الاقليات القوميه

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ الحمد لله رب العالمين ، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وعلمه البيان في القرآن العربي المبين ، وجعله أفضل مخلوقاته ، القائل : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) " الحجرات : 13" والصلاة و السلام على رسول الله ، المبعوث رحمة للعالمين ؛ الذي اختاره الله من البشر ، ليكون خاتم الأنبياء و المرسلين ، واصطفاه لرسالته ، وجعله الإنسان الكامل ، ليكون القدوة و الأسوة ، و النموذج الفذ لبني الإنسان.

وبعد : يشهد العالم كله ما يمكن تسميته بصحوة الأقليات القومية أو الإثنية ، والأقليات الدينية أو اللغوية ، والقبلية في أفريقيا على وجه التحديد ، والتي طالبت بحقوقها المشروعة من أنياب الطغيان . وهذه الظاهرة ليست جديدة على العالم العربي و الإسلامي ، فمعظم الصراعات الأهلية العربية المسلحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، كانت حول هذه المسألة . بل أن الصراع الرئيسي في المنطقة ، وهو الصراع العربي - الإسرائيلي حول فلسطين ، لم يستنزف من الدماء قدر ما استنزفته الصراعات الأهلية المسلحة ، فهذه الأخيرة قد استنزفت ثلاثة أمثال ما استنزفه الصراع العربي - الإسرائيلي من الدماء .

إن عدد من استشهدوا في كل الحروب مع إسرائيل يقدر بحوالي 150 ألفا ، بينما يقدر عدد من قتلوا في الحرب الأهلية في ثلاثة أقطار عربية فقط هي العراق ولبنان والسودان ، بحوالي نصف مليون من مواطني هذه الأقطار .ونفس الشيء ينطبق على الموارد المالية والمادية الأخرى . نحن إذن أمام ظاهرة عالمية و إقليمية و محلية ، رغم حجمها و عمقها ، إلا أنها لم تعطى حقها من الاهتمام العالمي . نظرا لحساسيتها البالغة وللظروف السياسية الخاصة ، التي كانت عليها معظم دول العالم التي عانت من الاستعمار ومن مخلفاته ، الذي أنعكس على الأقليات سلبيا ، وبدون مبرر واضح ، سوى الاتهامات العشوائية بالعمالة و التواطئ . وتأتي أهميه البحث في حقوق الأقليات ، أن أكثر من 85% من سكان الوطن العربي يكونون مجموعة متجانسة لغويا ودينيا وثقافيا ، إلا أنه توجد عدة تكوينات بشرية عرقية تختلف عن هذه المجموعة العربية الرئيسة سواء في الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة . والعبرة هنا هي ما إذا كان لأي من هذه المتغيرات وزن ظاهر في إحساس أي جماعة باختلافها عن الأغلبية المحيطة بها ، وترجمة هذا الإحساس إلى سلوك ومواقف سياسية متميزة في قضايا مجتمعية رئيسية .

لم يتعرض الفكر القومي للدور الاجتماعي لهذه الأقليات بشكل متعمق ، ولم يحاول التعرف على همومها ومشكلاتها ، ولم يأخذ موقفا صريحا من رغباتها المشروعة في المحافظة على تكاملها وتراثها الحضاري ، ومع ما قد يوجد لدى بعضها من آمال قومية خاصة . ويبدوا أن كثيرا من كبار المفكرين القومين قد تصوروا أنه بتجاهلهم لمسألة الأقليات ، فأنها قد تذوب وتنصهر في الجسم الأكبر ، أو قد تختفي المشكلة . هذا ولا يخفى أن الشريعة الإسلامية منذ بدايتها قد اعترفت بوجود " الملل و النحل " - أي الأقليات و الطوائف الدينية - وبمشروعية اختلافها مع الأغلبية المسلمة في شئون عقيدتها وأفرد للموضوع كثيرا من الأحكام التي تنظم العلاقة بين المسلمين في دار الإسلام . ولم يكن تجاهل العمل الوحدوي لموضوع الأقليات بأقل من تجاهل الفكر القومي لها ، فالأقليات لم تُدع للمشاركة في أي مجهود وحدوي . وربما يقال إن الجماهير العربية نفسها لم تُعط الفرصة للمشاركة الحقيقية في العمل الوحدوي ، أو أي عمل سياسي آخر .

ولكن عدم اشتراك الأقليات يكتسب حساسية وخطورة في ظل حالتين: أولاهما ، أن يكون حجم وتميز إحدى هذه الأقليات كبيرا نسبيا في قطر معين ( مثل لبنان والعراق والسودان ) ، وتكون عناصرها البشرية مركزة جغرافيا في منطقة واحدة داخل هذا القطر .

وثانيتها ، حماس وإقبال النخبة الوطنية الحاكمة في هذا القطر على مشروعات العمل الوحدوي ، هنا قد تحس الأقلية بخطر داهم ، يهدد حقوقها ومصالحها ، وأيضا على كيانها الاجتماعي وتراثها الحضاري . وبالتالي يحدث انفجار ، في شكل عصيان مسلح أو حرب أهلية . وتنصرف القيادة في هذه الحالة عن مشروع التوحيد القومي إلى تعبئة طاقاتها للمحافظة على وحدتها الوطنية للمحافظة على الوحدة الوطنية تسيل دماء غزيرة ، وتنفق ملاين عديدة وتتعثر مشروعات التوحيد السياسي و التكامل الاقتصادي العربي و التنمية بمفهومها الواسع .

سبب اختيار الموضوع : السبب الأول : إذ يذكر بأن الجماعات والأقليات المسلمة التي تعيش في الدول غير الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تمثل من حيث العدد ما يزيد على ثلث الأمة الإسلامية.

السبب الثاني : محاولة للوصول أن لا خلاف بين القانون الدولي للحقوق الإنسان والشريعة الإسلامية ، في تبني حقوق الأقليات ، كما قد يتصور البعض ، من الذين يشوهون مفاهيم و مبادئ الإسلام العالمية ، بدعوى نبذ كل ما يخالف أهوائهم ، وجعل الإسلام في المواجهة مع الغير.

السبب الثالث : هو محاولة الخروج برؤية قانونية وشرعية لعلاقة الأقليات بالدول المعاصرة ، وعلى رأسها الدول العربية و الإسلامية ، في ظل المعاهدات و المواثيق الدولية .

أولاً:- مفهوم الأقلية لغاً: تشير معاجم اللغة إلى مادة "قلل" التي اشتقت منها كلمة الأقلية, وفى لسان العرب: "قلل" القلة خلاف الكثرة, والقل خلاف الكثر و قوم قليلون, أقلاء,قلل, قليلون ويكون ذالك في قلة العدد ورقة الجثة,وقوم قليل أيضا. قال تعالى( وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ) الأعراف-أية 86. والقل والقلة مثل الذل و الذلة. وفى حديث ابن مسعود" الربا و إن كثر فهو إلى قل" ، و القل من الرجال الخسيس الدين, قدم علينا قلل من الناس إذا كانوا من قبائل شتى متفرقة ويشير معجم القرآن الكريم إلى أن الكلمة في القرآن تشير إلى النقص كقولة تعالى (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ) "البقرة- أية 249" وقولة تعالى عن فرعون ( إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) "الشعراء-أية54" وبالتأمل في الدلالة اللغوية للمادة التي اشتقت منها كلمة أقلية نلاحظ بعض الدلالات:

1- استخدمت الكلمة للتعبير عن دلالة كمية تقابل الأكثر, ( وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ )"الأعراف- أية 86" 2-استخدمت لتعبر عن دلالة كيفية لا تجعل العدد معياراً لها كما في حديث ابن مسعود:"الربا و إن كثر فهو قل" فالقلة هنا تعبير عن حالة كيفية العدد المجرد ليس معياراً لها. 3- وتشير الكلمة إلى تجمع الأشتات المتفرقين من أصول عرقية متعددة, وهو ما يشير إلى نفس الدلالة التي يشير إليها المصطلح في العلوم المعاصرة, وهذا واضح جداً في قولة:" قدم علينا ُقلل من الناس إذا كانوا من قبائل شتى متفرقين.

ثانيا :- مفهوم الأقلية في القانون الدولي العام أن دراسات الأمم المتحدة لم تجمع على تعريف محدد حتى الآن, خوفاً من أن يؤدي أي تعريف مطلق إلى عدم استفادة جميع الأقليات أو حرمان بعضها من الحماية التي وفرتها الأمم المتحدة من خلال لجنة حقوق الإنسان و اللجنة المتفرعة عنها, وهي اللجنة الخاصة بمنع التمييز وحماية حقوق الأقليات " دون أن يعني ذلك تدخلاً في شئون الدولة الداخلية". باعتبار أن فئة حقوق الأقليات ليست حقوقاً فردية, وإنما تمارس بإطار جماعي. لذلك فإن تحديد مدلول الأقليات يجب أن يأخذ بنظر البعض, النواحي التالية,مجتمعة:

1-يجب أن يكون عدد أفراد جماعة الأقلية كافياً نسبياً, فلا يكفى أن توجد مجموعة صغيرة من الأسر أو الأفراد لا تشكل بحد ذاتها مجموعة بشرية متميزة وفقاً لنظرة المجتمع إليها. 2-أن تقوم بين هؤلاء الأفراد روابط مشتركة أثنية أو لغوية أو دينية تجعل منهم فئة مختلفة عن باقي السكان . 3-أن يعي أفراد هذة الجماعة طبيعة الروابط القائمة بينهم ، و أن يرغبوا في المحافظة عليها. 4-هذه الاعتبارات يجب توافرها مجتمعة حتى يمكن أن يطلق على فئة ما صفة الأقلية, لان حقوق الأقليات تنصب على الروابط المشتركة التي تربط بين أفرادها و ليس على أفرادها بصفتهم الفردية.

أخذت اللجنة الفرعية لمنع التميز وحماية الأقليات في عام 1977م, بهذا المعيار العددي, حيث اعتمدت في ذالك على دراسة الإيطالي " فرانسيسكو كابوتورتي" المعنونة: حقوق الأشخاص المنتمين إلى الأقليات الإثنية و الدينية و اللغوية طبقاً للمادة27 من العهد الخاص بالحقوق المدنية و السياسة" وقد اعتمد, تعريفاً مؤقتاً للأقليات,أي نسبة مجموعة من السكان إلى باقي السكان. فقد عرف الأقلية بأنها: " مجموعة أقل عدداً بالنسبة إلى باقي السكان في الدولة التي ينتمون إليها, وتمتلك هذه المجموعة خصائص ثقافية طبيعية أو تاريخية, أو دين أو لغة تختلف عن باقي السكان وقد كانت المعاهدات الخاصة بالأقليات التي أبرمت في أعقاب الحرب العالمية الأولى, قد أخذت بهذا المعنى ، إذ, حددت الأقلية, بأنهم: : سكان الدولة الذين يختلفون عن الأغلبية الساحقة في العنصر أو اللغة أو الدين" .

