محمد حامد أبو النصر
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
محمد حامد أبو النصر (25 مارس 1913) المرشد الرابع لجماعة الإخوان المسلمين ينتسب إلي جده السيد/ على أحمد أبو النصر العالم الأزهري، والشاعر الأديب أحد رواد النهضة الأدبية في مصر في عصر الخديوي إسماعيل، السياسي الذي اشترك في التجهيز للثورة العرابية، حتى قرر الخديوي توفيق تحديد إقامته في منزله بمنفلوط، وبعد فترة تخلص منه بدس السم له فمات في أواخر عام 1880م إذا كان المعروف آنذاك أن الشنق للعلماء ذوي النفوذ والجاه يثير غضب الشعب على حكامه.
هكذا كانت بيئة (محمد حامد أبو النصر) مزيجاً من الدين والأدب والسياسة يترجم ذلك اشتراكه في تأسيس الجمعيات الدينية، والمحافل الأدبية، والاشتراك في الأنظمة السياسية إذ كان أمين صندوق جمعية الشبان المسلمين، ورئيساً لجمعية الإصلاح الاجتماعي، وعضواً بلجنة الوفد المركزية بمنفلوط.
فهرست |
[تحرير] لمحات من حياته
- ولد (6 من ربيع الآخر 1331هـ الموافق 25 من مارس 1913م) بمنلفوط التابعة لمحافظة أسيوط.
- تلقى تعليما مدنيًا في المدارس، وحصل على شهادة الكفاءة (الثانوية العامة) سنة 1933م.
- تميز في مطلع عمره بالمشاركة الاجتماعية والعمل الإسلامي، فكان عضوًا في جمعية الإصلاح الاجتماعي في منفلوط سنة 1932م، وعضوًا في جمعية الشبان المسلمين سنة 1933م.
- انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين سنة 1934م.
- اختير عضوًا في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.
- تعرض للمحنة العاصفة التي حلت بالجماعة سنة 1954م، فقبض عليه مع زملائه من مكتب الإرشاد وغيرهم من أفراد الجماعة، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
- ظل في المعتقل حتى خرج في عهد الرئيس محمد أنور السادات.
- بعد خروجه من المعتقل عاود نشاطه الدعوي في جماعة الإخوان.
- اختير مرشدًا عامًا للإخوان بعد وفاة الأستاذ عمر التلمساني في سنة 1986م.
- في فترة توليته مرشدًا للجماعة شهدت الجماعة نموًا مطردًا خصوصا في الجانب السياسي.
- توفى سنة 1996م عن عمر يناهز الثالثةوالثمانين.
[تحرير] البيعة الأولى في الصعيد
وفي عام 1934 – 1935م أخبره صديقه الأستاذ المرحوم/ محمد عبد الدايم بوجود حسن البنا بجمعية الشبان المسلمين بأسيوط، و تعرف عليه في هذا اليوم و انضم لاحقا للجماعة.
[تحرير] شهادته علي علاقة الاخوان بالإنجليز
ورد عن الأستاذ محمد حامد أبو النصر قوله:
في أوائل الأربعينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، طلب مني وكيل بنك باركليز فرع منفلوط دفع مبلغٍ من المال كتبرع للجندي المجهول أسوة بالأعيان وأصحاب الرتب وكبار التجار، فرفضت أن أدفع مليماً واحداً في مشروع أو عمل تقوم عليه الحكومة البريطانية، فسألني لماذا؟ قلت له: إن إنجلترا وفرنسا كانتا قد وعدتا في لجنة مشتركة بالجلاء عن سوريا ولبنان بعد انتهاء الحرب ولم تف بوعدها.. كما أنها لم تستجب لطلب رفعة النحاس باشا رئيس الحكومة في هذا الشأن. فقال لي وكيل البنك هذا كلام خطير ولا داعي لذكره – فقلت: نعم إنه كلام خطير لكني أتحمل مسئوليته.
وبعد أسبوع من هذا الحديث فوجئت بزيارة ضابط مخابرات إنجليزي يدعى (باترك) ومعه مراسل الأهرام بأسيوط كمترجم، وبعد أن شربنا القهوة سألني الضابط: هل لكم رأي معين في السياسة التي تنتهجها الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط؟ فقلت له: إن هناك موقفًا يمكن لبريطانيا أن تستغله لإثبات حسن نواياها وصدق وعودها – وهو أن تقوم بالضغط على حكومة فرنسا للجلاء عن سوريا ولبنان فوراً، ثم سألني: هل هناك من يرى رأيكم من الإخوان المسلمين؟ فقلت له: إن جمهور مائة شعبة للإخوان المسلمين بمديرية أسيوط تطالب بتحقيق هذا المطلب.
فقال إن حكومته يهمها أن تعرف مطالب الشعوب الصديقة، لتبني علاقتها معهم على أساس من هذه السياسة..وإنني أعدك أن أرفع هذا المطلب إلى المسئولين في السفارة. وانصرف.
