أطلس القاهرة

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

أطلس القاهرة

امتلك المؤرخون المسلمون إدراكا عاليا في تسجيل التاريخ وابتداع مناهج جديدة في عملية التدوين التاريخي، وابتكار أساليب مستحدثة في الكتابة التاريخية، فلم يقف التأريخ عند حركة الدولة، بل اتجه أيضا إلى تدوين حركة المجتمع والحضارة؛ ولذا لم يعرف التدوين التاريخي الإسلامي فترات الانقطاع، وجاءت أحداثه متسلسلة يتبع بعضها بعضا.

فهرست

[تحرير] التأريخ للمدن

ومن أساليب الكتابة التاريخية التأريخ للمدن الذي بدأ في منتصف القرن الثالث الهجري على يد المؤرخ "الخطيب البغدادي" في كتابه الشهير "تاريخ بغداد"، مع وجود بعض المحاولات السابقة عليه في هذا الشأن ككتاب "تاريخ بغداد" لأحمد بن طيفور، و"تاريخ الموصل" لأبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس، إلا أن "تاريخ بغداد" يعد أشهرها حيث سار على نهجه كثير من المؤرخين في التأريخ لمدنهم فظهرت عدة تواريخ لدمشق والقاهرة، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والقدس، وحلب، والموصل، وحواضر الأندلس، وتلمسان، وأربيل، وغيرها من المدن الإسلامية.

وكان الطريف في هذا النوع من التأريخ المحلي هو التأريخ لحركة المجتمع، والاهتمام بذكر العلماء والأفذاذ والصالحين والمحدثين أكثر من ذكر رجال الحكم والسلطان، واتسع الإطار المكاني في التأريخ للمدينة الإسلامية ليشمل الأحداث والوافدين عليها؛ وهو ما حفظ لنا كثيرا من طبيعة المجتمعات والأنشطة البشرية في تلك الفترات، حيث كان من المعتاد أن يتكرر ذكر بعض الأشخاص في أكثر من مدينة؛ لأن الحركة العلمية الإسلامية كانت نشطة ولم تكن هناك حدود بين الأقاليم الإسلامية.

لكن يلاحظ أن جميع هذه التواريخ رغم وفرة ما بها من معلومات لم تشتمل على خريطة توضيحية للمدينة، ولعل ذلك يعود إلى ثقافة تلك الفترة التي اعتمدت على الكلمة والخبر أكثر من اعتمادها على شيء آخر، فكانت هذه التآليف انعكاسا للثقافة السائدة.

[تحرير] الصورة والخريطة مع الكلمة

ومن المحاولات الرائدة في التأريخ لتاريخ القاهرة وجغرافيتها ومعالم الحضارة بها كتاب "أطلس تاريخ القاهرة" للكاتب "أحمد عادل كمال" الذي أمضى فيه المؤلف حوالي سبعة عشر عاما في تأليفه؛ وتناول فيه تاريخ القاهرة منذ الفتح الإسلامي وحتى وقتنا الحاضر، وجاء الكتاب كعمل غير مسبوق استعان فيه المؤلف بالكلمة والمعلومة التاريخية والجغرافية الصحيحة والموثقة، إضافة إلى الصور (حوالي 700 صورة) جمعت بين الصورة التاريخية والحديثة وكذلك عشرات الخرائط التفصيلية عن المراحل المختلفة التي مرت بها "القاهرة" وتصحيح الكاتب لبعضها وفق المستجدات من المعلومات والوثائق، كما يزخر الكتاب بعشرات الجداول التفصيلية عن معالم القاهرة وحكامها والذين تولوا الوظائف المهمة بها، ومن ثم فهو عمل غير مسبوق مزج فيه الكاتب بين حضارات وثقافات متعددة، وهو تعبير عن مخزون ثقافي للمدينة التي لا تنام، ومخزن لما يجب أن يحفظ من تاريخ هذه المدينة العريقة.

ويقع هذا الكتاب النفيس في 304 صفحات من القطع الكبير، شملت المادة العلمية والخرائط والصور والفهارس التفصيلية والجداول التوضيحية، وتمتد المادة العلمية للكتاب في 15 فصلا، بدءا من الحديث عن عواصم مصر في التاريخ وحتى محافظي القاهرة وشيوخ الأزهر الشريف، والمدن الجديدة والكباري العلوية وخطط التنمية بالمدينة، والخرائط المختلفة للنيل.

وقد صدر هذا الكتاب هذا العام 2004 عن "دار السلام للنشر والتوزيع" بالقاهرة في طبعة أنيقة فخمة بعد مراجعات لمواده العلمية قام بها الأستاذ الدكتور "عبد الشافي عبد اللطيف" أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور "أيمن فؤاد سيد" أستاذ التاريخ الإسلامي وخبير المخطوطات.

