كركوك
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
تقع مدينة كركوك الحالية على اطلال المدينة الاشورية القديمة اررابخا (عرفة) الذي يقدر عمرها بحوالي 5000 سنة. بسبب اهمية موقعها الجغرافي بين امبراطوريات البابليين و الأشوريين و الميديين شهدت كركوك معارك عديدة بين تلك الامبراطوريات المتصارعة التي بسطت سيطرتها على مدينة كركوك في فترات تاريخية متباينة [1].
هناك اراء مختلفة عن اصل تسمية المدينة. احد النظريات تنص على ان تسمية كركوك اتت من الكلمة التي استخدمها الاشوريون كرخاد بيت سلوخ التي تعني المدينة المحصنة بجدار بينما تشير اقدم سجلات الألواح الطينية المكتوبة بالخط المسماري التي عثر عليها بالصدفة سنة 1927 في قلعة كركوك الى ان قطعة كيرخي ( كرخا / قلعة) كانت تقع في اررابخا (عرفة) باقليم كوتيوم. هناك فرضية اخرى تستند على كتابات المؤرخ اليوناني القديم بلوتارخ حيث يذكر بلوتارخ انه عندما قطعت القوات المقدونية البادية في سوريا وعبرت نهر دجلة في 331 قبل الميلاد اتجه الإسكندر الأكبر بعد معركته المشهورة مع داريوش الثالث نحو بابل عن طريق ارابخي او اررابخا ( عرفة ) حيث اصلح قلعتها( اي قلعة كركوك ) واضاف الكاتب اليوناني بلوتارخ ان على ارض ارباخي ( اي كركوك ) تشاهد نيران مشتعلة دائمة وتغطيها انهار من النفط وهذا الكلام ينطبق على موقع كركوك المعاصر. اما موقع بابا كركر فقد اورد بلوتارخ اسمه بصيغة كوركورا. وقد اضاف الميديون على نهاية الاسم اللاحقة الزاكروسية المحلية اوك فغدت التسمية كوركورك [2]. عرفت مدينة كركوك في عهد الساسانيين بكرمكان والتي تعني الارض الحارة الذي تحول الى جرمقان او جرميق في العربية و كرميان بالكردية. يعتقد التركمان ان المدينة سميت بكركوك لاول مرة في عهد دولة قه ره قوينلو حيث اشتقت اسم المدينة من كلمة كرك التي تعني الجمال بالتركية القديمة.
كركوك تعتبر مركزا رئيسيا لانتاج النفط في شمال العراق وتعتبر تاريخيا مدينة متعددة الاعراق يقطنها الاكراد و التركمان و الاشوريون و الكلدانيون و العرب و الارمن. تبعد كركوك 250كيلومتر شمال شرق محافظة بغداد عاصمة العراق يحدها جبال زاكروس من الشمال ونهر الزاب الصغير من الغرب و سلسلة جبال حمرين من الجنوب ونهر ديالى التي تعرف عند الاكراد بنهر سيروان من الجنوب الغربي. يقدر نفوس المدينة حسب تخمينات احصائية لعام 2003 بما يقارب 755,700 نسمة.
يمر نهر الخاصة في وسط مدينة كركوك ويقسم المدينة الى شطرين كما يمر نهر الزاب الصغير ( من أهم روافد نهر دجلة) على بعد حوالي 45 كم من مركز المدينة وقد نفذ مشروع أروائي جبار على نهر الزاب يعرف بري كركوك يوصل الماء إلى مدينة كركوك ومزارعها المحيطة والموزعة بالمحافظة, حيث غير هذا المشروع نمط حياة ومعيشة الكثير من القرويين و الزراع إلى الأفضل.
فهرست |
[تحرير] حقول النفط
في عام 1927 حدث تدفق تلقائي عظيم للنفط في منطقة بابا كركر بالقرب من مدينة كركوك مما حدى بشركة النفط العراقية لاستخراج النفط بصورة منظمة من حقل بابا كركر في سنة 1934 علما ان استخراج النفط كانت تتم قبل هذا التاريخ بطرق بدائية. يقدر كمية المخزون الاحطياطي لحقول النفط في كركوك باكثر من 10 مليار برميل بقدرة انتاجية قدرها750 ألف برميل الى مليون برميل يوميا [3].
