بلاس إنفانته
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
بلاس إنفانتي بيريز دي فارجاس (5 يوليو 1885 - 10 أغسطس 1936) أبو الأندلس الحديثة.
ولد بلاس إنفانتي في بلدة قشريش (مقاطعة مالقة) في 5 يوليو 1885، من أبوين أندلسيين، ينتميان لعائلتين سليلتين للمورسكيين القدماء، عمل أفرادهما على الدفاع عن الأندلس وأهلها، فتلقى دراسته الابتدائية في بلدته، ثم انتقل سنة 1896، إلى أرشذونة (مقاطعة مالقة) لدراسة الثانوية، ثم إلى قبرة (مقاطعة قرطبة) سنة 1897، حيث تخرج سنة 1900 بشهادته الثانوية، ثم عمل مع أبيه في محكمة قشريش، قبل التحاقه بقسم الحقوق، من كلية الفلسفة والآداب بجامعة غرناطة، حيث تخرج بامتياز في أكتوبر 1906.
فهرست |
[تحرير] اللقاء بالهوية الأندلسية
تعرف إنفانتي إبان مقامه في غرناطة على التراث الإسلامي الأندلسي، وأخذ شعوره الفطري شكل الهوية الإسلامية الأندلسية، وفي تهيئة لمباراة العدالة، زار إنفانتي إشبيلية وقرطبة ومجريط، واجتمع بزعماء الحركة الأندلسية، وأصبح يعتقد أن الهوية الأندلسية ليست هوية عرق أو دم، لكنها هوية (وجود) و(معرفة). وفي سنة 1907 زار إنفانتي إشبيلية فوجد فيها نشاطًا فكريًّا كبيرًا: جمعيات شباب لدراسة تاريخ الأندلس، و"ألعاب وردية" تلقى فيها الخطب الحماسية الأندلسية. وفي 1909، تحولت هذه الألعاب إلى احتفال قومي أندلسي.
وفي سنة 1910 عُيِّن إنفانتي عدلاً في بلدة قنطيانة، فسكن إشبيلية القريبة منها، وأصبح ينتقل بين البلدتين، تأثر إنفانتي في إشبيلية بمفكريها الأندلسيين، وساهم في أنشطتهم الثقافية، وفي 28-11-1913، قُبِل إنفانتي في مجلس المحامين، وفي 23-3-1914، ألقى خطابًا في "أتينيو" إشبيلية عن "النظرية الأندلسية" كان أساس كتابه التاريخي عن القومية الأندلسية، وفي نفس السنة فتح مكتب محاماه في إشبيلية، وفي سنة 1914، ظهرت الطبعة الأولى من كتابه "النظرية الأندلسية".
وفي سنة 1916 أسس إنفانتي أول "مركز أندلسي" في إشبيلية، تبعه مراكز أخرى في مدن الأندلس وقراها، وأصدر مجلة "الأندلس" كلسان حال للمراكز الأندلسية، والحركة القومية الأندلسية، ومع الأيام تحول "مركز إشبيلية" الأندلسي إلى مركز أنشطة أندلسية، تثقيفية وتخطيطية، ومنه خرج المنشور الداعي إلى "اجتماع المقاطعات الأندلسية" في رندة، الذي استعمل عبارة "الأمة الأندلسية" لأول مرة، وهكذا أصبح إنفانتي بأفكاره وحركته، رئيس تيار جديد للحركة القومية الأندلسية.
[تحرير] قيادة الحركة القومية الأندلسية
وفي 16-6-1917 ألقى إنفانتي بصفته رئيس "مركز إشبيلية الأندلسي" محاضرة أساسية أعطت لأفكاره نضوجًا ثوريًّا، صرح في آخرها قائلا: "نحن لسنا بصدد إنشاء حزب، نحن نريد إنشاء شعب قادر على أن يحكم نفسه بنفسه". وفي 13-1-1918 انعقد اجتماع "مجلس المقاطعات الأندلسية" في رندة، فعدد معالم القومية الأندلسية في حركتها المستقبلية في النقاط التالية:
1- الاعتراف بالأندلس كبلد، وقومية، ومنطقة ذات حكم ذاتي ديمقراطي، على أساس دستور أنتقيرة.
