دورة المياه
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
"دورة المياه في الطبيعة"(water cycle)
[تحرير] ماذا قال ابن سينا عن الظاهرة؟
قال ابن سينا في كتاب النجاة: هذه الأبخرة المحتبسة في الأرض إذا انبعثت عيوناً أمدَّت البحار بصب الأنهار إليها ، ثم ارتفع من البحار ، والبطائح ، وبطون الجبال خاصة أبخرة أخرى ، ثم قطرت ثانياً إليها فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور دائماً "
اعتقد أن النص واضح في دلالته ، فكما يقول ابن سينا: إن المياه الجوفية (المحتبسة في الأرض) وهذا هو المشار إليه في الرسم بـ ( GROUND WATER ) ، ولعل وصفها بالأبخرة فيها دلالة واضحة على حرارة جوف الأرض الذي بخر هذه المياه و فيه دلالة أيضاً على شدة الضغط الذي تولد من تبخر الماء حتى (انبعثت عيوناً) و هذا ما يمثله الرسم التوضوحي بـ ) GROUND WATER DISCHARGE) ، وهذه العيون (في الرسم springs ) تمد البحار بطريق غير مباشر إذ تصب في الأنهار ، ثم الأنهار بدورها تصب في البحار ، وهذا ما عبر عنه الرسم التوضيحي الحديث بـ (STREAMFLOW / SURFACE RUNOFF ) أي المياه الجارية فوق سطح الأرض/ و جريان الأنهار ، و مصب المياه السطحية في البحار موضح بالأسهم في الرسم ، و عمل البحار كخزانات للمياه معبر عنه في الرسم بـ (WATER STORAGE IN OCEANS) و" OCEANS" المقصود بها المحيطات ، ولا أعلم إن كان العرب في زمان ابن سينا يفرقون بين المحيطات و البحار ـ وهذا يحتاج إلى مزيد من البحث في كتب تلك الحقبة ـ . ثم يتبخر الماء و (يرتفع من البحار) وصف في الرسم بـ (EVAPORATION) ، و من البطائح ( و جاء في القاموس المحيط: البَطيحَةُ والبَطْحاءُ والأَبْطَحُ : مَسِيلٌ واسِعٌ فيه دُقاقُ الحَصى ، جمع : أباطِحُ وبِطاحٌ وبَطائِحُ ، وتَبَطـَّحَ السَّيْلُ : اتـَّسَعَ في البَطْحاءِ . و جاء في الزاهر : والبطحاء من مسايل السيول المكان السهل الذى لا حصى فيه ولا حجاره وكذلك الأبطح وكل موضع من مسايل الأودية يسويه الماء ويدمثه فهو الابطح والبطحاء والبطيح) فيتضح أن البطائح هي أرض منبسطة واسعة كان بها ماء ، و نجد في الرسم أن هناك سهماً منبثقاً من بركة مائية (FRESHWATER STORAGE ) أي مستودع للمياه العذبة ، ومكتوب فوقه نفس الكلمة التي كتبت فوق المحيط(EVAPORATION) أي عملية التبخر ، ثم يقول ابن سينا (وبطون الجبال خاصة) وهذه العبارة تحتاج إلى فحص خبير عارف بالجيولوجيا ، ثم ينتقل ابن سينا إلى المرحلة التالية فيقول: (ثم قطرت ثانياً إليها) (PRECIPITATION) ، و ينهي كلامه عن هذه الدورة بقوله: ( فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور دائماً ) و بهذا يكون قد أثبت الجزء الأهم من هذه الدورة وهو ثـَبَاتُ منسوب المياه على الأرض . أما بالنسبة للعناصر المفقودة في هذه الدورة:
