غسان كنفاني

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

غسان كنفاني (عكا 1936 - بيروت 8 يوليو 1972) كاتب فلسطيني تم اغتياله على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في 8 يوليو 1972 وعمره 36 عاما بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت. كتب بشكل أساسي بمواضيع التحرر الفلسطيني. ولد غسان كنفاني في عكا في فلسطين. وفي عام 1948 أجبر وعائلته على النزوح فعاش في سوريا كلاجىء فلسطيني ثم في لبنان حيث حصل على الجنسية اللبنانية. أكمل دراسته الثانوية في دمشق وحصل على شهادة البكالوريا السورية عام 1952. في ذات العام تسجّل في كلية الأدب العربي في جامعة دمشق ولكنه انقطع عن الدراسة في نهاية السنة الثانية، انضم إلى حركة القوميين العرب التي ضمه اليها جورج حبش لدى لقائهما عام 1953. ذهب إلى الكويت حيث عمل في التدريس الابتدائي، ثم انتقل إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية (1961) التي كانت تنطق باسم الحركة مسؤولا عن القسم الثقافي فيها، ثم أصبح رئيس تحرير جريدة (المحرر) اللبنانية، وأصدر فيها(ملحق فلسطين) ثم انتقل للعمل في جريدة الأنوار اللبنانية وحين تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أصدرت الجبهة جريدة ناطقة باسمها حملت اسم "الهدف" وترأس غسان تحريرها، كما أصبح ناطقا رسميا باسم الجبهة. تزوج من سيدة دانماركية (آن) ورزق منها ولدان هما فايز وليلى. أصيب مبكرا بمرض السكر. ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين..وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين..عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً، دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة

نشأته وحياته

والده:

خرج أبوه من أسرة عادية من أسر عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد لابنه أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لأي مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه إلا أن يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية.صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع فما كان عليه إلا أن يتكل علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذى يرسله له والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل، ويشارك بعض الأسر في مسكنها، إلى أن تخرج كمحام.وعاد إلي عكا ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك.

وكافح هناك وزوجته إلى جانبه تشد أزره وتشاركه في السراء والضراء ونجح وكان يترافع في قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية.

وكان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو ارتحل، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع إلى ذكريات كفاحه، فقد كان فريدا بين أبناء جيله، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذي. هذا هو والد غسان كنفاني الذى كان له بدون شك أثر كبير في حياة ثالث أبنائه غسان.

غسان الطفل:

هو الوحيد بين أشقائه ولد في عكا، فقد كان من عادة أسرته قضاء فترات الأجازة والأعياد في عكا، ويروى عن ولادته أن أمه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك وحدث هذا في التاسع من نيسان عام 1936.

كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا وكنا نحسده لأنه يدرس اللغة الفرنسية زيادة عما ندرسه نحن.ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات.فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التى بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين.لذلك فقد حمل الوالد زوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو إلى يافا، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 إلى أن كانت إحدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الأول على مدينة عكا.بقي المهاجرون خارج عكا على تل الفخار (تل نابليون) وخرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم ووقف رجال الأسرة أمام بيت جدنا الواقع في أطراف البلد وكل يحمل ما تيسر له من سلاح وذلك للدفاع عن النساء والأطفال إذا اقتضى الأمر.

ومما يذكر هنا أن بعض ضباط جيش الإنقاذ كانوا يقفون معنا وكنا نقدم لهم القهوة تباعا علما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلي كانت ترابط في أطراف بلدتنا.وكانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها إلى عكا وكانت الصور ما تزار ماثلة في الأذهان.فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.

استمرت الاشتباكات منذ المساء حتى الفجر وفي الصباح كانت معظم الأسر تغادر المدينة وكانت أسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الأسر في سيارة شحن إلى لبنان فوصلوا إلى صيدا وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في أقصى البلدة علي سفح الجبل، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية اذ أن والدهم لم يحمل معه إلا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها في بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهي العمل فيه حين اضطروا للرحيل.

من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثم إلى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة.غسان في طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك في مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.

غسان اليافع:

فى دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة، أبوه المحامي عمل أعمالاً بدائية بسيطة، أخته عملت بالتدريس، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق، ثم عمالاً، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دروسه الابتدائية.بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك في برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.

وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التى كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته.وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الأدب العربي والرسم وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات في مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي.وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الاخري التى أشرف عليها.