ثالثا : مفهوم الأقلية في الشريعة الإسلامية الأقلية هي " الجماعة التي تعيش داخل المجتمع الإسلامي على سبيل الاستقرار(الدوام), ولها حكم شرعي مختلف عن أحكام الجماعة المسلمة أو التي فارقت الجماعة المسلمة بتأويل ديني لا يسوغ" فلا يعد أقلية من وجهة النظر الإسلامية الأجانب الذين يدخلون بغرض التجارة أو السياحة مثلاً ، لأن إقامتهم طارئة. وينظم العلاقة بين الجماعة المسلمة و الأقلية ( الحكم الشرعي) لا معيار الأغلبية أو الأقلية العددية, ويقصد بالحكم الشرعي اجتهاد ولى الأمر في تحديد الأوضاع المنظمة لتواجد الأقليات في المجتمع المسلم بما لا يتعارض مع المقاصد العامة للشريعة أو نصوصها القطعية . ويعد أقلية من فارق إجماع المسلمين بتأويل ديني لا يسوغ أي لا تجيزه قواعد اللغة و الشرع, وهذه تسمى الجماعات المخالفة لإ جماع الأمة ، ويدخل ضمن هؤلاء,البهائيون ، الإسماعيلية, القيدانيون... وغيرهم . وهؤلاء ينتمون إلى الإسلام و لكنهم ليسوا منه. بتعبير" عبد القاهر الجرجاني" ونظراً, لعدم وجود مساواة, بسبب التعصب القومي الأعمى الذي يغمط حق الغير في التعبير عن ذاته وهويته ، فلا تحرم الأقليات الإسلامية, من هويتها اللغوية ،الثقافية, اليوم في كثير من دول العالم الإسلامي,لأن الشريعة الإسلامية كفلت لها ذالك ، على مر العصور.

فماذا نسمي وجود اللغة التركية والفارسية,والعربية, وغيرها في الدولة المملوكية والعثمانية, كلغة دين ودولة وثقافة. وفي ضوء ما تقدم, و بالقدر الذي استطاعت, من عرضة أو مقارنتة, ، فإنه يمكن القول, إنه لا يوجد هناك تعريف جامع مانع لتعبير الأقليات, لأن أي تعريف, يجب أن يتفادى صعوبتين:

الأولى:- أن يكون التعريف واسعاً, مما يجرده من أية فائدة.

الثانية:- أن يكون ضيقاً, مما يؤدي إلى عدم دقتة وشموليتة. ومما يزيد من صعوبة الأمر . أن تعريف الأقليات, أو الانطلاق لحصر أبعاد المفهوم أو ضبطة, إنما هي مسألة ليست بالسياسية أو الاجتماعية, وحسب, وإنما تتعلق باجوانب قانونية أيضاً. ومن هنا, فإننا نعني بالأقلية أو الأقليات - كمفهوم- " تلك الجماعات الفرعية من سكان دولة ما, والتي يشترك أفرادها بواحدة أو أكثر من المقومات الطبيعية, كاللغة, أو الدين أو العرق أو القبيلة - وبذات في المجتمعات البدائية- أو بانتمائهم إلى قومية خاصة, بما يميزهم عن الأغلبية العددية " الأكثرية" في الدولة, مما ينشأ عنة اختلاف في وضعهم الاجتماعي سلباً أو إيجابا عن الأغلبية العددية, مع وعي أو إدراك كلا الطرفين (الأقلية و الأغلبية) بذلك التميز أو الاختلاف, ودون أن يمثل ذالك ظاهرة مرضية أو شاذة, بل أن وجودة الأقليات في الدولة, إنما هو ظاهرة طبيعية, ولا تكاد تخلو منها دولة في العالم, " بيد أن ما يجعل منها ظاهرة مرضية, إنما هي المطالب غير الاعتيادية لبعض الأقليات, بما يتعارض ووحدة الدولة و أمنها الوطني, أو نتيجة سوء إدارة النظام السياسي للمشكلات التي تنتج عن وضع الأقليات,أو بفعل تدخل دولي خارجي يسعى إلى تحقيق مصالح غير مشروعة.

رابعاً أسباب وجود الأقليات :

ويعود منشأ الأقلية في الدولة إلى أسباب منها: 1- وجود مجموعات سكانية تعيش إلى جانب بعضها البعض في منطقة واحدة، وتختلف في انتماءاتها القومية أو الأثنية أو الدينية أو اللغوية عند تأسيس الدولة، حيث يجري ضم هذه المجموعات في كيان سياسي واحد، تصبح فيه بعض الجماعات أقليات مقارنة بالأغلبية المختلفة عنها، مثلا العراق (مسلمين وصابئة ومسيحيين، وعرباً وأكرادا وتركماناً وكلد و آشوريين)، وإيران ( وقوميات فارسية وتركية كبيرة وأخرى صغيرة كالكردية والعربية والتركمانية والبلوشية، وأقليات يهودية وارمنية وزرادشتية)، ومصر (مسلمين وأقباط)، ولبنان (عرب ودروز ومارونيين، ومسلمين ومسيحيين وأرمن..)، وفي العديد من الدول الأفريقية والآسيوية والأوربية. 2- قيام دولة بضم أو احتلال إقليم مجاور كما جرى لدروز الجولان في إسرائيل، والبوسنة التي ضمت إلى النمسا، أو إقليم كوسوفو من قبل يوغسلافيا. 3- سقوط أوانسحاب الدولة عن الإقليم لتترك أقليات تختلف عن السكان الأصليين، كما حدث في الهند حيث وجدت الأقلية المسلمة، أو الأقليات التركية في بلغاريا وألبانيا واليونان. 4- تحول مجموعة من أهل البلاد الأصليين إلى دين آخر مما يحولهم إلى أقلية دينية، كما حدث في الفلبين وسنغافورة و سيرلانكا وغيرها حيث اعتنقت مجموعات سكانية الإسلام. 5- هجرة مجموعات سكانية من بلدها الأصلي إلى بلد آخر طلباً للرزق والعمل أو بحث عن ملاذ آمن. كما هو الحال في الأقليات المسلمة في أوربا الغربية وأمريكا وكندا وأستراليا وبلدان أمريكا اللاتينية حقوق الأقليات في القانون الدولي للحقوق الإنسان في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى نشأت عدة دول جديدة تضم أقليات دينية وقومية عديدة. الأمر الذي انعكس على المعاهدات الدولية التي تضمنت بنوداً واضحة تنص على حماية الأقليات فيها كما في معاهدات الصلح الأربع التي أبرمت مع كل من النمسا والمجر وبلغاريا وتركيا، وفي المعاهدات الخاصة التي عقدت مع بعض الدول الناشئة كبولونيا ويوغسلافيا.

وكانت هذه البنود تشتمل على ضمانات خاصة للأقليات تعهدت الدول المذكورة بمراعاتها تحت إشراف عصبة الأمم التي كان يحق لها النظر، عبر مجلس الوصاية التابع لها، في المخالفات والانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات. وأصدرت الجمعية العامة لعصبة الأمم عام 1933 قراراً تتمنى فيه على الدول غير الموقعة على نظام حماية الأقليات مراعاة قواعد العدل في معاملتها للأقليات الخاضعة لسيادتها . عند إنشائها، لم ينص ميثاق الأمم المتحدة بشكل واضح على مواد خاصة بحماية الأقليات بل اكتفت بما ورد من مفاهيم في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 / 12 / 1948. إذ تنص المادة (55) على أن الأمم المتحدة تعمل على (أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين)). ويفسر تحاشي ميثاق الأمم المتحدة ذكر الأقليات صراحة إلى بروز مفاهيم سيادة الدولة بقوة واسعة بحيث يمكن أن يعتبر ذكر الأقليات أو حمايتها تدخلاً في الشؤون الداخلية ومدعاة لزعزعة استقرار الدولة إذا ما قامت دولة أجنبية باستخدام الارتباطات القومية والدينية والمذهبية مع أقلية تقيم في بلد آخر. ومن هذا المنطلق رأت الأمم المتحدة قضية حماية الأقليات من اختصاص الدولة نفسها التي تعتبر تلك الأقلية من رعاياها. يضاف إلى ذلك أن قيام أنظمة ديمقراطية حقيقية في بلدان العالم هو أفضل ضمان لحماية الأقليات في تلك البلدان. ولم يمض أقل من عقدين من الزمان حتى اضطرت الأمم المتحدة إلى التأكيد صراحة على حماية الحقوق الأساسية للإنسان ومنها حقوق الأقليات، خاصة بعد افتضاح الممارسات الفظيعة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والرفض العالمي للممارسات الوحشية ضد مجموعات عرقية أو دينية أو قومية. ففي 20 /11 /1963 صدر إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. والمادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسة الصادر في 16/ 12 /1966شكلت تقدما في حماية الأقليات عما سبقها ، من الإشارة الواضحة للأقليات . و في 18 / 12 / 1992 أصدرت الأمم المتحدة (إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية أو دينية أو لغوية). إذ أكد الإعلان على جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية ومنع جرائم الإبادة البشرية ومنع جميع أشكال التمييز ضد المرأة والطفل. ورأت الأمم المتحدة أن تعزيز وحماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية أو دينية أو لغوية يسهمان في الاستقرار السياسي والاجتماعي للدول التي يعيشون فيها حقوق لأقليات في الإعلان الخاص به وهو الإعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية و إلى أقليات دينية و لغوية . أعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 47/135 بتاريخ 18 ديسمبر 1992 وجاء في ديباجته ( إن الجمعية العامة ، إذ تؤكد من جديد أن أحد الأهداف الأساسية للأمم المتحدة ، كما أعلنها الميثاق ، هو تعزيز حقوق الإنسان و الحريات الأساسية و التشجيع على احترامها بالنسبة للجميع ، دون تمييز بسب العرق أو الجنس أو اللغة أ, الدين ، وإذ ترغب في تعزيز إعمال المبادئ الواردة في الميثاق ، و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، واتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس و المعاقبة عليها ، و الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، والإعلان المتعلق بالقضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد ، وكذلك الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة التي اعتمدت على الصعيد العالمي أو الإقليمي و تلك المعقودة بين الآحاد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، وإذ تستلهم أحكام المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية المتعلقة بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات أثنية أو دينية أو لغوية ، وإذ ترى أن تعزيز و حماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية و إلى أقليات دينية و لغوية يسهمان في الاستقرار السياسي و الاجتماعي للدول التي يعيشون فيها ، وإذ تشدد على أن التعزيز و الإعمال المستمرين لحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية ، كجزء لا يتجزأ من تنمية المجتمع بأسرة ....) ويمكن تقسيم المواد الواردة في الإعلان إلى : أولاً : حقوق الأقليات الخاصة ثانياً:التزامات و توجيهات تقع على الدول في حماية وجود الأقليات ثالثاً:التزامات تقع على الأسرة الدولية في تعزيز حماية الأقليات رابعاً :القيود و المعايير الدولية لهذه الحماية أولاً : حقوق الأقليات الخاصة الحقوق الخاصة : ليست الحقوق الخاصة امتيازات ، وإنما تم منحها للأقليات بناء على اعتبارات هامة و جوهرية ، يسمح للأقليات بالحفاظ على هويتها و خصائصها و تقاليدها . وكذلك منح حقوق خاصة من أجل تحقيق مبدأ المساواة في المعاملة معهم وبالتحديد عدم التمييز. ولن تصل الأقليات إلى التكيف في المجتمع الذي تعيش فيه و تشعر بالمواطنة الكاملة ، إلا عندما تكون قادرة على استخدام لغاتها الخاصة ، و الاستفادة من الخدمات التي تنظمها بنفسها والمشاركة أيضا في الحياة السياسية و الاقتصادية للدول . و التفرقة في معاملة هذه المجموعات أو في معاملة الأفراد الذين ينتمون إليها تكون مبررة إذا كان الغرض من ممارستها هو تعزيز المساواة الفعلية و تحقيق رفاه المجتمع ككل ، وربما هذه الحقوق الخاصة قد تحتاج إلى فترة زمنية طويلة ، ولكن لابد أن يتسنى لمجموعة الأقليات الاستفادة من المجتمع على قدم المساواة مع الأغلبية .

