البوكمال
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
البوكمال مدينة سورية تقع شرق سوريا تابعة لمحافظة دير الزور تقع على ضفاف نهر الفرات وهي منطقة حدودية يمر عبرها نهر الفرات إلى العراق. عدد سكانها 200000 نسمة.
البوكمال من المدن الحديثة العمر حيث لايزيد عمرها عن 100سنة فقد قامت عام 1864 وكانت مركزاً عسكرياً للقوات التركية حيث كانت تسمى "القشلة" والتي تعني باللغة التركية الثكنة العسكرية.
فهرست |
[تحرير] التسمية
كانت البوكمال قرية صغيرة تسمى "النحامة" ومن ثم تمت تسميتها بالبوكمال نسبة إلي سكان المنطقة الأصليين وهم العقيدات. جاء اسم البوكمال أصلا من "البوجمال" وهم آل كمال (جمال) بن غنام بن علي السالم الصهـيـبي جـد "البوجمال"، ومنهم الدميم والحسون.
[تحرير] الموقع
تقع المدينة في الجهة الشرقية من القطر العربي السوري وعلى الضفة اليمنى لنهر الفرات، في منطقة سهلية، وتقع على خط عرض 532 شمال خط الاستواء، وترتفع عن سطح البحر بمقدار 165 متر. تتبع لمحافظة دير الزور وتبعد عن دير الزور بمقدار 135كم. مساحتها 2000 هكتار.
[تحرير] المناخ
تتمتع بمناخ شبه صحراوي، صيفها حار طويل وجاف وشتاؤها بارد وقصير. أمطارها قليلة لا تتجاوز وسطياً 150مم سنوياً.
[تحرير] تاريخ البوكمال
أسس مدينة البوكمال مجموعة من العانيين المهاجرين إلى سوريا من عانة وهي مدينة عراقية تبعد عن الحدود السورية (القائم) 7كم. يُذكر منهم صالح الزرزور، سيد مصطفى العز الدين، سيد خليفة الزعـيِّن، محمد النقيب، ساير الجاسم، مُلا حميِّد الخضر، وآخرون قادمون من أنحاء شتى يُذكر منهم خلف الحداد، أحمد السراج، الحاج محمود موصللي.
كان درويش أفندي أول قائم مقام للبوكمال في عهد الأتراك، وهو أول من بنى مسجداً في البوكمال (مسجد البوكمال القديم)، وقد دُفن في باحته تقديراً له.
كانت البوكمال أول منطقة رفع فيها العلم السوري بعد طرد الفرنسيين منها عام 1945 قبل الاستقلال.
[تحرير] البوكمال في عهد العثمانيين
شهدت منطقة البوكمال المرحلة الأخيرة من حياة الدولة العثمانية في الوطن العربي ولعلها الفترة العصيبة في حياة الأمة، حيث المجاعات والحروب، وسياسة التتريك التي اتبعتها جماعة الاتحاديين منذ عام 1909م، وبطبيعة الحال نالت منطقة البوكمال نصيبها من هذه السياسة، وتلاحقت الأحداث حتى أطيح بالسلطان عبد الحميد، فأنحرفت الدولة عن مسارها الاسلامي السابق، وعاث قناصلة الدول الغربية الفساد في أجهزة الدولة، ووجه الجيش العثماني في الولايات البعيدة للبطش والقمع، وتفشت الرشوة، وشاع الفساد وفرضت وزارة المعارف اللغة التركية في مدارس الوطن العربي ومنها مدارس البوكمال، ولم يمضى عام 1916م إلا ونخبة من الشباب العربي تعلق على أعواد المشانق في دمشق.