وبعد أسبوع من تلك الزيارة وصلني خطاب من الضابط (باترك) يشكرني فيه ويخبرني أن (الميجر لاندل) مبعوث السفارة البريطانية يرغب في زيارتك ويطلب تحديد الموعد وعلى ذلك أرسلت خطاباً إلى الإمام الشهيد على اعتبار أنه قائد الجماعة والمسئول عن سياستها شرحت له ما دار في الزيارة المذكورة، فرد علي هاتفياً بموافقة فضيلته على اللقاء وأفهمني أنه سيبعث إلى برسالة مفصلة، وقد وصلتني الرسالة مرفقاً بها خطاب من صورتين إحداها كتب بالعربية لتلقى في الحفل، والأخرى بالإنجليزية تسلم (للميجر لاندل). ومما يذكر أنه قال لي في الرسالة إن هذا الباب أراد الله أن يفتح على يديكم ويهمني أن تعرف كل الشعوب، والحكومات حقيقة دعوة الإخوان المسلمين.
وعليه تحدد موعد اللقاء مع (الميجر لاندل) وكنت قد دعوت لتناول الغذاء معه نخبة من رؤساء الأديان وكبار الموظفين والأعيان بمنفلوط وعندما دلف الميجر لاندل إلى حجرة الاستقبال رأى صورة الإمام الشهيد حسن البنا فوقف أمامها ينظر ملياً ومعه المترجم فسألني؟: صورة من هذه؟ قلت إنها صورة المربي الروحي الأستاذ حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين. قال: وما هي مكانة المربي الروحي عندكم؟ قلت: إنه يأمر فيطاع دون تردد، وما أن سمع (الميجر لاندل) هذا حتى رفع قبعته إجلالاً لصاحب هذه الصورة.، وبعد أن تناولنا طعام الغداء سلمت (الميجر لاندل) صورة الخطبة المكتوبة بالإنجليزية وألقيت صورتها العربية، ومن أهم ما جاء بالخطبة أن الإخوان المسلمين يعلنون حقيقة مبادئهم وطريقة إصلاحهم ووسائلهم وأوضح أنهم يعملون على تربية النشء على مبادئ القرآن الكريم ويرحبون بأن ينشئ أصحاب الأديان الأخرى أبناءهم على مبادئ الإنجيل والتوراة وبذلك يوجد في العالم المجتمع المتدين، والمجتمعات المتدينة لا يقع فيما بينها حروب كما هو قائم الآن بين الشعوب التي باعدت بينها وبين حقيقة أديانها وأصبحت الحرب الضروس التي أتت على الأخضر واليابس، فلا رحمة ولا عدالة ولا مساواة. وقد حيا الحاضرون المعاني التي تضمنتها الكلمة بالتصفيق والارتياح، واختتم الحفل وانتهي بكلمة شكر من (الميجر لاندل) لصاحب الدعوة والمدعوين، وما أن وصل (الميجر لاندل) دار السفارة البريطانية بالقاهرة حتى أرسل إلى خطاباً يشكرني ويبدي رغبته في اللقاء معي في القاهرة، وأثناء وجودي بالقاهرة التقيت به بعد استئذان الإمام الشهيد وإذنه لي بالزيارة، وفي اللقاء سألني – (الميجر لاندل) ما رأيكم في الجلاء عن مصر؟ قلت له: إن الأمة جميعها تطالب بالجلاء فوراً، ثم قال: ماذا لو جاء الروس واحتلوا مصر؟ قلت: عندئذ نتعاون كأصدقاء وليس كأتباع. قال: وما رأيكم في مشكلة فلسطين؟ قلت: تترك لأهلها ينظمون شئونهم بطريقتهم متعاونين ومتحدين كشعب واحد. وانتهى اللقاء وقد نقلت إلى فضيلة الإمام الشهيد الحديث فاستحسنه، وبعد أيام قليلة مضت علمت أن الوزير البريطاني المسئول عن الشرق الأوسط ومعه سفير بريطانيا في مصر ووفد من دار السفارة زاروا المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة وتقابلوا مع الإمام الشهيد/ حسن البنا وعرضوا معونة مالية كبيرة والمساهمة رفض كل هذه العروض بصلابة وحزم.. قائلاً لهم: إن مجهودات الإخوان تقوم بعد فضل الله تعالى على القروش القليلة التي يدفعها الإخوان من جيوبهم الخاصة، ونحن نرفض أي معونة من أية حكومة أو من أية دولة ونحن في طريقنا لعرض مبادئنا بكل ما نستطيع من قوة وإرادة – وانتهت المقابلة.
والجدير بالذكر وجود أرشيف لجماعة الإخوان المسلمين في دار – السفارة البريطانية وصورة للإمام الشهيد/ حسن البنا، وكتب تحتها (عبارة: أخطر رجل في الشرق الأوسط).
