حجة الوداع

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

(10 هـ./632 م.)

في السّـنة العاشرة للهجرة حجّ الرّسول إلى مكة، وكانت هذه الأخيرة، لأنّه توفي بعد عودته منها إلى المدينة إثر مرض أصابه في 11هـ/632م، عن عمر يناهز الثالثة والسّـتين. ودفن بها في مسجده. وكان أثناء حجّته هذه قد حدّد مناسك الحجّ للمسلمين وما زالوا يقلدونه فيها حتى يومنا هذا، ثم ألقى خلالها خطبة الوداع مطالباً إيّاهم بإعادة الأمانة لأصحابها، وإلغاء ربا الجّاهليّة، وعدم العودة إلى الكفر والاستمرار بالإيمان بكتاب الله. في هذه الخطبة وضّح الرّسول للمسلمين أنه ليس لعربيّ على عجميّ فضل إلا بالتقوى.

وهذا نصها (( الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، وأحثكم على طاعته ، وأستفتح بالذي هو خير.

أما بعد ، أيها الناس ! اسمعوا مني أبين لكم ، فإني لا أدري ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

أيها الناس : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد !

فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . وإن ربا الجاهلية موضوع ، وإن أول رباً أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب . وإن دماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية ، ودم تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سدانة البيت ، وسقاية الحاج ، ألا إني قد أمضيتهما لأهلهما كما كانتا . والعمد قود ، وشبه العمد : ما قتل بالعصا والحجر ، وفيه مئة بعير ، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.

أيها الناس! إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم.

أيها الناس : (( إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطؤا عدة ما حرم الله )).

إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. و (( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم )) : ثلاث متواليات ، وواحد فرد : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي بين جمادى وشعبان .

ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد !

أيها الناس : إن لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم عليهن حق ، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم غيركم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهنَّ ، وتهجروهنَّ في المضاجع ، وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.

وإنما النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً ، أخذتموهُنَّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهنَّ خيراً. ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد !

أيها الناس ! إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لامرئٍ مسلم مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ، فلا تظلموا أنفسكم.

اللهم هل بلغت ؟ اللهم اشهد !

فلا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده: كتاب الله ، وسنة نبيِّه ، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه .

أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) وليس لعربي على عجميٍّ إلا بالتقوى ، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ! قالوا : نعم. قال : فليبلغ الشاهد منكم الغائب .

أيها الناس : إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، فلا تجوز لوارث وصية ، ولا تجوز وصيَّةٌ في أكثر من الثلث . والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل.

وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلَّغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبَّابة يرفعها إلى السماء ، وينْكُتُها إلى السماء ، وينْكُتُها إلى الناس : اللهم اشهد ! اللهم اشهد ! اللهم اشهد !

خطبة الرسول في حجة الوداع