تقسيمات المقاصد الشرعية بين القدماء والمحدثين: د.محمد غاني

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

تقسيمات المقاصد الشرعية بين القدماء والمحدثين: د.محمد غاني

لئن كان المتداول والمحفوظ في الدرس الأصولي بصفة عامة وفي البحث المقاصدي بصفة خاصة التقسيم المشهور للمقاصد إلى   ضروريات وحاجيات وتحسينيات فإن البحث الموضوعي يستلزم لفت الاهتمام إلى محاولات جادة لإعادة النظر في التقسيم المقاصدي من منظور مختلف عما هو شائع ومحفوظ للانفتاح على أبعاد أخرى أغفلها التقسيم التقليدي الشائع، وسنتطرق لبعض هذه المحاولات من خلال تقسيمات القدماء والمحدثين. I- عند القدماء: الإمام الجويني ( ت472 هـ): لقد كان الجويني من اوائل من دعا إلى ضرورة إحداث قول جديد في علم الأصول للخروج بهذا العلم من صوريته وظنيته، وهذا لا يعني أن القول بالمقاصد كان غائبا بالكلية في الخطاب الأصولي فلقد كان دائم الحضور ولكن وجوده كان هامشيا لا يكاد يحضر إلا عند الحديث عن التقعيد الأصولي أو عن نظرية القياس وموقع المصالح فيها أو عند مناقشة قضية الاستصلاح فالقول المقاصدي كان حاضرا ولكن لخدمة الخطاب الأصولي عموما وهو ما يفارق طموح الجويني الذي كان يهدف إلى إعطاء المقاصد الدور المركزي في علم أصول الفقه وجعل المفاهيم الأصولية خادمة لها عوض أن تكون مخدومة بها، كما هدف إلى توظيف المقاصد في تجاوز ظنية الاستدلال والوصول إلى القطع مما سيكون له أثر كبير في رفع الاختلاف الذي رأى أنه لا يزيد إلا حدة بين الفقهاء. لقد نادى الجويني بأن ترتفع قواعد الشريعة إلى مستوى المبادئ الكلية والقطعية التي تتحكم في الجزئيات الظنية المندرجة تحتها حيث نزع صفة التبصر بالشريعة عن من لم يتفطن لذلك فقال: (من لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي فليس على بصيرة في وضع الشريعة)( ). حاز الجويني قصب السبق في مسألة التقسيم الثلاثي لمقاصد الشريعة وحصرها في الضروريات والحاجيات والتحسينات أو المكرمات على حد تعبيره وذلك عند حديثه عن الأقسام الخمسة للتعليلات الشرعية فذكر وجود قسم " لا يظهر له تعليل واضح ولا مقصد محدد لا من باب الضرورات ولا من باب الحاجات ولا من باب المكرمات"( ) وهو قسم عده الجويني من باب النادر في الشريعة. أما الأقسام الخمسة للعلل الشرعية فهي: - القسم الأول: ما يتعلق بالضرورات مثل القصاص فهو معلل بحفظ الدماء المعصومة والزجر عن التهجم عليها( ). - القسم الثاني: ما يتعلق بالحاجة العامة ولا ينتهي إلى حد الضرورة وقد مثله بالإجارات بين الناس( ). - القسم الثالث: ما ليس ضروريا ولا حاجيا حاجة عامة وإنما هو من قبيل التحلي بالمكرمات والتخلي عن نقائضها وقد مثله بالطهارات( ). - القسم الرابع: وهو أيضا لا يتعلق بحاجة ولا ضرورة ولكنه دون الثالث بحيث ينحصر في المندوبات فهو في الأصل كالضرب الثالث الذي انتجز الصراع منه في أن الغرض المخيل الاستحثاث على مكرمة لم يرد الأمر على التصريح بإيجابها بل ورد الأمر بالندب إليها( ). - القسم الخامس: وهو ما لا يظهر له تعليل واضح ولا مقصد محدد لا من باب الضرورات ولا من باب الحاجات ولا من باب المكرمات قال: (وهذا ينذر تصويره جدا ومثل لهذا القسم بالعبادات البدنية المحضة) التي لا يتعلق بها أغراض دفعية ولا نفعية( ). إن التقسيم الثلاثي السابق (ضروريات حاجيات تحسينيات) سيبقى هو المعتمد عند جل مؤلفي المقاصد مع استبدال مصطلح المكرمات بمصطلح التحسينات. كما أن الجويني ذكر بعض التفاصيل المتعلقة بالمقاصد الكلية وأشار إلى ثلاثة أنواع من الضروريات الخمس في سياق حديثه عن المقاصد قائلا وبالجملة: "الدم معصوم بالقصاص والفروج معصومة بالحدود والأموال معصومة عن السرقات بالقطع ..."( ). غير أن التنبه لهذه الضروريات قد تم بشكل أوضح قبل الجويني وذلك عند: أبو الحسن العامري( ) حيث يقول: وأما المزاجر فمدارها أيضا عند ذوي الأديان الستة لن يكون إلا على خمسة وهي: - مزجرة قتل النفس كالقود والدية - مزجرة أخذ المال كالقطع والصلب - مزجرة هتك الستر كالجلد والرجم - مزجرة ثلب العرض كالجلد والتفسيق - مزجرة خلع البيضة كالقتل والردة( ). ابن قدامة (541هـ): هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي، المقدسي الدمشقي الحنبلي أبو محمد، موفق الدين ولد سنة 541هـ في جماعيل من قرى نابلس في فلسطين فقيه من أكابر الحنابلة رحل إلى بغداد من شيوخه عبد الله الدقاق وابن البطي ومن تلامذته ابن أخيه شمس الدين عبد الرحمن المنذري: ومن مؤلفاته روضة الناظر وخبة المناظر في أصول الفقه والمغنى في الفقه توفي سنة 620هـ ينظر الذيل في طبقات الحنابلة 4/133. لا يضيف ابن قدامة جديدا وإنما يبين أن الأحكام شرعت لمصلحة العباد( ) وأن الشارع لا يثبت حكما إلا لمصلحة( ) وبمعرفة باعث الشرع وحكمته يكون المكلف أسرع في التصديق وأدعى إلى القبول فإن النفوس إلى قبول الأحكام المعقولة أميل منها إلى قهر التحكم ومرارة التعبد، ولمصل هذا الغرض استحب الوعظ والتفكير وذكر محاسن الشريعة ولطائف معانيها( ) ولا يمتنع أن يكون الشيء مصلحة في زمان دون زمان( ) معرفا المصلحة بأنها جلب المنفعة ودفع المضرة( ) ومرتبا إياها ثلاث مراتب الحاجيات والتحسينيات والضروريات والضروريات خمس: أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقولهم ونسبهم ومالهم( ) ثم يتحدث عن الموازنة بين المصالح والمفاسد في حديثه عما يعرف بانخرام المناسبة. ابن رشد الحفيد (ت 595 هـ): ابن رشد الحفيد لا يقل أهمية عن كوكبة العلماء الراسخين في مقاصد الشريعة الاسلامية كالجويني والغزالي وغيرهم ممن ذكرنا سابقا وسنذكر لاحقا، وحسبنا أن نستحضر أن ابن رشد كان عاكفا على كتب الغزالي الذي هو من هو في مجال مقاصد الشريعة وما يهمنا في هذا المقام من فكره المقاصدي هو جعله المقصد العام للشريعة ينبني على قسمين: - تعليم العلم الحق - تعليم العمل الحق حيث جاء في فصل المقال "وينبغي أن تعلم أن مقصود الشرع إنما هو تعليم العلم الحق والعمل الحق. والعلم الحق هو معرفة الله تبارك وتعالى وسائر الموجودات على ما هي عليه وبخاصة الشريفة منها، ومعرفة السعادة الأخروية والشقاء الأخروي. والعمل الحق هو امتثال الأفعال التي تفيد السعادة وتجنب الأفعال التي تفيد الشقاء والمعرفة بهذه الأفعال هي التي تسمى "العلم العملي"، وهذه تنقسم إلى قسمين: أحدهما أفعال ظاهرة بدنية والعلم بهذه هو الذي يسمى الفقه والقسم الثاني أفعال نفسانية مثل الشكر والصبر وغير ذلك من الأخلاق التي دعا إليها الشرع أو نهى عنها والعلم بهذه هو الذي يسمى "الزهد" وعلوم الآخرة وإلى هذا نحا أبو حامد في كتابه( ). وربما هذا ما جعل أحد الباحثين يعتبر ابن رشد "الفقيه الوحيد الذي بنى مقاصد الشريعة على الفكرة الخلقية ..."( ) لكن في هذا مجازفة وإلقاء الكلام على عواهنه دون تحقيق وتدقيق في الأمر ففي هذه القولة المتقدمة نفسها أشار ابن رشد إلى فضل سبق أبي حامد الغزالي إياه حيث قال: وإلى هذا نحا أبو حامد في كتابه. الإمام فخر الدين الرازي (ت 606 هـ): إذا كان مما يؤثر عن الرازي أنه كان يحفظ المعتمد والمستصفى عن ظهر قلب فلا غرابة ان يتأثر هذا الإمام بفكر من سبقه من الأئمة كأبي حامد الغزالي وإمام الحرمين الجويني وهكذا فقد كان هذا الإمام ممن اقتفوا تقسيم الغزالي للمقاصد في شفاء الغليل حيث يقول في المحصول عند حديثه عن المناسب "إنه الذي يفضي إلى ما يوافق الإنسان تحصيلا وإبقاء وقد يعبر عن التحصيل بجلب المنفعة وعن الابقاء بدفع المضرة لأن ما قصد بقاؤه فإزالته مضرة وابقاؤه دفع مضرة ثم هذا التحصيل والابقاء قد يكون معلوما وقد يكون مظنونا وعلى التقديرين فإما أن يكون دينيا أو دنيويا"( ). سيف الدين الآمدي (ت 631 هـ): يرى الآمدي أن الإجماع منعقد على امتناع خلو الأحكام الشرعية عن الحكم وسواء ظهرت أم لم تظهر( ) وأن الشارع لا يقرر حكما خليا عن الحكمة إذ الأحكام إنما شرعت لمصالح العبيد وليس ذلك بطريق الوجوب بل بالنظر إلى جري العادة المألوفة من شعر الأحكام( ). ويبين أن المقصود من شرع الحكم إما جلب مصلحة أو دفع مضرة أو مجموع الأمرين بالنسبة إلى العبد لتعالى الرب تعالى عن الضرر والانتفاع( ) ويبين مراتب إفضاء الحكم المقصود من شرع الحكم( ) وكذلك مراتب هذا المقصود في نفسه وذاته إلى أثر مقاصد ضرورية، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال( ) ثم يذكر وائل تحقيقها ويواصل بعد ذلك ذكر بقية المراتب، وهي مرتبة الحاجيات ومرتبة التحسينيات ثم يتحدث عن الموازنة بين المصالح والمفاسد في حديثه عن انخرام المناسبة( ) ويرى أن ارتكاب أدنى الضررين يصير واجبا نظرا إلى رفع أعلاهما( ) ولا يغفل عن ذكر بعض المقاصد الجزئية كحديثه عن المقصد من الزكاة الذي هو: دفع حاجات الفقراء وسد خلانهم( ). العز بن عبد السلام (ت 660هـ): يمثل العز بن عبد السلام قفزة عظيمة ومنعطفا مهما في تحويل الفقه من جموده على المدونات والمختصرات وتخريجات علماء المذاهب إلى حيوية الشرع ومسايرته لكل زمان ومكان، وتنزيل القواعد الفقهية والأصولية والأحكام الشرعية على كل ظروف المكلفين وأحوالهم، وهذا ما انتهجه ابن تيمية وابن القيم من بعده ومنشأ هذا عند هؤلاء الظرف السياسي الذي كان يتسم بالتفكك والقلق والاضطراب وظهور التتار وخروج الصليبيين إلى الشام واشتداد تيار علم الكلام( ). وقد اعتنى العز بن عبد السلام اعتناءا شديدا بعلم المقاصد من خلال تأليفه كتاب قواعد الأحكام الذي هو تتميم لكتابه مختصر الفوائد في أحكام المقاصد المعروف بالقواعد الصغرى وليس الثاني اختصارا للأول –كما ظنه البعض-( ) وله رسالتان في مقاصد الصلاة ومقاصد الصوم( ) وشجرة المعارف والأحوال( ). وللعز تقسيم للمصلحة يختلف عن سابقيه حيث يقسمها حسب الأحكام الشرعية الخمسة المعروفة حيث يجعل: المصلحة ثلاثة أنواع:
  * مصالح المباحات