كما ألحقت حروب الدولة العثمانية في البلقان الضرر بكافة الولايات، ويتمت ألاف الاطفال، وأضطرب حبل الامن في البادية والأرياف، واختلفت نظرة الناس في الحرب فمنهم من رأى فيها حرباً مقدسة لايجوز التخلف عنها، ومنهم من تخلف عنها. ابتعدت القبائل الرحل عن المدن والعمران هرباً من التجنيد، وتسلح كثير من الناس ليدفع عن نفسه هجمات حملات التجنيد الإجبارية، ودفع أهل المدن العربية خيرة شبابهم إلى هذه الحرب وكثيراً منهم لم يعد إلى بلاده.
قال وصفى زكريا الذي ارتحل على عربات تجرها الخيول والبغال من البوكمال إلى حلب واصفاً الطريق: "كنت لا ترى عليه إلا جنود الحكومة، وتوارى الناس خوفاً من الجندية إلا من كان زبيدياً يضع الدبوس على صدره وبندقيته في يده متحديا السلطة في وضع النهار".
وبسبب الحرب قامت الحكومة التركية بجمع الأرزاق والغلال من الفلاحين الفراتيين ونقلتها تمويناً للجيوش على الجبهات، وترافق ذلك سنين قحط مجدبة، فحصلت مجاعة رهيبة بلغت ذروتها عام 1916، ولايزال الناس يسمونها "سنة الجوع" وتشبث بالحياة كثيرون وهم يقتاتون أوراق النبات، ومسحوق الذرة، وأصبح رغيف الخبز دواء لكل مريض يحتضر على فراش الموت، ومن يملك قوتاً من الطحين فهو يتأبطه في وعاء من الجلد يدعى "الظبيه" وكان لايفارقه أبداً، لأنه بذلك يفارق الحياة. وإذا ذكر محسن لديه فائض من الطعام تجد الجياع يتجمهرون أمام بيته طلباً للإحسان.
لقد تقاسم أهل منطقة البوكمال([1]) لقمة العيش بأخوة منقطعة النظير في فترة المجاعة، وأعان غنيهم فقيرهم، ولايزال الناس يتناقلون قصص المجاعة الكبرى عام 1916 بألم وحسرة.
ومما زاد الطين بلة انتشار مرض التيفوس في وادي الفرات، وسببه سوء التغذية، وقلة مواد النظافة، ولبس أسمال الأرمن الذين دفعتهم القوافل التركية إلى المنطقة، ولبس ثياب الموتى. يبدأ مرض التيفوس بأصفرار الوجه، وهزال الجسم، ومن ثم الموت ببطء شديد.
[تحرير] غروب العثمانيين عن البوكمال
غادر الجيش التركي البوكمال كجزء من سنجق دير الزور عام 1918، وكانت طوابير الجيش المنسحب تمر على الطريق المحاذى للنهر بجانبيه الشرقي والغربي، وتعرضت للهجوم من قبل البدو وأهل الأرياف طمعاً بتخليصهم البنادق "العصملية" الالمانية المعروفة. تم الانسحاب بعد أن خسرت تركيا الحرب العالمية الاولى مع ألمانيا من جهة والحلفاء من جهة أخرى، في وقت قامت الثورة العربية الكبرى مناصرة للأوربيين الذين أعطوا الشريف حسين كامل الوعود باستقلال العرب وبعد ذلك وصلت مفارز جيش الشريف حسين في 7 كانون الاول عام 1918 وهي تحمل معها التشكيلات الإدارية، فعين مرعى الملاح متصرفاً، وعلى العسكري قائداً للجيش.
لكن بريطانيا والاوربيين قد تنكروا لوعودهم للعرب وقسموا الديار بمعاهدة سايكس بيكو، وها هي الطائرات البريطانية تلقى المناشير فوق المدن ومن قرى الفرات، وتناشد زعماء العشائر بأسمائهم الاستسلام وعدم التعرض للجيش الانكليزي الذي يزحف على طول الفرات قادماً من الجنوب.
وهكذا طويت صفحة حالكة السواد في تاريخ المنطقة، وبدأت صفحة أخرى فتدفقت الجيوش الغربية إلى الفرات من كل مكان، وتصارع الانكليز والفرنسيون على محافظة دير الزور، وساموا أهلها صنوفا من العذاب حتى جلو عام 1945م مدحورين.