[تحرير] القاهرة عاصمة منذ القدم

تعد مدينة "القاهرة" من أكثر المدن الإسلامية التي استأثرت بالكتابة والتأريخ؛ نظرا لأن عمر "القاهرة" يزيد على الألف عام بكثير؛ فشواهد التاريخ تؤكد أن مكان هذه المدينة كان عاصمة لمصر في أغلب فترات تاريخها؛ ففي تاريخ مصر الممتد عبر حوالي 50 قرنا كانت القاهرة بمعناها الواسع هي عاصمة مصر؛ إذ يرجع البعض اتخاذ "القاهرة" عاصمة إلى سنة 98 ميلادية عندما بني "حصن بابليون" الذي ما تزال بقاياه موجودة حتى الآن، حيث أقيم هذا الحصن للدفاع عن الوجهين القبلي والبحري، وعندما جاء "عمرو بن العاص" لفتح مصر أقام عاصمته الإسلامية الجديدة "الفسطاط" بالقرب من ذلك الحصن، والتي كانت تعرف بمدينة مصر، والمعروف أن نشأة "الفسطاط" كان على غرار المدن التي ينشئها سكان البادية، فكانت أشبه بالحضر البدوي وكانت تشبه إلى حد كبير تخطيط "المدينة المنورة"، حيث حدد مخططوها -الذين لم يكن بينهم مهندس- مواقع لكل قبيلة من تلك القبائل التي شاركت في الفتح واستوطنت مصر بذراريها، والذين عرفوا فيما بعد بأهل مصر.

وكان تنسيق "الفسطاط" يقوم على إعطاء كل قبيلة قطعة من الأرض تقيم فيها مساكنها ويفصل بينها وبين غيرها مساحة من الأرض الفضاء التي طواها فيما بعد التوسع العمراني الذي زحف على هذه الفراغات، ويلاحظ أن العرب المسلمين الفاتحين تركوا مساحة بينهم وبين النهر كانت تسرح فيها دوابهم؛ كانت تسمى "المراغة" وهو ما يكشف عن وعي حضاري لدى المسلمين الأوائل في عدم البناء على حواف الأنهار والشواطئ حتى لا يحرموا غيرهم من الهواء النقي وحتى لا يحرموا أنفسهم ودوابهم من المساحات الخضراء التي تعد سلة الطعام للمدن في ذلك الوقت لصعوبة المواصلات وغياب الأمن في بعض المناطق، يقول مؤرخ مصر الكبير "ابن عبد الحكم"، "وقد كان المسلمون حين اختطوا تركوا بينهم وبين البحر (النيل) والحصن (بابليون) فضاء لتفريق دوابهم وتأديبها"، وظلت "الفسطاط" قائمة مزدهرة على اختلاف درجات هذا الازدهار حتى أحرقها الوزير الفاطمي "شاور" عند قدوم حملة "أموري" الصليبية.

ثم تطورت هذه العاصمة بإنشاء "مدينة العسكر" التي يعد موقعها الحالي منطقة "زينهم" التي أقامها "صالح بن علي" أول وال للعباسيين في مصر سنة (133هـ=750م) وكانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين، ولعل هذا السبب الذي جعل الناس يطلقون عليها "العسكر"، واستمر ذلك الحال حتى جاء "السري بن الحكم" واليا على مصر عام (201هـ=816م) فأذن للناس بالبناء فتهافت الناس على البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط.

ثم نشأت "القطائع" التي ابتناها "أحمد بن طولون" سنة (256هـ=869م) مؤسس "الدولة الطولونية" التي استمرت 38 عاما، وسميت بهذا الاسم لأن "ابن طولون" قطع الأراضي فيها ومنح كل قطيعة (وهي تشبه الشارع أو الحارة في عصرنا الحالي) إلى طائفة من القوم، فكانت هناك "قطيعة النوبة" و"الروم" وغيرهما، وازدهرت "القطائع" في عهد "ابن طولون" وابنه "خمارويه"، وأقام فيها "ابن طولون" جامعه الشهير الذي ما زال قائما حتى الآن، ثم تعرضت المدينة للتخريب بعد هزيمة "الطولونيين" أمام العباسيين عند "تنيس" سنة (292هـ=904م)، وذكر بعض المؤرخين أنه أحرق بها حوالي مائة ألف بيت، يقول "المقريزي": "إن القطائع قد زالت آثارها ولم يبق لها رسم يعرف".