يعتقد بعض الخبراء في مجال النفط ان الاساليب السيئة التي كانت تتبع لاستخراج النفط ابان حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين في ضل سنوات الحصار ادت الى اضرار قد تكون دائمية في حقول النفط في كركوك. احد هذه الاساليب كانت اعادة ضخ النفط الفائض الى حقول النفط مما ادت الى زيادة لزوجة النفط التي تردي نوعية نفط كركوك وقد تؤدي كذلك الى صعوبة استخراج النفط في المستقبل [4].
منذ شهر أبريل 2003 الى ديسمبر 2004 تعرضت حقول نفط كركوك الى ما يقارب 123 ضربات تخريبية وكانت اشد الضربات موجهة الى خط الانابيب التي تنقل النفط الى ميناء جيهان في تركيا. ادت تلك العمليات الى خسارات بلغت المليارات بالدولار الامريكي. اضافة الى الاضرار الناتجة عن هذه العمليات تعرضت البنية التحتية لانتاج النفط الى اعمال سلب و نهب ابان غزو العراق 2003 والتي اطاحت بحكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أبريل 2003 [5] [6].
اضافة الى حقل بابا كركر العملاق تشتهر المدينة بحقول اخرى مثل حقل جمبور و حقل باي حسن الجنوبية و حقل باي حسن الشمالية و حقل آفانا و حقل خباز و حقل جبل بور و حقل خرمالة (تحت التطوير), تتميز حقول كركوك النفطية بغزارة إنتاجها وجودة نفطها فهو يعتبر من النفوط الخفيفة القياسية, يحوي نفط كركوك على غازH2S مما يستوجب معالجته قبل تهيئته للتصدير من خلال مجمع كبير متخصص لهذاالغرض. تدير عمليات النفط شركة نفط الشمال الوريث الوطني لشركة نفط العراق IPC التي أممت عملياتها عام 1972. توجد في كركوك في منطقة بابا كركر ضاهرة غريبة وهي أشتعال النار نتيجة خروج غازات من الأرض لوجود تكسرات في الطبقات الأرضية للحقل النفطي تسمى النار الأزلية وهي تشتعل منذ أكثر من أربعة الآف سنة.
[تحرير] الخليط السكاني لمدينة كركوك
يسكن كركوك مزيج متجانس من قوميات مختلفة من الأكراد العرب التركمان الآشوريين الكلدان والارمن. كركوك عرفت منذ القدم بتجانس قومياتها المختلفة لكن هذاالتجانس طرات عليه تغيرات منذ ثمانينيات القرن المنصرم حيث قامت حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين باجبار الاكراد و التركمان بالرحيل عن ديارهم وقراهم في مدبنة كركوك كجزء من سياسة منظمة عرفت بسياسة التعريب. مدينة كركوك كانت ولم تزل موضع خلاف وجدل حول عرقية المدينة التاريخية الموغلة بالقدم.
من وجهة نظر الاكراد تعتبر كركوك جزءا من مايطلقون عليه تسمية كردستان التي حاول غزاة المنطقة عبر التاريخ بتدمير اماراتها المتعددة واحدة تلو الاخرى. حيث كانت كركوك عاصمة لامارة شهرزور الكردية في القرن التاسع عشر. احد الامثلة التي يشير اليها الاكراد هي السيطرة على مدينة كركوك من قبل الصفويين بقيادة القائد الصفوي اسماعيل شاه الثاني الذي حاول فرض مذهب الشيعة على الاكراد وقام بعمليات استيطان قسرية للتركمان في منطقة كركوك. بغض النظر عن صحة هذه المزاعم التاريخية يصر الاكراد مؤخرا على تطبيق الفقرة 58 من ما يسمقانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية الذي كتب في مارس 2004 والذي اعتبر بمثابة الدستور المؤقت للحكومة العراقية الانتقالية الذي تشكل عقب غزو العراق 2003 والاطاحة بحكومة الرئيس السابق صدام حسين. المادة 58 تدعو الى اتخاذ اجرائات لرفع الظلم الذي نتج عن ممارسات النظام السابق بسبب سياسات التعريب و التهجير القسري التي شهدتها بعض المناطق العراقية ومن ضمنها مدينة كركوك. ومن أهم الأحياء السكنية الكوردية الخالصة في المدينة: الشورجة، رحيم آوه، تبه، إسكان، آزادي، إمام قاسم. هذا ويتواجد الكورد تقريبا في كل الأحياء السكنية الأخرى في المدينة وبنسب متفاوتة.
