مرعي باشا الملاح

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

مرعي باشا الملاّح (1856-1930): رجل دولة، وزعيم سياسي سوري مخضرم. مولده ووفاته في حلب، بها تعلم وتخرج بمكتب غلطة سراي السلطاني العثماني بالآستانة (1876)، وأجاد لغات عدة. انتظم في سلك الإدارة المدنية العثمانية، وتقلب في العديد من المناصب القضائية والإدارية والتربوية والمالية العالية في بلده، ومنها:

  • رئيس محكمة التجارة المختلطة (1885-1897)
  • رئيس البلدية (1899-1900)
  • عضو اليمين في محكمة الاستئناف الحقوقية (1901-1906)
  • رئيس الهيئة الاتهامية (النائب العام) لدى محكمة الجنايات العليا(1906-1907)
  • رئيس مجلس إدارة المصرف الزراعي (1906-1907).

كانت له حظوة عند السلطان عبد الحميد الثاني، فأنعم عليه في العام 1905 برتبة "روم ايلي بكلربكي" الرفيعة، التي تعادل رتبة (الفريق)، ويعد حاملها من أرباب المراتب العالية، مما يخوله نفوذاً واسعاً وصلاحيات خاصة في دوائر الدولة كافة، ومنحه أعلى الأوسمة في الدولة. وقد بلغ من ثقة السلطان به أن انتدبه للعديد من المهمات، وأوكل إليه التفتيش في عدد من مفاسد الدولة العثمانية، ومنها تحقيقه في تجاوزات أمير اللواء إبراهيم باشا الملّي القائد الأعلى للكتائب الحميدية.

انتخب نائباً عن ولاية حلب في مجلس المبعوثان العثماني (1908). وعلى أثر قيام الثورة المضادة بين السابع والثالث عشر من نيسان 1909 والمعروفة في الحوليات العثمانية بـ(حادثة 31 مارس 1325) أو (الحركة الارتجاعية) في إشارة إلى محاولة القائمين عليها إعادة الحكم الفعلي إلى السلطان عبد الحميد، شارك الملاّح في تأسيس "جمعية الاتحاد العثماني"، التي كان هدفها التمسك بالدستور والدفاع عنه. وفي صيف العام 1909 استقال من النيابة لمعارضته تدخل الاتحاديين بشؤون الدولة على نحو مناف للدستور.

ولي إدارة أوقاف ولاية حلب في عام 1909، فبقي فيها مدة سنتين، ثم استقال بعدما سيطر الاتحاديون على نظارة الأوقاف. وفي غضون ذلك عين في العام 1911 عضواً في اللجنة التي عهد إليها بالتحقيق في الحفريات التي أجرتها بعثة أثرية بريطانية حول الحرم القدسي الشريف وما تردد عن قيامها بسرقة آثار تعود إلى عهد الملك سليمان، وقد أثبتت التحقيقات عدم وقوع السرقة لانتفاء وجود تلك الآثار أصلاً. انتخب عضواً في المجلس العمومي لولاية حلب (1913-1914)، ثم ترأس إبان الحرب العالمية الأولى فرع جمعية الغوث (المدافعة الملّية) بحلب. وكان رئيساً لمجلس العشرة الذي تولى الحكم في حلب (والٍ بالوكالة) قبيل جلاء (الترك) العثمانيين عن البلاد.

وفي العهد الفيصلي (1918-1920) عين رئيساً للحكومة المؤقتة التي تشكلت في حلب على أثر دخول الجيش العربي فاتحاً، ثم عضواً في مجلس الشورى، فمتصرفاً لدير الزور (1918-1919). حرر تلك المدينة من الحكم العثماني، وألحقها بالحكومة العربية بدمشق، ونظم الإدارة فيها. ولما دخل الإنكليز رفض تسليمهم إدارة المنطقة وإنزال العلم العربي. ولّما تشبث بموقفه، حصل الإنكليز على وثيقة رسمية من الحاكم العسكري العربي بحلب تؤكد إقرار الحكومة العربية بخضوعها للحكم البريطاني. فما كان منه إلا أن استقال من منصبه احتجاجاً. انتخب رئيساً ثانياً للمؤتمر السوري العام بدمشق (1919-1920). وقد اشترك في صياغة قرار الاستقلال، ومبايعة فيصل الأول ملكاً، ووضع أول دستور للبلاد.

وفي عهد الانتداب الفرنسي أسند إليه منصب مدير الداخلية العام (وزير) في دولة حلب في العام1920، لكنه ما لبث أن استقال في العام التالي بدافع من اعتزازه بنفسه. وأخيراً، شغل منصب حاكم دولة حلب العام سنة 1924. وقد حاول الفرنسيون استمالته إلى جانبهم، لكنه لم ينفعهم إذ فرض عليهم أن يلتزموا في تعاملهم مع البلاد بقوانين الانتداب التي وضعتها عصبة الأمم، لا أن يتصرفوا تصرف القوة المحتلة. وكان له موقف حازم في رفضه تنفيذ قرار المفوض السامي الجنرال فيغان لعام 1924 بمصادرة خان قورت بك، وهو من أوقاف المدرسة الخسروية بحلب، وتحويله إلى ملكية خاصة لمخالفته الأحكام الشرعية.

وفي مطالع العام 1926 استقال الملاّح من حاكمية دولة حلب احتجاجاً على سقوط ثمانية قتلى وعدد من الجرحى بنيران قوات الانتداب في مظاهرات شعبية كان السبب المباشر لها مقاطعة الانتخابات التي دعا إليها المفوض السامي دي جوفنيل، والمطالبة بإطلاق سراح الزعماء الوطنيين الداعين للمقاطعة، فاعتزل العمل السياسي وانصرف للاهتمام بالأعمال الزراعية، حتى وافاه الأجل المحتوم بحلب في 22 تشرين الثاني 1930. وفي جميع المناصب التي أسندت إليه حقق مشروعات عمرانية وإصلاحات إدارية واجتماعية، لا تزال مدينته حلب، تذكرها بالخير ومنها: تشييد مستوصف في محلة جب القبة لمعاينة الفقراء مجاناً على قطعة أرض كان يملكها وقد تبرع بها لإقامة هذا المشروع الإنساني فسمي باسمه (مستوصف مرعي باشا) ويشغله حالياً (مركز مكافحة السل والطبابة الشرعية)؛ وتنظيم مقبرة العبارة وتحويلها إلى حديقة عامة عرفت باسمه أيضاً، وقد عدها مؤرخ حلب الشيخ كامل الغزي في كتابه "نهر الذهب في تاريخ حلب" واحدة من أعظم حدائق سورية في حينه، ومن ثم تبدلت تسميتها وأضحت مقهى ومتنزهاً عرف باسم (المنشية) وهي الآن مقصف ومتنزه تابع لاتحاد العمال. كذلك نفذ مشاريع كثيرة أخرى يطول حصرها. ومما امتاز به أيضاً حبه للعلم والأدب فجمع مكتبة قيمة أوقفها في حياته على كل من المدرسة الخسروية ودار كتب الأوقاف الإسلامية بحلب. كذلك كان من مؤازري المجمع العلمي العربي بدمشق في طور تأسيسه.

[تحرير] المراجع

  • عبد الغني العطري، حديث العبقريات، دمشق، دار البشائر، 2000، ص 118-125.
  • عامر رشيد المبيض، مئة أوائل من حلب 1901-2001، حلب، دار القلم العربي، 2004، 759-761.