[تحرير] دخول الانجليز البوكمال
احتل الانجليز بغداد في 11 آذار عام 1917 بعد أن كانوا محاصرين في الجنوب منذ عام 1914 وأخذوا يتحركون ببطء نحو الشمال على طول الفرات وفي الحبانية (سن الذبان) أقاموا أضخم قاعدة لهم في الشرق الاوسط، ومن هذه القاعدة خططوا لاستكمال احتلالهم للفرات وفقاً لمعاهدة سايكس بيكو.
استخدم الانكليز الحرب النفسية والجواسيس، ففي كل مدينة يحتلونها يرمون في أسواقها الأرزاق والخيرات من الأرز والشاي وسكر (البرقان) والسمن بأسعار رمزية، فتدافع الناس الذين عضتهم المجاعة لشرائها، وخصص الانكليز للبيوت المشهورة كميات من الأرزاق مجاناً، فأخذ ضعاف النفوس يلهجون بذكر الانكليز وسرت أخبار الأرزاق التي وفروها للمناطق المحتلة مع المسافرين على طول الفرات. وتبين أن الانكليز كانو يتصرفون في المنطقة وهم على دراية تامة بأحوال البلاد والعباد، كما تبين أنهم كانوا يقيمون شبكة من الجاسوسية في طول الفرات وعرضه، لجمع المعلومات بواسطة الرحالة وضباط المخابرات أمثال لورنس المنسوب للعرب إفكاً، والكابتن لجمه (نجيمان) عام 1913.
عرفت البوكمال نجيمان أحد الدراويش ينام في المساجد، ويتسول في القرى، ويبيع لعب الأطفال ويهيم على وجهه في الطرقات مصطنعاً البلاهة وشرود الذهن، ولطوله الفارع كان يلقبه بعض الناس ب"الحاج لقلق". عاد نجيمان مرشداً للحملة الانكليزية التي غزت الفرات السوري عام 1919.
وعاث هذا المجرم فساداً في الأرض حتى قتل على مشارف بغداد أثناء أحداث ثورة العشرين في العراق.
[تحرير] أديب الشيشكلي في (البوكمال)
كان أديب الشيشكلي في عام 1941 قائد موقع "أبوكمال" وقد قام بإطلاق سراح الثوار الذين شاركوا رشيد عالي الكيلاني في انقلابه ضد الاسرة الملكية العراقية في نيسان 1941 حيث عادت مجموعة من الثوار السوريون والعرب المؤيدة لرشيد عالي الكيلاني بعد فشل الانقلاب إلى سوريا عن طريق الحدود العراقية المتاخمة لمنطقة (أبوكمال). وقد كان احد ضباط جيش الانقاذ الذي شارك في حرب فلسطين عام 1948. وقد حكم سوريا في الفترة من 15 يوليو 1953 إلى 24 فبراير 1954. وقدم استقالته في 25 فبراير 1954 وغادر سوريا إلى السعودية عن طريق الحدود إلى العاصمة اللبنانية ومن ثم إلى البرازيل وأغُتيل(2) في مدينة سيرس البرازيلية في 9 تشرين الاول عام 1964.
[تحرير] ثورة البوكمال عام 1919
شبت نار الثورة في البوكمال وكل سنجق دير الزور، وامتدت إلى بقية أرجاء محافظة دير الزور بسبب الظلم الذي مارسه الجيش الانكليزي في المنطقة، وقد دون الأستاذ المهندس الزراعي وصفي زكريا الذي كان موجوداً في المنطقة بعض نتائج وأسباب هذه الثورة قال "وقد أدركت ذلك لما كنت في ظهرانيهم بمهمة مكافحة الجراد عام 1916، فما إن انسحب الترك سنة 1918م حتى ثاروا على الانكليز الذين كانوا قد وصلوا من العراق إلى هذه الأنحاء . وجرت معارك عديدة في الصالحية ووادي علي وتل المدكوك في شتاء عام 1919 وربيعها، دارت الدائرة فيها على الانكليز وقتل منهم مئات، رغم طائراتهم وسياراتهم المدرعة، وقد أسقط العقيدات يومئذ عدداً من هذه الطائرات، واستولوا على عدد من تلك السيارات، وذبحوا ركابها، فانسحب الانكليز إلى وراء الحد الذي نصبوه في القائم، وتركوا البلاد لأهلها وللحكومة الفيصلية.