(ATMOSPHERIC STORAGE) (CONDENSATION) (INFILTRATION) ، فإنك تجدها عندما تعود إلى كتاب ابن سينا الذي أخِذ َ منه هذا النص ( النجاة ص130 المقالة الخامسة: في المركبات الناقصة والمعادن) ، و الحق أن الكلام فيه معقد يحتاج إلى جهابذة اللغة ، و علماء هذا الفن (الجيولوجي) كي يخلصوا إلى حكم بالصحة أو البطلان بعد عرضه على ما لدينا من حقائق و معلومات حول هذه الظاهرة . و أخيراً نقول إنَّ هذه الأجزاء المفقودة ، و التي لم يعرض لها هذا النص ـ إن سلمنا بذلك بعد دراسة النص الأساسي من مصدره الأصلي ـ لا يبرر أبداً ما نحن عليه اليوم ، و لنتكلم أولاً عن موقفنا كعرب و مسلمين في مناهجنا و في كتبنا الحديثة ، ثم نعرض إلى الموقف الدولي و الغربي تحديداً :
[تحرير] ماهو الموقف الدولي و العربي إزاء هذه الظاهرة؟
أولاً : دورة المياه في الطبيعة تدرس في كتب الجغرافيا لطلاب المرحلة الإعدادية على أنها لقيطة بلا أب أو أم ؛ فمناهجنا تقدمها على أنها حقيقة علمية دون نسبتها إلى أحد من العلماء ، و دون التعرض إلى مكتشفها . وهذا المقال الذي لا أدعي أنه يرقى إلى مستوى البحث العلمي ، و لكنه محاولة جادة لم آلُ فيها جهداً ، و لم أنم لأجلها لياليَ بأكملها ، أقدمهُ هدية متواضعة لأي عالم من علمائنا الأفاضل أو باحثينا الجادين كي يكمل ما ينبغي إكماله و يقدمه حقيقة علمية موثقة ترد الحق إلى أهله ، و حسبي أنني انتصرت لعالم مسلم أفنى عمره في محراب العلم و قدم للعالم 450 مصنف في شتى الفنون ، و كان منارة الطب لأكثر من 500 سنة (ما يقرب ستة قرون) ثانياً: جميع المصادر و المواقع العربية على الانترنت و التي اهتمت بإنجازات العلماء المسلمين ـ التي تسنى لي الإطلاع عليها طبعاً ـ تذكر الكثير من إنجازات ابن سينا ، و هذا السبق العلمي لم يذكره أحد قبل هذا المقال ، ولعل هذا راجع لعدة أسباب : وقوع النص في كتاب فلسفي ـ التقصير الواضح تجاه التراث العلمي و الطبي ، ولعل هذا عائد إمّا لضعفنا العلمي أو اللغوي ، و قلَّ و ندر أن تجد من علمائنا من يجمع بين فصاحة اللسان و سعة العلم التطبيقي ـ اعتماد منهج التجميع و النقل بدل المنهج العلمي الذي يعتمد على التحليل و النقد ، لذلك نجد أن أمثال هذه النصوص تمر و لا تجد من يدرسها و يحققها ، في الوقت الذي تؤخذ النصوص الغربية على أنها نصوص مقدسة مسلم بصحتها .
