عثمان الثاني

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

تكبير

عثمان الثاني (ت. 9 رجب 1031 هـ= 20 مايو 1622) هو السلطان العثماني السادس عشر، عاش بين عامي 1604 و 1622 م. عزل بعد فترة حكم لم تتجاوز الخمسة أعوام، سجن بعدها وقتل شنقا وهو لم يتجاوز الثمانية عشر عاما. كان شاعرا وكان خطاطا ماهرا وكان محب للفروسية ويملك مجموعة من افضل الخيل.

اكتسب السلطان العثماني أحمد الأول في الفترة الأخيرة من حكمه خبرات واسعة في إدارة الدولة، وأصبح سلطانا ناضجا حليما صقلت المحن مواهبه وصهرت التجارب مواقفه، وأظهر قدرات في الحكم أشبه بقدرات سلاطين الدولة العثمانية العظماء، وفي الوقت الذي تجدد فيه أمل الرعية في أن يجدد هذا السلطان الواعد شباب الدولة ويعيد إليها زهوها ورواءها، امتدت إليه يد القدر، فلقي ربه شابا غض الإهاب لم يتجاوز الثامنة والعشرين في عمره، وذلك في (23 ذي القعدة 1026هـ= 22 نوفمبر 1617م).

فهرست

[تحرير] السلطان مصطفى الأول

بعد وفاة السلطان أحمد الأول كان من المفروض أن يجلس على عرش السلطنة العثمانية ابنه الكبير وولي عهده عثمان الثاني، لكن بوادر النضج المبكّر والسياسة الحازمة والطباع الصارمة التي ظهرت على ولي العهد أخافت كثيرا من رجال البلاط العثماني فتحايلوا على عدم تمكينه من السلطنة، تؤازرهم في ذلك زوجة السلطان المتوفى "كوسم مهبيكر" التي أنفقت ثروتها الطائلة وذكاءها وحيلها لمنع جلوس عثمان الثاني. وكان لها ما أرادت، وتجاوز القائمون على الأمر القوانين والأعراف وأجلسوا "مصطفى بن محمد" أخا السلطان أحمد الأول خليفة للدولة.

كان السلطان مصطفى من أتعس سلاطين الدولة، قضى حياته قبل توليه العرش معزولا، وكان ضعيف العقل، واهن الفكر، عديم التجارب، لا يصلح لمثل هذا المنصب الجليل، ولكن المتآمرين أرادوا أن يعبثوا بمقادير الدولة من وراء ظهره.

ولم يكن يمكن للسلطان الجديد أن يظل في منصبه وحالته سيئة لا تسمح بإدارة قرية صغيرة، فكيف بدولة عظيمة مترامية الأطراف؟!! فعُزل عن منصبه بعد ثلاثة أشهر تقريبا، وتولى عثمان الثاني سلطنة الدولة العثمانية في (1 ربيع الأول 1027 هـ = 26 فبراير 1618).

[تحرير] ولاية عثمان الثاني

مصطفى الأول، أو مصطفى خان ضعيف العقل تولى السلطنة مرتين
تكبير
مصطفى الأول، أو مصطفى خان ضعيف العقل تولى السلطنة مرتين

مصطفى خان ضعيف العقل تولى السلطنة مرتين

كان السلطان عثمان الثاني مثقفا ثقافة طيبة على صغر سنه، وقرأ كثيرا عن تاريخ أوربا، وله كلف بالشعر ينظمه ويتذوقه، وامتاز بقوة البنية وسلامة الجسد وبقدرته على المصارعة والتغلب على منافسيه.

جلس عثمان الثاني على عرش الدولة وفي ذهنه القيام بإصلاحات عظيمة في الدولة، وتبديل نظامها في كافة المجالات، ولكنه كان متعجلا يؤمن بالطفرة ولا يعتقد في التدرج، وكان ذلك بسبب صغر سنه التي كانت تزيد عن ثلاث عشرة سنة بأربعة أشهر، ولكنه كان ناضج العقل موهوبا، وإن لم تسعفه تجارب السنين في اختيار الأوقات المناسبة للقيام بالتبديل والتغيير.