[تحرير] معركة النسورية (الذبحة)
تمركزت القوات الانكليزية في قلعة الصالحية، وفي دير الزور وبعد سلسلة من الأحداث الدامية في الدير والميادين والعشارة والبوكمال تأزم الموقف، ولم يعد يجرؤ الجيش الانكليزي على استخدام الطرق العامة، بل اكتفى بالطريق القديم الذي يحاذي البادية، وفي نيسان من عام 1919م قرر الدميم من البوكمال، والشعيطات والمجاودة التصدي للجيش الانكليزي كما فعل العقيدات في الفرات، وقطع طريق إمداده بين ديرالزور وعانه، خرجوا إلى ظاهر قريتي المسلخة والمجاودة، وانتشروا في موقع يسمى النسورية على الضفة الغربية من نهر الفرات بمحاذاة البادية.
وفي النسورية وديان وتلال متناثرة، وأشهر هذه الوديان وادي الذبحة أو وادي جالي، كما أن أشهر التلال تل النسورية، وقد خرجت إلى الموقع وقدرت جبهة المعركة التي دارت بخمسة كيلو مترات. احتل الشعيطات القسم الشمالي من الجبهة، والدميم والمجاودة القسم الأوسط والجنوبي منها. وفي الحقيقة دارت معركة النسورية بين المذكورين والجيش الانكليزي بالشعيطات ودارت معركة رهيبة خسرها الجيش الانكليزي في البداية، وقتل فيها ضابط كبير يدعى محلياً بأبي طوق، لطوق معدني كان في عنقه، وبمزيد من التعزيزات داهم الجيش الموقع بكثافة من الآليات وخيالة السيخ، وحاصروا مقاتلاً شرساً من الشعيطات (سنادي السهو) فقتلوه مع مجموعة من الرجال، بعد أن تكدست جثث الجنود حول موقعهم، شن الدميم والشعيطات والمجاودة هجوماً معاكساً، وتمكنوا من القوة المهاجمة، فأبادوا عسكرها ومنهم قتلة سنادي.
وفي اليومين الثاني والثالث عزز الجيش مواقعه بالمدفعية، وحال بين القرى والمقاتلين المتركزين بوادي جالي، وحاصرهم وأبادهم([1]) في اليوم الثالث بعد أن تكبد في المعركة أكثر من مئة جندي ومجموعة من الضباط. وعندما انتهت المعركة دفن الجنود قرب الموقع ونقل الضباط لدفنهم في البوكمال نفسها.
كما قام المجاودة بدفن الشهداء في مدخل الوادي، ولا تـزال قبورهم ماثلة للعـيان وفوقها الصخر حتى اليوم.
جن الانكليز للخسائر التي تكبدوها في المجرود والنسورية فقاموا بقصف كافة قرى منطقة البوكمال من الشعيطات وهجين حتى السويعية والباغوز بالمدفعية الثقيلة، وبالطائرات فهدموا المنازل وقتلوا كثيراً من الناس وسميت تلك السنة (1919م) سنة الدان.
وعلى تل مشرف على مدينة البوكمال دفن الانكليز مجموعة قـتـلت من خيرة ضباطهم الذين دفنوا في قبر جماعي كان يعرف حتى أمد قريب بقبر الانكليزي.
عندما أيقنت الحكومة البريطانية أن لا مقام لها في الفرات السوري نتيجة لثورة محافظة دير الزور قررت ترك المحافظة نهائياً والانسحاب إلى العراق.