المادة الثانية الفقرة / 1 من الإعلان نصت على حقوق الأقليات منها:

1-الحق في التمتع بالثقافة الخاصة : للأقليات القومية أو الإثنية و الأقليات اللغوية أو الدينية ، التمتع الكامل بثقافته الخاصة ، في إطار الثقافة العامة للدولة ، لأن وجود ثقافة سياسية أو وطنية شاملة لعموم أبناء الجماعة الوطنية ( جميع سكان الدولة ) ، لا يعنى في الوقت نفسه تماثل جميع عناصرها بالنسبة إلى سائر أفراد الجماعة ، إذ هناك دائما هامش للاختلاف أو التباين الثقافي ، تفرضه عوامل طبيعية ، مثل اللغة ، الديانة ، العرق ، وغير ذالك ، أو عوامل اجتماعية ، مثل الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد ، وعلاقة ذلك بالمستوى الاقتصادي و الحالة التعليمية ، إضافة إلى العوامل الجغرافية ، مثل وضع أية جماعة فرعية داخل الدولة بحكم الإقليم الذي تنتمي إلية. وهذا يعني أن لأية جماعة فرعية ، داخل إطار الدولة الواحدة ، ثقافتها الثانوية أو الفرعية الخاصة . أي الثقافة التي تختلف عن الاتجاهات الثقافية المسيطرة بين عموم أبناء الجماعة الوطنية الواحدة و علما بأنه لا تكاد تخلو جماعة وطنية في العالم - مع وجود استثناءات قليلة - من وجود ثقافات ثانوية أو فرعية بين ظهرانيها ...ومما تجدر الإشارة إلية ، القول ، إن لمثل هذه الثقافات الفرعية ، ولاسيما تلك التي تتعلق بثقافة الأقليات ، علاقة وثيقة ، بطبيعة الوحدة الوطنية القائمة على كيان سياسي ،( لأنها قد تفعل أثرها باتجاه معاكس لاتجاه الثقافة الوطنية العامة ، بحيث إن الاستقرار الذي يفهم على أساس أنة منبعث عن ثقافة مشتركة قد يفتقد . وقد يتعرض الشعب إلى ضغوط تتعاكس في ما بينها متأتية عن أنماط السلوك التي تفرضها الثقافات الفرعية ، و أنماط السلوك التي تتطلبها الثقافة الوطنية الأوسع ). وهذا ما قد يؤدي في بعض الحالات إلى التعارض ما بين الانتماءات الخاصة و الانتماء الوطني ، وعلى أي حال ، فإن وجود ثقافات فرعية ( خاصة للأقلية) ، ضمن الثقافة الوطنية أو السياسية السائدة ، لا يمكن أن يؤثر سلبا- في كل الحالات - في تماسك الجماعة الوطنية أو تلاحمها, ولا يقوض دوما وحدتها الوطنية ، فمثل هذا التنوع الثقافي إن أحسن توظيفه ، فإنه لن ينال من الثقافة الوطنية الشاملة الواحدة أو الموحدة ، بل على العكس قد يثريها ويغنيها ، لاسيما أن مثل هذه الثقافات الفرعية ( الخاصة ) ، لايمكن لها أن تكون - وفي أكثر الحالات - ( إلا ثقافات محدودة الأثر و مقتصرة على تنظيم العلاقات و السلوكيات الاجتماعية و الفردية في الميادين الخارجة عن إطار السلطة المباشرة . بينما ستبقي الثقافة العامة (العليا) ، هي ثقافة السلطة ، والصعيد الثقافي الموحد إذن لكل الجماعة . عندئذ يصبح انتماء الأفراد أو النخبات المحلية إلى الثقافة العامة ، هو قاعدة الوصول إلى السلطة ، أو المشاركة فيها ، وهو مصدر الصعود الفردي و تحسين شروط المعيشة و الحياة و الترقي . هكذا تفرض الثقافة العامة ذاتها أيضا وتتطور بقدر استمرار نموها كثقافة الدولة و السلطة ، وبقدر ما تتضمن من امكانات يزداد الانتماء الفردي لها ، ويزداد تطورها كثقافة مشتركة " بين الأغلبية و الأقلية" جامعة ، بينما لا تكف الثقافات الدنيا ( الفرعية) عن التدهور و الانحطاط) أو التراجع . أو على الأقل ، يضعف تأثيرها ، ويضمحل تناقضها مع الثقافة الوطنية " الرئيسة" ، بحيث لا تعود تؤثر سلبا ، في استمرار وتماسك الوحدة الوطنية لعموم أعضاء الجماعة الوطنية ، ويرتبط ذلك ، بمدى تقدم الجماعة الوطنية ، وتخافها على صعيد البنى القانونية و الاجتماعية والاقتصادية و السياسية . ففي معظم الدول المتقدمة التي استطاعت أن تحقق وحدتها الوطنية وأن تبني مؤسسات سياسية مستقرة ، استطاعت بخطى مواز لذلك تطوير ثقافة وطنية شاملة وقوية ومشتركة بين عدد كبير من الموطنين ، ويمكنها ذالك من أن تتعايش الثقافات الفرعية ( الخاصة ) بالأقليات مع الثقافة الوطنية للأغلبية المسيطرة . ومن المعروف أن التعايش لا يعني الاندماج ، ولذلك فإن الخصائص الذاتية للثقافات الفرعية و والخصائص العامة للثقافة الوطنية تظل في حركة دفع وجذب ، أو بعبارة أخرى في حركة تلاحم أو تنافر ، وبحكم قوة تماسك بنى المجتمعان المتقدمة فإن عناصر التلاحم أشد وأقوى من عناصر التنافر .. في سويسرا ، مثلاً ، توجد ثلاث ثقافات فرعية ( خاصة) أساسية و هي الثقافة الألمانية و الثقافة الفرنسية و الثقافة الإيطالية ، وفي الوقت نفسة توجد على وجه الإجمال ثقافة وطنية سويسرية مشتركة بين جميع سكان سويسرا ) . في حين نلاحظ أن دول العالم الثالث تعاني إشكالات عديدة ، على صعيد ثقافتها الوطنية وعلاقة ذلك بثقافاتها الفرعية ( الخاصة ) ، حيث الأقليات من السكان عاجزة عن الوصول إلى حد أدنى من الاتفاق حول القيم و الغايات الأساسية للمجتمع السياسي ، ووسائل بلوغها ، وأساليب و إجراءات تسوية الصراع الداخلي ، أي بمعنى غياب ثقافة الرضا أو ثقافة الإجماع ، وهي الثقافة القائمة في بعض جوانبها ، على التوفيق و الحلول الوسطية و الاعتدال والمهادنة ، بين مختلف الجماعات - الأغلبية و الأقلية- داخل إطار الجماعة الوطنية الواحدة ( داخل الدولة الواحدة ) ... وهي لاشك من المقومات الأساسية للمجتمع الديمقراطي القائم على أساس الحوار و المشاركة السياسية . ولكن ، وبقدر الإمكانيات المتوفرة لكل دولة ، ينبغي على الدول ، التي تعيش فيها أقليات أن لا تمنع هذه الأقليات من التمتع بثقافتها الخاصة ، وهذه الثقافة هي في الأصل ، ثقافة وطنية فرعية ، تضيف إلى الثقافة العامة لونا خاصا من الموروث الوطني الأصيل ، وهي في الغالب لا تتعارض معها ، بالقدر الذي قد تتعايش معا لأجيال عديدة ، دون أن يحدث صراع بينهما ، ولا يحدث التماس إلا بتدخل طرف ثالث و يعمل على شق التآلف بين الجماعات ، وزعزعة الاستقرار الوطني . فإذا سلامنا بوجود ثقافة عربية شاملة لكل العرب ، من مسلمين ونصارى وأقباط ومارونيين وغيرهم ، في الوطن العربي ، وكذلك بوجود ثقافة إسلامية لكل المسلمين ، من عر ب وأمازيق و ترك وزنوج و نوبيين و أكراد وشراكس وغيرهم من الأقليات, في الوطن العربي ، يمكن القول أن العالم العربي له ثقافة عربية إسلامية مزدوجة شاملة. وهذه الثقافة لا تمانع في تمتع الأقليات غير العربية وغير الإسلامية من التمتع بثقافتها ، وألا كيف يمكن تفسير ، بقائها إلى يومنا هذا و منذ أكثر من ألاف عام سادت فيها الدولة الإسلامية . لان ما حصل في أمريكا ( الشمالية و الجنوبية) من الإبادة الجماعية للسكان الأصليين ( الأزتك و المايا والهنود الحمر وغيرهم) لا خير شاهد تاريخي على العنصرية الأوربية ، التي تعطي الحق للأبيض بسحق غيره ، لأنة ليس أهل للحضارة و ليس لدية ثقافة تجاري أو حتى تقترب من ثقافة الغاب ( البقاء للقوى ) التي أعتمدها الأسبان في طمس الهوية الثقافية للسكان الأصليين ، فأصبحت البلاد خالية من ثقافته بل وتم القضاء نهائيا على الهنود و الجواميس الوحشية ، بحجة أنهما يشكلان تهديدا دائما ، على الرجل الأبيض في أمريكا . ونفس السيناريو تكرر في استراليا ونيوزلندا وسيبريا ، ومن نفس الثقافة ، التي تحارب اليوم الإسلام ، بحجة أن الإسلام لا يؤمن بوجود الآخر و التعايش معه في عالم واحد ، والواقع أن المسلمين وعلى مدار العالم ، يعانون الأمرين ، من الأنظمة التي تدعي التسامح ، تمارس على مواطنيها المسلمين التمييز و التفرقة العنصرية و التعصب الديني ، وتحرم عليهم التمتع بثقافتهم الخاصة . 2-إعلان و ممارسة دينهم الخاص : كان للدين ولا يزال ، دورة الواضح في حياة الشعوب و الجماعات الوطنية المختلفة ( الأغلبية أو الأقلية الدينية ) على مدى الفترات المتعاقبة ، ولعل هذا الدور قد جاء في ظل مجموعة من المتغيرات الاجتماعية و الحضارية ، مع كل حقبة من حقب التاريخ ، التي مرت بها تلك الجماعات . حيث كانت " الفكرة الدينية لدى القدامى المبدأ الملهم و المنظم للمجتمع ، وفي زمن السلم كما في زمن الحرب ، كان الدين يوجه الأعمال جميعا . كان كلي الحضور ، يطوق الإنسان من كل جانب ، و كان كل شيء : الروح و الجسد ، الحياة الخاصة و الحياة العامة ، المأكل و الأعياد و المحافل و المحاكم و المعارك ، يخضع لسلطان ديانة الحاضرة ، كان الدين هو الناظم لأفعال الإنسان ، و المرجع الأول والأخير ، لكل ما يأتيه في كل لحظة من لحظات حياته ، ومعيار عادته و أعرافة ، وكان في تحكمه بالكائن الإنساني ، مطلق السلطان فما كانت تقوم قائمة لشيء خارج إطاره" .