وفي هذا الوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب وأترك الكلام هنا وعن حياته السياسية لرفاقه ولكن ما أذكره انه كان يضطر أحيانا للبقاء لساعات متأخرة من الليل خارج منزله مما كان يسبب له إحراجا مع والده الذي كان يحرص علي إنهائه لدروسه الجامعية وأعرف أنه كان يحاول جهده للتوفيق بين عمله وبين إخلاصه ولرغبة والده.

قي أواخر عام 1955 التحق للتدريس في المعارف الكويتية وكانت شقيقته قد سبقته في ذلك بسنوات وكذلك شقيقه.وفترة إقامته في الكويت كانت المرحلة التى رافقت إقباله الشديد والذي يبدو غير معقول على القراءة وهى التى شحنت حياته الفكرية بدفقة كبيرة فكان يقرأ بنهم لا يصدق.كان يقول انه لا يذكر يوماً نام فيه دون أن ينهي قراءة كتاب كامل أو ما لا يقل عن ستماية صفحة وكان يقرأ ويستوعب بطريقة مدهشة.

وهناك بدأ يحرر في إحدى صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسياً بتوقيع "أبو العز" لفت إليه الأنظار بشكل كبير خاصة بعد أن كان زار العراق بعد الثورة العراقية عام 58 على عكس ما نشر بأنه عمل بالعراق.

في الكويت كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة "القميص المسروق" التى نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية.ظهرت عليه بوادر مرض السكري في الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت في كانون الثاني عام 1955.فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هى شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا في السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.

عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية كما هو معروف.

غسان الزوج:

بيروت كانت المجال الأرحب لعمل غسان وفرصته للقاء بالتيارات الأدبية والفكرية والسياسية.

بدأ عمله في مجلة الحرية ثم أخذ بالإضافة إلى ذلك يكتب مقالاً أسبوعيا لجريدة "المحرر" البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعية صباح كل اثنين.لفت نشاطه ومقالاته الأنظار إليه كصحفي ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً لكثير من المهتمين.عام 1961 كان يعقد في يوغوسلافيا مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكذلك كان هناك وفد دانمركي.كان بين أعضاء الوفد الدانمركي فتاة كانت متخصصة في تدريس الأطفال.قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطيني ولأول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية.

واهتمت الفتاة اثر ذلك بالقضية ورغبت في الإطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها إلى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم إلى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار وإياها المخيمات وكانت هى شديدة التأثر بحماس غسان للقضية وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب.ولم تمض على ذلك عشرة أيام إلا وكان غسان يطلب يدها للزواج وقام بتعريفها علي عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها.وقد تم زواجهما بتاريخ 19 أكتوبر 1961ورزقا بفايز في 24/8/1962 وبليلي في 12/11/1966.

بعد أن تزوج غسان انتظمت حياته وخاصة الصحية اذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه.

عندما تزوج غسان كان يسكن في شارع الحمراء ثم انتقل إلى حى المزرعة، ثم إلى مار تقلا أربع سنوات حين طلب منه المالك إخلاء شقته قام صهره بشراء شقته الحالية وقدمها له بإيجار معقول.

وفي بيروت أصيب من مضاعفات السكري بالنقرس وهو مرض بالمفاصل يسبب آلاماً مبرحة تقعد المريض أياماً.ولكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لا توصف وكان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل.

وبرغم كل انهماكه في عمله وخاصة في الفترة الأخيرة إلا أن حق بيته وأولاده عليه كان مقدساً.كانت ساعات وجوده بين زوجته وأولاده من أسعد لحظات عمره وكان يقضى أيام عطلته (إذا تسنى له ذلك يعمل في حديقة منزله ويضفي عليها وعلى منزله من ذوق الفنان ما يلفت النظر رغم تواضع قيمة موجوداته.

و رغم ذلك الاخلاص فانه من المعروف تماما في ذلك الوقت وجود علاقة عاطفية لغسان مع الاديبة السورية غادة السمان التي كانت تخطو خطواتها الاولى آنذاك ، و كثير من رسائله الوجدانية على صفحات الجرائد كانت موجهة لغادة دون غيرها و في عام 1993 نشرت غادة السمان عن دار الطليعة رسائل غسان الموجهة لها تحت عنوان"رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان" و هي رسائل خاصة و لا علاقة لها بالمنشور في الجرائد الا بقدر ما يشير غسان لذلك و اثارت هذه الرسائل ضجة كبيرة بين مؤيد لكشف جانب الانسان العاشق في غسان و بين معارض لان ذلك قد يشوش على جانب الالتزام في حياته النضالية.. و الرسائل منشورة بخط غسان و لم يجروء حتى المعارضين على التشكيك بصحتها..من جهتها تؤكد غادة ما تشير اليه الرسائل من وجود رسائل من غادة إلى غسان لكنها تقول ان تلك الرسائل لا بد ان تكون في حوزة ورثة غسان - و قد طالبت مرارا بأفساح المجال لرسائلها بالنشر إلى جانب رسائل غسان.. غسان القضية:

أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به.