ثالثاً : أثناء بحثي في الانترنت وجدت مقالاً بعنوان " أبو العلاء و دورة المياه في الطبيعة " يقصد أبا العلاء المعري الشاعر المعروف ، و كاتب المقال ذيله باسمه (د/عدنان عاكف) ، و قد توصل الدكتور الفاضل إلى أن هذه الدورة موصوفة في أبيات متفرقة لأبي العلاء ، و لقد اقتبست هذا البيت من المقال ، لأصل إلى نتيجة تؤكد ما سلف و ذكرته في البداية ، يقول أبو العلاء :
وقد يُجْــتدى فضل الغـمام وإنما من البحر فيما يزعم الناس يَجْـتدي
و كما قال كاتب المقال ، هذا البيت فيه دلالة واضحة على أن دورة الماء كانت معروفة بين عامة الناس و خاصتهم ( يزعم الناس) ، فيبدو أن هذه الحقيقة العلمية قد ذاعت و انتشرت بين الناس ، و إذا ما نظرنا إلى الحقبة التي عاش فيها أبو العلاء المعري نجدها تمتد من (363 – 449 هـ ) و هي نفس الحقبة التي عاش فيها عالمنا الفذ "ابن سينا" ( 370 ـ 428 هـ ) و الآن للننظر إلى ما يقوله الغرب : أولاً : يبدو أن المواقع الغربية قد حذت حذو المصادر العربية ، أو عذراً العكس هو الأصح ، فمنذ قرون و نحن نتبع إثرهم و نحذو حذوهم ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ ، فالموسوعات الغربية ، كـ( Encyclopedia 2000 ) و هي النسخة التي أقتنيها ، و ( Wikipedia ) وهي موسوعة علمية متاحة في الانترنت ، و غيرها من النتائج التي تظهر في مواقع البحث ، جميع هذه المصادر أهملت مكتشف الظاهرة و اكتفت بتفاصيلها ، ثم أراد الله سبحانه وتعالى أن أهتدي لأحد المواقع تابع "لليونسكو"( UNESCO) أنشئ من أجل موضوع المياه ، فاهتم بكل ماله صلة به ، وهذا هو رابطه :
http://www.unesco.org.uy/phi/libros/histwater/index.html
و من فضل الله سبحانه و تعالى وجدت أن هذا الموقع قد أفرد مبحثاً لتاريخ هذه الدورة ، و الموقع يكتسب أهميته من ناحيتين ؛ كونه تابعاً لمنظمة دولية وهذه المنظمة كما هو معلوم تابعة للأمم المتحدة و هي تهتم بالجانب التعليمي و الثقافي، و الثاني اعتماده على مراجع كثيرة ( أكثر من 25 مرجعاً ) فماذا كـُتِبَ عن تاريخ هذه الظاهرة في هذا الموقع ؟ كتب تحت عنوان (understanding the water cycle ) ما نصه: "Only in the late seventeenth century did European scientists reach a clear understanding of the origin of water and its natural cycle ". فقط مع أواخر القرن السابع عشر ( أي مع نهاية 1700 م ) استطاع علماء الغرب أن يصلوا إلى فهم واضح عن منشأ المياه و دورته الطبيعية إلى أن يقول: " The first book on scientific hydrology in the Western world was De l'origine des fontaines (On the origin of springs), written by Pierre Perrault and published in 1674 in Paris by Pierre Le Petit ". أول كتاب في علم المياه في العالم الغربي كان اسمه " في أصل الينابيع" ِـ و هو بالفرنسية ـ ، كتبه بياري ، و نشر سنة 1674م في باريس "
إذاً لا نسبة ولا تناسب ، و لا وجه للمقارنة أصلاً ، فهم يحصرون الحقبة التي بدأ يتبلور لديهم فيها فهم واضح لهذه الظاهرة بنهايات القرن السابع الميلادي ( أي ما يقرب 200سنة أو أكثر قليلاً ) في الوقت الذي يطرح فيه ابن سينا نصه قبل 800 سنة من هذا الحقبة ، و بدقة متناهية تكاد تصل إلى ما نعرفه الآن في عصرنا الحالي و بعد مرور أكثر من ألف سنة من ذلك التاريخ ، و بيت المعري يشير إلى أن هذا الأمر كان معروفا و ذائعاً بين الناس ، و في الغرب فهمه بعد لأي علماؤهم مع نهاية القرن 17 !! و النص الثاني يشير إلى أول كتاب كتب في علم المياه سنة 1674م ، و ابن سينا توفي سنة 1036م ، أي قبل ما يقرب من ستة قرون (600 سنة ) ، و يبدو أن هذا الكتاب لم يقدم وصفاً علميا صحيحاً لهذه الظاهرة إذ أن الكاتب قال في البداية: إن فهمهم لهذه الظاهرة كان مع نهايات القرن السابع عشر ، و لم يقل مع نهايات السادس عشر ، مما يستثني هذا الكتاب من تلك الحقبة.
ابن سينا (Avicenna )
يوسف بن عبدالعزيز صافي الجيل