ويبقى للدين مثل هذا التأثير في بعض المجتمعات في الوقت الحاضر ، و من هذه المجتمعات الأقليات ، فلا يزال قسم كبير من حضارات و ثقافات الأقليات في العالم مرتبطا بأديانه: الإسلام و المسيحية ، ومعتقدات وثنية و فلسفية ، حيث يتقدم الدين كمفهوم للعالم و إطار للحياة اليومية ، و أساس لحضارة كاملة, ذلك أن الممارسة الدينية لا تفرض على الجماعات البشرية ، عقائد و طقوسا دينية فحسب ، بل كذلك ، وإلى حد ما ، مـأكلها و ملبسها و مسكنها ، و أنها تضبط الجماعات البشرية " وتعودها على نظام معين بمالها من تأثير دائم شبه لا محسوس " . وهذا ما يقود في كثير من الحالات إلى تداخل مظاهر السلوك الديني أو الممارسة الدينية مع الجوانب الأخرى و المهمة للسلوك الإنساني ، إلى درجة انه يصعب التمييز لدى بعض الجماعات بين ما هو ديني فيها عن غيره . إن وجود أكثر من دين واحد بين كيان الدولة . مع انتماء الأغلبية إلى دين معين ، يؤدي إلى ظهور أقلية أو أقليات دينية بين أفراد تلك الجماعة الواحدة ، أي بمعنى اشتراكهم في دين يختلف عن دين الأكثرية ، ودون أن يترتب على مثل هذا الاختلاف صراع في كل الأحوال ، ذلك أن وجود الأقليات الدينية ، إنما يعد ظاهرة طبيعية و اعتيادية في معظم المجتمعات البشرية ، ذلك أن مثل هذه الظاهرة ليست معروفة فقط عند هذه المجتمعات فحسب ، وإنما هي قديمة قدم تلك المجتمعات . وذلك يعود إلى ظهور عدد من الأديان السماوية مثل اليهودية و المسيحية ، و الإسلام ، وعدد لا يحصى من الأديان الوضعية مثل الهندوسية و البوذية وغيرها, ذلك أن ظهور دين جديد لم يكن يحجب الديانة أو الديانات السابقة عليه تماما ، إنما كانت تظل بعض الجماعات المتفرقة على سابق إيمانها ، مما يؤدي إلى ظهور الأقليات الدينية ، والمادة 6 من الإعلان المتعلق بالقضاء على جميع أشكال التعصب و التمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد ، فصلت ما يشل الحق في حرية الفكر أو الوجدان أو الدين أو المعتقد ، كما مر سابقا ..., 3- الحق في استخدام لغتهم الخاصة ، سرا وعلانية : الأقليات اللغوية ، تلك الجماعة أو الجماعات الفرعية من سكان دولة ما ، و التي تتكلم لغة ، أو لغلت تختلف عن الأغلبية ، وعادة ما تسمى هذه اللغة ، والتي يجد المرء نفسة يتحدث بها مع أفراد عائلته منذ الولادة ، باللغة الأم ، أي بمعنى اللغة الأصلية للفرد أو الجماعة ، خلال مراحل الحياة المختلفة ، أو بحكم الواقع اللغوي للجماعة ، وأبرز مثال لذالك الفرنسية التي أصبحت اللغة الأم لكثير من الشعوب الإفريقية ، وفي العالم العربي ، الأقليات البربرية في أقطار المغرب العربي ، هم يتحدثون بلغتهم الأم ، ويجيدون العربية نطقا و كتابة ، باعتبارها اللغة الوطنية ، إضافة إلى إجادة البعض منهم اللغة الفرنسية ، باعتبارها لغة الدولة التي كانت تستعمر أقطار المغرب العربي ردحا من الزمن ، وما اعتمدتة من وسائل عديدة لإرغام المغاربة على تعلمها . مع الأخذ بنظر الاعتبار ، أن قسما كبيرا من أبناء الأقليات اللغوية ، لا يعرفون ، سوى لغتهم الأم ، وهذا ما يلاحظ في الدول المتقدمة . فهناك ، مثلا ، عدد كبير من أبناء الأقلية الويلزية في بريطانيا ، لا يعرفون الإنكليزية ، بل إنهم ينظرون إلى من لا يجيد الويلزية من أبناء ويلز ، بنظرة ازدراء عن اعتبارهم من درجة أدنى أو مرتبة أقل . ولان اللغة هي القاسم المشترك الذي يكفل التواصل بين أعضاء الأقلية ، ومن خلال هذه الأهمية تحظى اللغة باعتبار أنها تشكل الأساس الثقافي للأقلية . وهي تعبر عن تجربة تاريخية مشتركة لهذه الأقلية ، وتمثل موجزا للشعور بانتماء واحد ، للمشاركة في ذكريات واحدة ، وتراث ثقافي واحد ، كما أنها أداة التفكير ، إذ يستحيل التفكير بغير لغة ، ولكل هذه الخصائص ، وغيرها ، فإن حرمان الأقلية من استخدام لغتها الخاصة بحرية و بدون قيود ، ولا رقابة ، يعنى القضاء على ثقافة هذه الأقلية . ولهذه ، ووفقا لهذا الإعلان ، فاستخدام لغة الأقلية يبدأ ، عندما يتم الاعتراف الرسمي بحق الأقلية في الاحتفاظ بلغتها الخاصة . واعتبار لغات الأقلية لغة وطنية ، تحظى بالرعاية و الاهتمام من الدولة ، فعند ذلك لا تقوم الدولة بقمع ، الأقلية اللغوية و عندما تسمح لها بالتخاطب بلغتها في الأمكان العامة ، وفي المناسبات المختلفة ، مثل الاحتفالات الشعبية و الأعياد الخاصة بها وكذلك مراسيم الزواج . وكذلك ، ممارسة لغتهم الخاصة ، في وسائل الإعلام المختلفة ، من مسموعة و مرئية و مكتوبة و إلكترونية وغيرها و وبكل حرية ، وبدون أي نوع من التمييز. عند ذلك تكون الأقلية اللغوية تمتعت بحقوقها في ممارسة لغتها الخاصة تمتعا كاملا ، وحافظت على هويتها. 4-الحق في المشاركة الفعلية ، في الحياة الثقافية و الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية و العامة . فجوهر الحرية الثقافية هو إعطاء الناس حرية اختيار هويتهم - وعيش الحياة التي يقدرونها حق قدرها - دون استبعادهم من خيارات أخرى هامة لهم ( مثل الخيارات المتعلقة بالتعليم و الصحة و الوظيفة ) . و توجد عمليا صيغتان للاستبعاد الثقافي : أولاهما الاستبعاد من النمط الحياتي الذي يرفض الاعتراف و القبول بأسلوب حياة تريد مجموعة أن تختاره ، و الذي يصير على وجوب عيش الأفراد مثل الآخرين تماما في المجتمع . الصيغة الثانية : هي الاستبعاد من المشاركة عندما يتعرض الناس للتمييز ضدهم أو يعانون إجحافا في الفرص الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية بسبب هويتهم الثقافية . إن كلتا هاتين الصيغتين من الاستبعاد منتشرتان على نطاق واسع ، عبر كل قارة ، وتقدر مجموعة بيانات الأقليات المعرضة للخطر ، وهي مشروع معلومات بحثية تشمل قضايا متعلقة بالاستبعاد الثقافي درست وضع الأقليات المعرضة في العالم أجمع و أن نحو بليون شخص - أي ما نسبته نحو شخص واحد بين كل سبعة في العالم - ينتمون على مجموعات معرضة لنوع ما من صيغتي الاستبعاد ، من النمط الحياتي أو من المشاركة ، وهو ما لا تتعرض مجموعات أخرى في الدولة له . كثيرا ما يتداخل الاستبعاد من طريقة العيش مع الاستبعاد الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي ، عبر التمييز و الإجحاف في التوظيف و الإسكان و التعليم و التمثيل السياسي . ففي النيبال ، تبلغ نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة بين طبقات المهنيين أكثر من 17% بالمقارنة مع نحو 7% بالنسبة للنورانيين و البرهميين ، وفي صربيا و الجبل الأسود ، تبلغ نسبة أطفال غجر الروما الذين لم يذهبوا قط إلى المدرسة 30% . . ولهذا نصت المادة 2 الفقرة 2 ( يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والدينية و الاجتماعية و الاقتصادية العامة مشاركة فعلية ) و هي من حقوق الأقليات ، التي نص عليها الإعلان . 5-الحق في المشاركة الفعالة على الصعيد الوطني و الإقليمي . ونظرا ، للاهتمام الدولي و الإقليمي و الوطني ، الذي تحظى به الأقليات ، ولان حل مشاكلها الثقافية و اللغوية و الدينية والهوية الخاصة بها ، تساعد في استقرار الدول التي تعيش فيها هذه الأقليات ، وكذلك تساعد في حفظ السلم و الأمن الدوليين . عندما تلبي الأسرة الدولية, الحقوق المشروعة لهذه الأقليات ، و التي لا تسعى في الغالب و الحصول على الاستقلال و الانفصال ، كما تدعي بعض الدول ، التي لا تعرف في التعامل مع أقليتها ، سوى القمع و التنكيل بها ، من أجل الإنكار لحقوق الأقليات و إجبارها في الاندماج قسرا ، وقد تنفي بعض الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية البغيضة وجود أقليات ، في أراضيها ، من أجل منع الأسرة الدولية ، من التدخل في شئونها الداخلية ، والخوف من تمزق الدولة . ولهذا حرص الإعلان على ، السماح للأقليات في المشاركة ، في المؤتمرات الوطنية و الإقليمية ، التي تناقش مسال تخصهم ، و القرارات الخاصة بالأقلية التي ينتمون إليها أو المناطق التي يعيشون فيها ، بشرط أن تكون هذه المشاركة بصورة لا تتعارض مع التشريع الوطني . 6-الحق في إنشاء الرابطات الخاصة . ولان الإنسان اجتماعي ، سواء كان من الأغلبية أو الأقلية ، وبحكم الوضع الخاص للأقلية التي تعاني من الاستبعاد ، و الإقصاء . و الازدراء ، من الأغلبية . ولان وجود ، رابطة قوية للأقليات ، مثل اللغة و الدين و الثقافة الخاصة بهم ، تستدعى التضامن فيما بينهم و التعاون و المشاركة . ولان هذا الحق كان من المحرمات ، الذي كانت يعتبر في الماضي خروجا ، صريحا على الدولة و التآمر على سلامة أراضيها وعلى تهديد وحدتها ، ومن أجل الحرص على أن يكون للأقليات ، دورا فعالا في الحياة الاجتماعية العامة ، حرص الإعلان على حقهم في التكتل و الانتماء ، إلى رابطات خاصة بهم والحفاظ على استمرارها . كما نصت على ذالك المادة 2 الفقرة 4 من الإعلان الخاص بالأقليات . 7-الحق في إقامة علاقات بين سائر الأقليات ولان العلاقة هي شريان الحياة ، وهي من الوسائل الهامة للاتصال ، بين الأمم و الشعوب . وهي تساعد علي الاستقرار عن طريق الاحتكاك بين الفرقاء ، من أغلبية و أقلية ، أو بين الأقليات المختلفة في المتجمع الواحد ، أو بين الأقليات التي يوجد بينها صلات قومية أو أثنية أو صلات دينية أو لغوية . فلها الحق في إقامة اتصالات حرة و سلمية ، داخل الدولة أو عبر الحدود في الدول الأخرى ، لان توزيع الأقليات قد يكون في دول مختلفة ، وهذا حال الغجر في فرنسا و إنجلترا و أسبانيا و المجر و رومانيا و تركيا و روسيا و إيطاليا و البلقان و في أمريكا الشمالية و الجنوبية أيضا . وباعتبار الغجر أقلية في كل هذه الدول فلهم الحق في الاتصال و إقامة العلاقات السلمية و الحرة عبر هذه الدول . وهذا ما نصت علية المادة 2 الفقرة 5 . 8- ممارسة حقوقهم كجماعات و أفراد ودون إلحاق ضرر بهم: وهذا ما ورد في المادة 3 1- يجوز للأشخاص المنتمين إلى أقليات ممارسة حقوقهم ، بما فيها تلك المبينة في هذا الإعلان ، بصفة فردية كذلك بالاشتراك مع سائر أفراد جماعتهم ، ودون أي تمييز . 