"عائد إلى حيفا"، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا؛ وقد وعي ذلك، وهو ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع. ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.

"أرض البرتقال الحزين"، تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية. "موت سرير رقم 12"، استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض. "رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق. فى قصته "ما تبقي لكم"، التي تعتبر مكملة "لرجال في الشمس"، يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.

قصص "أم سعد" وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة، والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه "عن الرجال والبنادق".

كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر في كاراج البناية التى يسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر".

غسان الرائد:

تجب وضع دراسة مفصلة عن حياة غسان الأدبية والسياسية والصحفية ولكننا في هذه العجالة نكتفي بإيراد أمثلة عن ريادته بذكر بعض المواقف في حياته وعتها الذاكرة: كان غسان أول من كتب عن حياة أبناء الخليج المتخلفة ووصف حياتهم وصفاً دقيقا مذهلا وذلك في قصته "موت سرير رقم 12"، ولا أستطيع أن أؤكد إذا كان سواه قد كتب عن ذلك من بعده.

فى أوائل ثورة الـ 58 بالعراق أيام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان العراق ورأى بحسه الصادق انحراف النظام فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع "أبو العز" مهاجما العراق فقامت قيامة الأنظمة المتحررة ضده إلى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلين سبقه في كتاب خاص بذلك.

بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة "المحرر" اليومية استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكانت على ما أذكر الصفحة الخامسة وكان يحررها هو وآخرون.ومنذ سنة تقريبا استحدثت إحدى كبريات الصحف اليومية في بيروت صفحة مماثلة وكتب من كتب وأحدهم أستاذ صحافة في الجامعة الأميركية كتبوا في تقريظ هذه الصفحة وساءني أن يجهل حتى المختصون بالصحافة أن غسان قام بهذه التجربة منذ سنوات.

لا أحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية في الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقاومة، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضرته عنهم ومن ثم كتابه عن "شعراء الأرض المحتلة" مرجعا مقررا في عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين.

الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيونى كانت لغسان ونشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان "في الأدب الصهيوني". أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللا سلم واللا حرب ولو عدنا قليلا إلى الأشهر التى تلت حرب حزيران 67 وتابعنا تعليقات غسان السياسية في تلك الفترة لوجدناه يتحدث عن حالة اللا سلم واللا حرب أى قبل سنوات من الاكتشاف الأخير الذى تحدثت عنه الصحافة العربية والأجنبية.

إننا نحتاج إلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفاني. هل نتحدث عن صداقاته ونقول أنه لم يكن له عدو شخصي ولا في أى وقت وأي ظرف أم نتحدث عن تواضعه وهو الرائد الذى لم يكن يهمه سوى الإخلاص لعمله وقضيته أم نتحدث عن تضحيته وعفة يده وهو الذى عرضت عليه الألوف والملايين ورفضها بينما كان يستدين العشرة ليرات من زملائه.ماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون في حاجة إليه، إلى إيمانه وإخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف يأساً وقنوطا وقصر نفس.

كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أن نستعيده إلا إذا استعدنا الوطن.

عمل في الصحف والمجلات العربية التالية:

عضو في أسرة تحرير مجلة "الرأى" في دمشق.

عضو في أسرة تحرير مجلة "الحرية" في بيروت

رئيس تحرير جريدة "المحرر" في بيروت.

رئيس تحرير "فلسطين" في جريدة المحرر.

رئيس تحرير ملحق "الأنوار" في بيروت.

صاحب ورئيس تحرير "الهدف" في بيروت.

كما كان غسان كنفاني فنانا مرهف الحس، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما رسم العديد من اللوحات.


استشهد صباح يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدي إلي استشهاده مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).