من وجهة نظر التركمان الذين يعتبرون بان اجدادهم قدموا الى العراق اثناء خلافة الأمويون و العباسيون لحاجة الفتوحات الاسلامية لمقاتليهم الاشداء، ومنذ ذلك الوقت و على الخصوص اثناء حكم السلاجقة بدا الاستيطان التركماني لمدينة كركوك. دخل السلاجقة العراق سنة 1055 عندما قدم قائدهم طغرل بك على راس جيش مكون من قبائل الاوغوز التركية و حكموا العراق لفترة 63 سنة. يعتبر المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني تركمان العراق جزءا من جيش السلطان العثماني مراد الرابع الذي احتل العراق بعد طرد الصفويين منها عام 1638 حيث ابقى على بعض من جنوده بالعراق لحماية الطرق بين الولايات العثمانية [7].
من وجهة نظر العرب كانت هناك عشيرتين رئيسيتين في منطقة كركوك، عشيرة التكريتي و عشيرة العبيد حيث قدم عشيرة التكريتي الى منطقة كركوك من سوريا في القرن السادس عشر مع السلطان العثماني مراد الرابع الذي كافئهم على ولائهم للعثمانيين باعطائهم اراضي و قرى في الجنوب الغربي لمدينة كركوك بالاضافة الى مدينة تكريت. من العشائر العربية الاخرى اتي استوطنت كركوك اثناء العهد الملكي في العراق، عشائر العبيد و الجبور، قدم عشائر العبيد الى كركوك من منطقة الموصل بعد خلافات مع عشائر اخرى في الموصل واستقروا في منطقة الحويجة عام 1935 اثناء حكومة ياسين الهاشمي [8].
لسنوات طويلة كانت كركوك بمثابة البوتقة التي انصهرت فيها مختلف القوميات لكن الامر اصبح شائكا بعد الاطاحة بحكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين حيث تسعى القوميات المختلفة في كركوك لاثبات حقوقها التاريخية. يحاول الاكراد من جهتهم الحاق كركوك بكيان إقليم كردستان في شمال العراق بينما يحاول التركمان و العرب ابقاء كركوك ضمن الحكومة المركزية في بغداد. هذه الخلافات تم التعبير عنها بالعنف المسلح في بعض الاحيان والخلاف السياسي في احيان اخرى [9].
[تحرير] المعالم القديمة في مدينة كركوك
[تحرير] اتفاقية الحكم الذاتي للاكراد عام 1970
في 11 مارس 1970 م تم التوقيع على على اتفاقية الحكم الذاتي للاكراد بين الحكومة العراقية و الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني وفيه اعترف الحكومة العراقية بالحقوق القومية للاكراد مع تقديم ضمانات للاكراد بالمشاركة في الحكومة العراقية و استعمال اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية ولكن لم يتم التوصل الى حل حاسم بشان قضية كركوك التي بقيت عالقة بانتظار نتائج احصائات لمعرفة نسبة القوميات المختلفة في مدينة كركوك.
هذه العملية الاحصائية كانت امل الأكراد باظهار الهوية الكردية لمدينة كركوك نتيجة لقناعة الأكراد بتفوقهم العددي في مدينة كركوك و ظواحيها بالاضافة الى مدينة خانقين الواقعة جنوب شرقي مدينة كركوك. تم التخطيط لاجراء تلك الاحصائية المهمة عام 1977 ولكن اتفاقية آذار كانت ميتة قبل ذلك التاريخ حيث ساءت علاقات الحكومة العراقية مع الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني وخاصة عندما اعلن البارزاني رسميا حق الأكراد في نفط كركوك. اعتبرت الحكومة العراقية اصرار الأكراد بشان كردية كركوك كاعلان حرب حيث حدى بالحكومة العراقية في اذار 1974 الى اعلان الحكم الذاتي للاكراد من جانب واحد فقط دون موافقة الأكراد الذين اعتبروا الاتفاقية الجديدة بعيدة كل البعد عن اتفاقيات سنة 1970 حيث لم تعتبر اعلان 1974 مدينة كركوك و خانقين و جبل سنجار من المناطق الواقعة ضمن مناطق الحكم الذاتي للاكراد وقام الحكومة العراقية بالاضافة الى ذلك باجراءات ادارية شاملة في مدينة كركوك كتغبر الحدود الادارية للمدينة بشكل يضمن الغالبية العددية للعرب في كركوك واطلقت تسمية محافظة التاميم على المنطقة [10].