قام الانكليز بالانسحاب من البوكمال في 27 كانون الأول من عام 1919، ولم يطب لهم المقام فيها أكثر من عام واحد. انسحبوا على ثلاثة جبهات في ليلة شاتية، وقاموا بالدفاع من وضع الحركة، والمقاتلون من أبناء عشائر البوكمال يلاحقونهم، فغنموا منهم ثلاثة رشاشات مع مصفحة وقتلوا مجموعة من الجنود. واستمرت المطاردة حتى منطقة القائم والحدود العراقية وهو الحد الذي أقاموه.
[تحرير] البوكمال في عهد الفرنسيين
دخلت القوات الفرنسية إلى سورية في تموز عام 1920م بعد معركة ميسلون بقوات تقدر بخمسة وعشرين ألفاً من الرجال المدججين بالسلاح تدعمهم المدرعات والآليات، وكلهم من الجنود الفرنسيين مع مجموعة السنغال الآفارقة. وسرعان ما جندت القوات الفرنسية أربعة آلاف من الجنود السوريين واللبنانيين، ومئتين وتسعين ضابطاً عربياً، كما جلبت القوات الفرنسية ثلاثمائة رجل من الفرقة الكلدانية الآشورية، ودربتهم على أعمال الترجمة والإدارة، وكان نصيب البوكمال من هذه الفرقة السرجان اسحق كيكلوف الذي لايزال أحفاده يسكنون البوكمال حتى اليوم.
وقامت القوات الفرنسية بتقسيم سورية في البداية إلى دويلات في الفترة من 1920-1924م ومنها دولة حلب التي كانت محافظة دير الزور جزءاً منها.
دخلت القوات الفرنسية البوكمال عام 1921، وفور وصولها استولت على خان النقيب وحولته إلى ثكنة عسكرية، واستولت على مقهى صغير بجانب دار الحكومة العثمانية السابقة ونصبت فيه خيمة لمصلحة الاستخبارات الفرنسية، وقامت بسلسلة من الأعمال الإدارية والتنظيمية:
- جعـلوا مقر الاستخبارات الفرنسية بقيادة ضابط فرنسي، ونظموا جهازاً سرياُ لجمع المعلومات.
- طعـموا المفارز الفرنسية بعناصر محلية، وكذلك سلك الشرطة.
- جندوا خمسين رجلاً من أبناء المنطقة لدعم الاستخبارات، والقيام بالدوريات واعتقال المطلوبين والحراسة للمسؤولين الفرنسيين، وأسموهم العسكر السيار (القورد موبيل).
- شكلوا مكتباً (للميرة) مهمته زراعة وجمع الحبوب، أعطيت قيادته لشخص مدني، ومن رؤسائه في البوكمال الفردفوكو.
- أجروا إحصاء للسكان عام 1922 م وجددت سجلات الأحوال المدنية.
- تركوا الإدارات العامة كالقائمقامية، والنفوس، والقضاء الشرعي، والأوقاف، والبلدية بأيد عربية دونما سلطة تذكر.
نعمت المنطقة بسنتين من الهدوء المشوب بالحذر، فقد استفاد الفرنسيون من تجربة الجيش الانكليزي في الفرات، فعاملوا الأهلين في البداية معاملة متميزة، يلبون الدعوات ويحضرون الأعراس والأعياد الدينية، ويوزعون الحلوى على الأطفال، ويتجولون بين مضارب البدو، وينشدون الشعر الشعبي:
- أبالك تراكي واحداً مايراكـــيك ولاقال قولك ولاكــيف حــالك
- ان كان ماجيبك حكيماً يداويك أخوك ما يمـكن يجيــــب الدوا لك
والأخطر من ذلك كله تشجيع عشائر سورية للإغارة والغزو على قبائل العراق، وقام الانكليز بتشجيع قبائل العراق لغزو القبائل السورية.
