مستخدم:Ibraman

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

لم أكن أعرف إبرامان شخصيّا ولم اسعَ يوما للتعرّف عليه أو الالتقاء به، لكنّي – كحال الكثيرين – كنت أتواصل معه فكريا وأقرأ له وأتفاعل مع ما يكتبه. كان كلّ موضوع مذيّل باسم إبرامان يجتذب أعدادا كبيرة من القرّاء ويثير عواصف لا تنتهي من الجدل والصخب والاحتجاج. وفي كثير من الأحيان كنت اشعر بأن ما يكتبه إبرامان من نقد عنيف لبعض الظواهر والسلوكيات الاجتماعية كان تعبيرا صادقا عن قناعات الكثيرين منا. لقد كان يمثّل – بالنسبة لي على الأقلّ – "الضمير" الذي يرفض أن يظلّ مستترا، والفارق المهم بين إبرامان وغيره هو أن إبرامان كانت لديه الجرأة والروح القتالية لان يجاهر بآرائه مهما بدت قاسية ومستفزّة ومهما كانت الظروف وأياً تكن النتائج. كان إبرامان لا يملّ من الحديث عن آفة الهوس الديني وعن النوازع العدوانية والتشوّهات المدمّرة التي جلبها التطرّف على المجتمع. وهو في نقده لم يكن يوفّر أحدا. هاجم الوهابية وتحدّاها وسخر منها وأغضب الكثير من رموزها وأتباعها. وهاجم الشيعة بطريقة لا تقلّ عنفا فاتّهمهم بالعيش في الماضي وتقديس الرموز وعبادة الأشخاص. سخر إبرامان كثيرا من المجتمع واتّهمه بالماضوية والتشبّث بالأعراف البالية والانقياد لرجال الدين الذين حوّلوا المجتمع بفتاويهم وأوامرهم وزواجرهم الكثيرة إلى قطيع لا همّ له سوى التطلّع للآخرة واحتقار الدنيا برغم ما تزخر به من معارف مفيدة وأفكار عظيمة ومتع رائعة وبريئة. ولم يكن مستغربا أن تثير أفكار إبرامان عليه ثائرة المتديّنين والمحافظين. وكم توالت عليه النعوت القاسية والأوصاف المسيئة ردّا على ما كان يكتبه. في بعض الأوقات اتّهم بالردّة وإثارة البلبلة الفكرية وأحيانا بالحمق والجنون. وأتذكّر أن أحدهم كتب يعقّب على أحد مواضيعه بأن أمنيته الوحيدة هي أن يجلس مع إبرامان لمدة خمس دقائق فقط، دون أن يفصح عن غايته من وراء تلك الأمنية الغريبة. وإبرامان لم يكن يهتمّ كثيرا بتنميق مواضيعه ولم يكن يعير كبير اهتمام للأساليب التعبيرية والبلاغية. كلّ ما كان يعنيه هو المضمون فحسب. ومن هذه الناحية كان متفوّقا وبارعا. كانت مواضيعه غاية في الإيجاز والتكثيف والمباشرة وكان يبرز ذلك كله في قالب من الصدامية المغلفة بالسخرية الشديدة واللاذعة. ودائما لم يكن لديّ شكّ في أن إبرامان كاتب متميّز ومختلف. ومع الأيام تكوّن عندي انطباع بأنه شخص حادّ المزاج، صريح جدّا ومغمور بالأسى والتشاؤم. ولامر ما، اختار إبرامان أن يضع تحت معرّفه صورة جورج أورويل الذي اشتهر بتنبؤاته الكابوسية ورؤاه المتشائمة. بل إن أورويل نفسه حاضر بقوّة في الكثير مما كتبه إبرامان خاصة عندما تحدّث عن "هياكل الإقطاع ومراكز القوى وتراتبية الولاءات والحضور المكثّف للأخ الأكبر". قد يكون إبرامان شخصا متشائما