أنا ماري شيمل
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أنـِّماري شيمل Annemarie Schimmel (و.7 أبريل 1922 - 30 يناير 2003) هي مستشرقة وباحثة ألمانية لها كتابات عن الإسلام والشعر والأدب الإسلاميين والصوفية.
ولدت أنا ماري شيمل في مدينة إيرفورت الألمانية، وقد بدأت تتعلم اللغة العربية في سن الخامسة عشرة، وحصلت على درجة الدكتوراة في الاستشراق من قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة برلين سنة 1941 عن دور الخليفة والقاضي في مصر الفاطمية والمملوكية، وهي لم تتجاوز سن التاسعة عشرة، وبعد 3 سنوات حصلت على درجة الأستاذية من جامعة ماربورغ، وتعد شمل أصغر من حصل على مثل هذه الدرجة العلمية في هذا الوقت. كما حصلت سنة 1951 على درجة دكتوراة ثانية في تاريخ الأديان.
قامت شيمل سنة 1952 بأول زيارة لها إلى العالم الإسلامي، وبالتحديد إلى تركيا التي عادت إليها في عام 1956 لتستقر بها 5 سنوات؛ حيث عملت كأستاذة مساعدة في العلوم الإسلامية واللغة العربية في جامعة أنقرة؛ لتشغل لاحقا منصب أستاذة كرسي تاريخ الأديان في كلية العلوم الإسلامية بذات الجامعة، حيث كثفت دراساتها في تلك الفترة عن الإسلام في شبه القارة الهندية.
رجعت المستشرقة الألمانية إلى بلادها سنة 1961؛ لتشغل في جامعة بون منصب مستشارة لشؤونها العلمية في مجال الدراسات الإسلامية، إلى جانب عملها كأستاذة للغة العربية والعلوم الإسلامية، ورئاستها تحرير مجلة "فكر وفن" حتى سنة 1973، وهي مجلة علمية، نشرت من خلالها الكثير من أبحاثها عن الأدب الإسلامي، كما تنقلت شيمل بين العديد من الجامعات العالمية المرموقة كأستاذة زائرة؛ فقد حاضرت لسنوات طويلة في جامعة هارفارد وجامعة نيودلهي في الهند، والمجلس الأمريكي للعلوم، وجامعة "إيوا" وفي نيويورك، ومعهد الدراسات الإسماعيلية في لندن.
نالت المستشرقة الألمانية الكثير من الجوائز وأوسمة التكريم، لعل أهمها جائزة فردريش ركارت الألمانية سنة 1965، ووسام القائد الأعظم لجمهورية باكستان الإسلامية سنة 1966، ووسام الاستحقاق الألماني من الدرجة الأولى سنة 1982. بالإضافة إلى نيلها جائزة السلام.
وكانت قد ترددت أنباء عن إسلام شمل، غير أنها لم تشهر إسلامها حتى وفاتها، ويصفها المفكر الإسلامي عبد الحليم خفاجي في معظم كتبه بمؤمنة آل فرعون.
كرمت من قبل الرئيس محمد حسني مبارك؛ حيث منحها وسام الاستحقاق قبل 3 أعوام، فيما منحتها جامعة الزهراء الإيرانية درجة الدكتوراة الفخرية قبل رحيلها بأربعة أشهر؛ تقديرا لجهودها في خدمة الإسلام، وفي ألمانيا كرمها المجلس الأعلى للمسلمين عام 1998 في احتفال خاص.
لقد نعى المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا شيمل بعد وفاتها -عن عمر يناهز الثمانين عاما- في بيان له بأنها «كانت السفيرة الرفيعة بين الإسلام والغرب، وكانت شخصية نادرة كرست حياتها في دأب وحب لإزالة الشكوك لدى الغربيين حول الدين الحنيف» معتبرا رحيلها فجوة يصعب سدها في جدار حوار الحضارات.