2-لا يجوز أن ينتج عن ممارسة الحقوق المبينة في هذا الإعلان أو عدم ممارستها إلحاق أية أضرار بالأشخاص المنتمين إلى أقليات . ثانياً : التزامات و توجيهات تقع على الدول في حماية وجود الأقليات 1-حماية وجود الأقليات . كما جاء في المادة 1 الفقرة 1 من الإعلان التي نصت على مسئولية حماية وجود الأقليات تكون على عاتق الدول ، التي توجد فيها هذه الأقليات ، سواء كانت أقلية قومية أو أثنية أو أقلية دينية ولغوية ، في إقليمها ، بمعنى و إن كانت مسئلة الأقليات . من أهم المسائل التي تهتم بها الجماعة الدولية ، و التي في استقرارها ، هو استقرار ، الدول التي توجد فيها . إلا إن الأمم المتحدة ، وبسبب احترام سيادة الدول المتساوية ، ومن مبادئها عدم التدخل في الشئون الداخلية ، أكتفت بجعل الحد الأدنى من الحماية للأقليات توجيهات و معايير على الدول مراعتها ، نظرا لأن هذه الأقليات تمثل جزء أصيلا من دولها المتعددة الثقافة . ولذلك فعلية أن تقوم بالتزاماتها المحلية و الإقليمية و الدولية تجاة الأقليات . وأبرز مثال على حماية وجود الأقليات ، منع إجبارها على الرحيل من وطنها ، عن طريق ممارسة التطهير العرقي أو طمس هويتها الخاصة بدمجها جبرا ، أو عن طريق تهجيرها و إحلال سكان آخرين محلها ، والمثال التطبيقي ما حصل في القرم من تهجير السكان الأصليين بكل الوسائل البشعة ، وإحلال الروس و الإوكرانيين و اليهود محلهم ، وما يحصل الآن من التطهير العرقي من قبل الروس من إجلاء منظم للأقلية التركية التي تعرف "بالمسكت" من منطقة البحر الأسود ، جراء ما تصفه منظمات حقوق الإنسان بحملة اضطهاد تنفذها ضدهم طائفة القوزاق الروسية العنصرية برعاية السلطات المحلية ، وطبقا لمصادر السفارة الأمريكية في موسكو استقر في الولايات المتحدة خلال العام الماضي " 5000مسلم من تلك المجموعة ، وحصل 4000" آخرون على حق اللجوء إليها ، و اليوم تنظر السلطات الأمريكية في " 7000" طلب هجرة جديد . ويصف " ألكسندر أوسييوف " المحلل لدى معهد الدراسات الإنسانية و السياسية في موسكو ، الهجرة المذكورة ،بأنها عملية تنظيف عرقية هادئة ، كما يتهم السلطات بتحديد مجموعات عرقية ترغب في بقائها في البلاد ، و المجموعات التي لا ترغب في بقائها بالاعتماد على بيولوجية عرقية . ويذكر أن الولايات المتحدة انتقدت في تقرير لها حول حقوق الإنسان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية ، وكذلك خلال اجتماعات دول منظمة الأمن و التعاون الأوربي التي حضرتها "55" دولة ، الإجراءات التي تتبعها سلطات مقاطعة " كراسنودار " الروسية ، حيث تتم حملة التهجير المذكور للأقلية التركية . وكذلك حرمانها من ما يعم المناطق الأخرى من التنمية و مشاريع البنية التحتيه ، من أجل إقصائها و القضاء عليها ، عن طريق الحرمان الذي يولد البؤس و الفقر و المرض ، وهذا حال الأقلية الإفريقية في إقليم دار فور السوداني ، و ما نشاهده على وسائل الإعلام كافي ، لوصف المأساة التي جعلت من الإقليم بؤرة لمجاعة تحصد عشرات الآلاف من الأبرياء . فمن حقها أن تطالب ، بالمساواة مع الأقاليم الأخرى ، وعلى رأسها ما حصل علية ، الجنوبيين ، بعد حرب استمرت لأكثر من 20 سنه وأراقت أكثر من 2 مليون شخص و شردت أكثر من 4مليون شخص ، ومع هذا ، لبت كل ما طالب به المتمرد يين . وعلى هذا المنوال ينبغي ، حل المشكلة في دار فور ، بالطرق السلمية والحوار لتفادي اشتعال المنطقة في كارثة أخرى ، و الشعوب النيرة هي التي تتعلم من تجاربها السابقة. وكذلك على الدول حماية الأقليات مما تتعرض له من التنكيل و المعاملة القاسية ، سواء من المجتمع الذي تعيش فيه ، أو من السلطة فالقمع و الإقصاء ، لا يحل المشكلة بقدر مايزيدها تعقيدا ، و التهم المسبقة بالخيانة و العمالة, بدون أدلة وبدون محاكمة عادلة مرفوضة وهي حجه من أجل حرمان الأقلية من حقوقها . وكذلك حماية هويتهم القومية أو الإثنية أو الثقافية و الدينية و اللغوية ، فلا يحق للأغلبية أو حتى من الأقليات الأخرى - عندما توجد أكثر من أقلية في الدولة - لا يحق لها طمس الهوية الخاصة للأقليات من أجل تعزيز وجودها ولعل هذا ، ما حصل في العراق عندا الحديث عن الأكراد ، الذين شغلوا العالم بمشاكلهم ، ولكن عندما تكالبوا على النظام العراقي السابق ، كانت المكافأة مجزية من الأمريكان ، عملوا على إقصاء التركمان من الحصول على ابسط حقوقهم أو أن تكون اللغة التركمانية هي أيضا لغة رسمية ، وهم الآن يعملون على طمس الهوية التركمانية لكركوك ، والتي تثبت المصادر المختلفة على أن التركمان يشكلون الغالبية فيها, وهذا ما دفع الأكراد على طمس هوية كركوك ، بتوطين الأكراد على نطاق واسع ، وبدعم واسع من قوات الاستعمار, وهذا ما يهدد بنشوء أزمة بين التركمان وغيرهم من المقيمين في الإقليم الغني بالنفط ، والذي يفتح شهية الأكراد من أجل حلمهم المزعوم بتكوين دولتهم على حساب تقسيم المنطقة ( العراق - سوريا - إيران - تركيا ) إلي كانتونات ، رغم وجود أغلبيات واعية في المنطقة مثل الترك (في أذربيجان الإيرانية ) والقرمان في ( تركيا ) لم تطالب بتكوين كيان رغم المساحة الشاسعة التي تعيش فيها منذ القدم . فلا يحق للدول من أجل حجج و خطط واهية بدعوى الوحدة الوطنية أو المحافظة على الاستقرار السياسي ، أن تتخذ أساليب قهرية أو إجبارية ، تقوم على إذابة أو صهر الأقلية ، رغم أن الهوية الخاصة للأقليات لا تتعارض مع الوحدة الوطنية ، بقدر ما تزيد في تثبيتة . ومع هذا تقع على الدول التزامات دولية ، على تهيئة الفرص و الظروف من أجل ، العمل على تعزيز الهوية الخاصة للأقليات ، بما لا يتعارض مع تشريعاتها الوطنية . وتسخير كل الوسائل و السبل من أجل تحقيق هكذا مطالب . 2-تدابير تشريعية ملائمة وغيرها لحماية الأقليات . كما جاء في المادة 1 الفقرة 2 ، مضمون هذه المادة أن أفضل وسيلة لحماية حقوق الأقليات هو اتخاذ التدابير التشريعية من أجل تحقيق الحفاظ على الهوية الخاصة للأقليات . مثل جعل نصوص خاصة ، دستورية و قانونية ، تخصص من أجل إصباغ الشرعية على حماية وجود الأقليات ، وحتى يعرف المجتمع للأقليات, ما لها و ما عليها ، من أجل احترام وجودها ، والاعتراف بحقوقها وبدون أي تمييز . وحتى يصبغ على هذه النصوص الاحترام ، من الأغلبية و الأقلية ، مما يعني الاعتراف بالأخر و كذلك ترتيب عقوبات وجزاء ، على من قد يعتدي على هذه الأقليات ، بحجة أنها لا تروق له ، وأنها ينبغي أن لا تحصل على شيء ، وغيرها من النزعات ألعدائيه العنصرية و المتطرفة . و التدابير الأخرى التي ينبغي على الدولة اتخاذها ، على سبيل المثال ، التوعية الإعلامية الشاملة ، عن طريق وسائلها المختلفة من جرائد و مجالات متخصصة ( قانونية ، اجتماعية ، سياسية و اقتصادية ، وغيرها ) و الدوريات العلمية و الإذاعة و التلفزيون وغيرها من الوسائل من أجل خلق توعية ثقافية تعددية في المجتمع الواحد . وقبول التعددية ، يعني وجود التسامح الثقافي و الديني و اللغوي و القومي و الإثني ، وقبول الحوار مع مختلف أطياف النسيج الوطني ، وكذلك إشاعة المساواة في شتى المجالات ، وفي مختلف الفرص ، وخاصة في المجالات الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية . 3- الحق في ممارسه جميع حقوق الإنسان و الحريات الأساسية الخاصة . كما جاء في المادة 4 الفقرة 1 من الإعلان ، أشارت إلى أهم الضمانات التي تكفل للأقليات المساواة أمام القانون ، مساواة تامة و فعالة ، عن طريق أن الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بصفته إنسان ، سواء كان من الأغلبية أو من الأقلية ، فالناس في الأصل سواسية ، لا فرق بينهم ،وإعطاء الأقليات حقوق خاصة لا يعني حرمانها من الحقوق العامة لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية . و أن تكون ممارستهم لهذه الحقوق ، ممارسة تامة و كاملة ، وبدون أي نوع من التمييز, وأن لا تكون مجرد ممارسة صورية ، أو ممارسة جزئية أو ناقصة أو عقيمة أو مسيسة ، و لكن ينبغي أن تكون فعالة ، تعبر عن المشاركة الكاملة في المجتمع . ومن أهمها : حرية الرأي و التعبير ، الحماية من التعذيب ، المحاكمة العادلة ، الأمان الشخصي ، التجمع السلمي ، وحق إنشاء جمعيات و نقابات ، حق التنقل و الإقامة و السفر ، حق تدوال المعلومات ، حرمة الحياة الخاصة ، الحق في الحياة . وهذا ما أكدته العهود و المواثيق الدولية و الإقليمية . 4- على الدول اتخاذ تدابير ملائمة في مجال التعليم وهذا ما ورد في المادة 4 الفقرة 2/3/4, تحث الدول على اتخاذ تدابير من أجل تهيئة ظروف مناسبة من أجل تمكين الأشخاص المنتمين إلى أقليات من التعبير عن خصائصهم . مثل المراكز الثقافية الخاصة بهم ، وكذلك النوادي الاجتماعية و الثقافية ، وأمكن العبادة ، والمعاهد اللغوية ، وغيرها من التي تسهل لهم التعبير عن وجودهم . وكذلك تطوير هذه الهوية الخاصة بهم من ثقافة و لغة و العادات و التقاليد ، عن طريق مراكز بحوث تهتم بهذه المجالات و تقوم بتطويرها ، بما يجاري التطور المتسارع للحياة في شتى المجالات . ولكن بشرط أن لا تتخذ الأقلية أساليب و طرق ، وممارسات معينة تنتهك القانون الوطني ، وتخالف المعايير الدولية . وكذلك في مجال التعليم ، ومن أجل سياسة الاستيعاب للأقلية و ينبغي على الدول أن تجعل أو تخصص ، حصص معينه أو ساعات معينة ، وفي إطار التعليم الموحد ، على كل الفئات . أن تعطي للأقلية فرصة من أجل تعلم لغتهم الأم ، أو يلقى عليهم دروس بلغتهم الأم . ومن الأفضل أن تكون ، برعاية الدول وتحت إشرافها ، لان الأقليات مهما كانت طرق القمع و الحرمان ، هي مجبرة على التمسك بهويتها اللغوية ، وهذا ما حدث في الاتحاد السوفيتي (سابقا) عندما مارست السياسية الروسية ، كل الوسائل و الطرق ، من أجل طمس الهوية اللغوية للأقليات وأجبراها تعلم اللغة الروسية ، ولكن عشية سقوط هذا الاتحاد ، بدأت شعوب الدول المستقلة في العودة إلى هويتها الخاصة ( اللغوية) و فشلت سياسة الحرمان ، بل جعلت الأقليات أكثر تماسكا ، وأكثر تصلبا بهويته الخاصة . ومن التدابير الهامة التي توطد العلاقة بين الأقلية و دولها ، في مجال التعليم و باعتباره الأساس الذي يبني المجتمعات و على الدول أن تشجع المعرفة بتاريخ الأقليات ، الذي هو جزء أصيل من تاريخ الدول . ويعطي إضافة هامة للمعرفة التاريخية ، للأجيال المتعاقبة . ومن الغريب ، أن للأقليات تاريخ مشرق ، ومع هذا تتجاهل بعض الدول ذالك . وكذلك تشجيع المعرفة بتقاليد و عادات و ثقافة الأقليات ، من اجل أن يتعرف المجتمع على إرثهم و ثقافتهم المتنوعة ، ومن أجل تشجيع تعدد الثقافات في المجتمع الواحد ، وهي ليست ثقافة غريبة و لكنها جزء من الثقافة الوطنية ، المصبوغة بصبغة خاصة . 