اتفاقية سيملا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
اتفاقية سيملا (17 جمادى الأولى 1392هـ/28 يونيو 1972م بين الهند وباكستان والتي أعقبت الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، والتي أعلنت دولة بنجلاديش.
مشكلة كشمير هي المشكلة الدائمة في العلاقات الهندية-الباكستانية، ونشبت بسببها حروب ومواجهات عسكرية بين البلدين، تبعها مؤتمرات قمة، سعيا إلى حل هذه المشكلة التي زاد خطرها خاصة بعد انضمام الدولتين إلى النادي النووي.
فهرست |
[تحرير] الموقع والأهمية
يحتل إقليم جامو وكشمير موقعًا إستراتيجيًا هامًا في جنوب القارة الآسيوية، حيث تحده الصين من الشرق والشمال الشرقي، وأفغانستان من الشمال الغربي، وباكستان من الغرب والجنوب الغربي، والهند في الجنوب، وتبلغ مساحته حوالي (84471) ميلاً مربعًا، ويشكل المسلمون فيه أكثر من 80% من السكان.
وأهمية الإقليم للهند إستراتيجية؛ حيث ترتبط قضية كشمير بتوازن القوى في جنوب آسيا، وتوازن القوى بين الهند والصين، أما أهميته لباكستان فجغرافية وسكانية، حيث تنبع أنهار باكستان الثلاثة (السند وجليم وجناب) منه، وتنفتح الحدود بين باكستان والإقليم وهو ما يشكل تهديدًا للأمن القومي الباكستاني في حالة سيطرة الهند عليه، يضاف إلى ذلك أن مصالح الإقليم الاقتصادية وارتباطاته السكانية قوية بباكستان، فالإقليم ليس له ميناء إلا كراتشي الباكستاني، فضلا عن تقارب السكان الديني والعائلي.
[تحرير] نشأة النزاع الهندي-الباكستاني
اتخذ حزب الرابطة الإسلامية لعموم الهند قراره بإقامة وطن منفصل للمسلمين في شبه القارة الهندية في (صفر 1359هـ=مارس 1940م)، ثم أعقب ذلك الإعلان الرسمي عن تأسيس دولة باكستان في (8 شوال 1367هـ=15 أغسطس 1947م)، ومنذ هذا التاريخ نشأت مشكلة كشمير بعدما تُرك للإمارات الهندية حق تقرير المصير بعد زوال الاحتلال البريطاني؛ حيث انضمت أغلب الإمارات إلى الهند وباكستان ما عدا ثلاث إمارات هي: جوناكادا، وحيدر آباد، وكشمير.
وكان المسلمون في كشمير يشكلون الأغلبية من السكان، غير أن حاكمها الهندوسي وقّع على وثيقة الانضمام إلى الهند التي أقرت هذا الانضمام، وقامت بنقل قواتها المسلحة بالطائرات إلى كشمير وبدأت حملة واسعة لإخماد ثورة المسلمين، وراح ضحية ذلك (237) ألف كشميري، إلى جانب نصف مليون مسلم لجئوا إلى باكستان، ثم اكتسحت القوات الهندية إقليمي جوناكادا وحيدر آباد بزعم وجود أغلبية هندوسية، رغم أن حاكمي هذين الإقليمين مسلمان.
ونشبت الحرب بين البلدين سنة (1368هـ=1948م) وخضع الإقليم لعملية تقسيم بالقوة، حيث سيطرت الهند على معظم أراضي الإقليم، وهكذا أصبحت مشكلة كشمير عائقًا أساسيًا أمام العلاقات بين البلدين؛ حيث ترفض الهند إجراء الاستفتاء الذي تطالب به باكستان لاعتقادها أنه لن يكون في صالحها. وإزاء ذلك تصاعد الموقف إلى حرب ثانية في كشمير سنة (1385هـ=1965م) وبخاصة بعد إعلان الهند مادتي الدستور الهندي (356) و(357) اللتين أفضتا إلى دمج جامو وكشمير بالهند.
وعُقد مؤتمر قمة بين الهند وباكستان بعد حرب كشمير الثانية في طشقند سنة (1386هـ=1966م) الذي ركّز على عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وروعي في هذا الاتفاق خط وقف إطلاق النار في كشمير سنة (1369هـ=1949م)، فرفض الشعب الباكستاني "اتفاق طشقند".
[تحرير] الحرب الباكستانية-الهندية سنة (1391هـ=1971م)
عندما قامت الدولة الباكستانية سنة (8 شوال 1367هـ=15 أغسطس 1947م) كانت تتكون من شطرين هما:
- القسم الغربي (باكستان الحالية) وهو ذو أغلبية بنجابية ويبلغ عدد سكانه آنذاك حوالي (50) مليون نسمة، ويسيطر على القوة السياسية والاقتصادية.