وهذه أهم الأسباب لفترة الهدوء، وسرعان ماتكشف الزيف بممارستهم الظلم كالانكليز وأكثر ماحرك الأحداث:
تكشف أبعاد معاهدة (سايكس - بيكو) وخروج العرب من مناصرة الأوربيين ضد العثمانيين بخفي حنين، وتوقف الحرب والنضال بتوقف ثورة العشرين واحتلال دمشق، ولكن هناك مجموعة من العوامل بدأت تحرك الشعور العام ضد الفرنسيين في محافظة دير الزور منها:
نشاط بقايا قيادة سنجق دير الزور التي رحلت إلى ماردين من تركيا، وتتألف من عجمي السعدون باشا مــن عرب المنتفك، وأيوب بك رئيس البلدية، وتوفيق الشلبي الخبير بالشؤون المالية في دير الزور، ونهاد باشا القائد العسكري التركي لمنطقة ماردين.
قامت هذه القيادة الاتصال سراً بزعماء العشائر، وبالشخصيات الدينية، وأرسلت لهم القليل من السلاح، وأخذت تؤلبهم على الفرنسيين، وكان الفعل الكبير لعجمي السعدون ولشخصية ليبية هي الشريف أحمد السنوسي، إذ دفعت قيادة ماردين في إثر مجموعة من الرجال منهم رجا الدندل الذي انطلق بخمسين فارساً يكمن النهار ويتحرك بالليل حتى وصل إلى ماردين وقابل السعدون وعجمي باشا، واتفقوا على تحريك العقيدات ضد الفرنسيين، وأوصتهم بعدم التحرك حتى يثور حاكم ابن مهيد شيخ قبيلة الفدعان من العنزة، ثار ابن مهيد مع عشائر حلب في الفترة من العاشر من آب 1921 إلى السابع عشر من كانون الأول عام 1921م، واجتاح الفرات ووصل إلى مشارف حلب، ولكن القيادة التركية خذلته ولم تلتزم بما وعدت من المدافع والعتاد.
ففقدت المنطقة الفراتية أي أمل بنجاح الثورة أمام تبلور السياسة الدولية والمحلية.
[تحرير] انسحاب الفيشيين
دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، ولكنها خسرت الحرب وصدمت باحتلال باريس في حزيران عام 1940، وسلمت قيادة الجيش الفرنسي لمجموعة الفيشيين الموالين للألمان، وفي خارج فرنسا تشكلت نواة لجيش تحرير فرنسا حظيت بدعم الحلفاء، وخاصة من بريطانيا.
بدأ الصراع على سوريا بين هاتين الحركتين الفرنسيتين (الفيشية والديغولية) لكسب ود وتأييد الجيش الفرنسي في سوريا الذي يعتمد نظاماً صارماً، ويعتمد على نفسه داخل سوريا وذلك بتعداد بلغ 35,417 من الرجال المزودين بأسلحة كافية بقيادة الجنرال دانتز الذي التزم جانب الفيشيين في فرنسا المحتلة، وعزز الألمان هذا الجيش بأسراب من الطائرات المقاتلة حطت في مطاري دمشق وحلب، وبالمقابل حشد البريطانيون قواتهم على نهر الليطاني من لبنان وفي الكسوة وازرع عند مشارف دمشق، وتأهبت القوات البريطانية في العراق لدخول سوريا، ورسمت القوات المهاجمة خطة للدخول عرفت في خرائط القيادة البريطانية بخطة ماري وذلك في نيسان من عام 1941م، في وقت عجزت فيه القيادة الفيشية عن اقناع تركيا بالسماح لها بجلب التعزيزات براً من فرنسا مباشرة. أما على الصعيد المحلي، فقد شغلت منطقة البوكمال بتهريب السلاح للثورة التي كان يعد لها رشيد عالي الكيلاني في العراق مع ضباط الجيش العراقي بدعم من الألمان، حدثت الثورة في الفترة من الثاني من أيار إلى الثلاثين من أيار عام 1941 وفشلت، فمر الهاربون من جحيمها عبر البوكمال كما مر الجرحى من المشتركين بها، ومن بينهم حمد صعب وحمد هلال، كما مرت كتيبة فوزي القاوقجي عبر البوكمال من العراق إلى سوريا.