[تحرير] شهادته علي علاقة الإخوان بالرئيس جمال عبدالناصر
يسرد الأستاذ/ أبو النصر قصة وجوده في منزل عبد الناصر قائلاً :
وكان من بواكير اللقاءات التي تمت هي دعوة الضابط عبد الناصر قائد الحركة لفضيلة الشيخ محمد فرغلي ومعه (الشاهد على الطريق) محمد حامد أبو النصر لتناول الإفطار في منزله بمنشية البكري، وفي الساعة السادسة صباحاً الميعاد المحدد لهذا اللقاء – توجهنا إلى منزله فوجدناه في انتظارنا في حجرة الاستقبال وبعد قليل جلس ثلاثتنا حول مائدة صغيرة أعدت بإفطار مبسط عادي وأذكر أن دارت بيننا أحاديث بدأها الضابط عبد الناصر – من أهمها: العمل على إزالة آثار العوائق التي وقعت بين قيادة الإخوان وقيادة الحركة، كما كانت مسألة إصلاح الأزهر الشريف منار الإسلام وما يجب أن يكون عليه من كفاءة حتى يؤدي رسالته... وهنا لوح الضابط عبد الناصر بإشارات خفيفة حول إسناد مشيخة الأزهر لفضيلة الشيخ فرغلي، كما تناول الحديث إرسال بعثات إسلامية من الإخوان المسلمين إلى جنوب أفريقيا لحاجة شعوبها إلى الإسلام وقد لاحظت على هذا اللقاء أمرين:
أحدهما: أن الدعوة موجهة لفضيلة الشيخ فرغلي ولي علي اعتبار أننا جميعاً من أبناء محافظة أسيوط – وبهذا كان يريد الضابط عبد الناصر بدعوته لنا هو استقطاب إخوان أسيوط حوله. والآخر: هو عندما طلبت دخول دورة المياه لقضاء بعض حاجتي وأثناء خروجي وبينما كنت أتوضأ لاحظت الضابط عبد الناصر يدخل الدورة ويفتشها بدقة وهذا أمر كان له وقع سيئ على نفسي إذ ظن أنني أخفيت له شيئاً ما، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ريبته في الإخوان وسوء ظنه بهم.
ولما انتهت الزيارة وركبت مع أخي فضيلة الشيخ فرغلي السيارة ذكرت له هذه الواقعة الأخيرة فضحك كثيراً وقال معلقاً: (أصلك أنت راجل خطير يا عم) وأخذ يكرر هذه العبارة ونحن نتبادل التعليق والضحك والأسف الشديد. ومما يذكر أن هذه الواقعة لم أذكرها لأحد في حينها ولا يعلم بها سوى فضيلة الشيخ فرغلي والدافع لهذا الكتمان هو تهيئة الجو لتوثيق الرابطة وجمع الشمل.
ومما هو جدير بالذكر أنه رغم وجود الروابط التي كانت تربطنا بالضابط عبد الناصر.
وأولها: رابطة الأخوة في جماعة الإخوان المسلمين.
ثانيها: رابطة الانتماء إلى أسيوط حيث الموطن الذي يجمعنا.
وثالثها: رابطة الاجتماع على طعام واحد (العيش والملح) ورغم هذه الروابط الثلاث القوية فقد حفظها الضابط عبد الناصر ورعاها فأعدم فضيلة الشيخ فرغلي شنقاً، وحكم علي بالأشغال الشاقة المؤبدة.
[تحرير] شهادته علي محاكم الثورة للاخوان
يحكي الأستاذ/ أبو النصر فصول المحاكمة قائلاً:
وبعد مضي ثلاثة أسابيع تقريباً من وقوع حادث المنشية غادرت القاهرة إلى أسيوط يوم الخميس 18 من نوفمبر سنة 1954م في القطار السريع الذي يصلها الثانية صباحاً وركبت سيارة لمنزلي بمنفلوط وهناك بعد أن التقيت بأولادي فوجئت حوالي الساعة الخامسة صباحاً من يوم الجمعة 19 من نوفمبر سنة 1954 بقوة كبيرة لا تقل عن خمسين جندياً وخمسة ضباط من قوات الجيش والبوليس يقتحمون منزلي وفتحت عيناي على أحد الضباط الذي طلب مني القيام فوافقته وأخذ هو وزملاؤه من الضباط في تفتيش حجرات المنزل والأماكن الملحقة به تفتيشاً دقيقاً كما أحيط المنزل من الخارج بالجنود المدججين بالسلاح ومنع المرور في الشوارع المحيطة بالمنزل، وفي هذه الأثناء طلبت طعام الإفطار وتناولته والسيد مأمور المركز يجلس أمامي وقد عرض علي الاستقالة من الجماعة وبذلك يمكن للسيد المحافظ أن يحول دون تقديمك للمحاكمة فرفضت بإباء وقلت له: (لا يمكن لأنني عندما التحقت بهذه الجماعة كنت رجلاً موفور العقل وأعرف تماماً العقبات التي سوف تحدث في طريق تحقيق مبادئ الإسلام ولا زلت على عهدي وصدق ارتباطي بالجماعة – والحمد لله).