[تحرير] القاهرة في عصور مختلفة

و"القاهرة" هي المدينة التي أنشأها القائد الفاطمي "جوهر الصقلي" سنة (358هـ=969م) شمالي مدينة "الفسطاط" وبناها في ثلاث سنوات وأطلق عليها اسم "المنصورية" ثم جاء الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي" وجعلها عاصمة لدولته، وسماها "القاهرة"، وكانت مساحتها على حوالي 340 فدانا، وعندما انتهت "الدولة الفاطمية" على يد "صلاح الدين الأيوبي" سنة (567هـ=1171م)، وأقام مكانها "الدولة الأيوبية" التي استمرت 82 عاما حتى عام (648هـ=1250م) حدث تطور كبير في "القاهرة"، فبعد أن كانت المدينة ملكية خاصة للخلفاء أباحها "صلاح الدين" للخاصة والعامة، وأنشأ فيها عمارات جديدة فزادت اتساعا، ولعل أهم ما أنشأه كان "قلعة الجبل" لتكون حصنا له يعتصم به من أعدائه الداخليين والخارجيين، وقد وكل عمارتها إلى "بهاء الدين قراقوش"، كما بنى سورا جديدا للقاهرة سنة (572هـ=1176م)، وبنى قناطر الجيزة؛ غير أنه توفي قبل أن يكمل بعض هذه المباني الضخمة، وقد استخدم "قراقوش" الصليبين في بناء القلعة والسور، وأول خريطة يعتد بها للقلعة جاءت مع "الحملة الفرنسية" أي بعد بناء القلعة بحوالي ستمائة عام.

أما "الدولة المملوكية" التي بدأت سنة (648هـ=1250م) فقد شهدت اتساعا في "القاهرة" فأنشأت عددا من الآثار ما تزال قائمة حتى الآن، وأنشأت بعض المناطق الجديدة مثل ما يسمى حاليا "باب اللوق" التي سكنها عدد من فرسان التتر الذين أسلموا وبني عدد من المساجد والأسبلة، إلا أن عهد السلطان "محمد بن قلاوون" كان الأبرز في العمارة المملوكية.

أما "القاهرة" في "الدولة العثمانية" التي بدأت في مصر بعد هزيمة المماليك في معركة "الريدانية" سنة (923هـ=1517م) فقد بدأت تشهد عصرا جديدا، كذلك "الحملة الفرنسية" على مصر سنة (1213هـ=1798م) التي استمرت ثلاث سنوات والتي رسمت خرائط مهمة للقاهرة إضافة إلى عدد كبير من الرسوم التي تصور الحياة في تلك المدينة، والتي ضمها كتاب "وصف مصر" .

وتأتي "القاهرة" في عصر "أسرة محمد علي" لتشكل ملمحا جديدا ما زال كثير من آثاره باقية حتى الآن، والذي بدأ من سنة (1220هـ=1805م) حتى قيام حركة يوليو 1952 حيث بلغت درجة كبيرة في الاتساع في عهد الخديوي "إسماعيل" ووصلت مساحتها إلى ألف فدان كما يذكر "علي مبارك" في خططه، حيث أضيف إلى المدينة حي "الإسماعيلية" (التحرير حاليا)، وفي سنة (1265هـ=1849) بدأت المدينة تشهد بعض مشاريع البنية الأساسية، مثل مشروع توزيع المياه باستعمال المواسير وتوزيعها داخل البلد، وبعض مشاريع الإضاءة، ويعد "محمد علي باشا" أول من أدخل العمارة الغربية إلى "القاهرة"، فأحضر بعض المهندسين الغربيين وبنوا له "سراي القلعة" و"سراي شبرا" و"سراي الأزبكية"، ثم بنى ابنه "إبراهيم باشا" "قصر القبة"، وفي عهد "الخديوي إسماعيل" أنشئ "كوبري قصر النيل"، وأنشئت "حديقة الحيوان" على مساحة 30 فدانا، وعدد من السرايات منها "سراي عابدين"، كما رصفت بعض الطرق ومدت خطوط السكك الحديدية والهاتف وأنشئت المدارس الحديثة.

أما "القاهرة" في عهد الثورة وما جاء بعدها حتى الآن فقد شهدت تطورات كبيرة، فزادت مساحتها بدرجة كبيرة وأضيفت إليها أحياء ومدن جديدة تزيد مساحة بعض هذه المدن عن 400 كيلومتر مثل مدينة السادس من أكتوبر، كما شهدت زيادة كبيرة في عدد الكباري، واتساع مشروع مترو الأنفاق، وازداد عدد سكانها.. وما زال التاريخ يسجل أحداث القاهرة في الزمان والمكان.

[تحرير] اقرأ أيضًا

  • بناء مدينة القاهرة

عمارة بلا أخلاق.. هل تكون سببا للعنوسة؟!

عاشوراء القاهرة القديمة.. من الحزن إلى الفرح