وفي هذا الجو الحاسم من أيام الحرب العالمية الثانية نفذت القوات البريطانية خطة ماري المذكورة وتدفقت القوات البريطانية عبر الفرات إلى الشمال والغرب مروراً بالبوكمال، وعندما رد الفيشيون والقاوقجي قامت القوات البريطانية بقصف المدينة بالمدفعية، وهرب منها السكان فهدمت بعض المنازل وقتلت امرأة وتدخلت بعض شخصيات البوكمال بالوساطة لوقف القصف عن المدينة فلم تفلح وعندما دخلت هذه القوات تابعت زحفها إلى دير الزور، وفي شمال المدينة تعرضت لقصف الطيران الألماني، وأعطيت بعض الآليات التي بقيت في شمال المدينة حتى أكلها الصدأ.
قام الفيشيون في سوريا بمفاوضة بريطانيا في كنيسة القديس يوحنا بعكا، وأسفرت المفاوضات عن انسحاب الفيشيين من سوريا بواسطة البواخر من الموانئ السورية إلى موانئ مرسيليا مباشرة، وقامت هذه القوات في محافظة دير الزور قبل الانسحاب بنسف عبارة القطعة في البوكمال، وجسر البصيرة.
[تحرير] القيادة الديغولية
قبل نجاح سيطرة البريطانيين والديغوليين على سوريا وطرد الفيشيين، كان الجنرال ديغول قد وعد السوريين بالاستقلال عندما تكتمل الخطة وتقف العناصر الوطنية بجانب جيوش فرنسا الحرة، وذلك ببرقية أرسلها إلى جميل مردم بك هذا نصها:
- 8 حزيران 1941
- عزيزي السيد جميل مردم بك:
- سيوجه الجنرال كاترو في حالة دخوله إلى سورية نداء باسم فرنسا ، وقد نال موافقتي ويتضمن هذا النداء حقوق الشعب العربي في كل من البلدين باستقلال تام وسيادة مطلقة وإني لآمل منك أن تتعامل مع فرنسا الحرة ومنها الجنرال كاترو.
- القائد العام لقوات فرنسا الجنرال ديـغول
وصل ديغول إلى سوريا بعد رحيل الفيشيين في 26 تموز عام 1941، وألقى خطابا في جامعة دمشق، كما زار دير الزور الفرنسية، ولم يتطرق إلى وعده إلا بأسلوب غير مفهوم، أخذ يماطل فيه ويسوف، فشهدت سوريا من أدناها إلى أقصاها أحداثاً دامية في تشرين الثاني من عام 1941م، وبطبيعة الحال تحملت البوكمال كغيرها من مدن سوريا نصيبها من هذه الإضطرابات، وكانت المناسبة أن أوعزت السلطات الفرنسية لأحد عملاء المنطقة بإرسال برقية تأييد وشكر للقيادة الفرنسية، ويطلب من الله باسم البوكمال وعشائرها أن تبقى فرنسا في ديارنا، مما اغـضب أهالي المنطقة، فقام مخاتير المدينة والقرى بإرسال برقية معاكسة تطلب من القيادة الفرنسية الانسحاب من سوريا، وتستنكر تـنصل الفرنسيين من الوعـود التي قطعـوها بالإنسحاب وإعطاء الاستقلال.
قامت السلطات بإعتقال مرسلي البرقية، وفرضت عليهم الإقامة الجبرية في مقر الأمن العام الفرنسي، فقام المرحوم شريف النهار بتأمين الطعام ولوازم النوم للمعتقلين طيلة مدة الحبس الذي قضوه شهراً في المركز.