5- حق الأقليات في التنمية المستدامة . وهو ما تضمنته المادة 4 الفقرة 5 ، من الإعلان ، ولا نه لا يمكن أن تكون تنمية شاملة ومستدامة إلا بمشاركة الإنسان ، أفراد ، جماعات ، ودول ، مشاركة فعالة . ولان الأقليات هي جزء من المجتمع ، فلا يمكن أن ينهض المجتمع بدون إشراكها . و إشراك الأقليات في التنمية مشاركة فعالة و كاملة ، هو عامل مهم للاستقرار الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي في دولها ، لان في استبعادها ، قد يسبب الكوارث من عصيان وتمرد ،الدول في غنا عنه ، وما الحروب الأهلية إلا نتيجة حتمية لاستبعاد الأقليات من التنمية . وما يحصل في دول العالم الثالث ، من استحالة الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ، لأخير شاهد على ذالك ، فضمان حق الأقليات في التنمية ، هو عامل قوي للاستقرار . ثالثاً : التعاون بين الدول لتعزيز حماية الأقليات . 1-إدراج المصالح المشروعة للأقليات في الخطط السياسية و البرامج الوطنية وعلى هذا أشارات المادة 5 الفقرة 1 ، من الإعلان ، يقع على الدول مسئولية أساسية ، في سياستها على كل الأصعدة ، وعلى كافة المستويات . مثل أن تتخذ السياسات التالية: أ‌-سياسات لضمان المشاركة السياسية : توفر بضعة نماذج ناشئة للديموقراطية المتعددة الثقافات آليات فعالة للمشاركة في السلطة بين مجموعات متباينة ثقافيا . و هذه الأنواع من ترتيبات المشاركة السياسية ذات أهمية كبرى لضمان حقوق مجموعات ثقافية و أقليات متعددة ، ومنع حدوث انتهاكات - عبر تسلط الأغلبية أو هيمنة النخبة السياسية الحاكمة . لقد عالجت الإصلاحات الانتخابية مشكلة الانخفاض المزمن لتمثيل الماوريين ( أقلية من السكان الأصليين ) في نيوزلندا . ومع تطبيق نظام التمثيل النسبي عوضا عن أسلوب " الفائز يأخذ كل شيء " ارتفع تمثيل الماوريين من 3% في عام 1993 إلى 16% في انتخابات عام 2002 ؛ وهو تمثيل مكافئ لنسبة الماوريين بين السكان . وكانت المقاعد المحجوزة ، و الحصص المخصصة ، حاسمة لضمان أن يكون هناك صوت للقبائل و الطبقات من المنبوذين في الهند ، و أن تحظى الأقليات العرقية بتمثيل في كرواتيا . والواقع أن تمتع الأقليات بحقوق سياسية متساوية في نظام ديمقراطي ، فقد يكون تمثليهم متناقصا باستمرار أو قد يخسرون كل تصويت ؛ و بالتالي يعتبرون الحكومة الوطنية جسما غريبا و قمعيا . و لا عجب في أن الأقليات تقاوم الحكم الغريب أو القمعي ، و تسعى إلى سلطة سياسية أكبر ، قد تصل في كثير من الأحيان إلى المطالبة بالاستقلال . ب- سياسات لضمان الحرية الدينية : تتعرض أقليات دينية كثيرة لأنواع مختلفة من الاستبعاد ، أحيانا بسبب القمع الصريح للحرية الدينية أو التمييز ضد تلك المجموعة - وهي مشكلة منتشرة في أكثر دول العالم سواء كانت تدين بالديانات السماوية أو النحل الوضعية - في حالات أخري ، ربما لا يكون الاستبعاد مباشرا إلى هذا الحد ، وكثيرا ما قد يكون غير مقصود ؛ كأن لا يعترف تقويم رسمي بالأعياد الدينية لإحدى الأقليات الدينية ، قد تتنافي تعليمات اللباس ( المتفقة مع الفطرة الإنسانية السليمة ) في المؤسسات العامة العلمانية مع اللباس الديني لأقلية ما ، ففرنسا العلمانية ، لا تمانع في ارتداء غطاء الرأس للمتدينات من الكاثوليك ، ولكن عندما تتعلق المسألة ، بالأقليات المسلمة ، يختلف الوضع . أو قد تختلف قوانين الدولة المتعلقة بالزواج و الميراث عن الشرائع الدينية ، كما قد تتعارض تنظيمات الأراضي مع تقاليد الدفن لإحدى الأقليات . ونظرا إلى أهمية الدين الفائقة في هويات الناس ، فإنه ليس من المستغرب أن تعبئ أقليات دينية طاقاتها في حالات كثيرة للاعتراض على هذا الاستبعاد.إن سياسة توسيع الحريات الإنسانية و حقوق الإنسان - و الاعتراف بالمساواة . ج- سياسات من أجل التعددية القانونية : في مجموعات ثقافية متعددة ، بذل السكان الأصليين ، وأناس ينتمون إلى جماعات ثقافية أخرى ، جهودا حثيثة كي يتم الاعتراف بحق أنظمتهم القانونية التقليدية في الوصول إلى العدالة ، ففي غواتيمالا ، مثلا ، عانى شعب المايا قرونا من الاضطهاد ؛ وصار النظام القضائي للدولة طرفا في عملية اضطهادهم ؛ كما للمجتمعات ثقافتها في نظام حكم القانون ، التابع للدولة ، لأنه لم يوفر العدالة ولم يكن منغرسا في المجتمع و قيمه. تعمل بضعة بلدان ، مثل غواتيمالا و الهند و جنوب أفريقيا ، على تطوير مبادرات للتنوع القانوني تشمل الاعتراف بدور معايير العدالة و مؤسساتها الخاصة بالجماعات ، بطرق مختلفة . وتقابل مطالب التعددية القانونية بالمعارضة من جانب الذين يخشون أن تقوض هذه التعددية مبدأ النظام القضائي الموحد ، أو أن يكون من شأنها تشجيع أعراف تقليدية مناقضة لحقوق الإنسان . ومن المؤكد أن ثمة نزاعات تحدث بالفعل - مثلا و تحاول جنوب أفريقيا جاهدة إيجاد حل للتضارب القائم بين إقرار حقوق النساء في الميراث وفقا لدستور الدولة ، وبين حقوقها المحرومة بموجب قانون العرف و العادة . وهناك صفقات مقايضة حقيقية يتعين على المجتمعات مجابهتها و لكن التعددية القضائية لا توجب تبني جميع الممارسات التقليدية ككل لا يتجزأ . فالثقافة تتطور ، والحرية الثقافية ليست دفاعا أعمى عن التقاليد. د- السياسات الاجتماعية - الاقتصادية : كانت الإجحافات الاجتماعية - الاقتصادية ؛ و مظاهر عدم المساواة في الدخل ، و التعليم ، و الأوضاع الصحية ؛ العلامة المميزة لمجتمعات كثيرة متعددة الأعراق ، ذات مجموعات مهمشة مثل السود في جنوب أفريقيا و السكان الأصليين في غواتيمالا و كندا . ولهذا الاستبعادات جذور تاريخية قديمة من الغزو و الاستعمار, كما أنها انعكاس لهيكليات مترسخة في التراتيبية الاجتماعية ، مثل أنظمة التمييز الطبقي في الهند . تحظى السياسات الاقتصادية و الاجتماعية ، الداعمة للمساواة ، بأهمية حاسمة في معالجة هذه الإجحافات, ومن شأن تصحيح التحيز في الإنفاق العام ، وتوجيه الخدمات الأساسية نحو الناس ذوي المستويات الصحية و التعليمية الأضعف ، أن يساعدا ؛ لكنها ليسا كافيين . فثمة حاجة إلى سياسات متعددة الثقافات تعترف بالاختلافات بين المجموعات ، لمعالجة الإجحافات ذات الجذور التاريخية و المترسخة اجتماعيا. مثلا ، لن يكفي مجرد إنفاق مزيد من المال على تعليم أطفال مجموعات السكان الأصليين ، لأنهم سيظلون مظلومين إذا كانت جميع المدارس تعلم باللغة الرسمية فقط ؛ ومن شأن التعليم بلغتين أن يساعد في هذه الحالة . كذلك لايمكن تسوية دعاوى الأرض - مثل مطالب السكان الأصليين بالأراضي الغنية بالثروات المعدنية ، أو الأراضي التي استوطنها المستعمرون البيض في جنوب أفريقيا - من خلال سياسات توسيع الفرص الاجتماعية - الاقتصادية المؤتية. تظهر التجارب في ماليزيا و جنوب أفريقيا ، أنه يمكن العمل الإيجابي أن يخفض التفاوتات بين المجموعات . ففي ماليزيا ، انخفض معدل نسبة الفارق في الدخل بين المنحدرين من أصل صيني و المالاويين من 2.3 في عام 1970 إلى في 1.7عام 1990 وكذلك على المستوى الإقليمي أو الدولي على الدول التي توجد فيها أقليات قومية أو أثنية ، و أقليات دينية أو لغوية . أن تتخذ خطط وبرامج تعاون و مساعدة إنمائية اقتصادية و اجتماعية و سياسية أن تراعي الاهتمام بمصالح الأقليات المشروعة و تخصص بنود ، و حصص خاصة من أجل الممارسة الكاملة لحقوق الأقليات . وكذلك تعمل على إستراتجية ، بعيدة المدى أو متوسطة أو قريبة ، من أجل وضع حلول ، كاملة لمشاكل الأقليات ، ويكون لهم الرأي في ذلك ، ويتم إشراكهم في وضع هذه الحلول ، لأنهم ، أعرف الناس بوضعهم . وتكون هذه الأهداف النبيلة و السامية ، بما لا يتعارض مع فوانيين الدول و كذلك مع مبدأ المساواة و العدالة مع سائر الجماعات الأخرى في تلك الدول . 2-تبادل المعلومات و الخبرات بين الدول من أجل تحسين وضع الأقليات. وهذا ما جاء في المادة 6 و7 ، من الإعلان ، نظرا لأن مشكلة الأقليات خرجت ، من الحيز المحلي ، إلى مشكلة تتصف بطابع ، دولي ، وذلك بعد الأحداث الدامية في البلقان ( البوسنة و الهرسك ، كرواتيا ، كوسوفو ، مقدونيا ) وبعد فشل الإتحاد الأوربي في إيقاف نزيف الدم في الإبادة الجماعية التي ارتكبت في كوسوفو من قبل الصرب ، مما أدى إلى التدخل الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . ولهذا يمكن القول أن مشكلة الأقليات ، أصبحت مشكلة عالمية لا تقتصر على الدولة التي فيها الأقلية وإنما تتعاد ها . نظرا لان عدم استقرارها يؤدي إلى تهديد السلم و الأمن الدوليين . ونظرا لأن تجارب الدول تختلف من دولة ، إلى أخرى ، فهناك دول توجد فيها أقليات قومية أو أثنية ، و أقليات دينية أو لغوية ، قد صارت في خطى حثيثة ، في تحسين وضع الأقليات ، واستطاعت معالجة مشكلة الأقليات ، ومن أبرز هذه الدول ، هي الدول الإسكندنافية ، وعلى رأس هذه الدول فنلندا في تعامله مع الأقلية السامية (سكان لابلاندا) الذي يتمتع باستقلال ذاتي وله برلمان يضم هيكليات ديموقراطية ويتبع أساليب ديموقراطية ؛ لكنه جزء من الدولة الفنلندية . وهناك دول ، متوسطة الخبرة ، والتعاون من أجل ، حل مشاكل الأقليات ، مثل فرنسا وغيرها من الدول الأوربية ، و الآسيوية ...