عثمان أمين
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
عثمان أمين ( - ) فيلسوف مصري. أبو فلسفة الجوانية.
ازدهرت الدراسات الفلسفية الإسلامية في مصر مع إنشاء الجامعة المصرية، حيث اعتبرت جزءا أساسيا من برامج الدراسة فيها، وأتيح لها رائد عظيم جمع بين الثقافتين الإسلامية والغربية، هو مصطفى عبد الرازق أستاذ الفلسفة الإسلامية الأول بجامعة القاهرة، وقد تولى فيما بعد مشيخة الجامع الأزهر، وقد قضى هذا الإمام الجليل عشرين عاما يكون مدرسة ويعد جيلا من الباحثين النابغين، صاروا من بناة الفكر الفلسفي الإسلامي المعاصر في مصر والعالم الإسلامي، من أمثال عبد الحليم محمود، ومصطفى حلمي، وأبو العلا عفيفي، وأحمد فؤاد الأهواني، وعثمان أمين.
وكان لهؤلاء التلاميذ إنتاج محمود في مجال الفكر الإسلامي، فكشفوا عن جوانب شتى من الفكر الفلسفي في الإسلام، وعرّفوا بفرق ومدارس أسهمت كثيرا في الحياة الثقافية الإسلامية، وقد أسهم عثمان أمين في هذه المجالات، وأضاف إلى ذلك أنه وضع مذهبا فكريا، أطلق عليه "الجوانية".
فهرست |
[تحرير] المولد والنشأة
في إحدى قرى محافظة الجيزة بمصر تسمى "مزغونة" ولد عثمان أمين، ونشأن في أسرة ريفية يعمل أكثر أفرادها في الزراعة، وكان أبوه "محمد أمين حسين" على جانب اشتغاله بالزراعة يعمل بالتجارة، ويحفظ القرآن الكريم، ويطالع بعض الكتب الدينية.
وسط هذا الجو نشأ عثمان أمين نشأة دينية محافظة، وحفظ قدرا من القرآن على يد والده، ثم التحق بمدرسة قبطية صغيرة، تعلم فيها مبادئ النحو والجغرافيا والحساب واللغة الإنجليزية، ثم انتقل إلى مدرسة العياط الابتدائية، وأتم بها المرحلة الابتدائية، ثم غادرها إلى المدرسة السعيدية الثانوية بالقاهرة، وفيها تفتحت مواهبه، وأسهم في أكثر وجوه النشاط الاجتماعي في المدرسة، فاشترك في جمعيات الخطابة والتمثيل والرحلات والموسيقى والتصوير، وداوم على قراءة سير القادة والزعماء في العالم، ومطالعة عيون الأدب العالمي.
[تحرير] في كلية الآداب
وبعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن)، واختار قسم الفلسفة للدراسة، ولما وجد أن معظم الدروس والمحاضرات التي تلقى على طلاب الفلسفة كانت بالفرنسية، أصر على إتقانها؛ إذ كان حظه منها ضئيلا، وبذل جهدا مضنيا في تعلمها بنفسه حتى امتلك ناصيتها.
وكانت كلية الآداب آنذاك تضم نخبة ممتازة من أعلام الفكر والأدب، من أمثال طه حسين، وأحمد أمين، ومصطفى عبد الرازق، ومنصور فهمي، ومحمد شفيق غربال، بالإضافة إلى طائفة من قمم المستشرقين من أمثال الإيطاليين "نالينو" و"جويدي"، والألمانيين "براجستراستر" و"ليتمان"، وكانت الصلة بين أولئك الأساتذة والطلاب وثيقة جدا؛ نظرا لقلة عدد الطلاب، وشدة إقبالهم على الدرس والتحصيل.
وفي أثناء دراسته قرأ أمهات الكتب الفلسفية باللغة الفرنسية لديكارت وإسبينوزا وكانط، وأوجست كمت، وبرجسون، وتوثقت علاقته بالشيخ مصطفى عبد الرازق، وبتوجيه منه قرأ مقالات المتكلمين الإسلاميين، ودرس شيئا من مؤلفات الفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد، كما بدأ في نشر سلسلة مقالات تحت عنوان "سوانح الشباب" في مجلة السياسة الأسبوعية التي كان يرأس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل.