لكن هذا لا يعني بالضرورة انه عدائي، بل قد يكون على درجة عالية من التهذيب. وممّا يدعم هذه الفرضية طبيعة ردوده حتى على أكثر مهاجميه شراسةً وبعداً عن اللياقة، وهي ردود كانت تتراوح ما بين تجاهل تام وإشارات سريعة ومقتضبة، لكنها تخلو من أي تجريح أو كلمات خارجة. في الأسابيع الأخيرة كتب إبرامان العديد من المواضيع التي يحيل مضامينها إلى أحاديث سمعها أو إلى قصاصات ورقية عثر عليها هنا أو هناك، الأمر الذي يشي بأنه اصبح اكثر حذرا وأقلّ مباشرةً في التعبير عن آرائه ومواقفه. الآن اتّضح أن شكوك إبرامان وهواجسه كانت في محلّها بعدما تردّد من انه اسُتدعي للتحقيق معه وُطلب منه التوقيع على تعهّد بالامتناع عن الكتابة نهائيا في الإنترنت بعد أن تسبّبت مواضيعه في إغضاب بعض الجهات الدينية. حدث هذا مع أن إبرامان كان يجيد لعبة مراعاة التوازنات بمهارة لافتة. فانتقاداته العنيفة كانت موجّهة في الغالب لرجال الدين وللمجتمع بشكل عام، لكنه في القضايا التي تمسّ أمور السياسة يلتزم الحذر تجنّبا للمشاكل وإيثارا للسلامة على ما يبدو. من الواضح أن إبرامان كان قد تأمّل كثيرا حال بيئته الصغيرة ومحيطه الأوسع، لكنه لم يستطع أن يفي بشروط تلك البيئة فضلا عن أن ينتصر لنماذجها أو يتمثّل تلك النماذج، لأنه باختصار كان يفكّر خارج الصندوق. لقد كتب كثيرا عن مجتمع يحرّم الحبّ ويتنكّر للكثير من القيم والأشياء الجميلة في هذه الحياة، ولم يكن غافلا عن طبيعة البشر من حيث كونهم مخلوقات محكومة بالفناء في النهاية. وكتب عن المرأة وعن الأنوثة في مجتمع يقمع المشاعر الإنسانية ويهمّش النّساء. وكتب عن الفرح الذي يغمر البشر والشجر والحجر في بيئة مشوّشة تفرض على الجميع شروطها القاسية وقيودها الكثيرة. وربّما كان إبرامان يدرك في قرارة نفسه أن التغيير الذي كان يحلم به بعيد المنال، فاتّخذ من الكتابة بذلك الأسلوب المتمرّد والجامح لعبة تعويضية أراد أن يحقّق من خلالها ما استعصى عليه تحقيقه على ارض الواقع الذي يعيش فيه. وهو يذكّرني بحال بعض النباتات التي تنمو في تربة ضعيفة وتفتقر إلى العناصر الغذائية اللازمة لنموّها من أملاح ونيترات وأكسجين وخلافه. بعض تلك النباتات يتأخّر نموّها وتفشل في إكمال دورة حياتها، والبعض الآخر - وهو قليل ونادر - يجاهد من اجل البقاء لكنّه مع مرور الزمن يفقد طبيعته المسالمة والوادعة ويكتسب شيئا من قسوة الطبيعة المحيطة وشراستها. وإبرامان بهذا المعنى "نبتة" وحشية تنتمي إلى الصنف الثاني. وهو في النهاية تجسيد لانتصار الإقدام والتمرّد على الانصياع والخوف. إن ما حصل لابرامان مؤشّر آخر على تعاظم دور الإنترنت في حياتنا وتأثّر المجتمع بما يكتب فيها. وبغياب إبرامان الذي أتمنّى ألا يطول، سنفتقد إضاءاته الذكية وإشاراته العميقة وصوره البليغة الناقدة لأحوال المجتمع والناس في بلدنا.

>>>>>>