مستخدم:Tayseer mashareqa

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

'النكت الفلسطينية ..أين هي؟ البحث عن "المَجْد المفاجئ" في حياة الفلسطيني بقلم تيسير مشارقة



يهتم الفلسطيني بالنكت، يتداولها ولكنه قلما يدوّنها، وتبقى متداولة شفاهة إلى أن يلتقطها باحث أو صحفي أو كاتب .. ويطلق الفلسطيني للنكتة الهادرة العنان عندما تشتد به الأمور وتضيق الدنيا عليه كالخاتم.. فتكون له عوناً في أمور كثيرة. تصبح النكتة مثل "فشة خلق" عندما تنغلق الأبواب وتتقطع السبل. فصحيح القول ، "اشتدي يا أزمة تنفرجي".. ولكن بالنكتة أحياناً. و قد تكون النكتة والسخرية السوداء "عزاء" أو "سلاح ما بعده وسيلة " ليتغلب بها الفلسطيني على ضعفه وسخافة ممارساته، أو قلة الحيلة لديه.

ـ نحتاج للنكتة كي نرتقي بما هو "الضد فينا"، لنهزم بها الضعف في دواخلنا..( قال الكاتب الفلسطيني مهيب البرغوثي) جائزة أفضل مائة نكتة فلسطينية لماذا، مثلاً مثلاً، لا نعلن عن جائزة لأفضل مائة نكتة فلسطينية "خالصة " أو "أصيلة" ؟أين هي أيضاً المسرحية الهزلية (farce) الفلسطينية، التي تتضمن مواقف التهريج والمرح المفرط ، ألا نقول "شر البلية ما يضحك".؟!أين هي الملحة، النادرة، الطرفة (witticism) الفلسطينية، أي القول البليغ المثير للانتباه ويتميّز بالجدة والطرفة وإظهار البدعة في التفكير؟ وأين المُلْحة الذكية (epigram) الفلسطينية التي تنتهي بفكرة طريفة ذكية؟ هل الملحة اللطيفة (asterism) الفلسطينية الساخرة الخفيفة عملة نادرة الوجود ؟ وهل تبادل الملح اللطيفة بين أدبائنا وكتابنا ومثقفينا معيب في هذا الزمن الحزين؟ أين هي الفكاهة التي قال عنها أرسطو بأنها (الكلمات التي فيها عيب أو تشويه في أمر ما، ما لم يصل إلى مرتبة الإيذاء والإيلام). ويحتاج الفلسطيني للضحك باعتباره "استهزاء ملطـّف" ينتج عن اكتشاف نقطة ضعف لدى الغير يعتقد الضاحك أنه لا يتـّصف بها. الضحك هو "المجد المفاجئ" الناتج عن الفكاهة . الفكاهة والدعابة هي التي تبعث على الضحك نتيجة لإدراك التعارض الواضح بين أمر متوقع مألوف وحقيقة غير متوقعة، بشرط ألا ينتج عن ذلك ضرر بليغ. وشبه أحد الفلاسفة الفكاهة التي تبعث على الضحك بالشخص الذي يتزحلق بقشرة موز ولا يتضرر. إذن ، أين هي الكتابات والأقوال والأحاديث التي تتميز بالطرافة والتسلية في حياة الفلسطيني. نريد كتاباً مثل كتاب "المستطرف من كل فن مستظرف" للأبشيهي. ونحتاج لنوادر مثل "نوادر جحا"(نصر الدين أفندي الروم). و نحتاج لدراسات جديدة مثل "الفكاهة عند العرب" لأنيس فريحة. هناك كتاب بالإنجليزية للكاتب الفلسطيني شريف كناعنه "الدعابة الفلسطينية" إصدار دار نشر "كرونوس" في زيوريخ العام 2001 ..ولكنه يحتاج للترجمة إلى اللغات الأخرى ومنها العربية. المهم في هذا الكتاب الانتباهة الذكية، أن مشاعر النقص أو المشاعر السلبية عند الفلسطينيين بدأت بالاختفاء مع مطلع الانتفاضة الأولى أواخر الثمانينات.ومن هنا نطلب من قراء النكتة عدم فصل النكتة الفلسطينية عن سياقها التاريخي أو الزمني. فالنكتة التي تصلح في زمن قد تكون "بائسة" أو "تافهة" أو "خاطئة" في زمن آخر. وهنا وهنا مجموعة من النكت الفلسطينية الطازجة : 1. النشطاء "أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارا باعتقال كل من يستيقظ من النوم مبكرا، على اعتبار انه من النشطاء". 2. أفكار قذرة "قال شارون لابنه: اشعر بإسهال في عقلي. فرد عليه الابن: وكيف ذلك؟ فأجاب: عندي أفكار كثيرة لكن كلها قذرة ". 3. خبر عاجل "جندي إسرائيلي أراد مغازلة فتاة من (مخيم جنين) إبان الاجتياح، فقالت له: اخرس وإلا جعلت منك خبراً عاجلاً ". 