وفي السادسة من صباح السبت 20 من نوفمبر سنة 1954 وصلنا القاهرة حيث كان في انتظارنا لوري محمل بالجنود توجه بنا إلى المحافظة ومنها إلى وزارة الداخلية حيث تلقى الضابط المنوط بحراستي التعليمات بتسليمي لسجن الأجانب بمحطة مصر.
وفي السابعة من مساء يوم الخميس 25 من نوفمبر سنة 1954 فوجئت بالسجان يطرق علي باب الزنزانة ودخل وطلب مني الخروج معه حيث غرفة المأمور فوجدت بها الضابط النوبتجي ومعه الأستاذ عبد الرحمن صالح المدعي العام في محكمة الشعب، وضابط آخر أظنه صلاح الششتاوي وجاويش تحت إبطه حقيبة وجلسوا جميعاً جلسة المحققين – وسألني الأستاذ عبد الرحمن صالح عن اسمي وسني ومهنتي وبلدي – فأجبته. ثم سألني بعض الأسئلة أتذكر منها:
- هل أنت عضو في التنظيم السري؟ أجيب: لا.
- هل تعلم أن الجماعة لها تنظيم سري؟ أجيب لا، إنما هو تنظيم خاص.
- هل سمعت بالحوادث التي وقعت في الماضي مثل اغتيال النقراشي؟ أجيب: أعلم من خلال مطالعتي الصحف.
- منذ متى اخترت عضواً في مكتب الإرشاد؟ أجيب: منذ أن اختير ممثل للصعيد في عضوية مكتب الإرشاد في عهد الإمام الشهيد حسن البنا.
- هل اخترت في عهد الهضيبي؟ أجبت: نعم اخترت مرة واحدة في المكتب الأخير.
- لم لم تختر في المكتب الأول؟ أجبت: الهيئة التأسيسية لم تخترني.
- ألم تعلم أن عبد الرحمن السندي هو رئيس التنظيم السري؟ أجبت أعلم أنه رئيس التنظيم الخاص للجماعة.
وانتهي التحقيق معي ولم يستغرق أكثر من عشرين دقيقة، وقبل أن ينصرف المحقق قال: أنت ليس عليك أي شيء لأنه ليس عليك أي دليل في اشتراكك في الحوادث الأخيرة لولا أن مجلس الثورة قرر تقديم أعضاء مكتب الإرشاد جميعهم للمحاكمة ما كنت قدمت.
ولكي تبرأ ساحتك المطلوب منك التبرؤ من هذه الجماعة وإسناد حادث المنشية إلى حسن الهضيبي فقلت له: كيف أقول ذلك وأنني أعلم أن الأستاذ الهضيبي مستشار عظيم ولا يرضى عن مثل ذلك – وأما عن الجماعة فأنا افتتحت مع فضيلة الإمام الشهيد حسن البنا أغلب شعب الصعيد وليس من المروءة أن أتنكر وأتخلى عن جماعتي – فرد على: أنت راسك ناشفة واتفضل خذ الإعلان ويمكنك الاتصال بأحد المحامين للحضور معك، والمحاكمة يوم السبت سبعة وعشرين.
وفي صباح اليوم التالي 26 من نوفمبر سنة 1954 أنزل جميع الإخوان المسجونين من الزنازين ووزعنا مجموعات، وعلى رأس كل مجموعة عسكري ويرأس الجميع الصول أمين الجلاد المعروف فكان يأمرنا بالسير في شكل طوابير كما كان يأمرنا بالجلوس القرفصاء ثم ينادي علينا بالقيام ويتكرر ذلك مرات عديدة وإن ارتبك الأخ أو أخطأ في الحركة انهالت عليه الكرابيج بعنف وأمطر بوابل من الشتائم والسباب الفاحش، واشد ما كان يولم النفس أن ترى أحد الإخوان ممن تقدمت بهم السن وأنهكه التعب فيغمى عليه فلا ترى إلا الكرابيج تهوي عليه قم يابن كذا وكذا.. أنت عامل عيان (وبتستموت) يا بن.. أنت عاوز تبقى وزير يا بن كذا وكذا.. ويستمر هذا الطابور أكثر من ساعتين وثلاثة وتتكرر هذه الطوابير كل يوم، وكان يؤتى بفضيلة المرشد في وسط الطابور وقد ألبسوه بدلة زرقاء (عفريتة) حتى يكون ظاهراً على مرأى من جميع الإخوان، وكان يشترك معنا حينما نؤمر بالجري رغم ضعف صحته وتقدم سنه وفي نهاية الطابور يوضع المكرفون أمام المذياع وهو يردد غناء أم كلثوم وهي تنشد: (يا جمال يا مثال الوطنية) وإمعاناً في التنكيل والانتقام يؤمر الإخوان بترديد بعض فقرات الأغنية بصوت مرتفع بينما يقف فضيلة المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد أمام الطابور يشيرون بأيديهم ذات اليمين وذات الشمال كما يفعل المايسترو أمام فرقته – وقد سجلت هذه المناظر على شريط سينمائي .