2- اختيار العلم الأخضر والأبيض، علمًا للأمة الأندلسية، ورمز قادس شعارًا لها.
ثم تقدم بلاس إنفانتي، وخوزي أندرس باسكس، باسم المؤتمر، لهيئة الأمم طالبين منها الاعتراف بالقومية الأندلسية، ودخل إنفانتي اللعبة السياسية للتعريف بأفكاره القومية الأندلسية، فتقدم لانتخابات منطقة غسان، أشتبونة (مقاطعة مالقة) حيث توجد قشريش، لكنه لم يفز.
وفي 1/1919، شارك إنفانتي في اجتماع "المجلس الإداري الأندلسي" التأسيسي، الذي انتهى بالاتفاق على "تخطيط نظري للقومية الأندلسية" وكان له تأثير هام على مجرى الفكر القومي الأندلسي، وفي نفس السنة تزوج إنفانتي.
وفي 21-5-1919 تقدم إنفانتي لانتخابات إشبيلية باسم (الديمقراطية الأندلسية) المكونة من الجمهوريين الاتحاديين، والقوميين الأندلسيين، والاشتراكيين المستقلين، وندّد في خطبه الانتخابية بوضع الأندلس البئيس، وبمصالي (خدع وحيل) القوى المركزية التي كانت تقرر من مجريط، مجرى الانتخابات بالأندلس، عبر نفوذها المالي والإقطاعي، ورسب إنفانتي مرة أخرى في المحاولة الانتخابية، فغضبت عليه السلطة الحاكمة واليمين، واتهموه وأتباعه بالتآمر على أمن الدولة ووحدتها، ثم أسّس إنفانتي في إشبيلية دار ومكتبة "أبانتي" (التقدم) للنشر، نشر فيها عددًا من كتبه، كما أسس "مركز الدراسات الأندلسية"، وفي سنة 1920، ظهر كتاب "المعتمد ملك إشبيلية" وهي قصة مسرحية تاريخية عرف فيها إنفانتي بجذور الهوية الأندلسية الإسلامية.
وكانت سنة 1921 سنة أمل للقوميين الأندلسيين، رغم الأوضاع المضطربة في مجريط، فانتشرت "المراكز الأندلسية" في المدن والقرى، وانتشر معها الفكر الأندلسي في المجالات الثقافية والاجتماعية، وأخذ إنفانتي يفكر في إنشاء روابط ثقافية قوية، تربط الأندلسيين بعضهم ببعض، في الأندلس، والمغرب، وأمريكا الجنوبية، لكن في 13-1-1923، تحولت أسبانيا إلى الحكم الدكتاتوري الذي قضى على الحريات، وأغلق "المراكز الأندلسية"، واتهم القوميين الأندلسيين بمقاومة الدولة، وأسكت القوى المعادية للكنيسة.
فانتقل إنفانتي، تحت ضغط عائلته، إلى أيسلا كريستينا (مقاطعة ولبة) كموثق عدل، وانسحب من العمل السياسي، ونصح أتباعه بذلك، ثم ركز على التفكير في مصير الأندلس، وجذور الهوية الأندلسية.
وفي 15-9-1923 في ذروة معارك الريف ضد المستعمر الأسباني، زار إنفانتي قبر المعتمد بن عباد في أغمات بالمغرب و تواصل مع بعض الأسر التي تنتسب الى المعتمد بن عباد في المغرب واغمات خصوصا، حيث تعرَّف على بعض أبناء الأندلس ، فقرر إشهار إسلامه على أيديهم و تسمى باسم أحمد انفنتي، ثم حاول بعد إسلامه ربط الحركة الأندلسية بالحركات الإسلامية والعربية.