[تحرير] كركوك في فترة ما بعد صدام حسين
على اعقاب غزو العراق 2003 الذي اطاح بحكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين و حزب البعث العربي الاشتراكي، تشكل سلطة الائتلاف الموحدة الذي كانت بمثابة حكومة لادارة شؤون العراق لحد اجراء الأنتخابات العراقية . منذ أبريل 2003 عاد الألاف من الأكراد و التركمان الى مدينة كركوك بعد ان كانوا مهجرين منها اثناء حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين وبدا فترة جديدة من الخلافات والنزاعات حول ملكية الاراضي و البيوت الذي كانت ملكا للأكراد و التركمان و منحت للعرب القادمين من جنوب العراق كجزء من السياسة الذي اطلقت عليها تسمية سياسة التعريب. بالأضافة الى ذلك المشكلة طفى على سطح السياسة العراقية مرة اخرى الجدل التاريخي حول الهوية العرقية لمدينة كركوك.
احد المصطلحات التي برزت على الساحة لاول مرة كانت مصطلح التكريد وهو اتهام وجهه التركمان و العرب الساكنين في كركوك الى الاحزاب الكردية وخاصة الحزبين الكرديين الرئيسيين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني و الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني لمحاولة تلك الاحزاب جلب اكراد الى مدينة كركوك بهدف تغيير الطبيعة السكانية للمدينة. حيث يرى التركمان و العرب بان تلك الأحزاب تتبع سياسة مماثلة لسياسة التعريب. هذا الأتهام ينفيه الزعماء الأكراد بشدة [11].
تحت اشراف بول بريمر جرت اول انتخابات بلدية في مدينة كركوك في 24 مايو 2003 لأختيار مجلس بلدية المحافظة حيث اختارت القوات الأمريكية 300 مندوب عن الأكراد والعرب والتركمان والآشوريين كمجمع انتخابي قام بانتخاب مجلس المدينة المكون من 30 عضوا. وجاءت هذه الخطوة في ظل مساعي ترمي إلى تخفيف حدة التوتر العرقي السائد في المدينة. وقد قررت القوات الأمريكية منح الطوائف الأربع نفس عدد المقاعد داخل المجلس الجديد. وتألف المجلس من ثلاثين عضوا، أنتخب أربعة وعشرون منهم بمعدل ستة مقاعد لكل طائفة، و يعين الأمريكيون ستة أعضاء "مستقلين".أما الآن، فقد توسع مجلس محافظة كركوك في جولته الثانية ليضم 41 عضوا. اختير الكردي عبد الرحمن مصطفى محافظا و وافق مجلس المدينة بأغلبية الثلثين على اختيار أشوري وتركماني وكردي كمساعدين للمحافظ [12] [13].
كركوك .. المدينة التي يشبهها الكثيرون بعراق مصغر، هي حقاً كذلك، فبالاضافة الى التكوينات العرقية التي ذكرناها، يمكن ان تجد أفرادا من الصابئة المندائيين و اتباع الديانة الإيزيدية وينقسم الكرد والعرب والتركمان عرضياً ما بين سنة و شيعة، وينقسم السنة ما بين تيارات ومذاهب ايضاً والشيعة كذلك، ولا احد يعرف الى اين يصل هذا التجزء الفسيفسائي، وربما لا يوجد من يشغل ذهنه كثيراً بهذه التفصيلات، على حساب التفكير بالصورة الشمولية، الهوية الوطنية التي تغطي كل هذه الالوان المتقاطعة و المتجاورة و المتداخلة بغلالة لونية واحدة.