وقعة الجمل

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

حدثت في العام السادس و الثلاثين للهجرة لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وآل الأمر إلى علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) وبايعه الناس نهض طلحة والزبير ونكثا بيعته وتوجها إلى عائشةرضي الله عنها وكانا سمعا أن عائشةرضي الله عنها لما سمعت بقتل عثمان رضي الله عنه وخلافة علي (رضي الله عنه) قالت: لأطالبن بدمه فقيل لها: بالأمس كنت تحرضين الناس واليوم تقولين هذا؟ قالت: لم يقتلوه إذ قلت وتركوه حتى تاب وعاد كالسبيكة من الفضة وقتلوه. خرجت عائشة بنت أبي بكر على علي بن أبي طالب لقتاله و معها طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام. و كان مكان المعركة بالفرب من البصرة. ثم تقارب الجمعان ورأى علي (رضي الله عنه) تصميم عزمهم على قتاله فجمع أصحابه وخطبهم خطبة بليغة، ثم رفع (رضي الله عنه) يده إلى السماء وقال: اللهمَّ إن طلحة بن عبد الله أعطاني يمينه طائعاً، ثم نكث بيعتي اللهمَّ فعاجله ولا تمهله وإن الزبير بن العوام قطع قرابتي ونكث بيعتي وعهدي وظاهر عدوي ونصب الحرب لي وهو يعلم أنه ظالم، اللهمَّ فاكفنيه كيف شئت وأنّى شئت.

ولما آن أوان القتال وقف أمير المؤمنين (رضي الله عنه) بين الصفين ونادى الزبير فجاءه ودنا منه فقال (رضي الله عنه): ما حملك على ما صنعت؟ فقال: الطلب بدم عثمان رضي الله عنه، فقال: عثمان قتلته أنت وأصحابك فيجب عليك أن تقيد نفسك ولكن أنشدك بالله الذي لا إله إلاَّ هو الذي أنزل القرآن على نبيه محمد أما تذكر يوم قال لك رسول الله: أتحب علياً فقلت: وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي؟ فقال لك: أما إنك لتخرج عليه يوماً وأنت له ظالم؟ فقال الزبير: اللهم بلى لقد كان ذلك، فقال: فأنشدك الله الذي أنزل الفرقان على محمد ما تذكر يوماً جاء رسول الله من عند ابن عوف وأنت معه وهو آخذ بيدك فاستقبلته أنا فسلمت عليه فضحك في وجهي وضحكت أنا إليه فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه أبداً فقال لك النبي: مهلاً يا زبير فليس به زهو ولتخرجن عليه يوماً وأنت ظالم، فقال الزبير: اللهمَّ بلى، فلئن ذكرتني ذلك لأنصرفن عنك، ثم رجع الزبير إلى عائشةرضي الله عنها فقالت: ما وراك يا أبا عبد الله؟ فقال: والله ما وقفت موقفاً في شرك ولا إسلام إلاّ ولي فيه بصيرة وأنا اليوم على شكّ من أمري وما أكاد أن أبصر موضع قدمي، ثم شق الصفوف وخرج من بينهم فلقيه ولده عبد الله فقال: جبناً جبناً، فقال: يا بني قد علم الناس أني لست بجبان ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله، فحلفت أن لا أقاتله، فخرج ونزل على قوم من بني تميم، فقام إليه عمر بن جرموز المجاشعي فقتله وهو نائم وكان في ضيافته. ثم أن أمير المؤمنين (رضي الله عنه) نهى الناس عن القتال وأخذ المصحف وطلب من يقرأه عليهم (وإن طائفتان من المؤمنين...) الآية فقال مسلم المجاشعي: ها أنا ذا فأخذه ودعاهم إلى الله فقطعوا يمينه فأخذه بيده اليسرى فقطعت أيضاً فأخذه بأسنانه فقتل.

وأنذرهم أمير المؤمنين بعد قتل مسلم فلم يقبلوا فقال: اللهمَّ إني أعذرت وأنذرت فكن عليهم من الشاهدين وصاح بأصحابه الآن طاب الضراب وأعطى الراية لمحمد بن الحنفية وقال: يا بني تزول الجبال ولا تزول عض على ناجذك أعِرْ الله جمجمتك تد في الأرض قدميك ارم ببصرك أقصى القوم وغض بصرك وسر واعلم أن النصر من الله، ثم صبر سويعة فصاح الناس من كل جانب من وقع نبال أهل البصرة فنادى محمداً تقدم يا بني فتقدم وطعن طعناً منكراً والتحم القتال وجعل يقرأ: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون)، واتصل الحرب وكثر القتل والضرب فحمل عليهم أمير المؤمنين (رضي الله عنه) فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.

