حياة سياسية في عهد اسماعيل

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الحياة السياسية في عهد الخديوي إسماعيل

إن الحياة النيابية في كل أمة تتبع أولاً النظام الذي تسير عليه ، ثم تتأثر من الحياة السياسية في عصرها ، وقد بينا القواعد الأساسية لنظام مجلس شورى النواب ن فلنبحث الآن ، عن مبلغ تأثره من الحياة السياسية في عصره. كان عهد إسماعيل في الجملة عصر تقدم ونهضة ، ولكنة من ناحية نظام الحكم يعد من عصور الحكم المطلق ، فقد كان من أخص صفات الخديوي إسماعيل ميله إلي الانفراد بالحكم ، والاستئثار بالأمر والنهي ، ويدل منطق الحوادث ، على أنه حين أنشأ مجلس شورى النواب لم يعتزم التخلي عن سلطته المطلقة ، بل أراد أن يجعل منه هيئة استشارية تزيد من رونق الحكم وبهائه. ثم أن تأسيس هذا المجلس من غير أن تسبقه حركة مطالبة من الأمة جعله يأخذ شكل المنحة ، ومن هنا نشأت سلطته الضئيلة ، ونفوذه يكاد يكون شكلياً ومن جهة أخرى فنظام الانتخاب كان له أثر بالغ في تكوين المجلس ، ذلك أن حصر حق الانتخاب في العمد والمشايخ أسفر عن انتخاب معظم النواب من العمد وأعيان البلاد ، حتى صار جديراً بأن يسمى " مجلس الأعيان ".

فهذه الطبقة من الأمة هي التي كانت ممثلة فيه تمثيلاً واسعاً. أما طبقة التجار والصناع فلم يكن لهم ممثلون إلا النزر اليسير الذي لا يؤثر في طابع المجلس ، وكذلك خلا من الطبقات المتعلمة التي تخرجت من المدارس والبعثات العلمية منذ عهد محمد على ، فهؤلاء لم يكونوا ممثلين فيه ، لأن نظام الانتخاب في ذاته لا يجعل لهم حظا في عضوية المجلس ، أضف إلي ذلك أن هذه الطبقة كانت إلي ذلك العصر منصرفة إلي مناصب الحكومة ، ولم تتجه إلي الحياة الحرة ن ولم تألفها بعد ن فكانت بحكم هذه الظروف جزءاً من الأداة الحكومية ، وبذلك حرم المجلس من تلك العناصر الحرة المثقفة التي ترسل إلي الهيئات النيابية نوراً من الحياة والحرية والاستقلال في الرأي ، وتبعث فيها روحاً من الشعور بالواجب ، والشجاعة الأدبية ، والتطلع إلي المثل الأعلى.

ولم تكن في البلاد حين تأسيس المجلس صحافة تنبه الأفكار وترشد النواب إلي واجباتهم ، وتبصرهم بحقائق الأمور ، وتنشر مداولاتهم ، وتستثير اهتمام الكافة بمبا حثهم ، ولا ثمة جمعيات سياسية تبث أفكارها ومبادئها القويمة في نفوس النواب ، ويتألف منها ومن الصحافة رأي عام يراقب المجلس ويوجهه إلي الوجه التي ينشدها. ومن ناحية أخرى لم تكن في البلاد ضمانات نظامية أو قانونية او قضائية أو فعلية تحمي حرية الآراء وتكفلها ، كل هذه الظروف كان لها أثرها في تضييق حياة المجلس وتحديد مواقفه وخططه وأعماله.

فهرست

[تحرير] الانتخابات الأولي للمجلس

يهمنا أن نذكر هنا أسماء الأعضاء الذين أسفرت عنهم الانتخابات الأولي ، لأن منهم تألف أول مجلس نيابي في عهد إسماعيل ، وجدير بنا أن نتعرف أسلافنا في الحياة النيابية ، ونتبين مبلغ ما أدوا من واجبات النيابة وتكاليفها.

انظر: أعضاء مجلس شورى النواب سنة 1866.

[تحرير] افتتاح المجلس وخطبة العرش

كان افتتاح المجلس في 25 نوفمبر 1866 (17 رجب سنة 1283 )، إذا اجتمع الأعضاء بمكان الانعقاد (بالقلعة) برئاسة إسماعيل راغب باشا الذي عين رئيساً للمجلس في دور انعقاده الأول، وحضر الخديوي حفلة الافتتاح، بصحبه من أركان حكومته شريف باشا وزير الداخلية ، وحافظ باشا وزير المالية ، وعبد الله باشا عزت رئيس مجلس الأحكام ، وإسماعيل باشا صديق مفتش الأقاليم ، ورياض باشا المهردار (حامل الختم) وأحمد خيري بك كاتب الخديوي.