فهرست |
[تحرير] منتقدوها ومؤيدوها
في شهادة التكريم التي صاحبت جائزة السلام لعام 1995 التي حصلت عليها -والتي تعد أهم جائزة من نوعها بعد جائزة نوبل للسلام- عللت اللجنة المانحة للجائزة قرار إسنادها للمستشرقة الألمانية بما يلي: «تمنح رابطة الكتاب الألماني الجائزة لماري شمل، التي كرست جهدها طيلة حياتها من أجل التعريف بالإسلام، وإيجاد روح القبول له ولمظاهر الحياة في إطاره، ومن أجل إيجاد إمكانية التقائه بأبعاده التجديدية حضاريا مع الغرب».
تعرضت شيمل لحملة إعلامية من قبل جماعات يهودية ومسيحية استهدفت التشكيك في قيمتها العلمية ونزاهتها، والحط من مكانتها لدى الرأي العام في بلادها وفي الغرب عموما، غير أن الحملة -بنظر البعض- فشلت فشلاً ذريعا، بل وساهمت في تسليط مزيد من الضوء على جهودها.
وقد ركز الحاقدون على شيمل حملتهم المغرضة على 3 ادعاءات رئيسية: أولها تنديدها بكتاب سلمان رشدي -الكاتب الهندي- آيات شيطانية فقد اعتبرت الكتاب يمس مشاعر المسلمين، ويسيء إليهم، ولقد زعم المغرضون أن شمل قد أيدت فتوى الإمام الخميني التي صدرت سنة 1989 ضد الكاتب، وذلك في كتابها "ومحمد نبي الله.. منزلة الرسول في الإسلام".
يرد الدكتور نديم إلياس في كتابه سيقهر الماء صم الحجر على هذا الادعاء بقوله: «إنه مجرد من الأمانة العلمية؛ فقد صدر الكتاب المذكور عام 1981، أي قبل 8 سنوات من صدور الفتوى، كما أن الكاتبة قد ذكرت ردًّا على هذه الادعاءات بقولها: إنها إنسانة غير سياسية، وما يهمها في القضية هو عدم المساس بالمشاعر الدينية الخاصة».
أما الادعاء الثاني فحول نفس الكتاب الذي يدل على تعاطفها مع الأصولية، كما يدل على ذلك أيضا زياراتها المتكررة لإيران، والحفاوة التي كانت تُستقبل بها هناك، فضلا عن كتابتها مقدمة كتاب الإسلام كبديل للسفير الألماني السابق مراد هوفمان.
ويرد الدكتور إلياس على هذا الادعاء أيضا بذكره أن شمل قامت بزيارة لإيران بعد 24 عامًا من الثورة الإسلامية، بناء على دعوة من جامعة طهران لإلقاء محاضرة حول موضوع التصوف والفلسفة، فيما لا تعتبر زيارة المؤسسات العلمية تأييدًا لتوجهات الأنظمة القائمة في دولها.
ويستند الادعاء الثالث ضد شمل على ما جاء في كلمة ألقتها بمناسبة تأبين الرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق؛ حيث قالت: «سوف يصل التاريخ إلى حكم إيجابي متزن حول الرئيس ضياء الحق»؛ وهو ما عده المنتقدون «تأييدًا لهذا النظام العسكري بالرغم من موقفه من حقوق الإنسان والتسلح النووي».
يرد الدكتور إلياس قائلا «إن مجرد التمني لا يعني أن الكاتبة قد أطلقت حكمها على صلاح النظام أو خلافه. كما أكدت شمل أن زياراتها لباكستان كانت دومًا زيارات علمية، فضلاً عن لقائها بجميع عناصر المعارضة خلالها، وفي مقدمتهم أسرة الرئيس السابق ذو الفقار علي بوتو».
وجدت شيمل خلال مسيرتها الحافلة الكثير من المحبين والمدافعين، بقدر ما وجدت من الأعداء والمناوئين. وقد جاء الرئيس الألماني السابق رومان هرتسوغ على رأس المتعاطفين معها حيث حرص على أن يسلم بنفسه جائزة السلام لعميدة المستشرقين، وأن يقول في حقها كلمته الشهيرة: «إنها هي من مهدت لنا الطريق للإسلام».