4. ساذج "ساذج أراد تنفيذ عملية فدائية فقام ببروفة قبلها بيوم" . 5. حيوانات "يهودي على فراش الموت ينادي على أسرته: حاييم، فيجيبه : أنا هنا .. موشيه، فيجيبه: أنا هنا ..عكيفا، فيجيبه :أنا هنا ، فيقول غاضبا: جميعكم حضرتم إلى هنا وأغفلتم المحل التجاري يا حيوانات". 6. أخبار أبو مازن "حضر سلام فياض وزير المالية الفلسطيني إلى مقر الرئيس ياسر عرفات( المسمّى بالمقاطعة) لمقابلة سيادته والتشاور معه في الأوضاع المالية الفلسطينية. سأله الرئيس عن الأحوال المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية.. هكذا: "كيف الوضع المالي يا دكتور فياض؟" أجاب فياض بتشاؤم: "زفت يا سيادة الرئيس!". فكـّر الرئيس عرفات ملياً ثم سأل فيّاض بهدوء شديد: على ذكر الزفت ما أخبار أبو مازن ؟" . (ملاحظة :جمعت هذه النكات من أماكن متفرقة مكتوبة وشفوية من عام 2003 وقام كاتب المقالة بوضع عناوين خاصة لها) بعد قراءة لهذه النكات، نستطيع التأكيد على، أن النكتة السياسية الفلسطينية هي "معيار عفوي" لفهم توجهات ومزاج الرأي العام المحلي. ولهذا، نرى أن الفلسطيني يلجأ إلى النكتة في الأزمات ؛ والنكتة السياسية قد تكون من أدوات التنفيس، ولكنها قد تسيء إلى رجالات السلطة الوطنية الفلسطينية،إذا ما تم تداولها في غير أوقاتها. فنكتة "أخبار أبو مازن" ـ مثلا ًـ التي يتم تداولها في شهر آب 2003 قد تكون مسيئة له في أوقات أخرى يحقق فيها إنجازات ما. بالإضافة إلى أهمية ما سلف، تحتاج النكتة إلى مناخ ديمقراطي من حرية الرأي والتعبير، وإلا فإنها ستنغلق وتصبح اكثر رمزية أي "تتقنع". وتختلف تأثيرات النكتة؛ فمنها ما يحبط الفلسطينيين ويدفعهم نحو التراخي وتلعب دوائر محددة دورا مهما في ترويج هذا النوع من النكات إلى جانب الإشاعات. أما موضوعات النكتة فهي ثلاثة رئيسية في الغالب؛ إما سياسية أو تتعلق بالدين أو الجنس. فالسياسية مثلا قد نكون محظورة أو تخضع للرقابة إذا ما طالت رؤوس وزراء، أو متنفذين، ولكنها إذا ما وصلت هؤلاء قد تؤثر في صنعهم للقرار؛ فما تريده النكتة يصبح إيعازا أو أمرا أقوى من الأوامر الرسمية. وإذا أردنا تقسيم النكتة الفلسطينية من منظور جغرافي فمناخات الطرفة الفلسطينية تتعدى فلسطين وإسرائيل إلى العالم العربي وأوروبا وأمريكا. وتزدهر النكتة في الأزمات و أثناء الحروب وخلال الحصار، ويقال، إن النكتة السياسية انتشرت في فلسطين بعد هزيمة العام 1967 وكذلك بعد حرب 1973 والاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 والانتفاضة الأولى، وانتعشت النكتة أثناء مؤتمر مدريد، وصار اتفاق أوسلو نادرة النوادر. وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، رعى الرئيس الفلسطيني النكتة السياسية، وكما هو زعيم الآن، أصبح بطلا رئيسياً فيها. ويقال انه كان يطلب من أحد مستشاريه(ويعتقد انه الطيب عبد الرحيم) رصد النكت في الشارع الفلسطيني، أو أن الطيب عبد الرحيم نفسه كان صاحب نكته ومن محبّي الفكاهة . ويقوم أكاديميون فلسطينيون برصد المزاج العام الفلسطيني من خلال الطرفة الفلسطينية التي أصبحت تنتشر في المدن والبلدات المحاصرة كانتشار النار في الهشيم. وقلما يلحظ القارئ والمشاهد النكتة السياسية مطروحة عبر وسائل الإعلام أو الصحافة المكتوبة نظرا لتحاشي أصحاب الأمزجة الرائعة فضح سر هذا المزاج عبر وسائل الإعلام .وبهذا نخلص إلى نتيجة، أن انتشار "النكتة الفلسطينية" يتم ،غالباً، عبر القناة الاتصال الأساسية الأولى ،على مستوى الاتصال ما بين الأشخاص.

كاتب المقال بالاحرف الانجليزية :

tayseer mashareqa

المقال كتب بتاريخ: الخميس ١٤ آب (أغسطس) ٢٠٠٣

البريد الإلكتروني للكاتب: mashareqa@hotmail.com