وتليت خطبة العرش التي كانت تسمى مقالة الافتتاح ، وهذا نصها :

" من المعلوم أن جدي المرحوم حين تولى حكم مصر وجدها خالية عن آثار العمار ، ووجد أهلها مسلوبي الأمن والراحة ، فصرف الهمم العالية لتأمين الأهالي وتمدين البلاد بإيجاد الأسباب والوسائل اللازمة إلي ذلك ، حتى وفقه الله تعالى لما أراد من تأسيس عمارية الأقطار المصرية وكان والدي عوناً له ونصيراً في حياته ، فلما آلت إليه الحكومة المصرية اقتفى أثر أبيه في إتمام تلك المساعي الجليلة ، بكمال الجد والاجتهاد فلو ساعده عمره لكملها على أحسن نظام ، ثم انقلبت أحوال مصر بعدهما إلي أن قدر الله تعالى تسليم زمام إدارة حكومتها إلي يدي ، ومن حين تسلمته لهذا الآن رأيتم دوام سعيي واجتهادي في إكمال ما شرعاه من المقاصد الخيرية ، بتكثير أسباب العمارية والمدنية ن أعانني الله على ذلك، وكثيراً ما كان يخطر ببالي إيجاد مجلس شورى النواب ، لأنه من القضايا المسلمة التي لا ينكر نفعها ومزاياها أن يكون الأمر شورى بين الراعي والرعية ، كما هو مرعي في أكثر الجهات ، ويكفينا كون الشارع حث عليه بقوله تعالى " وشاورهم في الأمر " وبقوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم " فلذا استنسبت افتتاح ذلك المجلس بمصر ، تتذاكر فيه المنافع الداخلية وتبدي به الآراء السديدة ، وتكون أعضائه متركبة من منتخبي الأهالي ، ينعقد بمصر في كل سنة مدة شهرين ، وهو هذا المجلس المقدر بعناية المولى فتحه في اليوم المبارك على يدنا ، الذي انتم فيه أعضاء منتخبون من طرف الأهالي. وأني اشكر الله على ما وفقني لهذا الأمر المبرور ، وواثق من فطانتكم بحصول النتيجة الحسنة من حسن المداولة في المنافع الداخلية الوطنية ، وفقنا الله تعالى لما فيه منفعة للجمهور ، وعلى الله الاعتماد في كل الأمور ".

وتعد هذه الخطبة من الوثائق الهامة في تاريخ الحياة النيابية بمصر ، وهي في مجموعها سديدة المعاني ، وجيزة العبارة ، وأهم ما فيها أنها قررت قاعدة الشورى في نظام الحكم ، واستندت في تقريرها إلي القرآن الكريم ، مما يجعلها قاعدة لا محيص عنها ، ويثبتها في نفوس الشعب ، وفيها تمجيد لنظام الشورى وإشادة بمزاياه ومنافعه ، وإعلان بأن الغاية من الحكم هي منفعة الجمهور ، فورود هذه المبادئ الهامة في النطق الخديوي هو خير دعاية لها وإعلان عنها.

[تحرير] لجنة الرد على خطبة العرش

وافق يوم افتتاح المجلس عيد ميلاد الخديوي إسماعيل فأعلن الرئيس أن هذا اليوم يوم عيد يجب عدم الاشتغال فيه ن فوافق الأعضاء على ذلك ، ثم انتخبوا من بينهم لجنة تتولى تقديم الجواب على خطبة العرش ، فتألفت من عشرة أعضاء وهم اتربي بك أبو العز، هلال بك ، إبراهيم أفندي عفيفي ، محمد أفندي شعير ، الشيخ محمد الصيرفي ، سليمان أفندي عبد العال ، إبراهيم الشريعي ، عمر أفندي أبو يحيى ، حسن أفندي شعراوي ، الشيخ على سيد احمد.

وفي اليوم التالي (26 نوفمبر ) ذهب رئيس المجلس ومعه أعضاء اللجنة إلي السراي الخديوية بملابسهم الرسمية وقدموا إلي الخديوي جواب المجلس على الخطبة.