[تحرير] كتاباته

  • موت سرير رقم 12 ، 1961
  • أرض البرتقال الحزين ، 1963( وهي مجموعته القصصية الأولى) ولكنها ليست الأولى في النشر
  • رجال في الشمس ، 1964
  • الباب ، 1964
  • عالم ليس لنا ، 1965
  • أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966 ، 1966
  • ما تبقى لكم ، 1966
  • عائد إلى حيفا
  • أم سعد
  • زمن الاشتباك
  • من قتل ليلى الحايك (رواية بوليسية)



"رجال في الشمس" هي الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، والرواية تصف تأثيرات نكبة فلسطين سنة 1948 على الشعب الفلسطيني من خلال أربعة نماذج من أجيال مختلفة، وهي تقدم الفلسطيني في صيغة اللاجئ –كما يرى الناقد فاروق عبد القادر- وهي الصيغة التي يطورها غسان كنفاني في روايتيه التاليتين "ما تبقى لكم" حيث يقدم الفلسطيني/الفدائي، و"عائد إلى حيفا" حيث يقدم الفلسطيني/الثائر، متمشيا بذلك مع تطور القضية الفلسطينية ذاتها.

أبو القيس.. البحث عن شجرات الزيتون..!!

"أبو القيس" هو أول الشخصيات التي تعرضها الرواية، رجل فقد بيته وشجرات الزيتون التي يملكها وأصبح يعيش مع زوجته الحامل وابنه الصغير في المخيمات، لا يجرؤ على التفكير في السفر للكويت حيث سافر الكثيرون وعادوا بالأموال التي حققوا بها أحلامهم الخاصة، "أبو القيس" شديد الارتباط بوطنه، يحلم بعودة ما كان، لكنه لا يعرف كيف يمكن أن تحدث هذه العودة بعد ضياع كل شيء.. "أبو القيس" رجل عجوز يخرج مضطرًا ولا يأمل كثيرًا في النجاح أو العودة الظافرة، لكنه يستجيب للضغط الذي يمارسه عليه أحد العائدين الأغنياء وحالة الفقر المدقع التي يعانيها هو وأسرته، فيودع زوجته وابنه ويسافر إلى العراق محاولاً أن يجد فرصة ليهرب عبر الحدود العراقية الكويتية من البصرة إلى الكويت ليحصل على النقود التي يبني بها بيتًا ويشتري شجرات زيتون جديدة.

أسعد.. المطارد..!!

أما الشخصية الثانية في الرواية فهو "أسعد"، وهو شاب مناضل تطارده السلطات بسبب نشاطه السياسي، لكنه يحاول الهرب إلى العراق بمساعدة أحد أصدقاء والده القدامى، ذلك الصديق الذي يسلبه عشرين دينارًا ويتركه في منتصف الطريق واعدًا إياه بشرفه أن يقابله بعد المرور على نقطة التفتيش، ولا يفي بوعده، فيفقد أسعد ثقته في البشر جميعًا، لكنه يستطيع الوصول إلى العراق مصممًا على عبور الحدود إلى الكويت ليستطيع أن يكون ثروة يرد بها الـخمسين دينارًا التي أقرضها له عمه ليبدأ بها حياته ويتزوج ابنة عمه التي لا يحبها لكنها خطبت له يوم مولدهما.

مروان.. الغوص في المقلاة..!!

أما "مروان" فهو فتى في المرحلة الثانوية يضطر لترك المدرسة والذهاب إلى البصرة ليدخل منها إلى الكويت بمساعدة المهربين حتى يعمل وينفق على أمه وإخوته الصغار.. أخو مروان يعمل بالكويت، وكان يرسل إلى الأسرة ما يكفيها، لكنه تزوج وتوقف عن إرسال نقود، بل أرسل رسالة إلى مروان يقول له فيها: لا أعرف معنى أن أظل أنا أعمل وأنفق على الأسرة بينما تذهب أنت إلى المدرسة السخيفة التي لا تعلّم شيئًا.. اترك المدرسة وغص في المقلاة مع من غاصوا..!! وبسبب توقف النقود يقبل والد مروان الزواج من فتاة فقدت ساقها بسبب قنبلة في غارة يهودية؛ لأنها تملك دارًا من ثلاث حجرات بسقف إسمنتي، فيهرب بذلك من مسئولية أسرته، ويحقق حلمه بالحياة في بيت له سقف بدلاً من خيام اللاجئين، ويؤجر حجرتين ويسكن هو وزوجته الجديدة في الحجرة الثالثة.

أبو الخيزران.. القيادة العاجزة الانتهازية..!!


غسان كنفاني

يرفض الثلاثة التعامل مع المهرب المحترف الذي يصر على أخذ خمسة عشر دينارًا مقدمًا من كل فرد؛ لأنهم يعرفون أن الدليل يمكن أن يتركهم في منتصف الطريق ويهرب.

