مغول

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

نشأ المغول في أواسط آسيا في المنطقة المعروفة بمنغوليا وعاش هؤلاء القوم في بلادهم شظف العيش يعملون بالصيد والرعي في حياة كلها ترحال وتجوال وكثر بينهم النزاع والشقاق وتكررت غاراتهم على المناطق الخصبة المجاورة.... ظلت القبائل في منازعاتها وتمزقها :

• حتى بزغ نجم بطلهم التاريخي العظيم – جنكيزخان* Khan Genghis – الذي وحّد تحت إمرته قبائل المغول والأتراك ، وابتدأ فتوحه في شمال الصين فأخضع معظمها ، • ثم اتـجه غرباً ، فدمَّر الدولة الخوارزمية العظيمة – وكانت في ذروة قوتها – واحتل ممالكها على التـتابع : بلاد ما وراء النهر ثم خراسان ثم فارس ..

• وفي طريقهم.. دمّر المغول دولة "الإسماعيليين الحشّاشين"- في إيران- الذين كانوا مصدر إرهاب وخوف للمسلمين ، إذ كانوا قد اغتالوا عدداً من قادة ذلك العصر المخالفين لمذهبهم أمثال الوزير السلجوقي( نظام الملك ) ثم ابنه من بعده!

• ولم يدم فرح المسلمين طويلاً بهذا الخلاص من الإرهابيين الحشاشين ،حيث تابعت جحافل المغول فتوحاتها، حتى دخلت بغداد عنوةً (656هـ) بعد مقاومة باسلة من حامية بغداد ،ولذلك –وكما يكون مصير كل من يقاومهم- قـتل المغول الخليفةَ العباسيَّ ، و قتلوا حاميةَ بغداد ونكَّلوا بأهلها .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(*)- اسمه الأصلي : تـيموجـين Timuchin ومعناه الفولاذ الخالص . و أما " جنكيزخان" فلقبٌ مـنح لـه عند تنصيبه ملكاً على جموع "القبائل التركية –المغولية" التي قام بتوحيدها و إخضاعها لإمرته في منغوليا . وأما كلمة جنكيز فغامضة الاشتقاق ، والراجح أنها مأخوذة من الكلمة التركية " تنكيز" و معناها " البحر المحيط". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• ثم اجتاحوا بلاد الشام و دخلوا دمشق (في مارس 1260م = 658هـ) -وهنا ، وفي هذا الوقت - يصل بالبريد خبر موت الخاقان الأعظم للمغول (منكوخان ) في قراقورم ويُستدعى أولاد وأحفاد جنكيز خان إلى مجلس الشورى المغولي ( الكوريل تاي Kuriltai ) لانتخاب الخان الأعظم الجديد للإمبراطورية ؛ • فيرجع هولاكو ( فهو أخو منكو خان ، و هو أحد المؤهّلين للعرش ) بمعظم جيشه إلى فارس ،ليتابع أمور العاصمة المغولية (قراقوروم بمنغوليا ) عن كثب (1)، و لا يترك في بلاد الشام إلا جيشاً صغيراً من المغول (عشرة آلاف جندي فقط) بقيادة أحد أبرزضباطه واسمه كيتوبوقا أو كتبغا (و هو قائد عسكري محنك من قبيلة النايمان التركية )

• ومع أن بعض مستشاري كتبغا Kitbuga أشاروا عليه أن لا يمضي إلى فتح مصر حتى يعود سيدُه هولاكوخان، ولكن الغرور دفعه بأن يقصد مصر بعشرة آلاف جندي فقط.!