[تحرير] الجواب علي خطبة العرش

والجواب طويل ، صيغ في قالب تمجيد وتقديس للذات الخديوية يكاد يقرب من العبودية ن مما لا يتفق والروح النيابية الصحيحة ، ويتضمن خلاصة لتاريخ مصر ، وما كان لها من المجد والسؤدد في سالف العصور ، وما آلت أليه من الاضمحلال والتقهقر ، غلي أن تولى زمامها محمد على باشا ، فنهض بها وأعاد مجدها القديم ، ونه بفضل إبراهيم باشا لمؤازرة أبيه في أعماله الجليلة ن وما أعقب عصرهما من وقوف نهضة التقدم ، إلي أن تولي الخديوي إسماعيل الحكم ، فستأنف العمل لنهضتها ، وأفاض الجواب في ذكر مآثر إسماعيل ، ثم أظهر ابتهاج المجلس لما ناله الخديوي من تعديل نظام وراثة العرش. وإليك نص الجواب ، نثبته هنا على طوله ، لأنه يعطينا صورة من الروح التي تسود المجلس ، ومن أسلوب الكتابة في ذلك العصر ، وما تحويه من العبارات المملة والسجع المتكلف والتملق البالغ لولي الأمر.

قال الأعضاء :

" بعد ما تشرفنا بالإصغاء للمقالة الجليلة. الجامعة لجوامع الكلم الجليلة 0 نبادر إلي الاعتراف بما حوته بغاية الانشراح ، وكمال الارتياح ، ونقول إن مما قطفناه من زواهر الأخبار التاريخية وعرفناه من سوالف آثار الديار المصرية. أنها كانت في الأعصار الخالية رافلة في حلل المفاخر الحالية ، وأن بقية الأقطار كانت تستمد من نبل معارفها الوافر. معترفة بأنها مغترفة في الأصل من نبل عوا رفها الزاخر. لكن لتداول أيدي من لم يحسن تدبير ملكها من الملوك السالفين ، تناوبتها نوائب الزمن. وتناولتها أيدي المحن ، حيناً بعد حين. فاندرست معالمها الباهرة ، وانطمست آثار مفاخرها الزاهرة ، ولعبت بها أيدي الدهور وتكاثرت فيها الحروب والشرور ، حتى رجعت القهقرى ، وأصبح غيرها من الممالك في أنواع التمدن متقدماً وملكها متأخرا. وقاسى أهلها من الذلة والمسكنة ما صاروا به غاية الحقارة والمهانة. غلي أنت أراد الله تعالى أن يعيد شبابها بعد الهرم ، ويجدد ما كان من بنيان محاسنها قد أنهدم 0 وينقذ أهلها من هذه المهالك ، وينظمها في سلك احاسن الممالك. فشرفها بجد العزيز جنتلمان محمد على باشا ، فأعاد لها من العمارية ومحاسن الآثار الأصلية ما كان تلاشى. وافرغ قلبه وقالبه في إصلاح حالها 0 وأعمل سديد رأيه وشديد عزمه في إعادة جمالها وكمالها. حتى أزاح عنها تلك الوخامة ، والبسها حلل الشهامة والفخامة ، وأحكم معالم الأحكام. وأقام بها دعائم العدل بين الأنام. ودون فيها دواوين المعارف المتسقة. وجمع بها أصناف المآثر المفترقة ، وجدد فيها القوانين العسكرية ، وأنشأ دوار المدارس العلمية والحكمية حتى ظهرت بعد الخفا 0وأزهرت أفنانها بزهور الصفا ، وعاد إليها من البهاء والبهجة ما كانت فقدته في سالف الأيام وانتظمت مصالحها الأهلية والملكية بحسن تدبيره أحسن نظام. مع ما فازت به من غرائب الصنائع الفائقة ، وعجائب الآثار الرائقة. مما شوهد لنا جميعاً ، وتبوأنا به بيتاً العز رفيعاً. فضلاً عما أورثها من الغنى الأتم، والفخار الأعم، من الاستحكامات الملكية، وإحكام العمليات الوطنية العائدة بعظيم النفع على عموم الرعية. حتى بذلك حسدت مصرنا الأمصار. وصرنا بحمد الله متقدمين في درجات العمار. وقد كان والد العزيز الأكرم عوناً لوالده ،وهو الجد الأمجد في حياته ممضيا الطرق الموصلة إلي التقدم والعمار بسديد آرائه وشديد عزماته. ولما آلت الحكومة إليه سلك سبيل أبيه. وبنى علي تأسيسأته الباهرة مما حسن مساعيه. وأخذ ينشئ ما يكمل به رونق الوطن ، ويجدد من العمارية والآثار الجليلة ما يبقي على مر الزمن ، من إنشاء المجالس الحقانية ، وتكثير الرجال