  • مصالح المندوبات * مصالح الواجبات والمفسدة نوعان: * مفاسد المكروهات * مفاسد المحرمات كما أن له تقسيما آخر اعتبر فيه المقياس الخلقي فكانت المصالح عنده مرتبتين: مصالح الآخرة: ويعطيها المرتبة الأولى مصالح الدنيا: ويعطيها المرتبة الثانية والمفاسد مرتبتان: مفاسد الآخرة: ودرؤها مقدم في نظره على الرتبة الثانية. مفاسد الدنيا: وقد كتب يقول في هذا المضمار: "قدم الأولياء والأصفياء مصالح الآخرة على مصالح هذه الدار لمعرفتهم بتفاوت المصلحتين، ودرءوا مفاسد الآخرة بالتزام مفاسد بعض هذه الدار لمعرفتهم بتفاوت الرتبتين؛ وأما الأصفياء فإنهم عرفوا أن لذات المعارف والأحوال أشرف اللذات فقدموها على لذات الدارين( ). - ابن تيمية (ت 728 هـ): يلاحظ على الفكرالأصولي الذي تركه هذا الإمام الفذ أنه مادة مرنة غير جافة تسري فيه روح مقاصد الشريعة فما من حكم شرعي إلا ويهدف في نظره إلى تحقيق مصلحة أو درء مفسدة وانطلاقا من هذا المبدأ أي مراعاة مقاصد الشريعة- يؤاخذ على الأصوليين حصرهم المصالح الكلية في الضروريات الخمس دون الانتباه إلى مصالح أخرى يمكن أن نتلمس فيها الجانب الروحي والأخلاقي وفي ذلك يقول "وقوم من الخائضين في أصول الفقه وتحليل الأحكام الشرعية بالأوصاف المناسبة إذا تكلموا في المناسبة وأن ترتيب الشارع للأحكام على الأوصاف المناسبة يتضمن تحصيل مصالح العباد ودفع مضارهم ورأوا أن المصلحة نوعان أخروية ودنيوية وجعلوا الأخروية ما في سياسة النفس وتهذيب الأخلاق من الحكم وجعلوا الدنيوية ما تضمن حفظ الدماء والأموال والفروج والعقول والدين الظاهر وأعرضوا عما في العبادات الباطنة والظاهرة من أنواع المعارف بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وأحوال القلوب وأعمالها كمحبة الله وخشيته وإخلاص الدين له والتوكل عليه والرجاء لرحمته ودعائه وغير ذلك من أنواع المصالح في الدنيا والآخرة. وكذلك فيما شرعه الشارع من الوفاء بالعهود وصلة الأرحام وحقوق المماليك والجيران وحقوق المسلمين بعضهم على بعض وغير ذلك من أنواع ما أمر به ونهى عنه حفظا للأحوال السنية وتهذيب الأخلاق ويتبين أن هذا جزء من أجزاء ما جاءت به الشريعة من المصالح( ). - ابن السبكي (ت 771 هـ): اجتهد ابن السبكي في إضافة سادس إلى الضروريات الخمسة حيث قال "والضروري كحفظ الدين فالنفس فالعقل فالنسب فالمال فالعرض"( ) ودافع الشوكاني عن هذا الطرح فقال وقد زاد بعض المتأخرين سادسا وهو حفظ الأعراض فإن عادة العقلاء بذل نفوسهم وأموالهم دون أعراضهم وما فدي بالضرورة فهو بالضرورة أولى وقد شرع في الجناية عليه بالقذف: الحد وهو احق بالحفظ من غيره فإن الانسان قد يتجاوز عمن جنى على نفسه أو ماله، ولا يكاد أحد أن يتجاوز عمن جنى على عرضه ولهذا يقول قائلهم: يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول( ) - أبو اسحق الشاطبي (ت 790 هـ): لقد وفق الإمام الشاطبي في أن يجعل من التراث المقاصدي المتشتت في كتب العلماء نظرية متكاملة مستفيدا من مختلف المدارس الأصولية. وتميز هذا الأصولي الفذ إنما هو في قدرته على التفلت من فلك هيمنة المناهج الأصولية التي سبقته وخصوصا المنهج الشافعي. يقول الدكتور عبد المجيد تركي في هذا المضمار "إن الهيمنة الشافعية كانت ممتدة خارج المذهب الشافعي خصوصا على مستوى منهجية التأليف الأصولي وإن الشاطبي استطاع الخروج من هذه الهيمنة"( ). سقت ما سبق لتوضيح أن تقسيم الشاطبي للمقاصد جاء في سياق نظرية متكاملة لعلم المقاصد ولذلك جاء تقسيمه متنوعا لاعتبارات مختلفة، ولنبدأ بالتقسيم الرئيسي عنده والذي ابتدأ به كتاب المقاصد من مؤلفه "الموافقات" حيث قسم المقاصد بصفة عامة إلى قسمين رئيسيين: - قصد الشارع - قصد المكلف ثم قسم قصد الشارع إلى أربعة أقسام: - قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء - قصد الشارع في وضع الشريعة للأفهام - قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها - قصد الشارع في دخول المكلف تحت حكمها ولم يتعرض للتقسيم المعروف للمقاصد إلا ضمن القسم الأول لمقاصد الشارع وهو قسم: قصد الشارع وضع الشريعة ابتداء حيث ذكر أن "تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام أحدها أن تكون ضرورية والثاني أن تكون حاجية والثالث أن تكون تحسينية( ). أما قصد المكلف فقسمه أيضا إلى أنواع وذلك بحسب موافقته أو مخالفته لقصد الشارع: - أحدها: أن يكون القصد موافقا والفعل أو الترك موافقا كذلك مثل أداء الواجبات واجتناب المحرمات وهذا لا إشكال في صحته. - والثاني: أن يكون القصد مخالفا والفعل أو الترك مخالفا كذلك كترك الواجبات وفعل المحرمات وهذا أيضا ظاهر الحكم. - الثالث: أن يكون القصد مخالفا والفعل أو الترك موافقا كمن وطأ زوجته ظانا أنها أجنبية فهذا عاص بقصده السيء غير عاص لمجرد الفعل أو كمن صلى رياء أو لنيل حظوة أو تعظيم بين الناس فهو آثم. - والرابع: أن يكون القصد موافقا والفعل أو الترك مخالفا كمن تعبد الله بالمبتدعات والمستحدثات في أمور الدين " فهو وإن كان قصده التدين إلا أن تصرفاته تعتبر من قبيل البدع المنهي عنها" على حد تعبير أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي( ). ونجد للإمام الشاطبي تقسيمين آخرين للمقاصد: التقسيم الأول: يقسمها إلى مقاصد أصلية ومقاصد تبعية: "فأما المقاصد الأصلية فهي التي لاحظ فيها للمكلف وهي الضرورات المعتبرة في كل ملة ..." وأما المقاصد التابعة فهي التي روعي فيها حظ المكلف فمن جهتها يحصل له مقتضى ما جبل عليه من نيل الشهوات والاستمتاع بالمباحات وسد الخلات( ). هذا وإذا تأملنا المقصد الأصلي والمقصد التبعي وجدنا حضورا في مقاصد الشارع كما في مقاصد المكلف فبالنسبة للأولى يقول الإمام الشاطبي: "إن للشارع في شرع الأحكام العادية والعبادية مقاصد أصلية ومقاصد تبعية"( ) وبالنسبة للثانية يقول "العمل إذا وقع على وفق المقاصد التابعة فلا يخلو أن تصاحبه المقاصد الأصلية أولا، فأما الأول فعمل الامتثال بلا إشكال وإن كان سعيا في حظ النفس وأما الثاني فعمل بالحظ والهوى مجردا"( ). التقسيم الثاني: يقسمها إلى مقاصد كلية ومقاصد جزئية، الأولى هي التي تكون مطلقة عامة لا تختص بباب دون باب ولا بمحل دون محل ولا بمحل وفاق دون محل خلاف وبالجملة الأمر في المصالح مطرد مطلقا في كليات الشريعة وجزئياتها( ) هذه المقاصد الكلية هي التي حددها الأصوليون في الضروريات الخمس. أما المقاصد الجزئية " فهي مصلحة جزئية في كل مسألة على الخصوص"( ). وهي الغاية الجزئية التي تهيمن على النص الخاص تحدد مضمونه وترسم مجال تطبيقه( ). - ابن فرحون (ت 799 هـ): قسم ابن فرحون في كتابه تبصرة الحكام المقاصد الشرعية إلى خمسة أقسام: 1- ما شرع لكسر النفس كالعبادات 2- ما شرع لجلب بقاء الإنسان كالإذن في المباحات المحصلة للراحة من الطعام واللباس والمسكن والوطء وشبه ذلك. 3- ما شرع لدفع الضرورات كالبياعات والإجارات والقراض والمساقاة لافتقار الإنسان إلى ما ليس عنده من الأعيان واحتياجه إلى استخدام غيره في تحصيل مصالحه. 4- ما شرع تنبيها على مكارم الأخلاق كالحض على المساواة وعتق الرقاب والهبات والأحباس والصدقات ونحو ذلك من مكارم الأخلاق. 5- ما شرع للسياسة والزجر وهو ستة أصناف: * ما شرع لصيانة الوجود كالقصاص. * ما شرع لحفظ الأنساب كحد الزنا * ما شرع لصيانة الأعراض كحد القذف والتعزير على السب والأذى بالقول * ما شرع لصيانة الأحوال كحد السرقة وحد الحرابة وتعزير الغصاب ونحوهم * ما شرع لحفظ العقل كحد الخمر * ما شرع للردع والتعزير. إن ما يمكن ملاحظته على هذا التقسيم أن ابن فرحون لم يجعل الكليات الخمس أقساما لصنف الضروريات. وإنما ادرج تقسيمين باعتبارين مختلفين على أنهما قسما واحدا هذان التقسيمان هما: ضروريات المقاصد حاجيات تحسينيات

حفظ الدين حفظ النفس المقاصد حفظ العقل حفظ النسل أو النسب أو العرض حفظ المال وأضاف إليهما قسما ذا بعد أخلاقي واضح حتى إننا يمكن أن نسميه حفظ الأخلاق وهو ما عبر عنه ب "ما شرع للردع والتعزير". كما يمكن أن نلاحظ أنه من المناصرين للتعليل حتى إنه علل ما لم يجرؤ جل الأصوليين على تعليله ألا وهو قسم العبادات حيث رأى أنها شرعت لكسر النفس فقال في القسم الأول: ما شرع لكسر النفس كالعبادات. - ابن النجار (ت 972هـ)( ): تابع من كان قبله من الأصوليين وعد من الضروريات خمسا، وأضاف إليها حفظ العرض، وذكر أنه تابع ابن السبكي في جعله في رتبة المال لعطفه بالواو، فيكون من أدنى الكليات( ) وتبع الآمدي في موازنة بين مراتب المقاصد: الضرورية والحاجية والتحسينية( ). - الطاهر بن عاشور ( ت 1973م): تنقسم الأصول الاستدلالية الفقهية إلى أدلة يقينية وأدلة ظنية اصطلح أستاذنا الدكتور عبد السلام الغرميني على تسميتها بالأدلة المؤنسة( ) وبعلم كل واحد أن الأحكام العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية المسماة عادة بالفقه تنبني في غالبها على الأدلة الظنية لأن القطع بالمراد فيها عزيز ونادر( ) مما جعل علماء الأصول يحاولون الخروج من هذا الإشكال عن طريق المقاصد الشرعية ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي أفرد مقاصد الشريعة بتأليف رائد في سبيل تنامي هذا العلم ولعلع أول تأليف مستقل في هذا الفن سماه "مقاصد الشريعة الإسلامية". ذهب إلى المطالبة فيه بالارتقاء بهذا العلم، وجعله علما قائما بذاته ليحل محل أصول الفقه يقول في ذلك: "إذا أردنا أن ندون أصولا قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة وأن نعيد ذوبها في بوثقة التدوين ونعيدها بمعيار النظر والنقد فننفي عنها الأجزاء الغربية التي علقت بها( ) ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه مقاصد الشريعة، ونترك علم أصول الفقه على حاله نستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية"( ). وفي عرضه للمقاصد، اقتفى ابن عاشور آثار الشاطبي –كما ذكر- فلم يهمل مهمانة ولم يقصد نقله ولا اختصاره"( ) وإنما قصد البحث عن مقاصد الإسلام في التشريع في قوانين المعاملات( ) فقسمه إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: في إثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها، وفي طرق إثباتها، وفي مراتبها، وفي الخطر العارض من إهمال النظر إليها. القسم الثاني: في مقاصد الشريعة العامة. القسم الثالث: في مقاصد التشريع الخاصة بأنواع المعاملات بين الناس. وكما قسم هذا الشيخ المقاصد إلى مرتبتين قطعية وظنية "مثال المقاصد الشرعية القطعية: ما يؤخذ من متكرر أدلة القرآن تكرارا ينفي احتمال قصد المجاز والمبالغة نحو كون مقصد الشارع التيسير فقد قال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"( ) "وما جعل عليكم في الدين من حرج"( ) "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"( ). ومثال المقاصد