حوزة النجف
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
اقترن ظهور الحوزات الشيعية بمجاورة قبور الأئمة الشيعية؛ حيث تقام الحوزة بجوار تلك القبور، على اختلاف في السبب الدافع لذلك، ولعل السبب الأبرز هو ما يصاحب وجود هذه الأماكن من زيارات الناس، وترددهم عليها، وحبس الأوقاف على المراقد والمحتاجين المجاورين لها؛ مما يعني وجود مورد مالي يدعم وجود واستمرارية هذه الحوزة أو تلك، ويؤمّن لطلابها وأساتذتها موردا كافيا من العيش يساعدهم على التفرغ لطلب العلم.
ومن أشهر تلك الحوزات العلمية الشيعية: الحوزة العلمية في النجف التي أقيمت بمدينة النجف التي تقع على هضبة غربي الكوفة، وتطل من ناحية الشمال والشرق على فضاء فسيح فيه الكثير من القباب والقبور للعلماء ومشاهير الرجال من الأعيان والأمراء مئات الألوف، وقد يقال نجف الكوفة، أو نجف الحيرة، وإن كان الاسم الأشهر هو النجف الأشرف لوجود مرقد الإمام علي رضي الله عنه بها. وكان الخليفة هارون الرشيد هو أول من بنى عمارة على قبر الإمام علي رضي الله عنه.
فهرست |
[تحرير] نشأتها وأطوارها العلمية
بدأت النجف تاريخها كمدينة مقدسة منذ اكتشاف قبر الإمام علي رضي الله عنه بها سنة (170 هـ= 786م) بعد أن كان غير معروف إلا لبعض شيعته. أما تاريخها كمدينة علمية فهناك اختلاف في تحديده، فالبعض يرى قدم تاريخها نشأتها عندما اتحدت المدينة المقدسة والمدينة العلمية، أو اتحاد النجف والكوفة. وهناك من يرى أن تاريخ النجف العلمي بدأ مع هجرة الشيخ الطوسي إليها سنة (448هـ= 1056م).
وكان الطوسي أول من فتح باب التدريس على طريقة الاجتهاد المتبعة اليوم في النجف، وأول من جمع من الإمامية بين الحديث والفقه والأصول في مؤلفاته، وأول من أوجد هيئة علمية ذات حلقات ونظم خاصة.
وقد أخذت الحوزة في رحلة تطورها ثلاثة أطوار علمية، بدأ الأول مع وصول الشيخ الطوسي للنجف سنة (448هـ= 1056م) وانتهى أوائل القرن السابع للهجرة، وفيه تم وضع علوم الفقه والأصول والحديث، وجذبت الحوزة طلاب العلم إليها حتى وصلوا إلى المئات. وبعد وفاة الطوسي سنة 461هـ= 1068م استمرت الحركة العلمية في الحوزة على يد مجموعة من التلاميذ، حتى انتقلت الحركة العلمية من النجف إلى الحلة.
وفي الطور الثاني احتفظت الحلة بزعامة الحركة العلمية في الحوزة ما يقرب من ثلاثة قرون، تمتد من أوائل القرن السابع حتى النصف الأخير من القرن العاشر الهجري، وبعد أن خلت الحلة من العلماء الكبار بوفاة فخر المحققين الإمام المطهر الحلي (ت 771هـ= 1393م) عادت الحركة العلمية إلى النجف وما كادت تمر عليها فترة حتى انتقلت منها إلى كربلاء. ورغم انتقال الحوزة العلمية من النجف إلى كربلاء من سنة (1150هـ=1737م) إلى (1212هـ= 1797م) فإن النجف لم تعدم فيها الحركة العلمية، وإنما بقيت تواكب حركتها.
أما الطور الثالث فبدأ في النجف في الربع الأول من القرن الثالث عشر. ويطلق الشيعة على ذلك الطور عصر النهضة العلمية لكثرة من نبغ فيه من كبار العلماء، ولكثرة تهافت الناس على العلم فيه، وازدياد الطلاب. ومن أبرز علماء هذا الدور السيد محمد مهدي بن السيد مرتضي الطباطباتي المتوفى سنة (1212هـ= 1797م).
ثم أخذ هذا الطور في التناقص ابتداء من سنة (1400هـ= 1979م) في الوقت الذي نشطت فيه الحوزة العلمية في قم بإيران، وبعد إعدام السيد محمد باقر الصدر وملاحقة طلابه في النجف وإغلاق الكثير من المدارس والمؤسسات التابعة للحوزة. إلا أن ذلك كله لا يعني انعدام الحركة والفكرية في النجف، بل إن النجف حافظت رغم ذلك كله على حوزة محدودة بفضل بقاء مرجع المسلمين الإمامية السيد أبي القاسم الموسوي الخوئي في النجف مع بعض طلابه.
[تحرير] استقلال الحوزة.. وصوره
تميزت الحوزة العلمية في النجف منذ نشأتها حتى اليوم بالاستقلال عن السلطات السياسية المتعاقبة على الحكم في العراق.