الحربية ، والاستحكامات الملكية ، وغير ذلك مما عقدته نيته ، وأضمرته طويته ن فحسدتنا الأيام عليه ، فلم نتمتع بعز حكومته إلا قليلا حتى نقله الله إليه ن ثم تولي علي الأقطار المصرية وولاياتها من لم يراعوا تلك المآثر العظيمة حق رعايتها ففترت همة مصر السابقة ، وضعفت حركة تقدمها الفائقة ، إلي أن نفحتنا النفحات الإلهية ، وأسعفتنا العناية الربانية ، بالحضرة الإسماعيلية ، وأعطى القوس باريها ولفاً من الله بهذه الديار ومن فيها وتولاها العزيز بن العزيز ، ذلك الجناب الأفخم ، والدور الأكرم. فقام في تنظيم أمورها علي ساق وقدم ،وشمر عن ساعد الجد والاجتهاد في تجديد ما انهدم وإحياء ما انعدم ، وأخذ يداوي تلك العلل ، ويسد ما تخلل بعد أبيه من الخلل ، وسعى في مقاصد أبيه وجده ، باذلاً في موجبات التقدم والتمدن الوطني غاية جده ، شاغلاً باله بأقصى أنواع العمارية ، ومديراً فكره فيما يستدعي لهذه الأقطار كمال الرفاهية ، فأبدى من ذلك ما لم يكن في الحساب ، وزادها من البهجة وأسباب الثروة ما لم تره في سالف الأحقاب ، ورتب ملكها أحسن ترتيب ، ونظم عقده في سلك غريب بأسلوب عجيب ، ومن تمام عناية رب العالمين أن الهم سلطاننا الأعظم ، ولا غرو لأن الملوك من الملهمين ، حصر وراثة الحكومة على التأبيد في نسل إسماعيل بأن يتولاها أكبر أولاده بعد عمره المديد ، فيا لها من فكرة جليلة رائقة ، أسست في هذه الديار من دواعي العمار الأسباب الفائقة ، واستلزمت تحسيناً لأحوالها، وتأميناً لحالها واستقبالها، أطال الله عمر سلطاننا المهاب ( الصواب المهيب ) وذلك دعاء أن شاء الله مستجاب، ثم ازدادت الهمم الإسماعيلية ، يصرف افكارة الخيرية العلية ، فيما يعلي قدر هذا الوطن ، ويرقى انتظام حاله على أسني سنن ، ومن كمال همته السنية ، وتمام رأفته ورحمته بالرعية ، وشغفه بدوام راحتهم وتمام رفاهيتهم اقتضت إدارته العلية إنشاء مجلس شورى أهلية وطنية لما يعلمه من أن جمع الآراء في أمور العالمين ، والمداولة في مصالح الرعية مع عقلاء الوطنيين. من مقتضيات حسن النظام ، وموجبات كمال الالتئام ، وتمام راحة الأنام، وفوض انتخاب أعضاء ذلك المجلس لعموم الأهالي حتى يكون ما يحكمون فيه من الأمور بواقع مألوفهم، وعرض جميع ذلك إلي حضرة الوالي، تبرؤاً من غوائل المغدورية ، وتوفيراً لدواعي العدالة العمومية ، فكانا نحن المنتخبين من سائر الجهات ، المصدفين بموسم مولد الحضرة الخديوية اسر الأوقات، وإذا كان إنشاء هذا المجلس الأنيق من أجل المساعي الحميدة، وأتم نعمة أسداها ولي النعم عبيده ، فمن الواجب الأهم التشكر لتلك الحضرة العلية، والتباهي بتلك المنقبة البهية ، ورفع أكفنا آناء الليل وأطراف النهار بالدعوات، في أجل الأوقات ، وسائر الحالات أن يخلد عز قطرنا هذا بدوام سعود أفندينا الأفخم، وولي عهده حضرة محمد توفيق باشا الأعز الأكرم ، وكذا بقية الأنجال الفخام، ولا يحرم جميعنا ، من حسن أنظارهم ، ونفائس محاسن أفكارهم، بجاه خاتم الرسل الكرام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام "

[تحرير] لجان المجلس

اجتمع الأعضاء يوم الثلاثاء 27 نوفمبر سنة 1866 في مكن انعقاد المجلس (بالقلعة ) ، واشتغلوا بانتخاب لجانه وكانت تسمى (الأقلام)، وعددها خمسة طبقاً لما تقضي به المادة 8 من اللائحة النظامية ن فوزع الأعضاء أنفسهم علي اللجان الخمس وتألفت كل لجنة من خمس عشر عضواً ، أي أن اللجان (أو الأقلام ) اشتملت على جميع أعضاء المجلس ، ونذكر هنا بيان اللجان وأسماء رؤسائها :

لجنة المدائن (العواصم ) ورئيسها موسى بك العقاد.