الظنية القريبة من القطعي ما قال الشاطبي في المسألة الثانية من الطرف الأول من كتاب الأدلة "الدليل الظني إما أن يرجع إلى أصل قطعي مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار) فإنه داخل تحت أصل قطعي في هذا المعنى فإن الضرر والضرار مبثوت منعه في الشريعة كلها وفي وقائع وجزئيات وقواعد وكليات كقوله "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" "ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن" "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده" ومنها النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض وعن الغصب والظلم وكل ما هو في المعنى إضرار وضرار. ويدخل تحته الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك"( ). ثم إن الطاهر بن عاشور له تقسيم آخر في موضع آخر من كتابه مقاصد الشريعة يقسم فيه المقاصد إلى: - مقاصد قريبة - ومقاصد عالية يقصد بالأولى أو القريبة: الكليات الخمس وبالثانية أو العالية: المصلحة والمفسدة وفي ذلك يقول: "ومن ثم استقام لهم من عهد الصحابة إلى هلم جرا أن يقيموا بعض الأشياء على بعض فينيطوا بالمقيسة نفس الأحكام الثابتة بالشرع للمقيس عليها في الأوصاف التي بنوا عليها أنها سبب نوط الحكم وأنها مقصود الشارع من أحكامه فإن كانت تلك الأوصاف فرعية قريبة سميناها عللا مثل الإسكار. وإن كانت كليات سميناها مقاصد قريبة مثل حفظ العقل، وإن كانت كليات عالية سميناها مقاصد عالية، وهي نوعان مصلحة ومفسدة ... وإنما هرع الفقهاء في التشريع والتفريع إلى القياس والنظائر والجزئيات ولم يعمدوا إلى الفحص عن المعاني الكلية القريبة ولا إلى الفحص عن إثبات وجود الكليين العاليين وهما المصلحة والمفسدة، لأنهم رأوا دلالة النظير على نظيره أقرب ارشادا إلى المعنى الذي صرح الشارع باعتباره في نظيره أومأ إلى اعتباره فيه أو أوصل الظن بأن الشارع ما راعى في حكم النظير إلا ذلك المعنى فإن دلالة النظير على المعنى المرعي للشارع حين حكم له بحكم ما دلالة مضبوطة ظاهرة مصحوبة بمثالها( ). أما كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" فقد افتتحه ببيان الغرض من تأليفه الذي هو البحث عن روح الإسلام وحقيقته من جهة مقدار تأثيرها في تأسيس المدينة الصالحة وتوضيح الحكمة التي لأجلها بعث الله بها الدين رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للرسل"( ). ثم نتحدث على مقدمات بين فيها معنى الدين والإسلام وأفاض في تعريف الفطرة وبين الأصول العامة للشريعة الإسلامية التي تجب مراعاتها في تأسيس نظام الجامعة الإسلامية كالاعتدال أو التوسط والسماحة. وقسم كتابه هذا إلى قسمين: قسم باحث عن أصول إصلاح الفرد الذي منه يلتئم المجتمع التئام الكل من أجزائه. وقسم باحث عن أصول إصلاح المجتمع من حيث إنه مجتمع( ). - علال الفاسي( ): بنفس طموح بن عاشور وثقته عالج علال الفاسي الموضوع ذاته في كتاب سماه: "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" فإن إضافة نوعية لما سبق كما قال هو: "وحسبي أفي قد زدت فيه لبنة على من سبقتني وفتحت آفاقا جديدة لمن يريد أن يعمل من بعدي"( ) ويرى أن الذين تعاقبوا على كتابة المقاصد الشرعية لم يتجاوزوا الحد الذي وقف عنده الشاطبي أو لم يبلغوا ما إليه قصد وبعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخذا للمقاصد بمعناها الحرفي( ). ولم يسر في كتابه "مقاصد الشريعة" على نهج الشاطبي ولا على نهج ابن عاشور وإنما سرده على فترات بلغت ثلاث عشرة ومائة فقرة، افتتحها بتعريف المقاصد الشرعية ثم تحدث عن أصول تأريخ القانون ووسائل تطويره وكيف أن الشرائع الإنسانية كلها كانت تقصد إلى العدل وبين كذلك ما جاء به الإسلام من أصول ومقاصد، فتناول أصول الشريعة كالإجماع ومفهومه في القرون المتأخرة والاستحسان وسد الذرائع... كما ذكر قواعد تقييد المصلحة بالمقاصد ووسائل الاجتهاد، وأسباب الاختلاف ولخص بعض مكارم الشريعة الأساسية وأوضح أنها مقياس كل مصلحة وأساس كل مقصد من مقاصد الإسلام كما بين مصدر السيادة في الإسلام كحق الحياة وحق الكرامة وحق الحرية. وحتم كتابه ببيان السماحة الإسلامية وما ترمي إليه من إقرار السلام بين الناس، وسبق الإسلام في جعل القضاء عاملا على الصلح والمحبة والتعاون بين الطوائف والجماعات والدول( ). - الشيخ محمد أبو زهرة: تطرق في كتابه تنظيم الإسلام للمجتمع لموضوع المقاصد الشرعية وكان له فيه محاولة اجتهاد في إضافة بعض المقاصد إلى الخمسة المعروفة وهكذا أضاف المقاصد التالية: أ- مقصد الكرامة الإنسانية: حيث اعتبر أن الشريعة جاءت من أجل تكريم الإنسان انطلاقا من قوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"( ) ولذلك كانت التعاليم الإسلامية كلها تدور على كرامة الإنسان فلم يفرق الإسلام بين حر وعبد في هذه الكرامة وظهر ذلك في أحكام جزئية كثيرة( ). ب- مقصد العدالة: حيث أن عنوان الشريعة الإسلامية في نظره هو العدل وهكذا حين سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم عن كلمة جامعة لمعاني الإسلام تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"( )ومن تم قسم العدالة إلى شعب: العدالة القانونية، والعدالة الاجتماعية، ثم العدالة الدولية( ). ج- مقصد التعاون الإنساني: انطلاقا من أن "التعاون في جلب الخير ودفع الشر مقرر في الحقائق الإسلامية"( ) وهكذا يكون التعاون في نظره على مستوى الأسرة وعلى مستوى الجيران وعلى مستوى الأمة إلى أن يرقى فيصبح أخيرا على مستوى الإنسانية جمعاء ليحقق المقصود من قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"( ). د- مقصد الرحمة والمودة: حيث اعتبرهما الإسلام أساس العلاقات الإنسانية فهما الصلة التي تربط كل من في هذه الأرض من بني الإنسان وشدد سبحانه العقاب على من يتسبب في قطع المودة التي أمر الله سبحانه بوصلها فقال: "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار"( ). - محمد الغزالي: ينطلق الشيخ محمد الغزالي من ضرورة الاستفادة من تجارب الأمم السابقة وتوالي الأنظمة الفاسدة على الحكم ليصل إلى نتيجة مفادها ضرورة إضافة مقصدين إلى المقاصد الخمسة الضرورية فيقول "لابد من زيادات على الأصول الخمسة. ما المانع أن أستفيد من تجارب أربعة عشر قرنا في الأمة الإسلامية... لقد وجدت أن القرون أدت إلى نتائج مرة لفساد الحكم. إذن يمكنني أن أضيف إلى الأصول الخمسة: الحرية، العدالة. وخصوصا أن عندي القرآن الذي يقول" :لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"( ) فكأن العدالة هدف للنبوات كلها. قد تكون الأصول الخمسة ضوابط للقضايا الفرعية عندنا لكي نضبط نظام الدولة لابد من ضمان للحريات( ). - محمد عبد الهادي أبو ريدة: يستغرب الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة من عدم وجود فكرة الدولة في المنظومة المقاصدية رغم وجودها في كتب الأخلاق ورغم ما لها من دور في حراسة الدين وتنفيذه والذي هو رأس المقاصد الخمسة فيقول: "استلفت نظري عدم وجود فكرة الدولة التي لها السلطان وتحرس الدين وتنفذه، وهذا موجود عند الأخلاقيين وفي كتب الأخلاق. فهل يمكن إلى جانب مفهوم الحرية والعدالة أن نضيف سلطة الدولة التي تقهر الجميع إلى جانب الدين المتبق وإلى جانب العدل الشامل والأمل الفسيح، كما هو مكتوب في كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي وهو كتاب نفيس يجمع بين الاعتبارات الكثيرة وقد رتبها بما يصلح أحوال الفرد وما يصلح أحوال المجموع وهذا شيء جميل جدا"( ). - طه جابر العلواني: قسم المقاصد الشرعية إلى ثلاثة أساسية هي: - مقصد التوحيد - مقصد التزكية - مقصد العمران فاعتبر أن هذه القيم الثلاث تمثل المقاصد والقيم الأساسية الكبرى والمبادئ الأصلية وهي في الوقت ذاته صالحة في كل زمان ومكان لتكون مقياسا لسائر أنواع الفعل الإنساني ولجميع الآثار المترتبة عليه في الدنيا والآخرة توضح للإنسان ما في ذلك الفعل من صلاح أو فساد وما يمكن أن يترتب عليه من استقامة وانحراف. ورأى أن هذه المقاصد الثلاثة مقاصد مشتركة لم تخل رسالة أي رسول من الذين قص القرآن على الناس أنباءهم ومن الذين لم يقصص على الناس أنباء رسالاتهم. إذ أن علة الخلق و سبب عبادة الله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"( ). ورأى أن هذه المقاصد الثلاثة مندرجة تحت مفهوم العبادة بشكل تام تدل على ذلك مئات الآيات الكريمة وكذلك السنن والأحاديث المبينة لذلك فالتوحيد لب العبادة وأسها والتزكية هدفها ومقصدها وغايتها والعمران مرآة التوحيد وثمرة التزكية. ثم يرى أن هذه المقاصد الثلاثة العليا تستدعي سائر المستويات الأخرى كالعمل والحرية والمساواة فهذا المستوى من القيم والمقاصد ضروري لتحقيق المقاصد العليا التي يمكن إدراجها في المستوى الثاني الذي ذكرناه وهو بدوره يستدعي المستوى الأخير الذي جرى تركيز الأصوليين والفقهاء عليه حتى اعتبروا تلك الأمور هي مقاصد الشريعة وصنفوها إلى الضروريات الإنسانية والحاجيات والتحسينيات ويعقب على هذا التقسيم الأخير بأنه لم يستطع أن يقدم أو يولد منظومة الأحكام التي تحتاج لتغطية ومعالجة كل مستجدات الحياة التي سيتعلق بها الفعل الإنساني حتى يوم الدين بل اكتفت بأن بينت لنا حكم الشريعة والتشريع وفوائدها التي تعود على ضرورياتنا وحاجياتنا وتحسيناتنا بالحفظ والتسديد والحماية فهي في وضعها الذي حدده الأصوليون تعتبر بمقام الحكم والمقاصد لدعم القياس وتوسع آفاقه من ناحية ولتعزيز ودعم دليل المصلحة من ناحية أخرى وكذلك لتعزيز الإيمان والثقة برعاية الأحكام الشرعية لمصالح العباد وبقيت الأحكام الشرعية التكليفية منها والوضعية تدور على محاور الأوامر والنواهي والمنطلقات اللغوية التي أدت إلى بناء وتدعيم الجزئي في النظر الفقهي( ). - جمال الدين عطية: ينطلق بحثه من اقتراح مفاده توسيع دائرة البحث في كليات الشريعة بحيث لا تنحصر في مجال الفرد وإنما تغطي أربعة مجالات هي الفرد ثم الأسرة ثم الأمة ثم الإنسانية. وهكذا جاء تقسيمه كالتالي: حفظ النفس حفظ العقل 1- مقاصد الشريعة فيما يخص الفرد حفظ تدين الفرد حفظ العرض حفظ المال

العلاقة بين الجنسين حفظ النسل حفظ النسب 2- مقاصد الشريعة فيما يخص الأسرة تحقيق السكن والمودة والرحمة حفظ الدين في الأسرة تنظيم الجانب المؤسسي للأسرة تنظيم الجانب المالي للأسرة