ويشمل هذا الاستقلال كافة مكونات الحوزة من فقيه مرجع مجتهد، وأساتذة وعلماء وطلاب، ومناهج دراسية وأنظمة مالية؛ وهو ما جعلها حرة في حركتها، متحررة من أي وصاية قد تؤدي إلى مسلكية معينة تحرف الحكم الشرعي عن طريقه الذي تطالب به الشيعة الإمامية.
ويتم اختيار المناهج الدراسية للحوزة العلمية في النجف من قبل أساتذة متخصصين، وقد يتم اختيارها من قبل طلاب الحوزة أنفسهم، فليس في الحوزة العلمية إلزام لهذا الأستاذ بوجوب اعتماد الكتاب الفلاني لهذه المادة أو تلك، كما ليس هناك إلزام للطالب بدراسة هذا الكتاب أو ذاك، وهذا الاستقلال العلمي يشكل دعامة أساسية من دعائم استقلالية الحوزة العلمية في النجف.
كما يتميز طالب الحوزة بالاستقلال عن السلطة السياسية، وحين يصل الطالب إلى مرحلة الاجتهاد فإن العرف الحوزوي يقتضي أن يمنح الإجازة، وهي تعني الشهادة في العرف الجامعي الحديث، ولا يمنح تلك الشهادة إلا المجتهدون الكبار من مراجع الحوزة العلمية، وبعد اقتناع تام من قبل مانح الإجازة وثقته بعلم طالب الإجازة.
وهذه الإجازة، قد تكون بنقل فتوى أو تدريس كتاب، أو تجاوز مرحلة علمية وإجازات الاجتهاد لأصحاب الاستعداد الكامل على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأساسية وهي الكتاب والسنة.
والأستاذ في الحوزة العلمية لا يرتبط بأي جهة، سياسيا وماليا، حيث إن الأستاذ شأنه شأن الطالب يتسلم الحقوق الشرعية من مركز المرجعية الدينية ليس باسم الأجر على التدريس، وإنما باعتباره مستحقا، حيث يتكلفه بيت المال كما يتكلف غيره من المستحقين.
[تحرير] الموارد المالية للحوزة
كان أئمة البيت الذين تتشيع لهم الحوزة العلمية في النجف بمراجعها وعلمائها وطلابها يتسلمون ما يصلهم من حقوق شرعية كالخمس والزكاة ممن يدفع من الشيعة الإمامية، وقد نهج مراجع الشيعة وفقهاؤهم نهج أئمتهم، وكانوا ينفقون من الخمس والزكاة على التعليم.
ولا تقتصر الموارد المالية على الخمس والزكاة، بل كان عدد من أسلاف الشيعة الإمامية يوصون بأموالهم كلها أو بجزء منها للحوزة، كما كانوا يوقفون عليها؛ ما يشكل موردا مهما وكبيرا وثابتا ودائما يتيح للمرجعية العليا الإنفاق على شئون الحوزة وتأكيد استقلاليتها عن السلطات الحاكمة.
[تحرير] مبادئ للحوزة
ترى الحوزة النجفية كغيرها من الحوزات العلمية أن التشريع الإسلامي هو التشريع الوحيد الذي ينبغي أن تقوم عليه الحياة في كل مجالاتها، في الوقت الذي ترى فيه الأنظمة السياسية خلط ما هو تشريع إسلامي بغيره.
ويضع المنهج الحوزي في النجف الكتاب والسنة كمصدريين أساسيين للتشريع، ويظل القرآن الكريم كتاب الله، وسنة رسوله أساس كل تشريع، إلا أن لهم كتبهم الخاصة في تفسير القرآن، وأشهرها كتاب التبيان لأبي جعفر الطوسي وأيضا كتب الأحاديث الخاصة بهم مثل الكافي للقليني وكتاب من لا يحضره الفقيه لابن بابويه، والتهذيب والاستبصار للطوسي.
[تحرير] من مصادر الدراسة
1- الأصفي (محمد مهدي) مدرسة النجف وتطور الحركة الإصلاحية فيها، طبعة النعمان، النجف، 1383هـ= 1963م.
2- البهادلي (علي أحمد): الحوزة العلمية في النجف معالمها وحركتها الإصلاحية، دار الزهراء، بيروت، 1413 هـ=1993م.
3- النجف جامعتها ودورها القيادي، طبعة الوفاء، بيروت، 1410هـ= 1989م.
4- الشرقي (طالب علي): النجف الأشرف عادتها وتقاليدها، طبعة الآداب، النجف، 1398هـ=1977م.
5- الفضلي (د. عبد الهادي) دليل النجف الأشرف، طبعة مكتبة التربية، النجف، 1385هـ=1965م.
6- الفقيه العاملي (محمد تقي) جامعة النجف في عصرها الحاضر، طبعة صور، لبنان، د.ت.
7- محبوبة (جعفر الشيخ باقر) ماضي النجف وحاضرها، دار الأضواء، بيروت، 1406هـ= 1986م.