و غيرها ، وعلة ذالك أن هذه الدول تستوعب الأقليات في بلدانها ، ولكنها قد تواجه ظروف أو مشاكل ، لا تستطيع حلها وتخطيها ، وهذا ماهو حاصل في فرنسا في قضية الحجاب الذي يعتبر من أبرز الشعائر لدى المر أه المسلمة وهو لا يخالف مبدأ المساواة في التعليم ، وإنما هو حرية شخصية ، يتفق مع مبادئ الحرية الدينية في الملبس ، وهو ما ورد في المادة( 2) الفقرة 1و2 من إعلان منع التمييز بسبب الدين أو المعتقد . و النزاع القائم في نيجيريا حول ما إذا كانت الدولة ستؤيد حكما صادرا عن محكمة شرعية في قضية زنى !! والواقع إن لهذه الإشكالية علاقة صريحة بذوي مرتكبي هذه الجريمة ، الذين قبلوا بتطبيق أحكام المحاكم الشرعية في البلاد ، مع وجود محاكم وضعية لا تطبق أحكام الشريعة الإسلامية . فلابد من احترام إرادة المسلمين ( وهم الأغلبية في نيجيريا ) في أن تطبق عليهم ، أحكام دينهم . وهناك ، دول لم تتخذ ، المعايير الكافية ، مثل دول ذات أنظمة إستبداديه ، قمعية ، لا تراعي حقوق شعوبها من الأغلبية ، بل وتسعى بكل ما أوتيت من قوة في بطش حقوق الأقليات . تارة تتهمها بالعمالة و الخيانة لمصالح خارجية ، وفي مناسبات أخرى تصفها بالانفصالية أو الإرهابية . ومن الملاحظ أن هناك أقليات واقعة ، تحت الاستعمار و الاحتلال الأجنبي البغيض الذي لا يندحر جبروته و تسلطة المقيت إلا المقاومة و القوة ، ولم نسمع عن احتلال غادر بمحض إرادته في الوقت الحاضر أو الماضي إلا بالمقاومة وحركات التحرير الوطنية . وإن حدث ذلك ، فهو من النادر ، الذي لا يكون قاعدة ، والذي يترتب عليه في الغالب الأعم صناعة أزمات حدودية دولية - بعد خروج الاحتلال و الاستعمار- على أراضي الدول المستقلة ، وهذا ما حدث بعد تفكك الإتحاد السوفيتي والذي خلف الصراع على الحدود بين أوزبكستان و طاجكستان و قرغيزيا ، على وادي فرغانة الغني بالموارد و وكذلك الصراع على بحر قزوين الغني بالغاز والنفط بين الدول الإسلامية المستقلة ( كازاخستان و تركمانستان و أذربيجان ) و إيران و روسيا . وكذلك وجود أقليات غرسها الاستعمار ( وافدة) الروسي على كل دول الإتحاد السوفيتي سابقا ، من أجل الضغط بها على هذه الدول ، والتدخل في شئونها الداخلية ، وإملاء سياسات وقائية على هذه الدول ، بل قد يصل الحد إلى التهديد ، باستخدام القوة لدعم الأقلية الروسية في هذه الدول ( وهذا ما يمكن تسميته في الاستخدام السلبي لوضع أقلية مصطنعة قد تتكرر كلما كان هناك احتلال أو استعمار ) . وتبادل المعلومات و الخبرات بين الدول هو من أبرز ، الأساليب في حل مشاكل الأقليات حلا سلميا و ناجحا ، لان هناك ، دول ، كما أسلفنا قبل قليل ، استطاعت حل مشاكل الأقليات ، ومنذ فترة طويلة جدا على صدور هذا الإعلان ، و أتبعت معايير و أساليب ، فوق ما ورد في المعايير الدولية ، وقد ضربنا فنلندا مثال على ذالك . فعلى الدول الأخرى الاستفادة من هذه التجربة . من أجل تعزيز روح التفاهم وتبادل الثقة بين هذه الدول, التي توجد في أراضيها أقليات ، ذات انتماء واحد ، من قومية واحدة ( الصوماليين في كينيا و إثيوبيا و جبوتي ) أو أثنية واحدة ( التركمان في العراق و سوريا وتركيا و إيران و أفغانستان و غيرها) أو دينية واحدة ( المسلمين في بلغاريا و اليونان و صربيا و كرواتيا وبقية دول البلقان) أو لغوية واحدة ( البربر في المغرب والجزائر و موريتانيا و ليبيا ) . تستطيع هذه الدول على الاستفادة من التجربة الأسكندنافية ( السويد و النرويج و فنلندا ) في تحسين وضع شعب الساما . وبدون استخدام هذه الأقلية كأساليب و أدوات لتصعيد التوتر القائم بين هذه الدول ، أو استخدامها كورقة ضغط ،على الدول الأخرى ، أو زعزعة استقرارها و أمنها الداخلي .وعلى الأقلية أن ترفض لعب هذا الدور ، وإنما عليها المطالبة المشروعة بحقوقها المكفوله لها في الصكوك الدولية و الإقليمية والتشريعات الوطنية . 3-التعاون بين الدول من أجل احترام هذا الإعلان . كما ورد في المادة 7 من الإعلان ، ينبغي على الدول التعاون فيما بينها و من أجل احترام هذا الإعلان ، والذي يخصص ولأول مرة ، في تاريخ العلاقات الدولية ، والقانون الدولي العام من أجل وضع ، حلول معيارية لحماية الأقليات على المستوى الدولي ، لأن هذه المشكلة العويصة التي غالبا ما تتسبب في الماسي كما حدث في راو ندا وبرواندي بين الهوتو و التوتسي من الإبادة الجماعية المؤسفة التي حركت لها الضمير الإنساني العالمي . وعلى سبيل المثال في أوربا ، يوجد غالبا بين الدول تعاون لتعزيز هذه الحقوق ، ولكن مع هذا مازالت رومانيا و بولندا و هنغاريا وبلغاريا ، تتملص من إعطاء الأقلية الغجرية ( الروما) حقوقها ، بدعوى أنهم قلة من المجرمين و اللصوص و المشعوذين و وغير ذلك من الدعوى و التي حتى ، لو صحت لا يؤدي ذلك ، إلى حرمان هذه الأقلية من حقوقها . وكذلك ينبغي عقد المؤتمرات الدولية من أجل ترسيخ هذه الحقوق ، وعقد اللجان المشتركة من أجل التحقق ، من تطبيق هذه الحقوق وفق المعايير الدولية ، وكذلك إدخالها في التشريع الوطني من أجل ضمان حماية هذه الحقوق ، وعدم استعمال نصوص هذا الإعلان من أجل أهداف و مصالح غير مشروعة . رابعاً: القيود و المعايير الدولية لحماية الأقليات . 1-ليس في هذا الإعلان ما يحول دون وفاء الدول بالتزاماتها الدولية تجاه الأقليات . وهذا ما وراد في المادة 8 الفقرة 1 من الإعلان ، يؤكد الإعلان على عدم وجود نصوص وبنود تحول دون وفاء الدول بالتزاماتها ، وذلك من أجل أن بعض الدول قد تفسر بعض النصوص من هذا ، الإعلان بسوء نية مما ، قد يؤدي إلى حرمان الأقليات من التمتع ، بحقوقها ، وهكذا و حرصا من المنظمة الدولية على حقوق الأقليات ، سدت هذه المادة الباب أمام الدول ، وجعلت التفسير لصالح الأقليات حتى لا تحرم من حقوقها ، بسبب القصد السيئ لبعض الدول التي تسعى لتضيق الخناق أمام تمتع الأقليات لحقوقها ،رغم الحرص الدولي على هذه الحقوق ، ومن هذه الأعذار مبدأ السيادة الذي هو بالطبع نسبي وفق المفهوم الحديث و المتنور الحريص على حقوق الإنسان و الحريات العامة و كذلك حقوق الأقليات . ومن هذه الأعذار التي باتت من الماضي ، والتي هي في الأصل تستخدم كذريعة لقمع الحقوق المشروعة و المعقولة للأقليات ، هو مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية ، وهذا الشعار أصبح لا قيمة له بعد اكتساب حقوق الأقليات البعد الدولي ، في المعاهدات و المواثيق الدولية التي هي طرف فيها ، وبذات المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، و الذي هو ملزم لكل الدول الموقعة علية ، وكذلك هذا الإعلان الخاص بالأقليات المؤكد كما أشارات إلية العهود والمواثيق الدولية السابقة ، ومخصص للحقوق الأقليات على وجه التفصيل . و الغريب في الأمر أن تلك الدول الموقعة على العهود الدولية والمتمسكة في نفس الوقت ، بعدم التدخل في الشئون الدولية هي ذاتها الأكثر انتهاكا على نطاق واسع لحقوق الأقليات ، بمعنى أنها تتعذر من أجل التملص من التزاماتها الدولية . 2-لا تخل ممارسة هذه الحقوق بتمتع جميع الأشخاص بحقوق الإنسان و الحريات الأساسية وهذا ما نصت علية المادة 8 الفقرة 2 من الإعلان ، وهذا من الطبيعي ، لأن هذه الحقوق خصصت للأقليات القومية أو الإثنية ، و الأقليات الدينية أو اللغوية ، نظرا لوضعها الخاص في الدول التي تعيش فيها ، والتهميش المتعمد لها من سياسات الأغلبية الحريصة على مصالحها فقط ، ودون النظر للمصالح المشروعة للأقليات. ولهذا كان من الضروري بمكان ، وضع روئية دولية تعمل على التنسيق الدولي دون التمييز ، بين الأغلبية و الأقلية ، والناظر إلى الإعلان الخاص للأقليات لا يجد نصا أو بندا يتعارض مع حقوق الإنسان و الحريات الأساسية المعترف بها دوليا ، من حيث المبدأ أو من حيث المضمون . بمعنى أن هذه الحقوق أعطيت للأقليات بناءاً على وضعها الخاص ، ولأنها تكون معرضه للخطر و التهديد في وجودها ، وفي طمس هويتها الثقافية و اللغوية و الدينية التي تعتبر إثراء للبشرية في التنوع و التعدد الثقافي فيجب على الجماعة الدولية الحفاظ عليها من الانقراض . وهي كذلك معرضه أكثر من غيرها للاضطهاد و الحرمان و القسوة نتيجة لضعفها و قلة حيلتها . 3-لا يجوز اعتبار التدابير التي تتخذها الدول لتمتع الأقليات بحقوقها مخالفا لمبدأ المساواة . وهذا ما ورد في المادة 8 الفقرة 3 من الإعلان ، إن التدابير التي تتخذها الدول لضمان التمتع الفعلي بالحقوق المبينة في الإعلان الخاص بحقوق الأقليات و لا يجوز إعتبارة من حيث المبدأ الافتراضي ، مخالف لمبدأ المساواة الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . لأن هذه الحقوق أعطيت لها بناءا على طبيعتها الخاصة ، و الضرورة الملاحة من أجل حماية الهوية الخاصة ، التي قد تتعرض للإلغاء من قبل الدول ، مما يؤدي إلى حرمانها من وجودها المعنوي المتمثل في هويتها الخاصة ، فلا يعني تعزيز هذه الهوية مخالفا لمبدأ المساواة الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، بل هو في إطارها وتحت لوائها 4-لا يجوز تفسير أي جزء من هذا الإعلان على : -أنه يسمح بأي نشاط يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة و مبادئها . -المساواة في السيادة بين الدول . -و سلامه الدول الإقليمية . -الاستقلال السياسي . ومن الطبيعي أن تنص على هذه المبادئ التي أنشئت الأمم المتحدة من أجل الحفاظ عليها ، وهذا ما ورد في المادة 8 الفقرة 4 ، من الإعلان ، ومن أهم المقاصد الأمم المتحدة ، الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين . وكذلك التنمية و إرساء حقوق الإنسان ، والأمن الجماعي ، هي من أهم المقاصد السامية للأمم المتحدة ، وهذه من حيث المبدأ تؤكد حق الأقليات في التمتع بحقوقها و لا يمكن أن تتعارض معها ، بأي حال من الأحوال ، فعندما يتمتع الإنسان بحقوقه كاملة ومن دون أي رقيب أو وصي ، عندها تتمتع الأقلية بحقوقها ، و العلاقة بينهم هي علاقة وطيدة لايمكن الفصل بينهم أبدا .