• تقول الموسوعة البريطانية :

• "Kitbuga and his Mongol army of about 10,000 men were lured into a trap at 'Ayn Jalut, in Palestine, by a Mamluk force of 120,000 men commanded by Baybars." • ما تـرجـمته : • " كيتبغا وجيشه المغولي (في حدود 10 آلاف رجل) استُدرِجوا إلى كمينٍ عند عين جالوت ، في فلسطين ، بواسطة قوَّة من المماليك مؤلََّفة من (120 ألف رجل) يقودهم بـيـبرس "

• وكانت مصر- وقتئذ- تحت حكم المماليك الأتراك (من القبجاق والخوارزميين )،وكان جيشهم تركياً يقاتل بنفس الطريقة التي يقاتل بها المغول (2)، ثم فوق هذا كانوا أكثر عدة وعدداً بكثير من الجيش المغولي الذي فوجيء بكمين أعده له البطل التركي المسلم بيبرس مع جيشه التركي المملوكي (القيادة العليا كانت للسلطان التركي قطز )؛و هكذا ينـتصر جيش المماليك (المسلمين) على الجيش المغولي في عين جالوت..

• ويشيد بهذا النصر العلامة المؤرّخ أبوشامة -في كتابه: الذيل على الروضتين صـ208- قـائلاً : غَلَبَ التـتارُ على البلادِ فجاءَهُمْ مِنْ مِصْــرَ تركيٌّ يَـجُودُ بنفسِـهِ بالشـامِ أهلَكَهُمْ وبَـدَّدَ شملَهُمْ ولـكلِّ شيءٍ آفـةٌ مِنْ جِـنْسِـهِ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هامش:

(1)- انظر كـ:"المغول " د.السيد الباز العريني ص254 أيضاً: "المغول في التاريخ" د. الصياد ص298 (2)-انظر :كـ"المماليك " د. السيد الباز العريني ص256 - أيضاً : "العالم الإسلامي في العصر المغولي"-شبولر ص106

• نُـذَكّر هنا مرة أخرى أن الجيش المملوكي كان كله تركياً قيادةً وجنوداً، وكان يتألف من الأقسام التالية (*) : 1- المماليك السلطانية  :وكانوا من الأتراك الذين يجلبون من بلاد القبجاق . 2- جند الحلقة : تتكون من محترفي الجندية من أولاد المماليك، وقد عرفوا أيضا باسم أولاد الناس ،وهم كثرة الجيش و عامته في أثناء الحرب؛ و هم أيضًا أصحاب حرفٍ و صناعاتٍ في وقت السلم.

3- مماليك الأمراء : شبيهة بالمماليك السلطانية ؛ غير أن أفرادها يتبعون أمراءهم. 

و يؤرخ العلامة عبد الرحمن الجبرتي لمعركة عين جالوت في عبارة بليغة مختصرة فيقول : " ثم وصل التـتار إلى دمشق وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب فخرج هارباً ،وخرج معه أهل القدرة، ودخل التـتار إلى دمشق وتسلَّموها بالأمان ثم غدروا بهم ،وتعدَّوها فوصلوا إلى نابلس ثم إلى الكرك وبيت المقدس.. فخرج سلطان مصر بجيش الترك الذين تهابهم الأسود وتـقل في أعينهم أعداد الجنود فالتقاهم عند عين جالوت فكسرهم وشرَّدهم وولَّوا الأدبار ... ووصلت البشائر بالنصر فطار الناس فرحاً ، ودخل المظفَّر قطز إلى دمشق مؤيَّداً منصوراً ، وأحبَّه الخلقُ محبةً عظيمة، وساق بيبرس خلْفَ التتار إلى بلاد حلب وطَرَدَهم " من كـتابه عجائب الآثـار ج1ص29

(*)-راجـع في هذا الشأن : - كـ تاريخ المماليك البحرية لـ د . على إبراهيم حسن صـ22 و24 .

