الحفر على الخشب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

فى النصف الأخير من القرن السابع الهجرى -أى زمن المماليك- رأينا الحفر على الخشب أكثر إتقانًا منه فى العصر الأيوبي، إذ ابتكر فنانو العصر المملوكى أشكالاً جديدة من المراوح النخيلية، ووحدات من الزخارف النباتية التى كان لتفاصيلها الدقيقة أهمية كبرى فى الزخرفة. شاعت فى ذلك العصر الزخارف الهندسية المكونة من حشوات صغيرة، وهذه غالبًا ما كانت تتألف من أشكال سداسية الأضلاع تنتظم حول شكل نجمى فى الوسط، زينت كلها بزخارف نباتية متشابكة. استخدمت فى الحفر أخشاب مختلفة الألوان، طعمت أحيانًا بالأبنوس والعظم، وترى فى القاهرة عددًا من منابر المملوكيين الكاملة مثل: منبر جامع الصالح طلائع، ومنبر جامع بن طولون. وبمتحف فكتوريا وألبرت أمثلة جميلة من خشب المملوكيين، ومن ذلك عدد من الحشوات من منبر الجامع المارداني. والزخارف النباتية التى تزين هذه الحشوات محفورة على مستويين إلا أن السابقة أكثر رقة فى صناعتها.

ثم بدأ الحفر على الخشب فى التدهور بدءًا من القرن التاسع الهجرى، ومما عمل فى هذا القرن منبر جامع قايتباى بالقاهرة وهو الآن بمتحف فكتوريا وألبرت بلندن، وشاع فى مصر نوع من النوافذ الخشبية، وهو يشبه الدانتلا -المشربيات-، وبلغ هذا النوع حد الكمال فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، واستخدمت هذه الطريقة فى عمل الحواجز الفاصلة بين مقصورة المسجد وبقية أجزائه. وصلتنا أمثلة قليلة جدًا من الخشب المحفورة ترجع إلى ما قبل استيلاء السلاجقة على إيران، وتضم المتاحف والمجموعات الخاصة أمثلة عديدة من الحشوات الخشبية الإيرانية ذات الكتابة الكوفية التى ترجع إلى القرن العاشر. وتوجد بمتاحف طشقند وسمرقند نماذج جميلة من الخشب المحفور بتركستان الغربية، وترجع كلها إلى القرنين الخامس والسادس. وبعض هذه الأنواع موجود فى مكانه الأصلى، ومن ذلك عدد من الأعمدة بمسجد خيوه، والأمثلة التى وصلتنا من الخشب المحفور فى تلك المناطق لا تختلف من حيث الزخرفة وأسلوب الحفر عن نظائرها التى ترجع إلى بداية العصر الفاطمى فى مصر. ويعتبر باب مقبرة محمود الغزنوى المحفوظ بمتحف أجرا بالهند من القطع الهامة فى تاريخ الحفر على الخشب فى الفن الإسلامى، ويتكون الباب من أربع حشوات رأسية تفصلها بعضها عن بعض عوارض خشبية وتزينها سبعة صفوف من النجوم، حفرت عليها تفريعات من الزخارف النباتية ذات الأشكال الهندسية، وغالبًا ما تتكون التفريعات من ساقين مختلفين يتصل بعضهما ببعض بأشرطة من حبيبات كروية، كما هى الحال فى بعض قطع الخشب المحفورة من العصر الفاطمي.

أما الزخرفة المحفورة حفرًا عميقًا فموزعة على مستويات مختلفة، ويبدو أن هذه الطريقة إيرانية الأصل. ويوجد بمتحف المتروبوليتان قطعتين من منبر من القرن السادس الهجري، الأولى: عبارة عن حشوة كبيرة عليها صنوف كبيرة من الكتابة الكوفية تزين حنية المحراب، وموضوعات من الزخارف النباتية ذات طابع سلجوقى تزين خصرى العقد الذى يكون المحراب، أما القطعة الثانية: فجزء من منبر عليه زخارف مفرغة تتكون من حشوات سداسية تضم زخارف من مراوح نخيلية نرى أشباهها على كثير من شواهد القبور الإيرانية المعاصرة لها، والكتابة التى على القطعة الأولى فى غاية الأهمية. ويمكن القول أن الأخشاب المحفورة فى آسيا الصغرى فى القرنين السادس والسابع الهجريين بلغت درجة عالية من الجمال والإتقان تعادل أحسن ما أنتجته سوريا ومصر من الخشب ذى الزخارف المحفورة. وتحتفظ متاحف قونية وإستانبول بعدد من الأبواب والمنابر والتوابيت وكراسى المصاحف الفنية الغنية بالزخارف الهندسية والنباتية. وللزخارف النباتية على الخشب السلجوقي طابع خاص بها نرى فيها روح المصدر الذى استيقت منه وهو آسيا الصغرى، ونرى ذلك واضحًا فى كرسى مصحف من القرن السابع محفوظ بمتحف قونية وتاريخه (678هـ)، وكرسى آخر بمتحف تشينيلى كوشك بإستابنول. كما يحتفظ متحف إستانبول بثلاثة أبواب على جانب كبير من الإتقان والجمال تزينها مع الزخارف النباتية رسوم محورة من الأسود والعقبان والطواويس والأشكال الآدمية.