صورة:بلاس انفنتي مع بعض احفاد المعتمدبن عباد في اغمات
وفي سنة 1930 انهارت الدكتاتورية، فنقل إنفانتي عمله كموثق عدلي إلى بلدة قورية بالقرب من إشبيلية، وفي سنة 1931 أسس "مجلس الأندلس التحرري" عوضًا عن المراكز الأندلسية القديمة، وانضم إلى "الحزب الجمهوري الاتحادي" وأصبح إنفانتي يمجد التاريخ الإسلامي كأساس الهوية الأندلسية، ويطالب الأندلسيين باستعادة الهوية والتاريخ والأرض، وبإزاحة هيمنة الكنيسة على الدولة، ويهاجمها على جرائمها في القضاء على الأندلسيين، وعلى "زهرة ما تبقى من ثقافتنا".
ثم التقى إنفانتي بالحركات التحررية العربية عبر مجلة "الأمة العربية" في جنيف (سويسرا) التي كان ينشرها الأمير شكيب أرسلان، وإحسان الجابري.
[تحرير] الاستشهاد
هذه أفكار إنفانتي والقوميين الأندلسيين الواضحة بعد عشرينيات القرن العشرين الميلادي، هوية الأندلس إسلامية، وليست غربية، وهو ما دفع أعداءهم إلى رميهم بالاتهامات المتواصلة، فحوربت الحركة من طرف اليمين واليسار على حد سواءخصوصا بعد أن وصلت الكثير منهم أنباء اعتناقه الاسلام و مطالبته باعطاء حق العودة للمهجريين الأندلسيين في المغرب العربي و المنفيين الأندلسيين في أمريكا اللاتينية. وفي يوم الأحد 2-8-1936، بعد 14 يومًا من انفجار الحرب الأهلية الأسبانية، هجمت فرقة من الكتائب على إنفانتي في بيته "دار الفرح" بقورية، وساقته إلى إشبيلية، حيث سجنته، وأعدمته رميًا بالرصاص يوم الإثنين 10 أغسطس 1936، فمات شهيدًا رحمه الله، وهو يصرخ مرتين: "عاشت الأندلس حرة!".
[تحرير] "دار الفرح".. رؤية بلاس إنفانتي السعيدة لأسبانيا
"الدولة مثل البيت الكبير حيث يعيش الناس طبقا للقواعد التي وضعها آباؤهم الأولون، دون نسيان أي أحد، تماما كما أن لكل منا في بيته تقاليد لأسلافه".
بلاس إنفانتي (1885-1936) المعروف بـ"أبو الأندلس الحديثة" (طبقا لوصف برلمان الأندلس في مضبطة أعماله ليوم الثالث من أبريل عام 1983) كان له فضل أن أقر بأهمية أولئك الذين أعطوا للأندلس هويتها: مسلمو الأندلس.
كان بلاس إنفانتي رجلا سابقا لعصره، لكن الحرب الأهلية الأسبانية (1936-1939) محت من فوق أرض بلادنا كل أثر للتطور في العلاقات الثقافية البينية، أو لاستعادة الذاكرة التاريخية للأندلس. لقد فهم إنفانتي الأندلس كامتداد للروح اليونانية القديمة القائمة على الديمقراطية وعلى الحرية لأولئك الذين تعرضوا للتهميش الثقافي بعد انقضاء الحقبة الإسلامية. ويرجع الفضل لبلاس إنفانتي في جعل الماضي منطلقا للمستقبل، ومن ثم فإن علينا أن نقتفي أثره كرجل ذي عقلية متفتحة لديه البصيرة التي أعانته على أن يرى قبل غيره شواهد إعادة إحياء النور والعدل في إطار من التسامح.
في كلماته عبَّر إمانويل رويز روميرو الأستاذ بمركز الدراسات التاريخية في الأندلس ("Volver a ser lo que fuimos"-Webislam,1999) قائلاً: إن التعايش في أيام الأندلس بين البربر والعرب والقوط والكتالونيين والعبيد.. وحتى بين أتباع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام يحدد بوضوح معنى القومية الأندلسية، قومية قائمة على الإجارة ونبذ الحرب ونبذ الإقليمية والقومية الضيقة، كل تلك المعاني التي يمكن أن تتلخص في شعار: "الأندلس لنفسها، ولأسبانيا، وللإنسانية"، ذلك الشعار هو كنه التاريخ الأندلسي (...).
