى هذا الحوار الفردي إلى ردود فعل معاكسة و نشوء ظاهرة ما يطلق عليه تسمية إسلام سياسي.
  • طبيعة المجتمع الشرقي الذي هو عبارة عن مجتمع جماعي بعكس المجتمع الأوروبي الذي يتغلب عليه صفة الإنفرادية فالإنسان الشرقي ينتمي اولا للعائلة ثم القبيلة او العشيرة ثم الطائفة وأي قرار يتخذه يجب ان يراعي فيه مصلحة مجموعة أخرى محيطة به قبل مصلحته او قناعته الشخصية فالإنسان الغربي له القدرة على إعلان الإلحاد كقرار فردي دون ان يتبع هذا القرار "وصمة عار" من قبل المجتمع بعكس الإنسان الشرقي الذي سيصبح معزولا عن اقرب المقربين إليه إذا اعلن الإلحاد لكون دين الإسلام دينا ذات ابعاد اجتماعية يدخل في تفاصيل الحياة اليومية.

بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية حاول مصطفى كمال أتاتورك (1881 - 1938) بناء دولة علمانية و إلحاق تركيا بالمجتمع الأوروبي فقام بإغلاق جميع المدارس الإسلامية وشملت المحاولة منع إرتداء العمامة او رموز اخرى فيه إشارة إلى الدين. في إيران تأثر الشاه رضا خان الذي حكم من 1925 إلى 1941 بمبادرة أتاتورك فقام بمنع الحجاب و أجبر رجال الدين على حلق لحاهم وقام بمنع مواكب العزاء أثناء عاشوراء ولكن هذه المحاولات لكونها مفاجئة و غير تدريجية و متأثرة بافكار اوروبية كانت لها نتائج عكسية ففكرة الإلحاد التي إنتشرت في أوروبا كانت تدريجية و موجهة ضد تدخل الكنيسة الكاثوليكية في السياسة ولم تكن لها نظرة شمولية عن الأديان الأخرى.

أدى استعمال القوة في فرض الأفكار العلمانية في إيران و تركيا إلى نتائج عكسية وتولد نواة حركات معادية لهذه المحاولات وإستقطبت مدينة قم في إيران كل الحركات المعادية لحكومة طهران ومن الجدير بالذكر إن قم كانت لاتزال تمتلك نفوذا كبيرا على صنع القرار السياسي ومن الأمثلة المشهورة على ذلك كان الفتوى التي صدرت في إيران عام 1891 وفيها أفتى محمد حسن شيرازي الإيرانيين بمقاطعة تدخين التبغ وحدثت بالفعل مقاطعة واسعة النطاق لمدة شهرين حيث اضطر الشاه على أثرها لإلغاء عقود تجارية ضخمة مع عدد من الدول الأوروبية حيث كان الشاه في ذلك الوقت يحاول الانفتاح على الغرب [19].

نشأت نتيجة محاولة الفكر الإلحادي و العلماني إختراق المجتمع الإسلامي حركات إسلامية إصلاحية كانت تحاول استعمال الدين لإجراء إصلاحات سياسية و اجتماعية فمن أفغانستان ظهر جمال الدين الأفغاني (1838 - 1887) ومن مصر ظهر محمد عبده (1849 - 1905) وفي الهند ظهر محمد إقبال (1877 - 1938) وشهد القرن العشرين صراعا فكريا بين الفكر الإسلامي و أفكار اخرى مثل الشيوعية و القومية العربية ولكن حتى الشيوعيين و القوميين لم يجعلوا من الإلحاد مرتكزا فكانت هناك ظاهرة غريبة بين بعض الشيوعيين حيث كان البعض منهم يمارسون الطقوس الإسلامية.

لكن المستوى الأقتصادي المتدني لمعظم الدول في العالم الأسلامي حيث بدأت منذ الأربعينيات بعض الحركات الأشتراكية في بعض الدول الأسلامية تحت تاثير الفكر الشيوعي كمحاولة لرفع المستوى الأقتصادي و الأجتماعي للافراد ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي خلف فراغا فكريا في مجال محاولة الأصلاح الأقتصادي و الأجتماعي و يرى المحللون انه من هنا انطلقت الأفكار التي قامت بتفسير التخلف و التردي في المستوى الأقتصادي و الأجتماعي إلى أبتعاد المسلمين عن التطبيق الصحيح لنصوص الشريعة الأسلامية وتؤثر حكوماتهم بالسياسة الغربية [20] ولعبت القضية الفلسطينة والصراع العربي - الأسرائيلي واحتلال إسرائيل للضفة الغربية و قطاع غزة كل هذه الأحداث وتزامنها مع الثورة الأسلامية في إيران و حرب الخليج الثانية مهدت الساحة لنشوء فكرة ان السياسة الغربية مجحفة وغير عادلة تجاه المسلمين وتستخدم مفهوم الكيل بمكيالين وأدى كل هذا إلى نشوء ظاهرة الإسلام السياسي بدلا من إنتشار الفكر الإلحادي.

[تحرير] مواضيع ذات صلة

[تحرير] وصلات خارجية

  • منتدى الملحدين العرب [21]
  • موقع الادينيين العرب [22]

[تحرير] المصادر