وفي يوم السبت السابع والعشرين 27 من نوفمبر سنة 1954 نادوني بصوت جهوري فأخذ الإخوان في الزنزانة يطرقون الباب بالقباقيب وبعد لحظة فتح الباب وقال لي السجان انزل – للمحاكمة – وهنا استحضروا حلاقاً ولبست الطربوش الذي كان قد سحق بأحذية الجنود وأخذ الشاويش "أمين" يتحدث إلى بأسلوب لم أعهده منه من قبل فقال لي بهدوء: النهاردة المحاكمة امسح الطربوش ونظف هدومك وامسح الجزمة فمسحتها بملابسي لأن المناديل منعت عنا، وفي هذه اللحظة كان قد حضر بعض أعضاء المكتب وهم: الأستاذ/ عمر التلمساني، وفضيلة الشيخ/ أحمد شريت، والأستاذ/ عبد العزيز عطية ووقفوا في شكل طابور ونودي للأمام سر فسرنا وهناك عند إدارة السجن وضع القيد (الكلابش) في أيدينا وركبنا السيارة في حراسة مشددة ومنعنا من التحدث إلى بعضنا البعض إلى أن بلغنا إلى مبنى محكمة الشعب.
وهناك استقبلنا المصورون وأدخلنا حجرة خاصة ونزعت الكلابشات من أيدينا وجلس كل واحد منا على كرسي منفرد في ركن من الحجرة والحرس يحوطنا من كل جانب. وبعد هنيهة استدعينا للوقوف أمام المحكمة وكان قد استدعاني الأستاذ/ حسين أبو زيد المحامي الذي كان يشغل منصب وزير المواصلات في عهد الحركة قبل المحاكمة، وقد حضر معي للدفاع عني فجلست معه في حجرة خاصة وقال: إزي الحال يا سيد أبو النصر – قلت له: الحمد لله فقدم إلى صورة من أصل الحديث الذي دار بيني وبين مندوب جريدة الأهرام الأستاذ محمد الليثي يوم 24 من أكتوبر سنة 1954 أي قبل حادث المنشية بيومين وكان موقعاً عليه من المندوب فقال المحامي: هذا حديث عظيم ويثبت أنك لم تشترك في الحادث. كان خلاصة هذا الحديث:
ابتدأ بسؤال من مندوب الأهرام:
نرى أن الجماعة في الفترة الأخيرة قد أغرقت نفسها في الأمور السياسية فهل لها أن تترك هذا وتشتغل بالأمور الثقافية والدينية؟
قلت له: إن الإسلام نظام شامل وإنه يدعو إلى تثقيف الشعب وتربية الشباب وإسداء النصح للحاكم متى اقتضت مصلحة البلاد ذلك. تنفيذاً لقول الله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) ثم سألني: ما رأيكم في الاتفاقية؟
قلت: إن الاتفاقية كما قال رئيس الحكومة لا تعتبر نجاحاً كاملاً وأنها بداية حسنة، ويجب أن تكمل حتى يجيء الاستقلال كاملاً غير منقوص، وأن معارضة الإخوان – للاتفاقية تقوي مركز المفاوض المصري وبذلك يمكنه أن يأخذ من المستعمر أكبر قدر ممكن لمصلحة البلاد، وبالفعل رأينا بعد ظهور معارضتنا للاتفاقية أن تغيرت بعض بنودها إلى نحو أفضل ثم سألني:
ما رأيكم في ضم المفصولين من الجماعة؟
قلت: على كل حال إحنا كإخوان أسرة واحدة نحل مشاكلنا في ظل قوانيننا.
(وهنا انتهى ما أتذكره من الحديث). وقد أوصيت المحامي أثناء مرافعته للدفاع عني ألا يتعرض للجماعة ولا لفضيلة المرشد بسوء وأرفض أن تأتي براءتي بهذه الوسيلة، واشترط المحامي على ألا أتحدث أثناء المحاكمة بحجة أن رئيس المحكمة رجل عسكري وطبعه شديد فيحسن أن تتركني معه في المرافعة فنفذ كل منا ما اتفق عليه.
والعجيب أن المرافعة كانت غير موفقة وقد ذكرت له بعض ما وقع لي وللإخوان داخل السجن الحربي من تعذيب وتنكيل وإهانات وامتهان لكرامة الإنسان فكان ينصت ويستمع وهو في ذهول وكان تعليقه إنكم أنتم أصحاب دعوة ولا بد أن تتحملوا في سبيلها كل شيء، وكنت ألاحظ عليه أثناء حديثه معي أنه في غاية الحذر والخوف وكأنما عين الرقيب تلاحقه وتسجل عليه، وقال لي هامساً: ماحدش قادر يتكلم بره أبداً.
ثم بعد قليل استدعينا للوقوف أمام هيئة المحكمة وكانت مشكلة من: o السيد/ جمال سالم – رئيساً.
- السيد/ محمد أنور السادات – عضو اليمين.
- السيد/ حسين الشافعي – عضو اليسار.