لجنة روضة البحرين (الغربية والمنوفية) ورئيسها أتربي بك أبو العز ثم سميت لجنة الغربية في الدور الثاني.

لجنة الشرقية ، ورئيسها هلال بك ، وتشمل أعضاء من نواب (الشرقية والدقهلية.

لجنة المنيا ، ورئيسها إبراهيم أفندي الشريعي.

لجنة أسيوط ، ورئيسها سليمان أفندي عبد العال.

والمهمة الأولي لهذه اللجان (الأقلام ) تحقيق صحة نيابة الأعضاء فنظرت كل لجنة في تحقيق نيابة أعضاء اللجنة الأخرى ، وقد قامت اللجان بهذه المهمة ، فكانت النتيجة إقرار صحة نيابة جميع الأعضاء ، وأرسلت النتيجة بكتاب من رئيس المجلس إلي المهر دار الخديوي لكي تعرض على الأعتاب الخديوية لإعطاء تذكرة الاعتماد ( البير ولدي ) للأعضاء.

وللأقلام مهمة ثانية وهي انتخاب لجان أخرى من بين أعضائها تسمى ( قومسيونات ) لبحث المسائل التي يحيلها عليها المجلس كلما رأى لزوماً لذلك ، وطريقة تأليفها ان ينتخب كل قلم من الأقلام الخمسة ، عضواً واحداً من أعضائه ، فتؤلف اللجنة من خمس أعضاء.

[تحرير] اعتماد عضوية النواب

وإليك نص أمر الاعتماد ( البير ولدي ) الذي أصدره الخديوي للنواب بعد تحقيق صحة نيابتهم. "قدوة الوجوه المعتمدين ، والأعيان المنتخبين "فلان من بلدة كذا بقسم كذا بمديرية كذا " زيد إقباله ، ودام كماله ، قد علم آل الوطن العزيز ، وفهم أهل الفطن والتمييز ، ودوام شغف فؤادنا ، واشتغال أفكارنا بما فيه معمورية بلادنا هذه وسعة منفعة ديارنا ، وما يقم أهلها في مدارج التمدن ، ويصعد بهم في معارج التمكن ، وقد علمت أن ترتيب مجلس الشورى الوطنية ، مما يعود على ديارنا هذه بمزيد المزية ، كما جرت سائر المدن المتمدنة، وشوهد بين جميع الملل المتمكنة ، فإن تلاحق الأفكار ، وتصادق الآراء والأنظار ، يستنتج ثمرات الألباب من أغصانها ، ويستخرج محسنات الصواب من أفنانها ، وقد رأيت في أهل وطننا المبارك بحمد الله تعالى وتبارك ، من مزيد الأهلية والاستعداد ، ما يكون عوناً علي حصول المراد. فلذا رسمت بترتيب المجلس المذكور وإنشائه ، وأصدرت لائحة مخصوصة في كيفية انتخاب أعضائه ، بحيث يكونون من وجوه أهل وطننا ، لينوبوا عن سائر أهالي مدائننا وبلداننا ، وقد كمل أمر الانتخاب الآن ، ممن يصلح لهذا الشأن ، وأنت ممن انتخبوا لهذا الخصوص ن وصدق عليهم في قرار القومسيون المخصوص ، وعرض ذلك بواسطة سعادة رئيس المجلس إلينا ، فقوبل بقبوله واستحسانه لدينا. فأصدرت هذا إليك إعلاماً بأنك ممن حاز شرف الامتياز بالعضوية ، في ذلك المجلس مجلس شورى النواب الوطنية ، وذلك لمدة ثلاثة سنين شمسية. حسبما تقرر في اللائحة الانتخابية ن وكلكم أصحاب روية وأهلية ، وأرباب فطنة جلية ، وكمال معرفة بالمصالح الداخلية والمنافع المحلية ، فأملي في سمو أفكاركم ، وعلو أنظاركم ، أن يكون في اجتماعكم هذا ما يزيد أوطاننا به فلاحاً وتمديناً ، وتجاري غيرها من الممالك المعمورة والمدائن المشهورة إصلاحاً وتحسيناً. فتعاونوا في النظر الصائب ، وتبينوا الفكر الثاقب ، وخذوا فيما يتعلق بهذا المجلس من المصالح الداخلية ، والمواد التي ترى الحكومة أنها من خصائص هذه الشورى الوطنية ،وأدوا وظائف هذه الجمعية على وفق حدودها ، وأبدوا من شرائف الآراء البهية خير موجودها ، وتبصروا لما فيه اعتلاء أقدارنا بأقطارنا ، واجتلاء أوطاننا بأوطارنا ، ومزيد الرفاهية لأهاليها وساكنيها على وفق المطلوب ، وانتظام حال الزراعة والتجارة والصناعة فيما على أحسن أسلوب. نسأل الله دوام التوفيق وبلوغ الآمال ، وحسن الحال والمآل فهو مولى الخير ومولى الكمال " في رجب سنة 1283