- القسم الشرقي (بنجلاديش حاليًا) وهو ذو أغلبية بنغالية، وكان عدد سكانه آنذاك حوالي (80) مليون نسمة، وقد عانى من أنه كان أغلبية بلا صوت في السلطة، وكانت هناك فجوة اقتصادية وثقافية عميقة بينه وبين الشطر الغربي من الدولة.
وكانت المسافة التي تفصل بين الشطرين حوالي (1200) ميل.
وقد وقعت اضطرابات وعصيان مدني في باكستان الشرقية (بنجلاديش) في (4 محرم 1391هـ=1 مارس 1971م) بعد رفض القيادة العسكرية الباكستانية بقيادة الجنرال "يحيى خان" الاعتراف بنتائج أول انتخابات دستورية في البلاد، والتي أسفرت عن فوز حزب رابطة عوامي البنغالي بزعامة الشيخ مجيب الرحمن، وأجّل يحيى خان اجتماع المجلس النيابي، فانفجرت ثورة في البنغال تطالب بالانفصال عن باكستان، قام خلالها الجيش الباكستاني بعمليات قمع راح ضحيتها مليون شخص، ونزح أكثر من عشرة ملايين آخرين إلى داخل الحدود الهندية؛ فرارًا من مذابح الجنرال الباكستاني نيازي.
هنا تدخلت الهند وقررت مساندة هذه الحركة الانفصالية سياسيًا وعسكريًا حتى تحقق بعض أهدافها القومية والإستراتيجية ومنها إقامة دولة موالية لها في باكستان الشرقية، وإنزال هزيمة عسكرية قاسية بباكستان تفقدها مكانتها ودورها السياسي في آسيا، وتضعف قوتها حتى لا تكون مصدر تهديد للهند.
وقامت الهند بهجوم قوي وعنيف يوم (15 شوال 1391هـ=3 ديسمبر 1971م) بقوات تزيد على (240) ألف مقاتل وطوّقت باكستان الشرقية وسدت منافذها البحرية.
رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي
وأعلنت رئيسة الوزراء الهندية "إنديرا غاندي" بعد ثلاثة أيام من الحرب قيام دولة بنجلاديش، ثم سقطت مدينة (دكا) عاصمة باكستان الشرقية بعد ثلاثة عشر يومًا من الحرب، واستسلم الجيش الباكستاني هناك وكان عدده حوالي (80) ألف جندي.
وكانت هزيمة قاسية على باكستان، تسببت في انفصال شطرها الشرقي، وافتقادها لمساحات ضخمة من أراضيها و(80) مليون من سكانها، و(93) ألف أسير من جنودها ورجالها لدى الهنود والبنغاليين، فضلا عن خسائرها الاقتصادية الفادحة.
كذلك كان من أهم النتائج المباشرة لهزيمة باكستان في هذه الحرب، هو انهيار حكم المؤسسة العسكرية بها، والتي سيطرت على الحياة السياسية الباكستانية لسنوات طويلة دون انقطاع، فلقد أجبرت ثورة الرأي العام في باكستان الغربية الجنرال يحيى خان على الاستقالة من رئاسة الجمهورية، واستثمر وزير الخارجية السابق، زعيم حزب الشعب الباكستاني "ذو الفقار علي بوتو" هذه الأحداث وتولى رئاسة البلاد في تلك الفترة العصيبة.
[تحرير] الأوضاع بعد الحرب
الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو
عمل ذو الفقار علي بوتو منذ توليه الرئاسة في باكستان على تصحيح أخطاء المؤسسة العسكرية السابقة والتغلب على المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، وتخفيف آثار الهزيمة العسكرية الباكستانية، لذلك بدأ بإصلاحات حقيقية في شتى الميادين ابتداءً من الجيش والإدارة إلى الحريات والعودة إلى الحياة الدستورية.
وعلى الجانب الهندي أدى الانتصار في هذه الحرب على باكستان إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية في تلك المنطقة من آسيا، وأمنت حدودها الشرقية، وأضعفت خصمها العنيد باكستان، غير أن هذا النجاح كلف الخزانة الهندية تكلفة باهظة؛ حيث إن نجاح سياستها يقتضي مساندتها القوية لدولة بنجلاديش الوليدة، وعلى الهند أن تقدّم ما يقرب من (2) مليار دولار سنويًا لمدة خمس سنوات لحكومة دكا.