فأخذنا رجال البوليس الحربي وأدخلونا قاعة المحكمة، وكانت القاعة شاغرة تماماً إلا من بعض الأشخاص لعلهم كانوا من ضباط المخابرات وبعض مراسلي الصحف والمصورين. وجلسنا والأستاذ/ حسين أبو زيد المحامي في الصف الأول، وكان بجواري الأستاذ/ عبد العزيز عطية، وفي الجانب الآخر في نفس الصف المرحوم الشيخ/ أحمد شريت، والأستاذ/ عمر التلمساني، وبعدما أخذت لنا صور مختلفة دخلت هيئة المحكمة فوقف الجميع وبعد الجلوس: افتتح الجلسة: جمال سالم رئيس المحكمة ونودي على اسمي فوقفت فسألني:
هل أنت مذنب؟ فأجبت: غير مذنب.
فوقف الأستاذ/ حسين أبو زيد المحامي وقال: أنا حاضر معه، وترافع عني وقال: إن موكلي رجل مزارع ووقته كله مشغول بالزراعة وغير مشغول بالأمور السياسية وهنا قدم صورة من الحديث الذي كان قد دار بيني وبين مندوب الأهرام يوم: 24 من أكتوبر سنة 1954 أي قبل حادث المنشية بيومين، وكان المحامي يريد بذلك أن يثبت للمحكمة أني لم أكن مناهضاً للحكومة حتى آخر لحظة، وكان هدفي التفاهم والتعاون مع الحكومة في سبيل مصلحة البلاد.
فقال رئيس المحكمة: طيب نقرأ الحديث الذي أدلى به لمندوب الأهرام علشان نعرف إذا كان رجل سياسي ويفهم في السياسة أم لا، وأخذ نص الحديث عضو اليسار السيد/ حسين الشافعي وبدأ يقرأه بصوت مرتفع، وبعد قراءته:
قال جمال سالم – رئيس المحكمة للمحامي ده راجل مش سياسي ياسى حسين!! خلينا نشوف شغلنا ياسى حسين... فامتقع وجه الأستاذ حسين أبو زيد المحامي وارتبك وأخذ يتراجع ويقول: لا يا فندم.. إحنا نفتدي الثورة..إحنا بنعمل من أجل الثورة... إحنا مستعدين نخدم الثورة... حاضر يا فندم حاضر يا فندم، وكان عندما سمع جمال سالم عبارة إننا نسدي النصح للحاكم متى اقتضت مصلحة البلاد ذلك – كما جاء في الحديث، صاح في ثورة: ده ينصح الحكومة!! ده ينصح الحكومة!! ده فلاح يقتل جاره عشان كوز ذرة – فسكت المحامي ولم يرد.
وانتهت المحاكمة وحدد يوم السبت التالي الموافق 4 من ديسمبر سنة 1954 للنطق بالحكم ثم رجعنا إلى جهنم العذاب – حيث عدنا أدراجنا إلى السجن الحربي.
وفي مساء يوم الجمعة الثالث من ديسمبر سنة 1954- أي قبل جلسة سماع الحكم بيوم استدعاني الشاويش – أمين – بالمناداة بصوت عالٍ اشتهر به، فين الولد محمد حامد أبو النصر، وكررها مرتين أو ثلاثة رد يا بن.... خبط على باب الزنزانة يا بن...، فما كان من الإخوان الذين معي في الزنزانة إلا أن انهالوا على باب الزنزانة بالقباقيب بشدة وفزع إشارة إلى أنني موجود في هذه الزنزانة، وبعد لحظات جاء السجان وقال: هنا الولد؟... قالوا أيوه يافندم، فوقفت وقال: اعمل التحية يا بن..، فعملت التحية، ثم قال: انزل قوام على تحت وشيعني بالكرابيج تلاحقني من خلفي، يلهب بها جسدي أينما هبطت فكنت عبثاً أحاول تفادي بعض لهيبها متخطياً درجات السلم هكذا إلى أن بلغت الدور الأرضي ولا أكاد ألتقت أنفاسي بل أكاد أهوي إعياء إذ كان الألم يشتعل في كل جسدي ثم استقبلني الشاويش (أمين).. إنت الولد اللي بنادي عليه قلت: نعم قال: مطلوب للتحقيق، بكره جلستك، إن شاء الله إعدام، وانهال على ضرباً، وأدخلوني حجرة بها شخص لابس مدني وآخر لابس عسكري (ضابط) فسألني الضابط:
اسمك – وسنك – مهنتك – وبلدك؟ فأجبته. ثم سألني:
إنت عندك عربات ملاكي أرقام....،.... قلت نعم. ثم سألني؟
إنت عندك أطيان كيت وكيت؟ قلت نعم. ثم سألني:
إنت عضو في مكتب الإرشاد؟ قلت نعم.