ويلتقون بالشخصية الرئيسية الرابعة في الرواية "أبو الخيزران"، وهو مهرب يعمل مع تاجر كويتي كبير اسمه "الحاج رضا"، يقبل "أبو الخيزران" أن يهربهم مقابل عشرة دنانير من كل منهم بعد الوصول إلى الكويت (ويعقد اتفاقا سريا مع مروان على أن يأخذ منه خمسة دنانير) في سيارة الحاج رضا التي لا تفتش لأن جميع رجال الحدود يعرفونها ويعرفون الحاج رضا، وهم أصدقاء للسائق نفسه.

"أبو الخيزران" سائق ماهر، عمل في الجيش البريطاني، وعمل مع الفدائيين فأصيب بقنبلة أفقدته رجولته وأعطته كل مرارة العالم، فكره نفسه، وجعل كل طموحه في تكوين ثروة يعيش بها في هدوء وسكون بعد عمر من الحركة التي لا تهدأ، كان يشعر أنه فقد أهم شيء في حياة الرجل من أجل الوطن، لكن الوطن لم يرجع، ورجولته فقدت إلى الأبد.

أما السيارة فهي سيارة نقل مياه قديمة متهالكة وبها خزان ضخم فارغ هو ما سيختفي فيه أبطال الرواية الثلاثة ليعبروا نقطتي الحدود العراقية والكويتية.

الرحلة الرهيبة..!!

يقدم غسان كنفاني شخصية "أبو الخيزران" كنموذج للقيادة العنينة الانتهازية التي تدعي التفكير في المجموع في حين أنها تسعى إلى مصالحها الشخصية مهما تأذى الآخرون أو أضيروا..

يتفق "أبو الخيزران" مع الثلاثة أن يبقى اثنان فوق الخزان ويجلس معه الثالث، وهكذا بالتبادل طوال الطريق في صحراء ترسل شمسها شواظًا من لهيب قاتل، وقبل أن يصلوا إلى نقطة الحدود بخمسين مترًا يدخلون الخزان، وعليه أن ينهى الإجراءات فيما لا يزيد على سبع دقائق ثم يسرع بالسيارة ليخرجهم من الخزان بعد 50 مترًا من نقطة الحدود.

الأكذوبة.. والموت..!!

وتنجح الخطة في نقطة الحدود العراقية، يختبئون في الخزان، يكادون يختنقون، لكن الأمر رغم الجهد يمر بسلام، وعند الاقتراب من نقطة الحدود الكويتية يستعدون لأخذ ما يسميه "أبو الخيزران" بالحمام التركي، ويطلقون عليه جهنم، لكن موظفا عابثا يعطل "أبو الخيزران" ويصر أن يحكي له السائق حكايته مع الراقصة العراقية "كوكب" التي تحبه لدرجة العبادة بسبب فحولته كما حكى له الحاج رضا (!!).. ورغم المفارقة المؤلمة في الحكاية الخيالية فإن تلك الأكذوبة تكون السبب في موت الثلاثة اختناقا في خزان المياه بسبب تأخر "أبو الخيزران" عليهم.

لماذا لم تدقوا الجدران..؟!

يفكر أبو الخيزران في إلقاء جثثهم في الصحراء لكنه يتراجع حتى لا تنهشها الضواري ويقرر أن يلقي بها فوق أول مزبلة يقابلها على الحدود ليسهل اكتشاف الجثث ويتم دفنها، وبعد أن يلقي بهم فوق المزبلة ويسير قليلاً.. يعود ليجردهم من الساعات والأموال.. وينطلق بسيارته مبتعداً وهو يتساءل بدهشة: لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ وتردد الصحراء النداء الذي يؤكد سلبيتهم في مواجهة الموت؛ فهم حتى لم يدقوا جدران الخزان ليتم إنقاذهم حتى ولو سجنوا فهذا أهون من الموت.

يدين غسان كنفاني في روايته كل الأطراف التي تسببت في نكبة فلسطين، القيادات العاجزة، والقيادات الخائنة، والشعب المستسلم، والذين تخلوا عن الأرض ليبحثوا عن خلاصهم الخاص!!