لا بد لنا من استلهام حقبة الحرية تلك -طبقا لأفكار بلاس إنفانتي- لنوجد نهرا للخيال، نرى فيه القوة الاجتماعية والثقافية تعود إلى صنف من الأندلسيين، رجالا للنور كما كانوا في الماضي. إن إحياء تلك الحرية لا يعني الانفصال، بل التوجه لتقوية الإخاء. في مثل ذلك الوضع، وفي مواجهة ضرورة تجاوز الضغائن التاريخية، التي تستثار بشكل ميسور، سوف لن تكون هناك ثنائية أو تعارض في الفهم بين المسيحية والإسلام مرة أخرى، بل أخوة حقيقية في منطقة وسطى بين إفريقيا وأوربا: أسبانيا.
كانت طريقته تلك في التفكير مثيرة في ذلك الوقت من ثلاثينيات القرن العشرين، بل إنها لطريقة ثورية في التفكير حتى بالنسبة لنا اليوم، رغم أنها ربما تكون فقط كأثر جانبي لاتجاه عالمي بالعودة للماضي وصولا للحداثة. لقد ساقت تلك الأفكار بلاس إلى الموت، لكن بذرة التطوير والحرية، وصلت إلينا اليوم.
في الفترة ما بين 19 إلى 20 سبتمبر الماضي عُقد في مدينة إشبيلية -وتحديدا في مركز الدراسات التاريخية الأندلسية- ملتقى حول بلاس إنفانتي بدعم من مجلس العلاقات المؤسسية، وقد حلل الملتقى حالة الاحتقان التاريخي الأندلسي، والأعمال المتعلقة ببلاس إنفانتي، ومسرحياته، وتوصل الملتقون لعدة مقررات هي:
- المطالبة بالتوقف عن التلاعب برسالة بلاس إنفانتي.
- أن معنى القومية لدى إنفانتي مختلف: معنى حر، إنساني ومدني. في مقابل معناها الكلاسيكي في أوربا: حصري، يعيق المشاركة. إن القومية لدى بلاس إنفانتي هي قناة للتغيير الاجتماعي من منطلق التعددية.
- أن بلاس إنفانتي اعتبر الأندلس مجتمعا متعدد الثقافات، لديه سمة ثقافية قائمة على التنوع.
- أن أفكار بلاس إنفانتي ما زالت في عنفوانها، مكتملة الحداثة، ولا بد من استخدامها من قبل الإدارة لاستثارة فطرة الشعب الأندلسي.
- الإعلان عن غياب الدراسات التي تتناول فكر بلاس إنفانتي عن الجامعات الأندلسية.
إن استعادة صورة بلاس إنفانتي ضرورية في بدايات القرن الحادي والعشرين، وبالأخص في منطقتنا الأوربية التي يزداد فيها تواجد المسلمين يوما بعد يوم. لقد انجذب للجذور الإسلامية لأسبانيا، والآن يمكن لبلدنا من وحي فكره أن يصبح نموذجا للديناميكية الاجتماعية، أرضا خصبة لتماسك الأندلسيين في الداخل والخارج الذين اضطروا لترك أرضهم، والذين يعبرون عن شوقهم إلى العودة، والأهم من ذلك أن يكون لدينا القدرة على استعادة العيش السلمي المشترك للمسيحيين والمسلمين واليهود، في إطار من المساواة الدينية.
إن أفكار بلاس إنفانتي حول الدولة تعطي صورة لشعب فخور بتاريخه كأساس للثقافات، في مقابل الصورة النمطية للقومية النافية -الألمانية نموذجا-.
باختصار؛ فإن الأندلس الإسلامية هي مرآة للمستقبل المأمول.