[تحرير] محاضر الجلسات

لم تكن جلسة الافتتاح معدودة ضمن جلسات المجلس ، وإنما بدأت بعد تأليف الأقلام ، ومحاضر الجلسات كان يكتبها كاتب المجلس ، ويوقع رئيس المجلس على محضر كل جلسة ، أما القرارات فيوقع عليها رئيس المجلس وجميع الأعضاء.

[تحرير] طريقة المداولة في المجلس

انظر المقال الرئيسي: مداولات أول مجلس نيابي مصري 1866.

[تحرير] انتهاء الدور

وفي جلسة الأربعاء 24 يناير 1867 (18 رمضان 1283 ) أعلن رئيس المجلس ختام الدور ، وألقى خطبة وجيزة أعرب فيها عن التشكر للخديوي على منشآته العظيمة "الموجبة لازدياد عمران الوطن " وعلى الأخص إنشاء هذا المجلس ، وشكر الأعضاء على سديد أفكارهم التي أبدوها في المسائل التي عرضوا لبحثها كإنشاء المدارس والعمليات (السخرة ) وتقسيط الأموال وفك العهد وإصلاح الأطيان وإجراءات صيارف القرى ن وسندات المعاملات ، وألمح إلي ما ذكره مندوبو الحكومة الذين حضروا الجلسات من أن أفكار المجلس في المسائل حلت محل القبول لدى الخديوي "ولي النعم " ورجال حكومته ، وأعرب عن أمله في أن تنال البلاد مزيد التقدم بما يبديه الأعضاء في السنين المقبلة من سديد الآراء ، وختم خطبته بالدعاء للذات الخديوية ، وانصرف المجلس على ذلك. وكان يبدو على مقترحات الأعضاء ومداولاتهم حسن القصد ، والرغبة الصادقة في خدمة المصالح العامة ، وإصلاح حالة البلاد من الوجهة الاقتصادية ، وتحسين حالة الأهليين الاجتماعية كما يبدو عليهم الاتزان في الآراء ، وسلامة المنطق ، والخبرة بالمسائل المحلية التي تباحثوا فيها ، وكان يعوزهم إلي حد ما ، الاستقلال في الرأي ، والاضطلاع بالمسائل العلمية والمالية.

أما الحكومة فكانت تعنى بتتبع مباحثات المجلس وتوفد رجالها في بعض الجلسات ، للاتصال بالأعضاء في مباحثهم ، واطلاعهم على وجهة نظرها ، وكان حضورهم يحكم صلة التفاهم بين الأعضاء والحكومة ، وأكثر رجال الحكومة عملاً في هذا الصدد إسماعيل باشا صديق مفتش عموم الأقاليم وقتئذ ، وصاحب الحظوه الكبرى عند الخديوي إسماعيل. ولم يتناول الأعضاء في مباحثهم بالدور الأول إلا الإصلاحات المحلية ، أما المسألة المالية التي كانت تشغل الأفكار في ذلك الحين فإنهم لم يتعرضوا لها ، كما لم يطلبوا اطلاعهم على ميزانية الحكومة ليتباحثوا فيها ، ولم يبدأ تطلعهم إلي البحث فيها إلا في دور الانعقاد الثاني. وصفوة القول إننا إذا لاحظنا نظام المجلس الأساسي وملابسات العصر الذي اجتمع فيه ، نجد أن أعماله ومباحثه تدل على مستوى برلماني لا بأس به من أعضاء أول هيئة نيابية ظهرت في عهد إسماعيل.


[تحرير] مصادر

  • عبد الرحمن الرافعي "عصر اسماعيل".