قناه السویس
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
ترجع فكرة حفر قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر إلى أقدم العصور، وقد حفر الفراعنة قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر، وجرت هذه القناة حيناً وتوقفت حيناً آخر. وعندما فتح المسلمون مصر جدد عمرو بن العاص هذه القناة، التي كانت تمتد بطول مائة وخمسين كيلو مترًا، تنفيذاً لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، واستمرت القناة في العمل حوالي مائة وخمسين عامًا حتى أوصدها عند نهايتها أحد الخلفاء العباسيين سنة (159هـ = 775م).
وقد ذكرت بعض المصادر أن عمرو بن العاص فكر في وصل البحرين الأبيض والأحمر، لكن الخليفة عمر منعه من ذلك؛ لأنه خشي من وصول الروم إلى الأراضي المقدسة في مكة والمدينة.
وعندما اكتشف البرتغال طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي تغيرت معه حركة التجارة العالمية، ولم تعد مصر والإسكندرية قلب هذه التجارة، وعانت من جراء ذلك معاناة شديدة، ومع تزايد التنافس الاستعماري بين الدول الكبرى نشط الفرنسيون للتغلب على منافسيهم البرتغاليين في الشرق الأقصى، ورأوا أنه لا سبيل لذلك إلا بإعادة التجارة إلى طريقها القديم والحصول على حاصلات الشرق بواسطة السويس، وصارت تلك الفكرة الشغل الشاغل للدبلوماسية الفرنسية ردحاً من الزمن، وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة (1212هـ= 1798) درس إنشاء قناة تربط البحرين.
وقد فكر محمد علي في شق قناة تصل بين القاهرة والسويس، وتأسست جمعية في أوروبا غرضها الدعوة لشق قناة في برزخ السويس، والتقى بعض أعضاء هذه الجمعية بمحمد علي في الفيوم سنة (1261هـ= 1845م) وأعلن محمد علي أنه يريد أن ينفذ هذا المشروع بنفسه، وأن تكون القناة ملكًا لمصر مع حيادها التام.
استطاع الدبلوماسي الفرنسي فرديناند دو ليسيبس أن يحصل من خديوي مصر سعيد باشا على امتياز شق قناة مباشرة تربط البحرين في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1854م، وبدأ دي لسيبس حفر القناة في 25 نيسان/إبريل 1859م، وافتتحت رسميًا للملاحة في عهد الخديوي إسماعيل في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1869م في احتفالات كبرى حضرها أغلب ملوك وأمراء أوربا، وكانت مدة الامتياز (99) عامًا من تاريخ افتتاح القناة تعود بعد هذه المدة ملكيتها إلى الحكومة المصرية، وكان الفرنسيون يمتلكون معظم أسهمها.
لم تقبل إنكلترا على استخدام القناة في طريقها إلى الهند إلا في سنة 1888م بعد أن فرضت سيطرتها التامة على القناة ومصر، وقبل هذا التاريخ اكتفت بسفينتين كل شهر، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى إظهار مشروع القناة في صورة خاسرة، وتمكنت من شراء أسهم مصر في القناة في عام 1875م، وطالبت بحقها في إدارة القناة، ولم يمض وقت طويل حتى رأت بريطانيا أن مصالحها التجارية والسياسية مرتبطة بالقناة، لذلك استغلت الأزمة المالية الخانقة التي تعرضت لها مصر في أواخر عهد إسماعيل، وتدخلت في الشؤون السياسية والمالية في البلاد، وهو الأمر الذي انتهى بالاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م.
في خطاب ألقاه في 26 تموز/ يوليو 1956م، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم الشركة العالمية البحرية لقناة السويس، وكان ذلك سبباً للعدوان الثلاثي على الحدود المصرية في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956م، ولم تستطع بريطانيا وفرنسا تنفيذ مخططهما لاستعادة السيطرة على القناة، فانسحبتا من المنطقة، وتم إعادة فتح القناة في آذار/ مارس 1957م تحت إدارة مصرية، وكان من نتائج ذلك تقوية المركز السياسي للنظام المصري ولعبد الناصر، وحصلت بريطانيا وفرنسا على تعويضات مالية لحملة أسهم القناة.
وقد أغلقت القناة أثناء حرب 1967م بفعل السفن الغارقة فيها، ولم يعاد فتحها إلا في حزيران/ يونيو 1975م، ثم أنهت مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل الحظر الذي فرضته على مرور السفن الإسرائيلية.
وتمتد القناة بطول 190كم، ويبلغ عمقها 19 مترًا، وعرضها 92 مترًا عند القاع و226 مترًا عند السطح، وهو ما يسمح لها بمرور السفن الكبيرة.