التنظيم المؤسسي للأمة حفظ الأمن إقامة العدل 3- مقاصد الشريعة فيما يخص الأمة حفظ الدين والأخلاق التعاون والتضامن والتكامل نشر العلم وحفظ عقل الأمة عمارة الأرض وحفظ الثروة

التعارف والتعاون والتكامل تحقيق الخلافة العامة للإنسان في الأرض 4- مقاصد الشريعة فيما يخص الإنسانية تحقيق السلام العالمي الحماية الدولية لحقوق الإنسان نشر دعوة الإسلام - أحمد الريسوني: تناول في كتابه "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" فكرة المقاصد الشرعية عند الأصوليين قبل الإمام الشاطبي وخلال حديثه عن رأي الإمام الآمدي ذكر أن حصر الضروريات في الخمسة المعروفة يمكن أن يراجع حيث يقول "فحصر الضروريات في هذه الخمسة وإن كان قد حصل فيه ما يشبه الإجماع يحتاج إلى إعادة النظر والمراجعة"( ) وبهذا يكون الأستاذ الريسوني قد فتح الباب على مصراعيه أمام الباحثين للاجتهاد في المسألة بإضافة أنواع أخرى لهذه المقاصد الضرورية وربما كان له هذا الرأي لما رآه في بحث آخر عن المقاصد عند أبي الوليد ابن رشد حيث رأى أن هذا الإمام يلفت نظرنا إلى جوانب مهمة جدا من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية ويعني بذلك " مقاصدها التعليمية والتربوية والخلقية"( ) وهي مقاصد كما يقول منصوص عليها أو مشار إليها في نصوص عديدة من الكتاب والسنة كقوله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"( ) وكقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)( ). - د. ادريس حمادي: نظرا لطبيعة البحث في موضوع " الخطاب الشرعي وطرق استثماره" تناول أستاذنا الدكتور ادريس حمادي الحديث عن مقاصد الخطاب الشرعي ومن ثم تطرق لتقسيم الأصوليين للمقاصد ورأى أنهم يقسمونها إلى قسمين مقاصد كلية ومقاصد جزئية( ) ورأى أنه يمكن أن يضاف إلى هذين القسمين قسم ثالث سماه المقاصد الخاصة وهي عنده "المصلحة التي تتعلق بها جميع أحكام باب من أبواب الفقه باعتبارها منضوية تحت المقصد العام للشريعة الإسلامية كالمصلحة التي تستهدفها جميع أحكام الصلاة والمصلحة المتوخاة من جميع أحكام الزكاة وكذلك الصوم والحج"( ) لأن هذه المصالح جميعا تتجه إلى مقصد أسمى في العبادات هو "التوجه إلى الواحد المعبود وإفراده بالقصد إليه على كل حال"( ) أو بتعبير آخر للدكتور ادريس حمادي هو "تزكية النفس والسمو بها وإخراجها من دائرة الأنانية والفردية إلى دائرة الإحساس بالجماعة. وهذا المقصد الأسمى في العبادات يصب بدوره في المقصد العام للشريعة الذي هو سعادة الإنسان دنيا وأخرى أو تحقيق العدل أو إلى المصالح الكلية باعتبارها مستخلصة من أحكام جزئية عديدة"( ) ولا يفوت الدكتور حمادي أن يشير إلى أن للشريعة الإسلامية مقاصد أخرى غير هذه المصالح الكلية إذ الحياة السعيدة لا تتشوف للضروري فقط وهكذا فالشريعة في نظره قد سبقت علم النفس في إعلان مقاصد أخرى بجانب المقاصد الضرورية وهي التي تتمثل في المقاصد الحاجية والتحسينية"( ). - د. عبد الحميد العلمي: نظرا لأن مبدأ الأخذ بالمقاصد الشرعية لا تكتمل دلالته إلا بالنظر في مقابلها الأعظم وهو الدلالة اللفظية ذلك "أن نصوص الشرع هي المفهمة عن مقاصده ومن ثم كان العلم بالعربية من أوكد العلوم المتصلة بالمقاصد الشرعية"( ). جاء في الموافقات "وأما الثاني من المطالب وهو فرض علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه فإن كان ثم علم لا يحصل الاجتهاد في الشريعة إلا بالاجتهاد فيه فهو لابد مضطر إليه... إلا أن هذا العلم مبهم في الجملة، فيسأل عن تعيينه والأقرب في العلوم أن يكون هكذا علم اللغة العربية ولا أعنى بذلك النحو وحده ولا التصريف وحده ولا اللغة ولا علم المعاني ولا غير ذلك من أنواع العلوم المتعلقة باللسان بل المراد جملة علم اللسان"( ). ولما كانت دلالة الألفاظ في مجملها محتملة لتوقفها على مقدمات ظنية والمقاصد في عمومها قطعية لاستنادها إلى كليات استقرائية فقد استقر أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي في تصوره الجديد من نوعه ونظرته لمقاصد الشريعة المختلفة عن معاصريه حيث كان له السبق في بحثها من الجانب الدلالي على التقسيم التالي: 1- مقاصد دالة بالدلالة الأصلية: يجد العقل بين الدال والمدلول فيها علاقة ينتقل لأجلها منه إليه وقوامها أخذ الألفاظ في وضعها الأصلي بحيث تكون دلالتها على ما وضعت له بالقصد الأول لذلك فهي دلالة تشترك فيها جميع اللغات. 2- مقاصد دالة بالدلالة التابعة: وهي مستمدة مما اقتضته الألفاظ بوضعها الأصلي وهذا يتطلب النظر فيما يعود عليها بوجه من أوجه الخدمة ما له تعلق بالمقتضيات العامة للخطاب. هذه نظرة مقتضبة عن أقسام المقاصد من زاويتها الدلالية حسب ما يراه أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي( ). - د. أحمد الخمليشي: يقترح الأستاذ مجموعة من المقاصد الجديدة إلى المقاصد الخمسة المعروفة من أجل أن يتمكن الفكر الإسلامي من المساهمة أكثر في كثير من مرافق التنظيم الاجتماعي كمقصد العدل (الفردي والاجتماعي) والمساواة والحرية فكتب قائلا: "من المؤكد أن المقاصد أو المصالح العليا الخمسة التي أوردها الغزالي غير كافية الآن للاقتصار عليها واتخاذها مرجعا في تنظيم المجتمع، وعلاقات أفراده. ألا يعتبر من المقاصد العليا للشريعة مثلا: العدل بمفهوميه الفردي والاجماعي والمساواة وحرية الفرد وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي منها المساهمة في تسيير الشؤون العامة "وأمرهم شورى بينهم"( ). إن الأخذ بمثل هذه المقاصد، واعتمادها مرجعية في الوقت الحاضر، سيمكن الفكر الإسلامي من المساهمة في كثير من مرافق التنظيم الاجتماعي التي ما يزال غائبا عنها"( ). - د. طه عبد الرحمن: درج الأصوليون كما هو معروف على تقسيم المقاصد الشرعية إلى رتب ثلاث: الضروريات: وهي عندهم التي بفقدانها يفسد نظام الحياة. الحاجيات: وهي عندهم دون رتبة الضروريات حيث لا يصيب المكلف بفقدانها إلا العنت والضيق. التحسينيات: وهي عندهم دون رتبة الحاجيات حيث لا ينال المكلف بفقدانها إلا حرج في المروءة. يعترض الدكتور طه عبد الرحمن على هذا التقسيم بمجموعة من الاعتراضات منها: أن الكليات الخمس التي تشكل رتبة الضروريات لا يستقل بها هذا القسم بل يشاركه فيها القسمان الآخران الحاجي والتحسيني. أنه لا يجوز حصر الكليات في خمسة كما فعل المتقدمون إذ لا يمتنع عنده إدخال قيم أخرى مثل "حفظ الذكر" و "حفظ العدل" و "حفظ الحرية" و "حفظ التكافل". أنه لا تباين بين مفاهيم هذه الكليات الخمس فهي متداخلة فيما بينها حيث لا حفظ للمال بغير حفظ العقل ولا حفظ للعقل بغير حفظ النسل ولا حفظ للنسل بلا حفظ النفس ولا حفظ للنفس بغير حفظ الدين. أنه لا يجوز اعتبار مكارم الأخلاق فقط ضمن رتبة التحسينيات لأن ذلك في نظره يشعر بأنها مجرد صفات كمالية يخير المرء في التحلي بها، بل قد يتبادر إلى ذهنه أنها أشبه بالترف السلوكي في حين أن علم المقاصد في نظر د. طه عبد الرحمن ليس إلا علما آخر للقيم الأخلاقية لأنه وحده الذي يصلح حال الإنسان لأنه علم يبحث عن السبيل إلى صلاح الإنسان. بعد هذه الاعتراضات وغيرها يأتي الدكتور طه عبد الرحمن باقتراح لتقسيمات جديدة للمقاصد باعتبارات مختلفة. 1- تقسيم باعتبار القيم الحيوية أو قيم النفع والضر: * حفظ النفس * حفظ الصحة * حفظ النسل * حفظ المال 2- تقسيم باعتبار القيم العقلية أو قيم الحسن والقبح * الأمن * الحرية * العمل * السلام * الثقافة * الحوار 3- تقسيم باعتبار القيم الروحية أو قيم الخير والشر * الإحسان * الرحمة * المحبة * التواضع * الخشوع وبعد أن ينتهي الباحث من تقسيماته يخلص إلى أن القيم التي كانت تتبوأ المقام الأول عند الأصوليين المتقدمين قد تصبح حسب هذه التقسيمات الجديدة في المرتبة الثالثة ذلك أن الدكتور طه عبد الرحمن يعطي الأولوية للقيم الروحية لأنه يرى أن الترتيب التقليدي يقدم اعتبار الجانب المادي من الحياة على جانبها المعنوي حتى كادت أن تبدو فيه الشريعة مادية كمادية العقل، علما بأن الأصل فيه على خلاف الاعتقاد السائد، التعلق بالمادة، وكادت أن تقتصر وظيفتها على تأييده فيما يستطيع إدراكه بنفسه، لا على تكميله فيما لا يستطيع إدراكه بنفسه في حين أن القيم الروحية في نظره هي التي يحقق بها الإنسان إنسانيته ومن ثم يحقق عبوديته لله. وهكذا نخلص إلى أن رؤية الأستاذ طه عبد الرحمن إلى تراتبية الضروريات والحاجيات والتحسينيات تصبح عنده كالتالي: المصالح الضرورية القيم الروحية المصالح الحاجية القيم المصالح التحسينية القيم المادية( ). - د. القرضاوي: يعتقد القرضاوي أن هناك نوعا من المقاصد لم يعط حقه من البحث إذا كانت معظم المقاصد تتعلق بالفرد كحفظ دينه وعقله ونفسه وماله... إلخ فأين الحرية والمساواة والعدالة وما قيمتها؟"( ) ويستطرد متسائلا "وهذا أيضا في حاجة إلى إعادة النظر؟"( ) ويرد القرضاوي تركيز الأصوليين على التقسيم الخماسي المألوف إلى تركيزهم بصورة أكبر على الإنسان كفرد ولم يلتفتوا إلى الأمة بقدر كاف. وربما كان عندهم في ذلك أن المجتمعات إنما تتكون من أفراد فإذا صلح الأفراد صلحت المجتمعات. وإنما يصلح الأفراد إذا حافظنا على مقومات حياتهم الدينية والدنيوية، المعنوية والمادية. وهكذا يرى القرضاوي وجوب التأكيد على أن "شريعة الإسلام تهتم بالمجتمع كما تهتم بالفرد وهي تقيم توازنا بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية في غير طغيان ولا إخسار..."( ). ومن المؤكد عنده "أن شريعة الإسلام تقيم اعتبارا أي اعتبار للقيم الاجتماعية العليا وتعتبرها من مقاصدها الأساسية... ومن هذه القيم: 1- العدل أو القسط. 2- الإخاء. 3- التكافل. 4- الحرية. 