وبدأت بوادر تقارب بين الهند وباكستان، حيث عقدت محادثات بين مبعوثي البلدين للإعداد لعقد قمة بين الرئيس الباكستاني ورئيسة الوزراء الهندية لإقامة سلام دائم في شبه القارة الهندية، وكان الموضوعان اللذان ستناقشهما هذه القمة: انسحاب القوات من الأراضي التي تحتلها على الجانبين، وتبادل الأسرى.
وما إن يتفق على هاتين النقطتين حتى تُعاد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ثم تأتي مشكلة بنجلاديش وكشمير.
[تحرير] اتفاقية سيملا
بدأت محادثات القمة بين الرئيس الباكستاني "ذو الفقار علي بوتو" ورئيسة الوزراء الهندية "إنديرا غاندي" في مدينة سيملا الهندية يوم (17 جمادى الأولى 1392هـ/28 يونيو 1972م) في محاولة للتوصل إلى تسوية للمشاكل المعلقة بين البلدين والناجمة عن الحرب السابقة، وعن قيام دولة بنجلاديش.
وبعد جهود مضنية طيلة خمسة أيام يوصل الجانبان إلى اتفاق كانت أهم بنوده:
- استعادة باكستان لكل الأقاليم التي فقدتها في حرب ديسمبر مع الهند، باستثناء المناطق الواقعة على طول خط وقف إطلاق النار بينهما في إقليم كشمير، وتقدر هذه الأراضي بنحو (8620) كيلومترًا مربعًا، معظمها في المناطق الصحراوية من إقليم السند ومنطقة مراعي كوتشي وقطاع البنجاب.
- انسحاب القوات الهندية إلى مواقعها قبل الحرب في السند وكوتشي والبنجاب لتستعيد الهند أراضٍ تبلغ مساحتها (8220) كيلومترًا مربعًا، وتستمر الهند في احتلال المساحة المتبقية والواقعة في كشمير.
- تعيد باكستان إلى الهند الأراضي التي احتلتها في قطاع البنجاب وصحراء راجستان، وتبلغ مساحتها (600) كيلومتر مربع.
- اتخاذ الخطوات اللازمة لاستئناف الاتصالات السلكية واللاسلكية والبريدية والبحرية والبرية والجوية وتسهيل سفر مواطني البلدين.
- ترك مسألة إعادة العلاقات بين البلدين لأحوالها الطبيعية ولمزيد من المحادثات بين ممثلي البلدين.
وأوضح الاتفاق –أيضًا- ضرورة نبذ البلدين استخدام القوة لتسوية المنازعات بينهما، واللجوء للوسائل السلمية لحل هذه الخلافات، واحترام كل منهما لسلامة ووحدة أراضي الآخر وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
كانت تلك أهم الموضوعات التي طُرحت أثناء مؤتمر القمة الباكستاني-الهندي في سيملا حيث جاءت بنوده لتترك جانبًا مشكلة كشمير، ومسألة الأسرى الباكستانيين، ولتخلو من أدنى إشارة أو تلميح إلى موضوع اعتراف باكستان ببنجلاديش، لذلك اتسم اتفاق سيملا بالطابع العام حيث تغيرت طبيعة العلاقات بين البلدين من التوتر الشديد إلى الهدوء المترقّب الحذر.
ويكمن الضعف الجوهري في اتفاق سيملا في غياب الطرف الثالث في النزاع وهو بنجلاديش، والذي بسببه قامت الحرب بين البلدين، غير أن أهم إيجابيات قمة سيملا هو ما اتفق عليه الجانبان من اعتبار هذه المحادثات بداية حوار ينبغي أن يستمر من أجل إنهاء قاطع لكافة منازعاتهما، وبدء مرحلة السلام الدائم في جنوب آسيا وشبه القارة الهندية.
[تحرير] مصادر الدراسة
- هاني إلياس الحديثي: سياسة باكستان الإقليمية 71-1994- مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – 1998.
- محمود شاكر: التاريخ الإسلامي الجزء (19) – المكتب الإسلامي – دمشق – الطبعة الأولى – 1413هـ=1992م.
- محمد حسنين هيكل: أحاديث في آسيا – دار المعارف – لبنان – بدون تاريخ.
- نازلي معوض: اتفاقية سيملا والمصالحة الهندية الباكستانية – السياسة الدولية – السنة الثامنة العدد (30) أكتوبر 1972.
- أحمد دياب: العلاقات الباكستانية – الهندية الثوابت والمتغيرات – جريدة الأهرام 13 جمادى 1422هـ=3 أغسطس 2001م.