[تحرير] الصدام مع الإنكشارية

اشتبكت الدولة العثمانية في حرب ضد بولونيا على إثر تدخلها في شئون ولاية البغدان (ثلث رومانيا) وكانت تابعة للدولة العثمانية. خرج السلطان بنفسه من إستانبول على رأس حملة عسكرية جرارة في (29 جمادى الآخرة 1030 هـ = 12 مايو 1621) وكانت تضم 100 ألف جندي، وأظهر الجيش العثماني تفوقا واضحا، وكاد يقترب من النصر التام، ووقع آلاف الأسرى البولونيين في أيدي العثمانيين، واضطرت بولونيا إلى الصلح، ولم يكن السلطان الشاب راغبا في الصلح؛ فالنصر قاب قوسين أو أدنى، لكن جنوده الإنكشاريين أجبروه على الصلح وأنزلوه على رغبتهم فعقد صلحا مع البولونيين في (20 ذي القعدة 1030 هـ = 6 أكتوبر 1621).

حنق السلطان على الإنكشارية لموقفهم المخزي؛ فقد أوقف العمليات العسكرية وعقد الصلح دون أن يحقق جميع أهدافه من هذه الحرب، فعزم على التخلص من الإنكشارية حين تواتيه الفرصة.

[تحرير] الهائلة العثمانية

فكّر السلطان العثماني في إصلاحات عامة في كافة قطاعات الدولة، وكان إلغاء تشكيل الإنكشارية وتكوين جيش مركزي جديد قد استولى على اهتمامه، وشرع في محاولاته الجدية بهذا الشأن، وكانت فكرة إصلاح المؤسسات في الدولة من أفكار الشيخ عمر أفندي أستاذ السلطان عثمان الثاني، غير أن السلطان تعجّل الإصلاح دون أن يراعي شعور الناس وهو ما سبب تخوفهم، كما أن نجاح الإصلاحات يحتاج إلى إعداد كوادر جديدة مدربة، ولم يكن ذلك متوفرا. واعتقد السلطان -الذي كانت تنقصه حكمه السنين وتجارب الأيام- أن ما يقوله هو القانون، وأن ما يرنو إليه من إصلاح سيتحقق بإشارة منه.

انتهزت فرق الإنكشارية أن السلطان عازم على أداء فريضة الحج وأعلنوا عصيانهم ورفضهم قيام السلطان بالسفر إلى الحج، وكانت هناك فتوى من العلماء العثمانيين تفيد بأن اشتغال السلطان بأمور الدولة عبادة تفوق الحج؛ لأن أداء مناسك الحج في تلك الأيام كان يستغرق وقتا طويلا. ولم تمض ساعات من إعلان السلطان عزمه على السفر لأداء فريضة الحج، حتى تجمعت فرق الإنكشارية في ساحة السلطان أحمد أمام سراي طوب قابي الذي يوجد فيه السلطان عثمان، حاملين الفتوى التي حصلوا عليها من شيخ الإسلام "أسعد أفندي" التي تقول لا لزوم لحج البادشاهات (السلاطين). البقاء في مكانهم وإقامتهم للعدل أولى لهم حتى لا تكون هناك فتنة.

كان من الواضح تأييد العلماء للإنكشارية. ومن المعروف أن أي عصيان في التاريخ العثماني لا يؤيده العلماء يخمده السلطان، ولم يحدث أن استطاع أي سلطان إخماد عصيان عسكري أيده العلماء. قابل السلطان العثماني عصيان الإنكشارية بعناد، وأصر على السفر، بل مزّق الفتوى وألقاها في وجوه قادة الإنكشارية وبدلا من أن يحتوي الفتنة زادها اشتعالا، وكان الإنكشاريون قد أضمروا أمرا وجاءت تلك اللحظة لكشف نواياهم وما تخفيه صدورهم.

كان السلطان العثماني قد اتخذ "بورصة" عاصمة مؤقتة له، وعزم على حشد قوات عسكرية كثيفة من ولايات آسيا حتى يتمكن بها من القضاء على الإنكشارية التي كانت على علم بما يدبره السلطان، فلما عزم السلطان على السفر لأداء الحج، اتخذوها ذريعة لإشعال ثروتهم وإعلان عصيانهم.