5- الكرامة. - د. محمد حسن أبو يحيى( ): ألف كتابا أسماه "أهداف التشريع الإسلامي" اشتمل على تمهيد وثلاثة أقسام وخاتمة. أما التمهيد ففي تعريف أهداف التشريع الإسلامي وأقسامها وضوابطها وطرق إثباتها وأما القسم الأول: فتحدث فيه عن مصادر التشريع الإسلامي. وأما القسم الثاني: فكان في الأهداف العامة للتشريع الإسلامي كتبليغ شريعة الله للناس كافة ونفوذها وقوة الأمة وهيبتها والإصلاح وإزالة الفساد والمساواة والحرية والسماحة والإيجابية والتوازن. وأما القسم الثالث ففي الأهداف التي تخص أنظمة التشريع الإسلامي كأهداف العبادات وأهداف الأسرة ونظامها وأهداف النظام السياسي... تقسيمات المقاصد الشرعية بين القدماء والمحدثين: لئن كان المتداول والمحفوظ في الدرس الأصولي بصفة عامة وفي البحث المقاصدي بصفة خاصة التقسيم المشهور للمقاصد إلى ضروريات وحاجيات وتحسينيات فإن البحث الموضوعي يستلزم لفت الاهتمام إلى محاولات جادة لإعادة النظر في التقسيم المقاصدي من منظور مختلف عما هو شائع ومحفوظ للانفتاح على أبعاد أخرى أغفلها التقسيم التقليدي الشائع، وسنتطرق لبعض هذه المحاولات من خلال تقسيمات القدماء والمحدثين. I- عند القدماء: الإمام الجويني ( ت472 هـ): لقد كان الجويني من اوائل من دعا إلى ضرورة إحداث قول جديد في علم الأصول للخروج بهذا العلم من صوريته وظنيته، وهذا لا يعني أن القول بالمقاصد كان غائبا بالكلية في الخطاب الأصولي فلقد كان دائم الحضور ولكن وجوده كان هامشيا لا يكاد يحضر إلا عند الحديث عن التقعيد الأصولي أو عن نظرية القياس وموقع المصالح فيها أو عند مناقشة قضية الاستصلاح فالقول المقاصدي كان حاضرا ولكن لخدمة الخطاب الأصولي عموما وهو ما يفارق طموح الجويني الذي كان يهدف إلى إعطاء المقاصد الدور المركزي في علم أصول الفقه وجعل المفاهيم الأصولية خادمة لها عوض أن تكون مخدومة بها، كما هدف إلى توظيف المقاصد في تجاوز ظنية الاستدلال والوصول إلى القطع مما سيكون له أثر كبير في رفع الاختلاف الذي رأى أنه لا يزيد إلا حدة بين الفقهاء. لقد نادى الجويني بأن ترتفع قواعد الشريعة إلى مستوى المبادئ الكلية والقطعية التي تتحكم في الجزئيات الظنية المندرجة تحتها حيث نزع صفة التبصر بالشريعة عن من لم يتفطن لذلك فقال: (من لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي فليس على بصيرة في وضع الشريعة)( ). حاز الجويني قصب السبق في مسألة التقسيم الثلاثي لمقاصد الشريعة وحصرها في الضروريات والحاجيات والتحسينات أو المكرمات على حد تعبيره وذلك عند حديثه عن الأقسام الخمسة للتعليلات الشرعية فذكر وجود قسم " لا يظهر له تعليل واضح ولا مقصد محدد لا من باب الضرورات ولا من باب الحاجات ولا من باب المكرمات"( ) وهو قسم عده الجويني من باب النادر في الشريعة. أما الأقسام الخمسة للعلل الشرعية فهي: - القسم الأول: ما يتعلق بالضرورات مثل القصاص فهو معلل بحفظ الدماء المعصومة والزجر عن التهجم عليها( ). - القسم الثاني: ما يتعلق بالحاجة العامة ولا ينتهي إلى حد الضرورة وقد مثله بالإجارات بين الناس( ). - القسم الثالث: ما ليس ضروريا ولا حاجيا حاجة عامة وإنما هو من قبيل التحلي بالمكرمات والتخلي عن نقائضها وقد مثله بالطهارات( ). - القسم الرابع: وهو أيضا لا يتعلق بحاجة ولا ضرورة ولكنه دون الثالث بحيث ينحصر في المندوبات فهو في الأصل كالضرب الثالث الذي انتجز الصراع منه في أن الغرض المخيل الاستحثاث على مكرمة لم يرد الأمر على التصريح بإيجابها بل ورد الأمر بالندب إليها( ). - القسم الخامس: وهو ما لا يظهر له تعليل واضح ولا مقصد محدد لا من باب الضرورات ولا من باب الحاجات ولا من باب المكرمات قال: (وهذا ينذر تصويره جدا ومثل لهذا القسم بالعبادات البدنية المحضة) التي لا يتعلق بها أغراض دفعية ولا نفعية( ). إن التقسيم الثلاثي السابق (ضروريات حاجيات تحسينيات) سيبقى هو المعتمد عند جل مؤلفي المقاصد مع استبدال مصطلح المكرمات بمصطلح التحسينات. كما أن الجويني ذكر بعض التفاصيل المتعلقة بالمقاصد الكلية وأشار إلى ثلاثة أنواع من الضروريات الخمس في سياق حديثه عن المقاصد قائلا وبالجملة: "الدم معصوم بالقصاص والفروج معصومة بالحدود والأموال معصومة عن السرقات بالقطع ..."( ). غير أن التنبه لهذه الضروريات قد تم بشكل أوضح قبل الجويني وذلك عند: أبو الحسن العامري( ) حيث يقول: وأما المزاجر فمدارها أيضا عند ذوي الأديان الستة لن يكون إلا على خمسة وهي: - مزجرة قتل النفس كالقود والدية - مزجرة أخذ المال كالقطع والصلب - مزجرة هتك الستر كالجلد والرجم - مزجرة ثلب العرض كالجلد والتفسيق - مزجرة خلع البيضة كالقتل والردة( ). ابن قدامة (541هـ): هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي، المقدسي الدمشقي الحنبلي أبو محمد، موفق الدين ولد سنة 541هـ في جماعيل من قرى نابلس في فلسطين فقيه من أكابر الحنابلة رحل إلى بغداد من شيوخه عبد الله الدقاق وابن البطي ومن تلامذته ابن أخيه شمس الدين عبد الرحمن المنذري: ومن مؤلفاته روضة الناظر وخبة المناظر في أصول الفقه والمغنى في الفقه توفي سنة 620هـ ينظر الذيل في طبقات الحنابلة 4/133. لا يضيف ابن قدامة جديدا وإنما يبين أن الأحكام شرعت لمصلحة العباد( ) وأن الشارع لا يثبت حكما إلا لمصلحة( ) وبمعرفة باعث الشرع وحكمته يكون المكلف أسرع في التصديق وأدعى إلى القبول فإن النفوس إلى قبول الأحكام المعقولة أميل منها إلى قهر التحكم ومرارة التعبد، ولمصل هذا الغرض استحب الوعظ والتفكير وذكر محاسن الشريعة ولطائف معانيها( ) ولا يمتنع أن يكون الشيء مصلحة في زمان دون زمان( ) معرفا المصلحة بأنها جلب المنفعة ودفع المضرة( ) ومرتبا إياها ثلاث مراتب الحاجيات والتحسينيات والضروريات والضروريات خمس: أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقولهم ونسبهم ومالهم( ) ثم يتحدث عن الموازنة بين المصالح والمفاسد في حديثه عما يعرف بانخرام المناسبة. ابن رشد الحفيد (ت 595 هـ): ابن رشد الحفيد لا يقل أهمية عن كوكبة العلماء الراسخين في مقاصد الشريعة الاسلامية كالجويني والغزالي وغيرهم ممن ذكرنا سابقا وسنذكر لاحقا، وحسبنا أن نستحضر أن ابن رشد كان عاكفا على كتب الغزالي الذي هو من هو في مجال مقاصد الشريعة وما يهمنا في هذا المقام من فكره المقاصدي هو جعله المقصد العام للشريعة ينبني على قسمين: - تعليم العلم الحق - تعليم العمل الحق حيث جاء في فصل المقال "وينبغي أن تعلم أن مقصود الشرع إنما هو تعليم العلم الحق والعمل الحق. والعلم الحق هو معرفة الله تبارك وتعالى وسائر الموجودات على ما هي عليه وبخاصة الشريفة منها، ومعرفة السعادة الأخروية والشقاء الأخروي. والعمل الحق هو امتثال الأفعال التي تفيد السعادة وتجنب الأفعال التي تفيد الشقاء والمعرفة بهذه الأفعال هي التي تسمى "العلم العملي"، وهذه تنقسم إلى قسمين: أحدهما أفعال ظاهرة بدنية والعلم بهذه هو الذي يسمى الفقه والقسم الثاني أفعال نفسانية مثل الشكر والصبر وغير ذلك من الأخلاق التي دعا إليها الشرع أو نهى عنها والعلم بهذه هو الذي يسمى "الزهد" وعلوم الآخرة وإلى هذا نحا أبو حامد في كتابه( ). وربما هذا ما جعل أحد الباحثين يعتبر ابن رشد "الفقيه الوحيد الذي بنى مقاصد الشريعة على الفكرة الخلقية ..."( ) لكن في هذا مجازفة وإلقاء الكلام على عواهنه دون تحقيق وتدقيق في الأمر ففي هذه القولة المتقدمة نفسها أشار ابن رشد إلى فضل سبق أبي حامد الغزالي إياه حيث قال: وإلى هذا نحا أبو حامد في كتابه. الإمام فخر الدين الرازي (ت 606 هـ): إذا كان مما يؤثر عن الرازي أنه كان يحفظ المعتمد والمستصفى عن ظهر قلب فلا غرابة ان يتأثر هذا الإمام بفكر من سبقه من الأئمة كأبي حامد الغزالي وإمام الحرمين الجويني وهكذا فقد كان هذا الإمام ممن اقتفوا تقسيم الغزالي للمقاصد في شفاء الغليل حيث يقول في المحصول عند حديثه عن المناسب "إنه الذي يفضي إلى ما يوافق الإنسان تحصيلا وإبقاء وقد يعبر عن التحصيل بجلب المنفعة وعن الابقاء بدفع المضرة لأن ما قصد بقاؤه فإزالته مضرة وابقاؤه دفع مضرة ثم هذا التحصيل والابقاء قد يكون معلوما وقد يكون مظنونا وعلى التقديرين فإما أن يكون دينيا أو دنيويا"( ). سيف الدين الآمدي (ت 631 هـ): يرى الآمدي أن الإجماع منعقد على امتناع خلو الأحكام الشرعية عن الحكم وسواء ظهرت أم لم تظهر( ) وأن الشارع لا يقرر حكما خليا عن الحكمة إذ الأحكام إنما شرعت لمصالح العبيد وليس ذلك بطريق الوجوب بل بالنظر إلى جري العادة المألوفة من شعر الأحكام( ). ويبين أن المقصود من شرع الحكم إما جلب مصلحة أو دفع مضرة أو مجموع الأمرين بالنسبة إلى العبد لتعالى الرب تعالى عن الضرر والانتفاع( ) ويبين مراتب إفضاء الحكم المقصود من شرع الحكم( ) وكذلك مراتب هذا المقصود في نفسه وذاته إلى أثر مقاصد ضرورية، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال( ) ثم يذكر وائل تحقيقها ويواصل بعد ذلك ذكر بقية المراتب، وهي مرتبة الحاجيات ومرتبة التحسينيات ثم يتحدث عن الموازنة بين المصالح والمفاسد في حديثه عن انخرام المناسبة( ) ويرى أن ارتكاب أدنى الضررين يصير واجبا نظرا إلى رفع أعلاهما( ) ولا يغفل عن ذكر بعض المقاصد الجزئية كحديثه عن المقصد من الزكاة الذي هو: دفع حاجات الفقراء وسد خلانهم( ). العز بن عبد السلام (ت 660هـ): يمثل العز بن عبد السلام قفزة عظيمة ومنعطفا مهما في تحويل الفقه من جموده على المدونات والمختصرات وتخريجات علماء المذاهب إلى حيوية الشرع ومسايرته لكل زمان ومكان، وتنزيل القواعد الفقهية والأصولية والأحكام الشرعية على كل ظروف المكلفين وأحوالهم، وهذا ما انتهجه ابن تيمية وابن القيم من بعده ومنشأ هذا عند هؤلاء الظرف السياسي الذي كان يتسم بالتفكك والقلق والاضطراب وظهور التتار وخروج الصليبيين إلى الشام واشتداد تيار علم الكلام( ). وقد اعتنى العز بن عبد السلام اعتناءا شديدا بعلم المقاصد من خلال تأليفه كتاب قواعد الأحكام الذي هو تتميم لكتابه مختصر الفوائد في أحكام المقاصد المعروف بالقواعد الصغرى وليس الثاني اختصارا للأول –كما ظنه البعض-( ) وله رسالتان في مقاصد الصلاة ومقاصد الصوم( ) وشجرة المعارف والأحوال( ). وللعز تقسيم للمصلحة يختلف عن سابقيه حيث يقسمها حسب الأحكام الشرعية الخمسة المعروفة حيث يجعل: المصلحة ثلاثة أنواع:

  * مصالح المباحات