ثم عقب قائلاً: واحد مبسوط زيك غني وثري ماله ومال الإخوان! ثم سألني: إيه رأيك في حسن الهضيبي؟ قلت: مستشار عظيم فرد قائلاً: يصلح أن يكون مرشداً؟ قلت: أكفأ واحد يصلح أن يكون على رأس الجماعة. قال يا سلام... اكتب الكلام ده! قلت: هذا رأيي فلاحظت أن وجهه اصفر وأذنيه احمرت وعيناه زاغتا وقال: يا سلام...ده أنت صادق قوي.. الصدق طالع من عنيك.. يبقى حسن الهضيبي اللي حاول قتل رئيس الحكومة يصلح أن يكون مرشداً؟ ! قلت: محصلش.. قال يا سلام.. يا سلام.. يا سلام.. بكره حاتشوف... بكره حاتشوف ما دام حسن الهضيبي ينفع مرشد بكره حاتشوف.. (وهو يشير بذلك إلى جلسة باكر السبت 4 من ديسمبر سنة 1954 حيث النطق بالحكم).
وكان التحقيق معي مرة ثانية بعد وقوفي أمام المحكمة في جلسة 27 من نوفمبر سنة 1954، وحضور الأستاذ/ حسين أبو زيد المحامي معي كان الغرض منه إقناعي بالعدول عن تمسكي وارتباطي بالجماعة وفضيلة مرشدها توطئة لإخلاء سبيلي والإفراج عني. وكانت هذه هي المحاولة الأخيرة لإقناعي، وبعد الانتهاء من إجراء هذا التحقيق القصير نادى المحقق على الشاويش أمين قائلاً له: خذوه ففهمت أنهم سيضربونني، لكن الشاويش – أمين – سحبني إلى خارج الحجرة حيث كان منشغلاً بضرب أخ آخر منتشياً بذلك فضربني بكرباج على ظهري وقال: على فوق يا بن... وأمام الزنزانة استقبلني السجان وقال: خلصت تحقيق.. قلت: خلصت قال: فين التحية يا بن.. فعملت التحية، وفتح الزنزانة فدخلت وأغلق علينا بابها وأخذنا نتحدث أنا والإخوان حتى حان وقت صلاة العشاء فأممت الإخوان وقرأت بالجهر وصلينا جميعاً العشاء وعقب الصلاة نبهني الإخوان بضرورة عدم الجهر في الصلاة مرة أخرى حتى لا يترتب على ذلك تكدير جميع الإخوان في الدور كله.
وكان لا يسمح لنا بدخول دورة المياه إلا مرة واحدة كل ثمان وأربعين ساعة بشرط ألا يزيد مكث الفرد عن دقيقة واحدة في التبرز وإلا فتح عليه الباب وانهالت عليه الكرابيج.
وبمناسبة الكلام عن الصلاة في السجن تحضرني نادرة أنني والإخوان خرجنا ذات مرة في موعدنا إلى دورة المياه وعندما هممت بالدخول إلى المرحاض كما هي العادة صرخ الشاويش قائلاً: توضأ الأول... فحاولت أن أفهمه السنة المتبعة فأبي أن يستجيب وقال إنت حاتعلمني الدين يا خاين الوطنية.. فحاولت عبثاً أن أقنعه فرفض إلا أن أنفذ أمره، فنفذت أمره وتوضأت ثم دخلت المرحاض وفي داخل المرحاض بعد أن قضيت حاجتي توضأت من الصنبور الذي بداخله.
وهكذا كانت الأشخاص والعقول التي كنا نتعامل معها في داخل السجن..صلف..وجهل.. وشر ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم.
وفي الصباح يوم السبت الرابع من ديسمبر سنة 1954 – استدعينا ووضع الكلابش في أيدينا وتوجهنا في حراسة مشددة إلى مبنى المحكمة لسماع الحكم، وكان في مقدمتنا فضيلة المرشد الأستاذ/ حسن الهضيبي. وهناك وضعنا في حجرتين كل في مقعد ونودي على الشهداء: عبد القادر عودة – والشيخ/ محمد فرغلي – وإبراهيم الطيب ويوسف طلعت – وهنداوي – ومحمود عبد اللطيف.
وحكم على هذه المجموعة الأولى بالإعدام شنقاً.
ثم نودي على: الأساتذة: فضيلة المرشد/ حسن الهضيبي – الذي استبدل حكمه من الإعدام إلى المؤبد – وعبد العزيز عطية – والدكتور/ كما ل حسين كمال الدين – ومنير أمين دلة – وصالح أبو رقيق – ومحمد حامد أبو النصر (الشاهد على الأحداث).
وحكم على هذه المجموعة الثانية بالأشغال الشاقة المؤبدة.
ثم نودي على الأستاذ/ عمر التلمساني – وفضيلة الشيخ/ أحمد شريت. وحكم عليهما بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً ثم عدنا إلى الحجرتين بعد صدور الحكم، وهنالك أديت صلاة الظهر منفرداً ولوحظ أنه أثناء تقدمنا لسماع الحكم أن يهرول الحرس بنا جرياً كي نبدو وكأننا منزعجين. وفي هلع من الأحكام وفي هذه الأثناء يشيرون إلى المصورين لأخذ الصور على هذه الحالة. ثم انتظرنا قليلاً في الحجرات حتى انصرف الحاضرون، ثم نقلنا من المحكمة إلى الشفخانة وإن شئت فقل سلخانة السجن الحربي.