                                  -كـ قيام دولة المماليك الأولى  لـ د . أحمد العبادي صـ 220.
                                 - كـ: "العالم الإسلامي في العصر المغولي"-شبولر ص106و 107


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأنت حين تقرأ عن المغول وعن جنكيزخان ،في كتب التاريخ المتخصِّصة وفي الموسوعات العلمية الموثوقة كالموسوعة البريطانية الشهيرة وموسوعة Encarta الإليكترونية وموسوعة Wikipedia الإلكترونية على الانترنت ، و المراجع العربية الأكاديمية التي ذكرتها في نهاية هذا البحث .. ستجد نفسَكَ أمام رجل فذٍّ حقاً جمع شتات القبائل المغولية والتركية (الرحّالة منها) وصنع منهم قوة متحمِّسة لا تُرَدّ ، وحمل إلى الشعوب الأخرى – مع قسوته وبطشه – نظاماً دقيقاً صارماً..مع رعاية كاملة متفوِّقة للعلوم والآداب والفنون ..وحتى الأديان فالتاريخ لا يحفظ لأحد من الفاتحين - من حيث حفاظه على حرية المعتقدات والأديان والفكر (مهما كانت بوذية أو مجوسية أو نصرانية أو مسلمة أو ... ) – مثلما حفظ لهؤلاء المغول في تاريخهم ،وتاريخ حكمهم لشعوب العالم..لا في وقت جنكيز فقط ،بل في جميع العهود المتطاولة التي حكم خلالها فيما بعد أولادُه و أحفادُه .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وهنا من حق التاريخ العلمي الموضوعي الموثَّق أن نذكر لجنكيزخان وأولاده وأحفاده من بعده أهم المميزات لنظام حكمهم (*):

1- النظام الدقيق الصارم الذي يستند إلى نصوص الياسا* والذي ضبط الحياة ضبطاً صارماً حفظ الأمن في ربوع أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ .

  • ياسا YASA= يَسَق : تحريف للكلمة المغولية "دزاساقDzasak " ؛ وهي مجموع القوانين التشريعية المغولية التي جمع مادتها جنكيز خان ونظَّمَها وطوَّرها ، ثم جعلها القانون الأساسي للإمبراطورية المغولية .

2- تنظيم أعظم وأسرع شبكةٍ بريديةٍ *عرفها التاريخ من قبل !– ربطوا بها الإمبراطورية بأجزائها الفسيحة ، وكذلك – و بجوارها- نُظِّمَتْ أسلم وآمن و أعظم خطوط التجارة بحيث ربطت العالم القديم بعضه ببعض .. فأصبحت الصين التي كانت في عزلة -قبل عهد المغول - أصبحت حاضرة ( قوبيلاي ابن جنكيزخان ) الخان الأعظم للمغول ،وصارت هي وجاراتها على اتصال موثوق ممهد مأمون مع أوربا و مع العالم الإسلامي كله .

 كان لهذا الانجاز دور عظيم في تلاقح الثقافات، شرقيّها وغربيّها، في ظلال إمبراطورية المغول ؛ وأنت تجد هذا واضحاً بـيّناً في البعثات الرسولية البابوية من روما إلى خان باليك (بكين حالياً ) مقر عاصمة المغول ومنها إلى قرا قورم عاصمتهم في منغوليا ..

3- التسامح الديني العظيم مع جميع الديانات ،السماوية منها وغير السماوية.. و عدّها جميعاً طرقاً مختلفة إلى هدفٍ واحدٍ وهو عبادة الله! ..

يقول الأستاذ الدكتور\ السيد الباز العريني في كتابه "المغول"- صـ26 : ((ومن خصائص المغول أيضاً، ما اشتهروا به من التسامح الديني .على أن ما جرى من تعليل هذا التسامح، بأنه يرجع إلى ما اشتهر به المغول من عدم الاكتراث بالدين، يعتبر حكماً لا يستند إلى أساسٍ متين .))