وعلى ذالك تتمتع كل الدول الأعضاء في الأسرة الدولية ، بسيادة متساوية ، بغض النظر عن حجمها الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي ، أو كثافتها السكانية أو مساحتها الجغرافية . فكل الدول الأعضاء وعلى قدم المساواة في السيادة ، تتحمل إلتزامتها تجاه الأقليات ، في حمايتها ، والمساهمة الفعالة على تمتعها بحقوقها المشروعة ، بما يماشى مع المعايير الدولية. وكذلك الأمم المتحدة تحترم سلامة الدول على إقليمها ، فإنها لا تتخذ تدابير من شأنها تهديد أو تجزئة هذه الدول ، ولكن مع هذا لا يخفى ما تقوم به بعض الدول الكبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ من الأمم المتحدة ، ومن جهزاها السياسي ( مجلس الأمن) أداه من أجل تحقيق سياستها التوسعية ( والتي في الغالب منها تكون انتهاك لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ) . وفي الدول التي فيها أقليات مضطهده نظرا لسوء أنظمتها ( قمعية ، تسلطية ) و بذات في الدول المتخلفة ، على سبيل المثال ما حدث في إندونيسيا ، في قضية " تيمور الشرقية " التي ظهرت على الساحة الدولية كقضية أقلية مسيحية مغلوب على أمراها من النظام في جاكرتا ، رغم وجود نزعات إنفصاليه من أقاليم أخرى مثل إقليم أتشي ، ولكن الدول الغربية و على رأسهم البرتغال " المستعمر السابق للإقليم " تبنت هذه القضية ، مما أدى في الأخير إلى تدخل الأمم المتحدة ، باستفتاء شعبي على الانفصال أو البقاء مع إندونيسيا - وهذا ما تطالب به كشمير وا لشيشان و فاطو مي وتركستان الشرقية وغيرها منذ زمن طويل ولكن بدون جدوى - وكانت النتيجة الانفصال و الاعتراف السريع و المفاجئ ، من معضم دول العالم . بما يعني أن الأمم المتحدة تتأثر بتيارات الهيمنة الغربية ، على السياسية الدولية . وفي هذه الأيام نسمع عن طلب المساعدة و الدعم ، من تيمور الشرقية الدولة الوليدة ، من جيرانها ، نيوزلندا و ماليزيا ، من أجل إرساء الأمن و النظام في البلاد ، نتيجة تمرد بعض أفراد الجيش ، مما أدى إلى زعزعة الأوضاع المتردية ، بمعنى أن حصول تيمور الشرقية على الانفصال وهي غير قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد ، ليس له ما يبرره .