عن الرواية

"رجال في الشمس" رواية قصيرة (110 صفحات من القطع المتوسط) لكنها محكمة، ليس بها كلمة واحدة زائدة أو موقف بلا معنى أو عبارة إنشائية، والكاتب لا يلجأ للشعارات أو المباشرة، ولكنه يوضح موقفه من خلال السرد الروائي الذي تتداوله شخصيات الرواية والكاتب، كما أنه يعتمد بشكل كبير على المنولوج الداخلي في سرد الأحداث، وواضح أيضا أن الكاتب استفاد من تقنية السيناريو السينمائي فحكى روايته بالصورة قبل كل شيء آخر، ولعل هذا من الأسباب المهمة التي جعلت المخرج المصري توفيق صالح يتحمس للرواية ويقرر أن يصنع منها فيلمًا سنة 1965 لكنه لا ينجح في ذلك إلا سنة 1972، وفى سوريا وليس في مصر.

المخدوعون.. أمانة تامة مع الرواية

قلت لتوفيق صالح: أنت لم تجامل نفسك عندما قلت إنك لم تشاهد فيلما في أي مكان في العالم كان أمينا مع العمل الروائي مثل فيلم "المخدوعون" المأخوذ من رواية "رجال في الشمس"؛ فقد التزم المخرج بالعمل الروائي تماما وبكل تفاصيله وبرسمه للشخصيات وتسلسل الأحداث فيه، ومع ذلك استطاع توفيق صالح صنع فيلم ممتاز حصل على العديد من الجوائز، وأرضى الجمهور، فأنت تجلس مشدودا لمتابعة أحداث الفيلم حتى ولو كنت تحفظ الرواية أو كنت قد انتهيت من قراءتها توًّا كما حدث معي؛ فهو يحافظ على إيقاع مشدود متوتر طوال الفيلم يساعده في ذلك موسيقى تصويرية جيدة، ولم تفلت منه الشخصيات ولم يضع لقطة واحدة زائدة أو في غير موضعها، كما أنه أضاف للرواية باستخدام إمكانات السينما ليعبر عن المعاني الرمزية والعميقة المختفية خلف السطور؛ ففي إحدى اللقطات مثلاً يموت أحد الفدائيين وتمتد يد مجهولة لتأخذ البندقية من يده المتشنجة أصابعها على قبضتها، وفي اللقطة الأخيرة من الفيلم نرى أصابع إحدى الجثث مضمومة بشكل يوحي بأنها قابضة على بندقية لكنها في الحقيقة فارغة وملقاة فوق القمامة ومن بعيد نرى خزانات البترول، كما أن توفيق صالح جعل الشخصيات الثلاثة تدق جدران الخزان لكن أحدًا لم يسمعها...

فوق "مزبلة التاريخ"..!!

يقول توفيق صالح: أعتقد أنه علينا أن نعرف من هي اليد المجهولة التي انتزعت منا السلاح فحدثت النكبة، وأعتقد أن القضية لن تعود إلى الحياة إلا بعد أن تقبض اليد الفارغة على السلاح وتستعمله، كما أن هؤلاء الرجال ماتوا فوق مزبلة التاريخ وهو يبحثون عن خلاصهم الشخصي بعيدًا عن المكان الحقيقي الذي يجب أن يكونوا فيه، ماتوا وهم يبحثون عن الفتات في مواجهة الثراء الفاحش المتمثل في خزانات النفط.

وقد سألني غسان كنفاني: لماذا جعلت الرجال يدقون جدران الخزان..؟

قلت له: ألستم تخطفون الطائرات لينتبه العالم إلى قضيتكم..؟

قال: نعم..!!

قلت: فأنا أرى أنكم تدقون جدران الخزان لكن لا أحد يسمعكم؛ لأنه لا أحد يريد أن يسمعكم وعليكم أن تجبروهم لكي يسمعوا ويفهموا..!!

ولا بد أن أشير إلى أن الفيلم أنتج سنة 1973 من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق، وهو بطولة عبد الرحمن القرشي وبسام لطفي وصالح خلقي، وتصوير بهجت حيدر وموسيقى صلحي الوادي. كما حصل الفيلم على الجائزة الذهبية بمهرجان قرطاج للأفلام العربية والأفريقية سنة 1973، واختير كواحد من أهم مائة فيلم سياسي في تاريخ السينما العالمية.

يمكن قراءة الرواية والفيلم قراءات متعددة لثرائهما الفني والفكري، لكن تظل إحدى الميزات الكبرى التي امتلكها الكاتب والمخرج الرؤية الثاقبة التي تنبأت بالمستقبل أو بشرت به أو دعت إليه فحدثت الانتفاضة وأصبح للفلسطيني صوت يسمعه العالم راضيًا أو مضطرًا...!!