ولما رأى السلطان اشتعال الفتنة أراد أن يحتويها، ولكن الأمور كانت قد خرجت من يده إلى طائفة أيقنت أنه لا خلاص لهم إلا باغتيال السلطان عثمان قبل أن يبطش هو بهم، وفي صباح يوم (18 رجب 1031هـ = 19 مايو 1622) تجمع الثائرون في جامع الفاتح، وقد تملكهم الغضب وملأت نفوسهم شهوة التشفي والانتقام. وقد أطلق المؤرخون على هذه الغضبة الحمقاء "الهائلة العثمانية" ثم اتجه الثائرون إلى ساحة السلطان أحمد وأعلنوا مطالبهم من السلطان بإعدام ستة أشخاص من رجال الدولة، وفي مقدمتهم عمر أفندي أستاذ السلطان، وكان الثائرون يعتقدون أنه صاحب الفكرة الحقيقية للإصلاح، ولكن السلطان رفض مطالبهم وهددهم علانية.

[تحرير] عزل السلطان

دخل الثائرون سراي السلطان بعد أن تُركت أبوابها مفتوحة دون دفاع بسبب الخيانة، وتجمعوا في الرواق الأول، وكان يقف وراء الثائرين "كوسم مهبيكر" ووالدة السلطان مصطفى، وكانتا قد سخّرتا كثيرا من رجال السراي، وقدمتا أموالا طائلة ووعودا سخية للثائرين.

كان العلماء يعتقدون إمكان ردع السلطان وإجباره على الطريق الصحيح فلم يطلبوا خلعه، ولكن الإنكشارية شهروا سيوفهم وأضمروا أمرا هم ماضون فيه، وعجز العلماء عن كبح جماحهم، واضطروا لمسايرتهم فخلعوا السلطان عثمان الثاني، وبايعوا السلطان السابق "مصطفى الأول"، في سابقة لم تحدث في التاريخ العثماني منذ أيام السلطان محمد الفاتح، وهي أن يجري تنصيب سلطان سبق له الجلوس على عرس السلطنة.

[تحرير] مقتل السلطان

فر السلطان عثمان الثاني في بداية الأمر إلى "بورصة"، وأراد المقاومة، ولكنه لم يستطع بعد أن قطع الثائرون العصاة الطرق؛ فلجأ إلى باب الأغا مقر الإنكشارية في السليمانية، وقضى ليلته هناك، وفي صباح اليوم الأخير للثورة (9 رجب 1031 هـ= 20 مايو 1622) خطب السلطان في جماعة العصاة الإنكشاريين، ولكنه لم يفلح في استمالة قلوبهم والسيطرة على الموقف، وعجز عقلاء الإنكشارية في الحفاظ على حياة السلطان؛ فقبض العصاة على السلطان الشاب، وساقوه إلى "يدي قوله" (قلعة الأبراج السبعة) التي أصبحت السجن الرسمي للدولة حيث تم قتله.

دامت سلطنة السلطان عثمان أربع سنوات وثلاثة أشهر، حاول خلالها أن يقوم بعدد من الإصلاحات، ولكنه قابل إعراضا ومقاومة من الإنكشارية، وكان تهوره في بعض الأحيان يوغر الصدور عليه مثل إقدامه على قتل أخيه وولي عهده "محمد بن السلطان أحمد الأول" في (18 صفر 1030 هـ= 12 يناير 1621) وكان عمره لا يتجاوز السادسة عشرة، وكان إقدامه على القيام بمثل هذا التصرف الأحمق سببا في بث الكراهية ضده. وكان أخوه قد نشأ نشأة حسنة.. ودعاء أخيه أثناء موته عليه بأن تصيبه نفس العاقبة معروف في التاريخ العثماني.

[تحرير] من مصادر الدراسة

محمد فريد بك: تاريخ الدولة العلية العثمانية- تحقيق إحسان حقي- دار النفائس – بيروت 1403هـ = 1983م.

يلماز أوزتزنا: تاريخ الدولة العثمانية – منشورات مؤسسة فيصل للتمويل – إستانبول- 1988م.

عبد العزيز محمد الشناوي: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها- مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة – 1984م.

علي حسون: تاريخ الدولة العثمانية المكتب الإسلامي – بيروت – 1415هـ= 1994م.


→ سبقه
مصطفى الاول
سلاطين عثمانيون
خلفه ←
مصطفى الاول
هذه بذرة مقالة عن حياة شخصية تحتاج للنمو والتحسين؛ فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.