[تحرير] في باريس
بعد حصوله على الليسانس من جامعة القاهرة سنة (1349هـ = 1930م) سافر إلى باريس في بعثة دراسية أرسلتها كلية الآداب لدراسة الدكتوراة بجامعة السربون، وقضى هناك نحو سبع سنوات كان خلالها جادا دائما، نهل من موارد البحث والدرس ما وسعه الجهد، قرأ في الأدب والفن، كما قرأ في العلم والفلسفة، وتابع كبار الأساتذة، وجوّد لغته الفرنسية إلى جانب الإنجليزية، وضم إليها حظا غير قليل من اليونانية واللاتينية، واستطاع أثناء بعثته أن يحقق كتابا من أهم كتب المعلم الثاني أبي نصر الفارابي وهو كتاب إحصاء العلوم.
وتوج عثمان أمين جهده العلمي في هذه الفترة بحصوله على الدكتوراة برسالة نفيسة عن الإمام محمد عبده، وكان به معجبا وله مقدرا، حيث يعده واحدا من رسل الوعي الإنساني، ويرى إذاعة مذهبه الذي يمثل أجمل ما في الفكر الإسلامي الحديث، وأبقى ما في الروح العربية التجديدية.
[تحرير] قاعات الدرس
وبعد عودته شغل وظيفة مدرس بكلية الآداب، ثم ترقى في وظائف التدريس حتى أصبح أستاذا للفلسفة الحديثة ورئيسا لقسم الفلسفة، ولم تستأثر جامعة القاهرة بدروسه ومحاضراته، بل انتدبته كثير من الجامعات للتدريس بها؛ تقديرا لعلمه وحرصا على الاستفادة منه، فعمل أستاذا زائرا في ليبيا والسودان، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، والجامعة الباكستانية، وحاضر في جامعات: الأزهر، وعين شمس، والإسكندرية، ومعهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، ومعهد الدراسات الإسلامية، وتخرج على يديه كثير من طلاب العلم، وأساتذة الجامعات.
[تحرير] ميدان البحث والتأليف
شغل عثمان أمين نفسه بدراسة العلم والفلسفة، وتفرغ لذلك تماما، ولم يلهث وراء تولي المناصب الإدارية؛ ومن ثم كان نشاطه العلمي غزيرا ومتنوعا، ومن أهم مؤلفاته:
- رائد الفكر المصري محمد عبده، تعرض فيه لسيرته وفلسفته ومذهبه في الإصلاح ودفاعه عن الدين، وبين أثره في النهضة الفكرية الحديثة، وفي إيقاظ الوعي في العالم العربي. وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية.
- ديكارت: وهي دراسة جادة وعميقة في أربعمائة صفحة، تعرض لسيرة ديكارت وشخصيته وتوضح منهجه، وتحلل الأقوال المختلفة حول فلسفته.
- الفلسفة الوراقية، وهي دراسة فريدة في العربية تتناول هذه الفلسفة وتبين أهميتها، وتشرح آراءها في المنطق والطبيعيات والإلهيات والأخلاق، وتتتبع أثرها وتاريخها لدى الرومان وفي الفكر المسيحي، والفكر الإسلامي.
وله أيضا: "شخصيات ومذاهب إسلامية"، و"محاولات فلسفية"، و"شيلر" و"رواد الوعي الإنساني في الشرق الإسلامي".
كما ترجم عدة كتب من نفائس الفلسفة الغربية، منها: "دفاع عن العلم" لألبير ماييه، و"التأملات في الفلسفة الأولى"، و"مبادئ الفلسفة" وكلاهما لديكارت، و"مستقبل الإنسانية لكارل باسبرز، و"في الفلسفة والشعر" لمارتن هايدجر.
وإلى جانب ذلك أسهم في تحرير أربعة فصول من دائرة المعارف الإسلامية المطبوعة باللغة الأردية في لاهور سنة (1380هـ = 1960م)، وأسهم في كتاب تاريخ الفكر في الإسلام، المنشور بالإنجليزية في هولندا سنة (1378هـ = 1958) وكتاب الشرق الأوسط المعاصر المنشور بالإنجليزية في نيويورك سنة (1385هـ = 1965م).