وكان طلحة يحث الناس ويقول عباد الله الصبر الصبر في كلام له، فقال مروان بن الحكم: والله لا أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم ورمى طلحة بسهم فأصاب ركبته فوقع قتيلاً فالتفت مروان إلى أبان بن عثمان وقال: لقد كفيتك أحد قتلة أبيك واشتبك السلاح بالسلاح ولا زال علي يضرب بالسيف حتى قتل جماعة من مشاهير الفرسان منهم عمر بن اليثربي وأخوه وعبد الله بن خلف الخزاعي ومازن الضبي وعبد الله بن نهشل وجعل بنو ضبة يخرج منهم الواحد بعد الواحد ويأخذ بزمام الجمل حتى قتل منهم ثمانية وتسعين رجلاً وهم يزدادون عزيمة والقتل يؤجج ناره والجمل يفني أنصاره.

فصاح علي رضي الله عنه: ما أرى أحداً يقاتلكم غير هذا الجمل وهذا الهودج عرقبوا الجمل لعنه الله فإنه شيطان، وقال لمحمد بن أبي بكر: انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها فوضع أمير المؤمنين سيفه في عاتقه وعطف نحو الجمل وأمر أصحابه بذلك ومشى نحوه والخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالاً شديداً واستمر القتل بني ضبة فقتل منهم مقتلة عظيمة وهجم علي وأصحابه نحو الجمل فعرقب رجل رجلاً من الجمل فدخل تحت رجل ضبي وعرقب منه أخرى فدخل رجل آخر فضربه بجير النخعي على عجزه وعبد الرحمن على عينه وعمار على طرفه فحملته بنو ضبة فرشقوا بالسهام فوقع الجمل بجنبه وضرب بجرانه الأرض وعج عجيجاً لم يسمع بأشد منه فما هو إلى أن صرع الجمل حتى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب فضرب أمير المؤمنين برمحه على الهودج فقال: يا عائشة أهكذا أمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تفعلي؟ فقالت: يا أبا الحسن ظفرت فأحسن وملكت فأسجح، فقال لمحمد بن أبي بكر: شأنك بأختك فلا يدنو أحد منها سواك فدنى منها محمد وقال لها: ما فعلت بنفسك عصيت ربك وهتكت سترك ثم أبحت حرمتك وتعرضت للقتل فسكتت ولم تجبه بشيء فأمر أمير المؤمنين أن تحمل بهودجها إلى دار عبد الله بن خلف وأمر بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح وقال: لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقه ثم لننسفنه في اليم نسفاً)، قال فقالت عائشة لأخيها محمد: أقسمت عليك أن تطلب عبد الله بن الزبير جريحاً كان أو قتيلاً فقال: إنه كان هدفاً للأشتر فانصرف محمد إلى العسكر فقال: اجلس يا ميشوم أهل بيته فاتاها به فصاحت وبكت، ثم قالت: يا أخي استأمن له من علي، فأتى أمير المؤمنين (رضي الله عنه) فاستأمن له منه، فقال: أمنته وأمنت جميع الناس وكان مع أمير المؤمنين في وقعة الجمل عشرون ألفاً منهم البدريون ثمانون رجلاً وممن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ومن الصحابة ألف وخمسمائة رجل وكان مع عائشة رضي الله عنها ثلاثون ألفاً أو يزيدون منهم المكيون ستمائة رجل قتل منهم يوم الجمل عشرون ألفاً وقتل من أصحاب علي ألف وسبعون رجلاً منهم زيد بن صوحان وهند الحملى وأبو عبد الله العبدي وعبد الله بن رقية. و صفح علي بن أبي طالب عنها. و سميت بوقعة الجمل حيث عقر الجمل الذي كان حاملاً لهودج عائشةرضي الله عنها.


هذه بذرة مقالة عن موضوع إسلامي ديني أو تاريخي تحتاج للنمو والتحسين؛ فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.