[تحرير] إسهاماتها الفكرية
كان لشيمل ما يزيد عن 100 كتاب ومؤلَّف، بداية من المؤلفات البسيطة مثل كتابها عن القطط، وكتابها حول الألغاز التركية. وكذلك مذكراتها الشخصية، مثل كتابها السياحي باكستان.. قصر ذو ألف باب؛ وهو ما كان سببا في إطلاق باكستان لاسم "أنا ماري" على أحد شوارع لاهور المهمة تكريما لها.
كما كانت هي أول من وضع مختارات من الشعر العربي المعاصر بالألمانية في عام 1975، فترجمت الأشعار الشرقية من العربية والفارسية والباشتوية والسندية والسيريكية، كما أنها؛ تعبيرا عن إعجابها بالشاعر والمفكر الباكستاني محمد إقبال ترجمت عام 1958 كتابه الخلود إلى الألمانية الذي يُعد تفسيرا عصريا للإسراء والمعراج. وبعد عام ترجمت نفس الكتاب إلى التركية، كما أصدرت كتابين عنه عام 1974: الأول بعنوان جناح جبريل، والثاني بعنوان محمد إقبال.. شاعر وفيلسوف نبوي.
بالإضافة إلى إصدارها مجموعة من كتبها المهمة حول الإسلام، أهمها: إن الملك لك.. أدعية من الإسلام، وعالم الإسلام.. رحلة من الأعماق.
ولها كتابات صوفية؛ منها ثلاثة أعمال رئيسية، يأتي في مقدمتها العرض الشامل للتصوف الذي ظهر لأول مرة في عام 1974 باللغة الإنجليزية تحت عنوان أبعاد التصوف الإسلامي، وهو مرجع مهم يعالج مهمة التصوف الإسلامي وتطوره، ثم أعقبه كتاب آخر عن جلال الدين الرومي بعنوان الشمس الظافرة، وهو كتاب شامل يكشف لغة الرومي المجازية. وجاء الكتاب الثالث عن التبجيل الصوفي لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، بعنوان ومحمد رسول الله بالألمانية والإنجليزية الذي عبرت فيه بصدق عن تقديرها للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ وهو ما أثار وسائل الإعلام الألمانية ضدها، فردت عليها بكلمات حازمة: «نعم إني أحبه».
في سنة 1970 ظهر كتيبها فن الخط الإسلامي ضمن سلسلة دور الرسوم في الأديان، بالإضافة إلى وضعها لكتاب فن الخط العربي والثقافة الإسلامية الذي يعالج مدى تداخل الخط العربي مع الثقافة الإسلامية، بداية من أنواع الخطوط، ومكانة الخطاطين الاجتماعية، وما ترمز إليه الحروف الفردية.
وفي عام 1975 قامت شيمل بإصدار ترجمة لمنتخبات من الشعر العربي المعاصر، بلغ حجمها 150 صفحة، وأخيرا جمعت أنا ماري مختارات غزيرة من جميع ترجماتها السابقة من 8 لغات شرقية في مجلد بعنوان خذ وردة وسمها أغنية، والعنوان مقتبس من قصيدة للشاعر أدونيس.
[تحرير] من أقوالها
في معرض دفاعها عن الإسلام تقول شيمل: «إن الحضارة التي سارت على سُة تحية السلام، تمر اليوم بأطوار من الانغلاق والتصلب الفكري وتبريرية المواقف. وإننا نجد أنفسنا اليوم إلى حد كبير أمام مظاهر صراع سياسي بحت وأيديولوجيات تستغل الإسلام كشعار، وهي أبعد ما تكون عن أسسه الدينية وأصوله».
وبصدد ردها على المعارضين لها ولمنهجها في الدراسة والبحث تقول: «إن طريقي ليس هو طريق التصريحات والبيانات، ولا هو طريق الإثارات والزوابع. إنني أومن أن الماء الصافي سوف ينتصر بحركته الدءوبة على مر الزمن على صم الحجر. إنني أتوجه مع رجاء العون من أجل خدمة السلام بالشكر أولا وأخيرا، إلى من توجه إليه جوته في الديوان الشرقي بقوله:
"لله المشرق..
لله المغرب..
والأرض شمالا
والأرض جنوبا
تسكن آمنة
بين يديه
هو العدل وحده
يريد الحق لعبده
من مائة اسم من أسمائه
تقدس اسمه هذا. آمين».