ولما عدنا إلى السجن الحربي استقبلنا الشاويش – أمين – وسألنا عن الأحكام وسأل فيمن سأل الأخ المرحوم المستشار الأستاذ/ منير دلة – عضو مجلس الدولة قائلاً له: أخذت كام سنة يا واد يا منير..فقال رحمه الله: أخذت مؤبد. ثم قال مبروك عليكم طرة.. هناك لوكاندة بالنسبة لعندنا. ومن هناك وزعنا حيث نقل الشهداء إلى سجن الاستئناف، ونقل المسجونون إلى ليمان طرة.
وبعد أن سمعنا الأحكام، توجهنا في الحال ومعنا حراسة مشددة إلى ليمان طرة.
وبعد مضي ستة شهور قضيناها في ليمان طرة، رحلنا ومعنا مجموعة من النزلاء المحكوم عليهم في قضايا القتل إلى سجن الخارجة، في وسط الصحراء الغربية بعيداً عن أسيوط بحوالي 240 كيلومتر، وهو عبارة عن خيام خصص بعضها لسكني النزلاء، والبعض الآخر لمرافق السجن وإدارتها، وقد أحيط بالأسوار الشائكة، التي تتخللها أبراج الحراسة وكانت الحكومة تتخوف من بقائنا في سجن الخارجة، لأنه في نظرها سجن مفتوح، فقررت بناء سجن خاص في المحاريق .
حاول أحد النزلاء في سجن المحاريق الهروب من السجن، ففكرت الحكومة جدياً في ترحيلنا إلى سجن قنا، هذا السجن الضيق المحكم الحراسة المكتظ بالسجناء، وهناك وزعنا على زنازين ضيقة، وليس بها إلا نافذة واحدة ولكن الإخوان بما عرفوا به من نشاط وقدرة على العمل، انبثوا في مرافق السجن، وأحسنوا إدارتها، مثل المغسل والمطبخ، وهو أهم المرافق في السجن، "والكانتين"، وغير ذلك من المرافق التي تعتبر عصب السجن، وفي هذا السجن، أنشأ الإخوان قسماً للرسم، وكان يديره مجموعة من الإخوان – الكرام بإشراف الأخ الأستاذ على نويتو، وقد أحدث هذا الرسم شهرة عظيمة للسجن فتوافد عليه الكثير من عشاق الفن، لشراء بعض الرسوم الجميلة بثمن مناسب، مما زاد من دخل السجن، وكان هذا الرسم سبباً من أسباب حسن معاملة إدارة السجن للإخوان والنزلاء، كذلك أخذ الإخوان في هذا السجن، يعاونون النزلاء في طلب العلم والحصول على مؤهلات، وكانت هذه الفرصة طيبة لاتصال الإخوان بالنزلاء، وكانت هناك لقاءات تشبه شعب الإخوان في الخارج، وبذلك تم التعارف والتواد والترابط بين الإخوان وكثير من النزلاء.
ومما يجدر ذكره، أن السادة الضباط المسيحيين كانوا يعاملوننا معاملة طيبة مليئة بالرأفة والرحمة، ونذكر منهم السيد المأمور منير كيرلس، والسيد المأمور البير تادرس، وهذا الأخير كان لاعباً مشهوراً في كرة السلة، على مستوى الجمهورية، ومن ثم كون فريقاً رياضياً للاعبي كرة القدم، وكان جمعية من الإخوان، وهذا الضابط بالذات كان رقيقاً ومهذباً ورحيماً، وقد سألناه ما هو الدافع لمعاملة سيادتكم لنا بهذا الأسلوب الطيب الكريم فكان يقول دائماً، أنتم ناس أصحاب مبادئ، ويجب تقديركم وحسن معاملتكم، فشكرنا له، هذا الفهم السليم، وهذه المعاملة الطيبة....
وفي عام 1970 رحلنا على دفعات إلى سجن مزرعة طرة، وتوطئة للإفراج عنا، وهذا السجن، كانت حجراته واسعة، تسع أكثر من عشرين سجيناً، وكانت المعاملة لا بأس بها وفي هذا السجن تم لقاء بين مجموعة من ضباط المخابرات وبين جميع الإخوان المسجونين في هذا السجن، وكان لقاءً أشبه بالحوار المفتوح بين الإخوان، وضباط المباحث، فقد عرض الإخوان أفكارهم ودافعوا عن دعوتهم وجماعتهم بصراحة ووضوح، ولم يجعلوا من أسوار السجن حائلاً دون توضيح موقفهم، وشرح رسالتهم من يوم أن أسست جماعتهم، وأنهم سيظلون – حاملين راية الإسلام، ويدافعون عنها، ويحمونها بأكرم ما يملكون من أعز المهج والأرواح، وكان هذا الوضوح والبيان دون لف أو دوران محل إعجاب واستغراب ضباط المباحث وغرابتهم وانتهى اللقاء، وبدأ الإفراج عنا على دفعات .
[تحرير] مؤلفاته
- حقيقة الخلاف بين "الإخوان المسلمين" وعبد الناصر.