  • مصالح المندوبات * مصالح الواجبات والمفسدة نوعان: * مفاسد المكروهات * مفاسد المحرمات كما أن له تقسيما آخر اعتبر فيه المقياس الخلقي فكانت المصالح عنده مرتبتين: مصالح الآخرة: ويعطيها المرتبة الأولى مصالح الدنيا: ويعطيها المرتبة الثانية والمفاسد مرتبتان: مفاسد الآخرة: ودرؤها مقدم في نظره على الرتبة الثانية. مفاسد الدنيا: وقد كتب يقول في هذا المضمار: "قدم الأولياء والأصفياء مصالح الآخرة على مصالح هذه الدار لمعرفتهم بتفاوت المصلحتين، ودرءوا مفاسد الآخرة بالتزام مفاسد بعض هذه الدار لمعرفتهم بتفاوت الرتبتين؛ وأما الأصفياء فإنهم عرفوا أن لذات المعارف والأحوال أشرف اللذات فقدموها على لذات الدارين( ). - ابن تيمية (ت 728 هـ): يلاحظ على الفكرالأصولي الذي تركه هذا الإمام الفذ أنه مادة مرنة غير جافة تسري فيه روح مقاصد الشريعة فما من حكم شرعي إلا ويهدف في نظره إلى تحقيق مصلحة أو درء مفسدة وانطلاقا من هذا المبدأ أي مراعاة مقاصد الشريعة- يؤاخذ على الأصوليين حصرهم المصالح الكلية في الضروريات الخمس دون الانتباه إلى مصالح أخرى يمكن أن نتلمس فيها الجانب الروحي والأخلاقي وفي ذلك يقول "وقوم من الخائضين في أصول الفقه وتحليل الأحكام الشرعية بالأوصاف المناسبة إذا تكلموا في المناسبة وأن ترتيب الشارع للأحكام على الأوصاف المناسبة يتضمن تحصيل مصالح العباد ودفع مضارهم ورأوا أن المصلحة نوعان أخروية ودنيوية وجعلوا الأخروية ما في سياسة النفس وتهذيب الأخلاق من الحكم وجعلوا الدنيوية ما تضمن حفظ الدماء والأموال والفروج والعقول والدين الظاهر وأعرضوا عما في العبادات الباطنة والظاهرة من أنواع المعارف بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله وأحوال القلوب وأعمالها كمحبة الله وخشيته وإخلاص الدين له والتوكل عليه والرجاء لرحمته ودعائه وغير ذلك من أنواع المصالح في الدنيا والآخرة. وكذلك فيما شرعه الشارع من الوفاء بالعهود وصلة الأرحام وحقوق المماليك والجيران وحقوق المسلمين بعضهم على بعض وغير ذلك من أنواع ما أمر به ونهى عنه حفظا للأحوال السنية وتهذيب الأخلاق ويتبين أن هذا جزء من أجزاء ما جاءت به الشريعة من المصالح( ). - ابن السبكي (ت 771 هـ): اجتهد ابن السبكي في إضافة سادس إلى الضروريات الخمسة حيث قال "والضروري كحفظ الدين فالنفس فالعقل فالنسب فالمال فالعرض"( ) ودافع الشوكاني عن هذا الطرح فقال وقد زاد بعض المتأخرين سادسا وهو حفظ الأعراض فإن عادة العقلاء بذل نفوسهم وأموالهم دون أعراضهم وما فدي بالضرورة فهو بالضرورة أولى وقد شرع في الجناية عليه بالقذف: الحد وهو احق بالحفظ من غيره فإن الانسان قد يتجاوز عمن جنى على نفسه أو ماله، ولا يكاد أحد أن يتجاوز عمن جنى على عرضه ولهذا يقول قائلهم: يهون علينا أن تصاب جسومنا وتسلم أعراض لنا وعقول( ) - أبو اسحق الشاطبي (ت 790 هـ): لقد وفق الإمام الشاطبي في أن يجعل من التراث المقاصدي المتشتت في كتب العلماء نظرية متكاملة مستفيدا من مختلف المدارس الأصولية. وتميز هذا الأصولي الفذ إنما هو في قدرته على التفلت من فلك هيمنة المناهج الأصولية التي سبقته وخصوصا المنهج الشافعي. يقول الدكتور عبد المجيد تركي في هذا المضمار "إن الهيمنة الشافعية كانت ممتدة خارج المذهب الشافعي خصوصا على مستوى منهجية التأليف الأصولي وإن الشاطبي استطاع الخروج من هذه الهيمنة"( ). سقت ما سبق لتوضيح أن تقسيم الشاطبي للمقاصد جاء في سياق نظرية متكاملة لعلم المقاصد ولذلك جاء تقسيمه متنوعا لاعتبارات مختلفة، ولنبدأ بالتقسيم الرئيسي عنده والذي ابتدأ به كتاب المقاصد من مؤلفه "الموافقات" حيث قسم المقاصد بصفة عامة إلى قسمين رئيسيين: - قصد الشارع - قصد المكلف ثم قسم قصد الشارع إلى أربعة أقسام: - قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء - قصد الشارع في وضع الشريعة للأفهام - قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها - قصد الشارع في دخول المكلف تحت حكمها ولم يتعرض للتقسيم المعروف للمقاصد إلا ضمن القسم الأول لمقاصد الشارع وهو قسم: قصد الشارع وضع الشريعة ابتداء حيث ذكر أن "تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام أحدها أن تكون ضرورية والثاني أن تكون حاجية والثالث أن تكون تحسينية( ). أما قصد المكلف فقسمه أيضا إلى أنواع وذلك بحسب موافقته أو مخالفته لقصد الشارع: - أحدها: أن يكون القصد موافقا والفعل أو الترك موافقا كذلك مثل أداء الواجبات واجتناب المحرمات وهذا لا إشكال في صحته. - والثاني: أن يكون القصد مخالفا والفعل أو الترك مخالفا كذلك كترك الواجبات وفعل المحرمات وهذا أيضا ظاهر الحكم. - الثالث: أن يكون القصد مخالفا والفعل أو الترك موافقا كمن وطأ زوجته ظانا أنها أجنبية فهذا عاص بقصده السيء غير عاص لمجرد الفعل أو كمن صلى رياء أو لنيل حظوة أو تعظيم بين الناس فهو آثم. - والرابع: أن يكون القصد موافقا والفعل أو الترك مخالفا كمن تعبد الله بالمبتدعات والمستحدثات في أمور الدين " فهو وإن كان قصده التدين إلا أن تصرفاته تعتبر من قبيل البدع المنهي عنها" على حد تعبير أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي( ). ونجد للإمام الشاطبي تقسيمين آخرين للمقاصد: التقسيم الأول: يقسمها إلى مقاصد أصلية ومقاصد تبعية: "فأما المقاصد الأصلية فهي التي لاحظ فيها للمكلف وهي الضرورات المعتبرة في كل ملة ..." وأما المقاصد التابعة فهي التي روعي فيها حظ المكلف فمن جهتها يحصل له مقتضى ما جبل عليه من نيل الشهوات والاستمتاع بالمباحات وسد الخلات( ). هذا وإذا تأملنا المقصد الأصلي والمقصد التبعي وجدنا حضورا في مقاصد الشارع كما في مقاصد المكلف فبالنسبة للأولى يقول الإمام الشاطبي: "إن للشارع في شرع الأحكام العادية والعبادية مقاصد أصلية ومقاصد تبعية"( ) وبالنسبة للثانية يقول "العمل إذا وقع على وفق المقاصد التابعة فلا يخلو أن تصاحبه المقاصد الأصلية أولا، فأما الأول فعمل الامتثال بلا إشكال وإن كان سعيا في حظ النفس وأما الثاني فعمل بالحظ والهوى مجردا"( ). التقسيم الثاني: يقسمها إلى مقاصد كلية ومقاصد جزئية، الأولى هي التي تكون مطلقة عامة لا تختص بباب دون باب ولا بمحل دون محل ولا بمحل وفاق دون محل خلاف وبالجملة الأمر في المصالح مطرد مطلقا في كليات الشريعة وجزئياتها( ) هذه المقاصد الكلية هي التي حددها الأصوليون في الضروريات الخمس. أما المقاصد الجزئية " فهي مصلحة جزئية في كل مسألة على الخصوص"( ). وهي الغاية الجزئية التي تهيمن على النص الخاص تحدد مضمونه وترسم مجال تطبيقه( ). - ابن فرحون (ت 799 هـ): قسم ابن فرحون في كتابه تبصرة الحكام المقاصد الشرعية إلى خمسة أقسام: 1- ما شرع لكسر النفس كالعبادات 2- ما شرع لجلب بقاء الإنسان كالإذن في المباحات المحصلة للراحة من الطعام واللباس والمسكن والوطء وشبه ذلك. 3- ما شرع لدفع الضرورات كالبياعات والإجارات والقراض والمساقاة لافتقار الإنسان إلى ما ليس عنده من الأعيان واحتياجه إلى استخدام غيره في تحصيل مصالحه. 4- ما شرع تنبيها على مكارم الأخلاق كالحض على المساواة وعتق الرقاب والهبات والأحباس والصدقات ونحو ذلك من مكارم الأخلاق. 5- ما شرع للسياسة والزجر وهو ستة أصناف: * ما شرع لصيانة الوجود كالقصاص. * ما شرع لحفظ الأنساب كحد الزنا * ما شرع لصيانة الأعراض كحد القذف والتعزير على السب والأذى بالقول * ما شرع لصيانة الأحوال كحد السرقة وحد الحرابة وتعزير الغصاب ونحوهم * ما شرع لحفظ العقل كحد الخمر * ما شرع للردع والتعزير. إن ما يمكن ملاحظته على هذا التقسيم أن ابن فرحون لم يجعل الكليات الخمس أقساما لصنف الضروريات. وإنما ادرج تقسيمين باعتبارين مختلفين على أنهما قسما واحدا هذان التقسيمان هما: ضروريات المقاصد حاجيات تحسينيات

حفظ الدين حفظ النفس المقاصد حفظ العقل حفظ النسل أو النسب أو العرض حفظ المال وأضاف إليهما قسما ذا بعد أخلاقي واضح حتى إننا يمكن أن نسميه حفظ الأخلاق وهو ما عبر عنه ب "ما شرع للردع والتعزير". كما يمكن أن نلاحظ أنه من المناصرين للتعليل حتى إنه علل ما لم يجرؤ جل الأصوليين على تعليله ألا وهو قسم العبادات حيث رأى أنها شرعت لكسر النفس فقال في القسم الأول: ما شرع لكسر النفس كالعبادات. - ابن النجار (ت 972هـ)( ): تابع من كان قبله من الأصوليين وعد من الضروريات خمسا، وأضاف إليها حفظ العرض، وذكر أنه تابع ابن السبكي في جعله في رتبة المال لعطفه بالواو، فيكون من أدنى الكليات( ) وتبع الآمدي في موازنة بين مراتب المقاصد: الضرورية والحاجية والتحسينية( ). - الطاهر بن عاشور ( ت 1973م): تنقسم الأصول الاستدلالية الفقهية إلى أدلة يقينية وأدلة ظنية اصطلح أستاذنا الدكتور عبد السلام الغرميني على تسميتها بالأدلة المؤنسة( ) وبعلم كل واحد أن الأحكام العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية المسماة عادة بالفقه تنبني في غالبها على الأدلة الظنية لأن القطع بالمراد فيها عزيز ونادر( ) مما جعل علماء الأصول يحاولون الخروج من هذا الإشكال عن طريق المقاصد الشرعية ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي أفرد مقاصد الشريعة بتأليف رائد في سبيل تنامي هذا العلم ولعلع أول تأليف مستقل في هذا الفن سماه "مقاصد الشريعة الإسلامية". ذهب إلى المطالبة فيه بالارتقاء بهذا العلم، وجعله علما قائما بذاته ليحل محل أصول الفقه يقول في ذلك: "إذا أردنا أن ندون أصولا قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة وأن نعيد ذوبها في بوثقة التدوين ونعيدها بمعيار النظر والنقد فننفي عنها الأجزاء الغربية التي علقت بها( ) ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه مقاصد الشريعة، ونترك علم أصول الفقه على حاله نستمد منه طرق تركيب الأدلة الفقهية"( ). وفي عرضه للمقاصد، اقتفى ابن عاشور آثار الشاطبي –كما ذكر- فلم يهمل مهمانة ولم يقصد نقله ولا اختصاره"( ) وإنما قصد البحث عن مقاصد الإسلام في التشريع في قوانين المعاملات( ) فقسمه إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: في إثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها، وفي طرق إثباتها، وفي مراتبها، وفي الخطر العارض من إهمال النظر إليها. القسم الثاني: في مقاصد الشريعة العامة. القسم الثالث: في مقاصد التشريع الخاصة بأنواع المعاملات بين الناس. وكما قسم هذا الشيخ المقاصد إلى مرتبتين قطعية وظنية "مثال المقاصد الشرعية القطعية: ما يؤخذ من متكرر أدلة القرآن تكرارا ينفي احتمال قصد المجاز والمبالغة نحو كون مقصد الشارع التيسير فقد قال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"( ) "وما جعل عليكم في الدين من حرج"( ) "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"( ). ومثال المقاصد الظنية القريبة من القطعي ما قال الشاطبي في المسألة الثانية من الطرف الأول من كتاب الأدلة "الدليل الظني إما أن يرجع إلى أصل قطعي مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر ولا ضرار) فإنه داخل تحت أصل قطعي في هذا المعنى فإن الضرر والضرار مبثوت منعه في الشريعة كلها وفي وقائع وجزئيات وقواعد وكليات كقوله "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" "ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن" "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده" ومنها النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض وعن الغصب والظلم وكل ما هو في المعنى إضرار وضرار. ويدخل تحته الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك"( ). ثم إن الطاهر بن عاشور له تقسيم آخر في موضع آخر من كتابه مقاصد الشريعة يقسم فيه المقاصد إلى: - مقاصد قريبة - ومقاصد عالية يقصد بالأولى أو القريبة: الكليات الخمس وبالثانية أو العالية: المصلحة والمفسدة وفي ذلك يقول: "ومن ثم استقام لهم من عهد الصحابة إلى هلم جرا أن يقيموا بعض الأشياء على بعض فينيطوا بالمقيسة نفس الأحكام الثابتة بالشرع للمقيس عليها في الأوصاف التي بنوا عليها أنها سبب نوط الحكم وأنها مقصود الشارع من أحكامه فإن كانت تلك الأوصاف فرعية قريبة سميناها عللا مثل الإسكار. وإن كانت كليات سميناها مقاصد قريبة مثل حفظ العقل، وإن كانت كليات عالية سميناها مقاصد عالية، وهي نوعان مصلحة ومفسدة ... وإنما هرع الفقهاء في التشريع والتفريع إلى القياس والنظائر والجزئيات ولم يعمدوا إلى الفحص عن المعاني الكلية القريبة ولا إلى الفحص عن إثبات وجود الكليين العاليين وهما المصلحة والمفسدة، لأنهم رأوا دلالة النظير على نظيره أقرب ارشادا إلى المعنى الذي صرح الشارع باعتباره في نظيره أومأ إلى اعتباره فيه أو أوصل الظن بأن الشارع ما راعى في حكم النظير إلا ذلك المعنى فإن دلالة النظير على المعنى المرعي للشارع حين حكم له بحكم ما دلالة مضبوطة ظاهرة مصحوبة بمثالها( ). أما كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" فقد افتتحه ببيان الغرض من تأليفه الذي هو البحث عن روح الإسلام وحقيقته من جهة مقدار تأثيرها في تأسيس المدينة الصالحة وتوضيح الحكمة التي لأجلها بعث الله بها الدين رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للرسل"( ). ثم نتحدث على مقدمات بين فيها معنى الدين والإسلام وأفاض في تعريف الفطرة وبين الأصول العامة للشريعة الإسلامية التي تجب مراعاتها في تأسيس نظام الجامعة الإسلامية كالاعتدال أو التوسط والسماحة. وقسم كتابه هذا إلى قسمين: قسم باحث عن أصول إصلاح الفرد الذي منه يلتئم المجتمع التئام الكل من أجزائه. وقسم باحث عن أصول إصلاح المجتمع من حيث إنه مجتمع( ). - علال الفاسي( ): بنفس طموح بن عاشور وثقته عالج علال الفاسي الموضوع ذاته في كتاب سماه: "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" فإن إضافة نوعية لما سبق كما قال هو: "وحسبي أفي قد زدت فيه لبنة على من سبقتني وفتحت آفاقا جديدة لمن يريد أن يعمل من بعدي"( ) ويرى أن الذين تعاقبوا على كتابة المقاصد الشرعية لم يتجاوزوا الحد الذي وقف عنده الشاطبي أو لم يبلغوا ما إليه قصد وبعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخذا للمقاصد بمعناها الحرفي( ). ولم يسر في كتابه "مقاصد الشريعة" على نهج الشاطبي ولا على نهج ابن عاشور وإنما سرده على فترات بلغت ثلاث عشرة ومائة فقرة، افتتحها بتعريف المقاصد الشرعية ثم تحدث عن أصول تأريخ القانون ووسائل تطويره وكيف أن الشرائع الإنسانية كلها كانت تقصد إلى العدل وبين كذلك ما جاء به الإسلام من أصول ومقاصد، فتناول أصول الشريعة كالإجماع ومفهومه في القرون المتأخرة والاستحسان وسد الذرائع... كما ذكر قواعد تقييد المصلحة بالمقاصد ووسائل الاجتهاد، وأسباب الاختلاف ولخص بعض مكارم الشريعة الأساسية وأوضح أنها مقياس كل مصلحة وأساس كل مقصد من مقاصد الإسلام كما بين مصدر السيادة في الإسلام كحق الحياة وحق الكرامة وحق الحرية. وحتم كتابه ببيان السماحة الإسلامية وما ترمي إليه من إقرار السلام بين الناس، وسبق الإسلام في جعل القضاء عاملا على الصلح والمحبة والتعاون بين الطوائف والجماعات والدول( ). - الشيخ محمد أبو زهرة: تطرق في كتابه تنظيم الإسلام للمجتمع لموضوع المقاصد الشرعية وكان له فيه محاولة اجتهاد في إضافة بعض المقاصد إلى الخمسة المعروفة وهكذا أضاف المقاصد التالية: أ- مقصد الكرامة الإنسانية: حيث اعتبر أن الشريعة جاءت من أجل تكريم الإنسان انطلاقا من قوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"( ) ولذلك كانت التعاليم الإسلامية كلها تدور على كرامة الإنسان فلم يفرق الإسلام بين حر وعبد في هذه الكرامة وظهر ذلك في أحكام جزئية كثيرة( ). ب- مقصد العدالة: حيث أن عنوان الشريعة الإسلامية في نظره هو العدل وهكذا حين سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم عن كلمة جامعة لمعاني الإسلام تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"( )ومن تم قسم العدالة إلى شعب: العدالة القانونية، والعدالة الاجتماعية، ثم العدالة الدولية( ). ج- مقصد التعاون الإنساني: انطلاقا من أن "التعاون في جلب الخير ودفع الشر مقرر في الحقائق الإسلامية"( ) وهكذا يكون التعاون في نظره على مستوى الأسرة وعلى مستوى الجيران وعلى مستوى الأمة إلى أن يرقى فيصبح أخيرا على مستوى الإنسانية جمعاء ليحقق المقصود من قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"( ). د- مقصد الرحمة والمودة: حيث اعتبرهما الإسلام أساس العلاقات الإنسانية فهما الصلة التي تربط كل من في هذه الأرض من بني الإنسان وشدد سبحانه العقاب على من يتسبب في قطع المودة التي أمر الله سبحانه بوصلها فقال: "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار"( ). - محمد الغزالي: ينطلق الشيخ محمد الغزالي من ضرورة الاستفادة من تجارب الأمم السابقة وتوالي الأنظمة الفاسدة على الحكم ليصل إلى نتيجة مفادها ضرورة إضافة مقصدين إلى المقاصد الخمسة الضرورية فيقول "لابد من زيادات على الأصول الخمسة. ما المانع أن أستفيد من تجارب أربعة عشر قرنا في الأمة الإسلامية... لقد وجدت أن القرون أدت إلى نتائج مرة لفساد الحكم. إذن يمكنني أن أضيف إلى الأصول الخمسة: الحرية، العدالة. وخصوصا أن عندي القرآن الذي يقول" :لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"( ) فكأن العدالة هدف للنبوات كلها. قد تكون الأصول الخمسة ضوابط للقضايا الفرعية عندنا لكي نضبط نظام الدولة لابد من ضمان للحريات( ). - محمد عبد الهادي أبو ريدة: يستغرب الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة من عدم وجود فكرة الدولة في المنظومة المقاصدية رغم وجودها في كتب الأخلاق ورغم ما لها من دور في حراسة الدين وتنفيذه والذي هو رأس المقاصد الخمسة فيقول: "استلفت نظري عدم وجود فكرة الدولة التي لها السلطان وتحرس الدين وتنفذه، وهذا موجود عند الأخلاقيين وفي كتب الأخلاق. فهل يمكن إلى جانب مفهوم الحرية والعدالة أن نضيف سلطة الدولة التي تقهر الجميع إلى جانب الدين المتبق وإلى جانب العدل الشامل والأمل الفسيح، كما هو مكتوب في كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي وهو كتاب نفيس يجمع بين الاعتبارات الكثيرة وقد رتبها بما يصلح أحوال الفرد وما يصلح أحوال المجموع وهذا شيء جميل جدا"( ). - طه جابر العلواني: قسم المقاصد الشرعية إلى ثلاثة أساسية هي: - مقصد التوحيد - مقصد التزكية - مقصد العمران فاعتبر أن هذه القيم الثلاث تمثل المقاصد والقيم الأساسية الكبرى والمبادئ الأصلية وهي في الوقت ذاته صالحة في كل زمان ومكان لتكون مقياسا لسائر أنواع الفعل الإنساني ولجميع الآثار المترتبة عليه في الدنيا والآخرة توضح للإنسان ما في ذلك الفعل من صلاح أو فساد وما يمكن أن يترتب عليه من استقامة وانحراف. ورأى أن هذه المقاصد الثلاثة مقاصد مشتركة لم تخل رسالة أي رسول من الذين قص القرآن على الناس أنباءهم ومن الذين لم يقصص على الناس أنباء رسالاتهم. إذ أن علة الخلق و سبب عبادة الله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"( ). ورأى أن هذه المقاصد الثلاثة مندرجة تحت مفهوم العبادة بشكل تام تدل على ذلك مئات الآيات الكريمة وكذلك السنن والأحاديث المبينة لذلك فالتوحيد لب العبادة وأسها والتزكية هدفها ومقصدها وغايتها والعمران مرآة التوحيد وثمرة التزكية. ثم يرى أن هذه المقاصد الثلاثة العليا تستدعي سائر المستويات الأخرى كالعمل والحرية والمساواة فهذا المستوى من القيم والمقاصد ضروري لتحقيق المقاصد العليا التي يمكن إدراجها في المستوى الثاني الذي ذكرناه وهو بدوره يستدعي المستوى الأخير الذي جرى تركيز الأصوليين والفقهاء عليه حتى اعتبروا تلك الأمور هي مقاصد الشريعة وصنفوها إلى الضروريات الإنسانية والحاجيات والتحسينيات ويعقب على هذا التقسيم الأخير بأنه لم يستطع أن يقدم أو يولد منظومة الأحكام التي تحتاج لتغطية ومعالجة كل مستجدات الحياة التي سيتعلق بها الفعل الإنساني حتى يوم الدين بل اكتفت بأن بينت لنا حكم الشريعة والتشريع وفوائدها التي تعود على ضرورياتنا وحاجياتنا وتحسيناتنا بالحفظ والتسديد والحماية فهي في وضعها الذي حدده الأصوليون تعتبر بمقام الحكم والمقاصد لدعم القياس وتوسع آفاقه من ناحية ولتعزيز ودعم دليل المصلحة من ناحية أخرى وكذلك لتعزيز الإيمان والثقة برعاية الأحكام الشرعية لمصالح العباد وبقيت الأحكام الشرعية التكليفية منها والوضعية تدور على محاور الأوامر والنواهي والمنطلقات اللغوية التي أدت إلى بناء وتدعيم الجزئي في النظر الفقهي( ). - جمال الدين عطية: ينطلق بحثه من اقتراح مفاده توسيع دائرة البحث في كليات الشريعة بحيث لا تنحصر في مجال الفرد وإنما تغطي أربعة مجالات هي الفرد ثم الأسرة ثم الأمة ثم الإنسانية. وهكذا جاء تقسيمه كالتالي: حفظ النفس حفظ العقل 1- مقاصد الشريعة فيما يخص الفرد حفظ تدين الفرد حفظ العرض حفظ المال

العلاقة بين الجنسين حفظ النسل حفظ النسب 2- مقاصد الشريعة فيما يخص الأسرة تحقيق السكن والمودة والرحمة حفظ الدين في الأسرة تنظيم الجانب المؤسسي للأسرة تنظيم الجانب المالي للأسرة

التنظيم المؤسسي للأمة حفظ الأمن إقامة العدل 3- مقاصد الشريعة فيما يخص الأمة حفظ الدين والأخلاق التعاون والتضامن والتكامل نشر العلم وحفظ عقل الأمة عمارة الأرض وحفظ الثروة