[تحرير] الجوانية.. فلسفة ثورة
وقد استخلص عثمان أمين فلسفة خاصة ابتكرها وأطلق عليها "الجوانية"، اهتدى إليها بعد إطالة النظر في أمور النفس، ومتابعة التأمل في بطون الكتب، مع مداومة التعرض لتجربة الوقائع والمعاناة لشئون الناس.
وهي فلسفة تحاول أن ترى الأشخاص والأشياء رؤية روحية، لتنظر إلى المخبر ولا تقف عند المظهر، وتلتمس الباطن دون أن تقنع بالظاهر، وتبحث عن الداخل بعد ملاحظة الخارج.
وهي تحاول أن تزاوج بين الذات والموضوع، وأن تجمع بين العقل والقلب، وأن تؤلف بين النظر والعلم، وتدعو في سير الفكر وسلوك الحياة إلى خلوص النية، واستواء السر والعلن، ومجانبة الرياء والتظاهر، وتعتد في تربية الشخصية وتهذيب النفس بالقدوة الحسنة والمثل الطيب، اعتقادا منها أن تأثير الأفعال أشد وقعا من تأثير الأقوال.
و"الجوانية" عنده فلسفة ثورة تحقق أمرين لا بد منهما في مرحلة تطورنا التاريخي: الأول العودة إلى ماضينا ومراجعته، والآخر الاتجاه نحو المستقبل والإعداد له.
ولا تتعارض الجوانية عنده من العقل والعلم، بل تصاحبها إلى نهاية الشوط، ثم تجاوزهما إلى الذوق الصوفي، لتكشف ما لم يستطيعا الوصول إليه، وهي من الدين وإليه، بل إنه صرح بأن هذه الفلسفة نبتت عنده من تأمل روح الدين، والأخلاق عامة، ومن تأمل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ضمن عثمان أمين هذه الفلسفة كتابا بعنوان "الجوانية" عالج فيه تطبيقاتها في ميادين مختلفة، في فلسفة اللغة، وفي الأخلاق الإسلامية وفي رسالة الأمة العربية.
[تحرير] بين التقدير والتكريم
وقد لقي عثمان تقدير المؤسسات العلمية في داخل مصر وخارجها، فانتخب عضوا في مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1394 هـ = 1974م)، وانتخب عضو شرف في الجمعية الديكارتية الفرنسية، وخُصص جناح في مكتبة المؤلفات والبحوث العلمية عن ديكارت لإنتاج عثمان أمين، تحت اسم مصر، ودعي إلى المشاركة في عدد كبير من المؤتمرات والندوات وحلقات البحث العلمي التي تم عقدها في كمبردج، وهارفارد، وفينسيا، ولاهور، وتكساس، وجاكرتا وغيرها.
وقد خصص له المستشرق الفرنسي المعروف جاك بيركن في كتابه "قطوف من الأدب العربي المعاصر" الذي نشره سنة (1390هـ = 1955م) مكانا للتعريف بأعماله العلمية.
ووصفه إبراهيم مدكور رئيس المجمع اللغوي المصري السابق بأنه من بناة الفكر الفلسفي المصري المعاصر، كوّن رعيلا مرموقا من الباحثين والدارسين، وزود المكتبة العربية بزاد وفير من الكتب والبحوث.
[تحرير] مصادر الموضوع:
عثمان أمين – الجوانية أصول عقيدة وفلسفة ثورة – دار القلم – القاهرة – 1964م.
محمد مهدي علام – المجمعيون في خمسين عاما – مطبوعات مجمع اللغة العربية – القاهرة 1406هـ = 1986م.
مجموعة من الباحثين – الدليل الببليوجرافي للقيم الثقافية العربية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1972م.
محمد خير رمضان – تتمة الأعلام للزركلي – دار ابن حزم – بيروت – 1998م.
عبد الحميد حسن – الدكتور عثمان أمين – مجلة مجمع اللغة العربية – القاهرة – الجزء الرابع والثلاثون – شوال 1394 = 1974م.