ِويقول أيضا ًفي صـ195: (( وفي حديث منكو خان إلى الراهب الفرنسي( وليم رو بروك) ما يدل على تسامحه مع سائر الديانات ،إذ قال: ليست الديانات إلا كالأصابع الخمسة ليدٍ واحدةٍ...إذ اعتقد منكو بأنه ثـمَّة إله واحد ، يعبده كل فرد كيفما أراد.)) اهـ

4- الرعايا جميعهم متسـاوون أمام القانون المغولي مهما كانت جنسياتهم أو دياناتهم .والفرص متاحة للجميع في ارتقاء المناصب شريطة الإخلاص لدولة الخان !
و في ذلك يقول الدكتور فؤاد عبد المعطي الصياد في كـتابه ( المغول في التاريخ  صـ153): 
" كان جنكيزخان يتجنَّب التعصّب ، ورجحانَ أمَّةٍ على أمة ..أو دينٍ على دين ، وكان يكرم العلماء والزهّاد من كل طائفة ، ويعفيهم من الضرائب "!

5- اصطناع العلماء والفلاسفة والمفكرين : فقد كان جنكيزخان – كما مرّ معنا – يكرم كل مثقف وكل عالم ومفكِّر وكان يقرِّبهم منه ، وينصّبهم كمستشارين له مهما كانت جنسياتهم أو أديانهم وكذلك كان أحفاده وأولاده من بعده ..

و قد اصطفى جنكيزخان لنفسه ثلاثةً من كبار حكماء عصره – أحدهـما : صيني الثقافة من أصلٍ تونغوزي وهو (يي ليو تشو تساي Yeh-lü Ch'u-ts'ai) ، والثـانـي : تركي مسلم وهو ( محمود يلواج الخوارزمي).

والثـالث :   أويغوري تركي  ،وهو (تاتا تونغا) 
  • وحتى هولاكو خان كان معظم مستشاريه من العلماء المسلمين – فرساً و تركاً – ‍...
  • مثل ذلك فعل قوبيلاي خان حين توسَّم النبوغ والعبقرية في كلٍّ من :

 ماركو بولو (الرحاَّلة الإيطالي الشهير) ، فحين لمس فيه الوفاء قرَّبه إليه واتَّخذه مستشاراً له ‍.، وعهد إليه بالقيام ببعض الأعمال‍ الهامَّة ‍‍..  و الوزيرالمسلم الإيراني الجنسية(أحمد البناكتي)الذي ارتفع شأنه كثيراً في بلاط قوبيلاي البوذيِّ الديانة، حتى عرف بلقب " السيِّد الأجلّ "؛ حتى بات يحسده كثيرٌ من الأمراء‍ المغول ! .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش : (*)- راجع بشأن الفقرة السابقة (مميزات الحكم المغولي) :

       1- المغول في التاريخ د. فؤاد الصياد ص141-159 و ص205-227
      2- المغول – د. السيد الباز العريني : ص147-155 ثم من 192-212 ثم من321-344 
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهكذا ..فإنه يمكننا إذن – بحقّ ، ومن خلال ما تَقَدَّم- أن نعدَّ دولـة المغول أوَّلَ دولةٍ علمانية في التاريخ ؛

1. إذ هي أول دولةٍ كانت تعزل الدين تماماً عن التأثير في السياسة و الإدارة،

2. وهي أول نظامِ حُكْمٍ مارس المساواةَ المطلقة - بين أصحاب الديانات والجنسيات المختلفة من الشعب- ممارسةً كاملة أمام القانون من حيث الحقوق الكاملة (وأهمها حقّ تكافؤ الفرص) ،ومن حيث الواجـبات والعقوبات.

3. ثمَّ هي أول دولةٍ غير دينـيةٍ في التاريخ (أي لا يوجد في دستورها دين رسمي للدولة هو دين الحاكم! كما هو شائع معروف قديماً وحديثاً).

4. هذه الدولة التي بلغت الذروة في تسامحها الديني مع جميع رعاياها ، وُجِدَتْ في زمنٍ ساد فيه التعصُّب الديني والمذهبي ،بل كان قد بلغ الغاية وأصبح موضة ذلك العصر( وهو عصر الحملات الصليبية، و الاغتيالات الباطنية ، والحرب المذهبية حتى بين أتباع الدين الواحد !!)