التعارف والتعاون والتكامل تحقيق الخلافة العامة للإنسان في الأرض 4- مقاصد الشريعة فيما يخص الإنسانية تحقيق السلام العالمي الحماية الدولية لحقوق الإنسان نشر دعوة الإسلام - أحمد الريسوني: تناول في كتابه "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" فكرة المقاصد الشرعية عند الأصوليين قبل الإمام الشاطبي وخلال حديثه عن رأي الإمام الآمدي ذكر أن حصر الضروريات في الخمسة المعروفة يمكن أن يراجع حيث يقول "فحصر الضروريات في هذه الخمسة وإن كان قد حصل فيه ما يشبه الإجماع يحتاج إلى إعادة النظر والمراجعة"( ) وبهذا يكون الأستاذ الريسوني قد فتح الباب على مصراعيه أمام الباحثين للاجتهاد في المسألة بإضافة أنواع أخرى لهذه المقاصد الضرورية وربما كان له هذا الرأي لما رآه في بحث آخر عن المقاصد عند أبي الوليد ابن رشد حيث رأى أن هذا الإمام يلفت نظرنا إلى جوانب مهمة جدا من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية ويعني بذلك " مقاصدها التعليمية والتربوية والخلقية"( ) وهي مقاصد كما يقول منصوص عليها أو مشار إليها في نصوص عديدة من الكتاب والسنة كقوله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"( ) وكقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)( ). - د. ادريس حمادي: نظرا لطبيعة البحث في موضوع " الخطاب الشرعي وطرق استثماره" تناول أستاذنا الدكتور ادريس حمادي الحديث عن مقاصد الخطاب الشرعي ومن ثم تطرق لتقسيم الأصوليين للمقاصد ورأى أنهم يقسمونها إلى قسمين مقاصد كلية ومقاصد جزئية( ) ورأى أنه يمكن أن يضاف إلى هذين القسمين قسم ثالث سماه المقاصد الخاصة وهي عنده "المصلحة التي تتعلق بها جميع أحكام باب من أبواب الفقه باعتبارها منضوية تحت المقصد العام للشريعة الإسلامية كالمصلحة التي تستهدفها جميع أحكام الصلاة والمصلحة المتوخاة من جميع أحكام الزكاة وكذلك الصوم والحج"( ) لأن هذه المصالح جميعا تتجه إلى مقصد أسمى في العبادات هو "التوجه إلى الواحد المعبود وإفراده بالقصد إليه على كل حال"( ) أو بتعبير آخر للدكتور ادريس حمادي هو "تزكية النفس والسمو بها وإخراجها من دائرة الأنانية والفردية إلى دائرة الإحساس بالجماعة. وهذا المقصد الأسمى في العبادات يصب بدوره في المقصد العام للشريعة الذي هو سعادة الإنسان دنيا وأخرى أو تحقيق العدل أو إلى المصالح الكلية باعتبارها مستخلصة من أحكام جزئية عديدة"( ) ولا يفوت الدكتور حمادي أن يشير إلى أن للشريعة الإسلامية مقاصد أخرى غير هذه المصالح الكلية إذ الحياة السعيدة لا تتشوف للضروري فقط وهكذا فالشريعة في نظره قد سبقت علم النفس في إعلان مقاصد أخرى بجانب المقاصد الضرورية وهي التي تتمثل في المقاصد الحاجية والتحسينية"( ). - د. عبد الحميد العلمي: نظرا لأن مبدأ الأخذ بالمقاصد الشرعية لا تكتمل دلالته إلا بالنظر في مقابلها الأعظم وهو الدلالة اللفظية ذلك "أن نصوص الشرع هي المفهمة عن مقاصده ومن ثم كان العلم بالعربية من أوكد العلوم المتصلة بالمقاصد الشرعية"( ). جاء في الموافقات "وأما الثاني من المطالب وهو فرض علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه فإن كان ثم علم لا يحصل الاجتهاد في الشريعة إلا بالاجتهاد فيه فهو لابد مضطر إليه... إلا أن هذا العلم مبهم في الجملة، فيسأل عن تعيينه والأقرب في العلوم أن يكون هكذا علم اللغة العربية ولا أعنى بذلك النحو وحده ولا التصريف وحده ولا اللغة ولا علم المعاني ولا غير ذلك من أنواع العلوم المتعلقة باللسان بل المراد جملة علم اللسان"( ). ولما كانت دلالة الألفاظ في مجملها محتملة لتوقفها على مقدمات ظنية والمقاصد في عمومها قطعية لاستنادها إلى كليات استقرائية فقد استقر أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي في تصوره الجديد من نوعه ونظرته لمقاصد الشريعة المختلفة عن معاصريه حيث كان له السبق في بحثها من الجانب الدلالي على التقسيم التالي: 1- مقاصد دالة بالدلالة الأصلية: يجد العقل بين الدال والمدلول فيها علاقة ينتقل لأجلها منه إليه وقوامها أخذ الألفاظ في وضعها الأصلي بحيث تكون دلالتها على ما وضعت له بالقصد الأول لذلك فهي دلالة تشترك فيها جميع اللغات. 2- مقاصد دالة بالدلالة التابعة: وهي مستمدة مما اقتضته الألفاظ بوضعها الأصلي وهذا يتطلب النظر فيما يعود عليها بوجه من أوجه الخدمة ما له تعلق بالمقتضيات العامة للخطاب. هذه نظرة مقتضبة عن أقسام المقاصد من زاويتها الدلالية حسب ما يراه أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي( ). - د. أحمد الخمليشي: يقترح الأستاذ مجموعة من المقاصد الجديدة إلى المقاصد الخمسة المعروفة من أجل أن يتمكن الفكر الإسلامي من المساهمة أكثر في كثير من مرافق التنظيم الاجتماعي كمقصد العدل (الفردي والاجتماعي) والمساواة والحرية فكتب قائلا: "من المؤكد أن المقاصد أو المصالح العليا الخمسة التي أوردها الغزالي غير كافية الآن للاقتصار عليها واتخاذها مرجعا في تنظيم المجتمع، وعلاقات أفراده. ألا يعتبر من المقاصد العليا للشريعة مثلا: العدل بمفهوميه الفردي والاجماعي والمساواة وحرية الفرد وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي منها المساهمة في تسيير الشؤون العامة "وأمرهم شورى بينهم"( ). إن الأخذ بمثل هذه المقاصد، واعتمادها مرجعية في الوقت الحاضر، سيمكن الفكر الإسلامي من المساهمة في كثير من مرافق التنظيم الاجتماعي التي ما يزال غائبا عنها"( ). - د. طه عبد الرحمن: درج الأصوليون كما هو معروف على تقسيم المقاصد الشرعية إلى رتب ثلاث: الضروريات: وهي عندهم التي بفقدانها يفسد نظام الحياة. الحاجيات: وهي عندهم دون رتبة الضروريات حيث لا يصيب المكلف بفقدانها إلا العنت والضيق. التحسينيات: وهي عندهم دون رتبة الحاجيات حيث لا ينال المكلف بفقدانها إلا حرج في المروءة. يعترض الدكتور طه عبد الرحمن على هذا التقسيم بمجموعة من الاعتراضات منها: أن الكليات الخمس التي تشكل رتبة الضروريات لا يستقل بها هذا القسم بل يشاركه فيها القسمان الآخران الحاجي والتحسيني. أنه لا يجوز حصر الكليات في خمسة كما فعل المتقدمون إذ لا يمتنع عنده إدخال قيم أخرى مثل "حفظ الذكر" و "حفظ العدل" و "حفظ الحرية" و "حفظ التكافل". أنه لا تباين بين مفاهيم هذه الكليات الخمس فهي متداخلة فيما بينها حيث لا حفظ للمال بغير حفظ العقل ولا حفظ للعقل بغير حفظ النسل ولا حفظ للنسل بلا حفظ النفس ولا حفظ للنفس بغير حفظ الدين. أنه لا يجوز اعتبار مكارم الأخلاق فقط ضمن رتبة التحسينيات لأن ذلك في نظره يشعر بأنها مجرد صفات كمالية يخير المرء في التحلي بها، بل قد يتبادر إلى ذهنه أنها أشبه بالترف السلوكي في حين أن علم المقاصد في نظر د. طه عبد الرحمن ليس إلا علما آخر للقيم الأخلاقية لأنه وحده الذي يصلح حال الإنسان لأنه علم يبحث عن السبيل إلى صلاح الإنسان. بعد هذه الاعتراضات وغيرها يأتي الدكتور طه عبد الرحمن باقتراح لتقسيمات جديدة للمقاصد باعتبارات مختلفة. 1- تقسيم باعتبار القيم الحيوية أو قيم النفع والضر: * حفظ النفس * حفظ الصحة * حفظ النسل * حفظ المال 2- تقسيم باعتبار القيم العقلية أو قيم الحسن والقبح * الأمن * الحرية * العمل * السلام * الثقافة * الحوار 3- تقسيم باعتبار القيم الروحية أو قيم الخير والشر * الإحسان * الرحمة * المحبة * التواضع * الخشوع وبعد أن ينتهي الباحث من تقسيماته يخلص إلى أن القيم التي كانت تتبوأ المقام الأول عند الأصوليين المتقدمين قد تصبح حسب هذه التقسيمات الجديدة في المرتبة الثالثة ذلك أن الدكتور طه عبد الرحمن يعطي الأولوية للقيم الروحية لأنه يرى أن الترتيب التقليدي يقدم اعتبار الجانب المادي من الحياة على جانبها المعنوي حتى كادت أن تبدو فيه الشريعة مادية كمادية العقل، علما بأن الأصل فيه على خلاف الاعتقاد السائد، التعلق بالمادة، وكادت أن تقتصر وظيفتها على تأييده فيما يستطيع إدراكه بنفسه، لا على تكميله فيما لا يستطيع إدراكه بنفسه في حين أن القيم الروحية في نظره هي التي يحقق بها الإنسان إنسانيته ومن ثم يحقق عبوديته لله. وهكذا نخلص إلى أن رؤية الأستاذ طه عبد الرحمن إلى تراتبية الضروريات والحاجيات والتحسينيات تصبح عنده كالتالي: المصالح الضرورية القيم الروحية المصالح الحاجية القيم المصالح التحسينية القيم المادية( ). - د. القرضاوي: يعتقد القرضاوي أن هناك نوعا من المقاصد لم يعط حقه من البحث إذا كانت معظم المقاصد تتعلق بالفرد كحفظ دينه وعقله ونفسه وماله... إلخ فأين الحرية والمساواة والعدالة وما قيمتها؟"( ) ويستطرد متسائلا "وهذا أيضا في حاجة إلى إعادة النظر؟"( ) ويرد القرضاوي تركيز الأصوليين على التقسيم الخماسي المألوف إلى تركيزهم بصورة أكبر على الإنسان كفرد ولم يلتفتوا إلى الأمة بقدر كاف. وربما كان عندهم في ذلك أن المجتمعات إنما تتكون من أفراد فإذا صلح الأفراد صلحت المجتمعات. وإنما يصلح الأفراد إذا حافظنا على مقومات حياتهم الدينية والدنيوية، المعنوية والمادية. وهكذا يرى القرضاوي وجوب التأكيد على أن "شريعة الإسلام تهتم بالمجتمع كما تهتم بالفرد وهي تقيم توازنا بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية في غير طغيان ولا إخسار..."( ). ومن المؤكد عنده "أن شريعة الإسلام تقيم اعتبارا أي اعتبار للقيم الاجتماعية العليا وتعتبرها من مقاصدها الأساسية... ومن هذه القيم: 1- العدل أو القسط. 2- الإخاء. 3- التكافل. 4- الحرية. 5- الكرامة. - د. محمد حسن أبو يحيى( ): ألف كتابا أسماه "أهداف التشريع الإسلامي" اشتمل على تمهيد وثلاثة أقسام وخاتمة. أما التمهيد ففي تعريف أهداف التشريع الإسلامي وأقسامها وضوابطها وطرق إثباتها وأما القسم الأول: فتحدث فيه عن مصادر التشريع الإسلامي. وأما القسم الثاني: فكان في الأهداف العامة للتشريع الإسلامي كتبليغ شريعة الله للناس كافة ونفوذها وقوة الأمة وهيبتها والإصلاح وإزالة الفساد والمساواة والحرية والسماحة والإيجابية والتوازن. وأما القسم الثالث ففي الأهداف التي تخص أنظمة التشريع الإسلامي كأهداف العبادات وأهداف الأسرة ونظامها وأهداف النظام السياسي... د.محمد غاني باحث في العلوم الاسلامية

تم الاسترجاع من "http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9"